دروس موجزة في علمي الرّجال والدّراية ::: 106 ـ 120
(106)

(107)
    الدرس الحادي والعشرون
نقد التسوية والإجابة عنه
    إنّ التتبّع في أسانيد الكتب الأربعة يقضي بكثرة مشايخ ابن أبي عمير ، فقد عرفت أنّ الشيخ ذكر في الفهرست انّه روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى القمّي كتب مائة رجل من أصحاب الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ، وقد ذكر المحدّث النوري له مائة وثلاثة عشر شيخاً ، وأنهاهم في معجم رجال الحديث إلى ما يقارب 270 شيخاً ، كما أنهاهم مؤلّف كتاب مشايخ الثقات فبلغ 397 شيخاً ، ولعلّ الباحث يقف على أكثر من ذلك.
    وهذا يعرب عن تضلّع ابن أبي عمير في علم الحديث وبلوغه القمّة في ذلك العلم حتى توفّق للتحدّث عن هذه المجموعة الكبيرة.

    نقض القاعدة
    وربما تُنقض القاعدة ويقال بأنّه كيف لا يرسل إلاّ عن ثقة مع أنّه يروي عن الضعاف ؟! وقد ذكروا مواضع تُخيّل انّه روى فيها عن الضعاف ، ونحن نذكر ما ذكره صاحب معجم رجال الحديث ، وقليلاً ممّا ذكره غيره ، ونحيل الباقي إلى كتابنا « كلّيات في علم الرجال ».


(108)
    1. محمد بن سنان
    روى الشيخ الحرّ العاملي عن الصدوق في « علل الشرائع » عن محمد بن الحسن ، عن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن محمد بن سنان ، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) في حديث : انّ نبيّاً من الأنبياء بعثه اللّه إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه ، فأتاه ملك ، فقال له : إنّ اللّه بعثني إليك فمرني بما شئت ، فقال : لي اسوة بما يُصنع بالحسين ( عليه السَّلام ). (1)
    فعدّ محمد بن سنان من مشايخ ابن أبي عمير استناداً إلى هذه الرواية ، وهو ضعيف. (2)
    ولكن الاستظهار غير تام.
    أمّا أوّلاً : فإنّ محمد بن سنان من معاصري ابن أبي عمير ، لا من مشايخه ، وقد توفّي ابن سنان سنة 220 هـ وتوفّي ابن أبي عمير سنة 217 هـ ، فطبع الحال يقتضي أن لا يروي من مثله.
    وثانياً : أنّ الموجود في « علل الشرائع » (3) : و « محمد بن سنان » مكان : « عن محمد بن سنان » ، فاشتبه « الواو » بـ « عن ».
    إنّ تبديل لفظ « الواو » بـ « عن » كثير في المسانيد ، و قد نبّه عليه المحقّق صاحب « المعالم » في مقدّمات « منتقى الجمان » وبالتأمّل فيه ينحلّ كثير من العويصات الموجودة في الأسانيد ، كما ينحلّ قسم من النقوض التي أوردت على القاعدة ، ولأجل كونه أساساً لحلّ بعض العويصات و ردّ النقوض نأتي بعبارة « المنتقى » بنصه :
1. مستدرك الوسائل : 2 ، الباب 77 من أبواب الجنائز ، الحديث 19.
2. مشايخ الثقات : 177.
3. علل الشرائع : 77 ، الباب 67 ، الحديث 2 ، طبعة النجف.


(109)
    قال : « حيث إنّ الغالب في الطرق هو الوحدة ووقوع كلمة « عن » في الكتابة بين أسماء الرجال ، فمع الإعجال يسبق إلى الذّهن ما هو الغالب ، فيوضع كلمة « عن » في الكتابة موضع « واو » العطف ، وقد رأيت في نسخة « التّهذيب » الّتي عندي بخطّ الشيخ رحمه اللّه عدّة مواضع سبق فيها القلم إلى إثبات كلمة « عن » في موضع « الواو » ، ثمّ وصّل بين طرفي العين وجعلها على صورتها واواً ، والتبس ذلك على بعض النسّاخ فكتبها بالصّورة الأصليّة في بعض مواضع الإصلاح. وفشا ذلك في النّسخ المتجدِّدة ، ولمّا راجعت خطّ الشيخ فيه تبيّنت الحال. وظاهر أنّ إبدال « الواو » بـ « عن » يقتضي الزّيادة الّتي ذكرناها ( كثرة الواسطة وزيادتها ) فإذا كان الرجل ضعيفاً ، ضاع به الإسناد ، فلابدّ من استفراغ الوسع في ملاحظة أمثال هذا ، وعدم القناعة بظواهر الأُمور ». (1)

    2. علي بن حديد
    روى الشيخ عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن علي
1. منتقى الجمان : الفائدة الثالثة ، ص 25 ـ 26.

(110)
بن حديد ، عن جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما عليهما السَّلام في رجل كانت له جارية ، فوطئها ، ثمّ اشترى أُمّها أو ابنتها ، قال : « لا تحلّ له ». (1)
    وعلي بن حديد ضعيف ، ضعّفه الشيخ في موارد من كتابَيْه (2) وبالغ في تضعيفه. (3)
    يلاحظ عليه : تطرّق التصحيف إلى سند الرواية ، والظاهر انّ لفظة « عن علي بن حديد » مصحَّف « وعلي بن حديد » ، وقد عرفت كلام صاحب المنتقى ويدلّ على ذلك أُمور :
    أ. كثرة رواية ابن أبي عمير عن جميل بلا واسطة.
    قال في معجم رجال الحديث : ورواياته عنه تبلغ 298 مورداً. (4)
    وعلى ذلك فمن البعيد جدّاً ، انّ ابن أبي عمير الذي يروي عن جميل هذه الكمّيّة الهائلة من الأحاديث بلا واسطة ، يروى عنه رواية واحدة مع الواسطة ، ولأجل ذلك لا تجد له نظيراً في كتب الأحاديث.
    ب. وحدة الطبقة ، لأنّ الرجلين في طبقة واحدة من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السَّلام ، ونصّ النجاشي على رواية علي بن حديد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السَّلام. (5)
    ج. لم يوجد لابن أبي عمير أيّ رواية عن علي بن حديد في الكتب الأربعة غير هذا المورد ، كما يظهر من قسم تفاصيل طبقات الرواة لمعجم الرجال ، وهذا يؤكّد كون « علي بن حديد » معطوفاً على « ابن أبي عمير » وأنّه لم يكن شيخاً له ، وإلاّ لما اقتصر في النقل عنه على رواية واحدة.

    3. يونس بن ظبيان
    روى الشيخ عن موسى بن القاسم ، عن صفوان و ابن أبي عمير ، عن بريد أو يزيد ويونس بن ظبيان ، قالا : سألنا أبا عبد اللّه ( عليه السَّلام ) عن رجل يحرم في رجب أو في شهر رمضان حتى إذا كان أوان الحج أتى متمتّعاً ، فقال : « لا بأس بذلك ». (6)
1. التهذيب : 7/276 ، برقم 1171.
2. التهذيب : 7/101 ، ح 435 ؛ الاستبصار : 1/40 ، ح 112 ؛ 3/95 ، ح 325.
3. معجم رجال الحديث : 1/67.
4. معجم رجال الحديث : 22/102.
5. رجال النجاشي : 2/108 ، برقم 715.
6. التهذيب : 5/32 ، رقم الحديث 95 ، كتاب الحجّ ، باب ضروب الحج.


(111)
    ويونس بن ظبيان ضعيف ، ضعّفه النجاشي. (1)
    يلاحظ عليه بوجوه :
    أوّلاً : أنّ محمّد بن أبي عمير لا يروي عن غير الثقة إذا انفرد هو بالنقل ، وأمّا إذا لم يتفرّد بنقله ، بل نقله الثقة وغيره ، فيروي عنهما تأييداً للخبر ، ولأجل ذلك روى عن يونس بن ظبيان لا وحده بل منضماً إلى « بريد » أو « يزيد ».
    ولكن الأوّل ـ أي كونه بريداً ـ بعيدٌ; لأنّ بريد بن معاوية توفّي في أيّام الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) الذي توفّي عام 148 هـ ، فتعينّ أن يكون المراد هو يزيد ، و كلّما أطلق « يزيد » يراد منه أبو خالد القماّط هو ثقة ؛ كما يحتمل أن يكون المراد يزيد بن خليفة ، وهو من أصحاب الصادق ( عليه السَّلام ) ويروي عنه صفوان.
    ثانياً : يحتمل وجود الإرسال في الرواية بمعنى سقوط الواسطة بين ابن أبي عمير و يونس ، وذلك لأنّ يونس قد توفّي في حياة الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ، وقد توفّي الإمام عام 148 هـ ، فمن البعيد أن يروي ابن أبي عمير ( المتوفّى عام 217 هـ ) عن مثله إلاّ أن يكون معمَّراً قابلاً لأخذ الحديث من تلاميذ الإمام الصادق الذين تُوفّوا في حياته ، ولذا لم يرو ابن أبي عمير عن الصادق ( عليه السَّلام ) ولا عن الكاظم ( عليه السَّلام ) كما سمعت عن الشيخ في ترجمة ابن أبي عمير حيث قال : « وأدرك من الأئمّة ثلاثة ( عليهم السَّلام ) ، أبا إبراهيم موسى ( عليه السَّلام ) ولم يرو عنه إلاّ شيئاً قليلاً » كما عليه النجاشي حيث قال : لقي أبا الحسن موسى ( عليه السَّلام ) وسمع منه أحاديث ، كنّاه في بعضها فقال : يا أبا أحمد. (2)
    وعلى ضوء ما ذكرنا فلعلّ الواسطة الساقطة كانت ثقة وإن كان يونس
1. معجم رجال الحديث : 1/66.
2. رجال النجاشي : 2/204 برقم 888.


(112)
ضعيفاً وقد مرّ انّ ابن أبي عمير وأضرابه كانوا ملتزمين بعدم النقل عن الضعيف بلا واسطة ، لامعها كما في المقام.

    4. الحسين بن أحمد المنقري
    روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن أحمد المنقري ، قال : سمعت أبا إبراهيم يقول : « من استكفى بآية من القرآن ... » (1) والحسين بن أحمد المنقري ، ضعّفه النجاشي. (2)
    يلاحظ عليه : أنّ النجاشي ، قال فـي حقّه : كان ضعيفاً ، ذكـر ذلك أصحابنا رحمهمُ اللّه روى عن داود الرّقي وأكثر. (3)
    وذكر في ترجمة داود الرّقي انّه ضعيف جداً ، والغلاة تروي عنه. (4)
    والظاهر انّ المنقري أحد الغلاة الذين يروون عنه ، فضعفه يرجع إلى العقيدة لا إلى القول والعمل ، وذلك لا ينافي أن يكون ثبتاً في الحديث ، وثقة في الكلام ، وهو غير مناف للوثاقة في مقام النقل الذي كان ابن أبي عمير ملتزماً فيه بعدم النقل إلاّ عن ثقة.ولا ظهور لكلام الشيخ الماضي في أنّه لا يروي إلاّعن عدل إماميّ.

    5. علي بن أبي حمزة البطائني
    روى الكليني بسنده عن ابن أبي عمير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير
1. الكافي : 2/623 ، كتاب فضل القرآن ، الحديث 18.
2. معجم رجال الحديث : 1/67.
3. رجال النجاشي : 1/163 برقم 117.
4. رجال النجاشي : 1/361 برقم 408.


(113)
قال : شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السَّلام : الوسواس ... . (1) وعلي بن أبي حمزة ضعيف. (2)
    أقول : نقل النجاشي انّ ابن أبي عمير نقل كتاب علي بن أبي حمزة عنه ، كما ذكره في ترجمة علي بن أبي حمزة. (3)
    وعلى ذلك فمن المحتمل في هذا المورد وسائر الموارد ، انّ ابن أبي عمير نقل عنه الحديث في حال استقامته ، لأنّ الأُستاذ والتلميذ أدركا عصر الإمام أبي الحسن الكاظم ( عليه السَّلام ) ، فقد كان ابن أبي حمزة موضع ثقة منه ، وقد أخذ عنه الحديث عند ما كان مستقيم المذهب ، صحيح العقيدة ؛ فحدّثه بعد انحرافه أيضاً. نعم ، لو لم يكن ابن أبي عمير مدركاً لعصر الإمام الكاظم ( عليه السَّلام ) وانحصر نقله في عصر الرضا ( عليه السَّلام ) يكون النقل عنه ناقضاً للقاعدة ، ولكن عرفت انّه أدرك كلا العصرين.
    أضف إلى ذلك انّ مراد الشيخ من قوله : « ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثق به » هو من يوثق بقوله : ويكفي في ذلك كونه مسلماً متحرّزاً عن الكذب في الرواية ، وأمّا كونه إمامياً فلا يظهر من عبارة العدّة.
    إلى هنا تمّ ما أورده السيد الخوئي نقضاً على القاعدة في حقّ ابن أبي عمير ، (4) فلندرس أحوال الآخرين.
1. الكافي : 3/255 ، كتاب الجنائز ، باب النوادر ، الحديث 20.
2. معجم رجال الحديث : 1/67.
3. رجال النجاشي : 2/69 برقم 654.
4. نعم ذكر صاحب مشايخ الثقات بعض النقوض وقد أجبنا عنها في كتاب « كليات في علم الرجال » ص 246 ؛ كما أورد سيدنا الأُستاذ الإمام بعض النقوض في كتاب الطهارة : 1/191 ، وقد أوضحنا حالها في الكتاب المذكور. ثمّ إنّ تحقيق حال علي بن أبي حمزة رهن بحث مسهب لا تسعه الرسالة.


(114)
    1. إذا كان ابن أبي عمير لا يروي إلاّ عن ثقة ، كيف تفسّر روايته عن محمد بن سنان في كتاب « علل الشرائع » ؟
    2. إذا كان عامّة مشايخ ابن أبي عمير ثقاتاً ، فكيف تفسّر روايته عن علي بن حديد حسب رواية الشيخ في كتاب « التهذيب » ؟
    3. إذا كان ابن أبي عمير لا يروي إلاّ عن ثقة فكيف تفسّر روايته عن يونس بن ظبيان حسب رواية الشيخ في كتاب « التهذيب » ؟


(115)
    الدرس الثاني والعشرون
مشايخ الثقات
(2)
صفوان بن يحيى
بيّاع السابُري
    قد مرّ آنفاً انّ الشيخ في العدّة ذكر صفوان بن يحيى ، أحد الثلاثة الذين التزموا بعدم الرواية والإرسال إلاّ عن ثقة.
    و ذكره النجاشي وأثنى عليه ، وقال : كانت له عند الرضا منزلة شريفة. وذكره الكشّي ، وقال : وقد توكّل للرضا وأبي جعفر عليمها السَّلام وسلم في مذهبه من الوقف ، وصنف ثلاثين كتاباً كما ذكر أصحابنا. (1)
    فقد أنهى في « معجم رجال الحديث » مشايخه في الكتب الأربعة إلى 140 شيخاً ، وأحصاهم مؤلّف « مشايخ الثقات » فبلغ مشايخه في الكتب الأربعة وغيرها 230 شيخاً.
    والثقات منهم 109 مشايخ ، والباقون 101 بين مهمل و مجهول وقليل
1. رجال النجاشي : 1/439 برقم 522 ؛ رجال الكشي : 433.

(116)
منهم مضعَّف.
    وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على جلالة الرجل وعظمته ، وإحاطته بأحاديث العترة الطاهرة.
    وقد ادّعى مصنّف معجم الرجال وجود ضعاف في مشايخه ، نذكرهم مع التحليل.

    1. يونس بن ظبيان
    روى الشيخ عن موسى بن القاسم ، عن صفوان وابن أبي عمير ، عن بريد ( يزيد ) ويونس بن ظبيان ، قالا : سألنا أبا عبد اللّه ( عليه السَّلام ) عن رجل يحرم في رجب أو في شهر رمضان حتى إذا كان أوان الحجّ. (1)
    أقول : وقد مرّ الجواب عنه في ترجمة ابن أبي عمير ، فلا نعيد.

    2. علي بن أبي حمزة البطائني
    روى الكليني عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ابن يحيى ، عن علي بن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) : سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم انّ اللّه جسمٌ ، صمديّ ، نوريّ ، معرفته ضرورة ، يمنّ بها على من يشاء من خلقه ؟ فقال ( عليه السَّلام ) : « سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلاّ هو ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، لا يحدّ ، ولا يحس ، ولا يجسّ ولا تدركه الأبصار ، ولا الحواسّ ، ولا يحيط به شيء ، ولا جسم ولا صورة ، ولا تخطيط ولا تحديد ». (2)
    يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّه ليس لصفوان بن يحيى رواية عن علي بن أبي حمزة في
1. التهذيب : 5/32 ، الحديث 95 من أبواب ضروب الحج.
2. الكافي : 1/104 ، كتاب التوحيد ، باب النهي عن الجسم والصورة ، الحديث 1.


(117)
الكتب الأربعة غير هذه الرواية والرجل كنظيره « زياد بن مروان القندي » رُميا بالوقف ، وقد صرّح النجاشي والشيخ به ، لكنّه لا يمنع عن قبول قوله إذا ثبت كونه متحرّزاً عن الكذب.
    وثانياً : أنّ أبا عمرو الكشّي روى مسنداً ومرسلاً ما يناهز خمس روايات تدلّ على انحرافه عن علي بن موسى الرضا ، لكنّها معارضة بروايات أُخرى تدلّ على رجوعه إلى الحقّ ، وهذه الروايات مبثوثة في « غيبة النعماني » (1) وكمال الدين للصدوق (2) ، وعيون أخبار الرضا. (3)
    ولو صحّت الروايات ، لما صحّ ما ذكره ابن الغضائري من أنّه أصل الوقف وأشدّ الناس عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم. (4)
    وكما لا يمكن الاعتماد في المقام بما رواه الكشي ، ولعلّه لذلك قال الشيخ في العدّة : عملت الطائفة بأخبار الواقفة مثل علي بن أبي حمزة إذا لم يكن هناك خبر آخر يخالفه من طريق الموثوقين. (5)
    ولقد ألّف بعض الفضلاء المعاصرين رسالة أسماها « النور الجلي في وثاقة البطائني » نقل فيها ما أثر حوله من الشبهات و وردت روايات. (6)

    3. أبو جميلة المفضّل بن صالح الأسديّ
    روى الكليني عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه ، عن صفوان ابن يحيى ، عن أبي جميلة ، عن حميد الصيرفي ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) قال : « كلّ بناء
1. الغيبة : 61 ، طبعة الأعلمي.
2. كمال الدين : 1/259 ، طبعة الغفاري.
3. عيون أخبار الرضا : 1/19 ، الطبعة الحجرية ، وقد أتينا بتلك الروايات في كتابنا « كليات في علم الرجال ».
4. الخلاصة : القسم الثاني ، باب علي : 223.
5. العدة : 1/380.
6. مشايخ الثقات ، الحلقة الثانية : 29 ـ 46.


(118)
ليس بكاف ، فهو وبال على صاحبه يوم القيامة ». (1)
    والمراد من أبي جميلة : « المفضل بن صالح الأسديّ » الذي ذكره الشيخ في رجاله بلا مدح ولا ذمّ ، قال : المفضل بن صالح ، أبو علي ، مولى بني أسد ، يكنّى بأبي جميلة ، مات في حياة الرضا. (2)
    لكن ضعّفه النجاشي عند ذكر جابر بن يزيد الجعفي ( المتوفّى عام 128 هـ ) ، قال : « و روى عنه جماعة غمز فيهم وضعّفوا منهم : عمرو بن شمر ، ومفضل بن صالح و ... ». (3)
    وضعّفه ابن الغضائري وقال : المفضل بن صالح ، أبوجميلة الأسدي النخّاس ، مولاهم ، ضعيف ، كذّاب يضع الحديث. (4)
    وقد أثبتنا في محلّه انّه لا اعتبار بتضعيفاته وتعديلاته ، لعدم استناده في القضاء إلى السماع عن المشايخ ، بل إلى قراءة روايات الراوي ، فلو وجد فيه ما يخالف رأيه في حقّ الأئمّة والأولياء ، رماه بالضعف والجعل.
    والظاهر أنّ النجاشي تأثّر في الحكم عليه بالضعف من تضعيف الغضائري له و قدكانت بينهما زمالة ، كما يظهر من عدّة مواضع من رجاله ، فضعّفه لوجود الارتفاع في العقيدة. وهو لا ينافي الوثوق بقوله ونقله.
    ولذلك رام الوحيد البهبهاني إصلاح حالته قائلاً : « ورواية الأجلّة ، ومن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ; كابن أبي عمير ، وابن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، والبزنطي ، والحسن بن علي بن فضال ، تشهد بوثاقته والاعتماد
1. الكافي : 6/531 ، كتاب الزي والتجمّل ، الحديث 7.
2. رجال الشيخ : 315.
3. رجال النجاشي : 1/313 برقم 330.
4. الخلاصة : 258.


(119)
عليه ، ويؤيده كونه كثير الرواية ». (1)
    مضافاً إلى أنّه ليس لصفوان أيّة رواية عن المفضّل بن صالح في الكتب الأربعة إلاّ هذه الرواية. (2)

    4. عبد اللّه بن خداش المنقري
    روى الكليني عن أبي علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عبد اللّه بن خداش المنقري انّه سأل أبا الحسن ( عليه السَّلام ) عن رجل مات وترك ابنته وأخاه ، قال : « المال للابنة ». (3)
    قال النجاشي : عبد اللّه بن خداش ، ضعيف جداً وفي مذهبه ارتفاع. (4)
    وذكره الطوسي في رجال الصادق والكاظم والجواد ( عليهم السَّلام ) بلا مدح ولا ذمّ. (5)
    ووثّقه الكشّي وقال : قال العياشي : قال أبو محمد : عبد اللّه بن محمد بن خالد : أبو خداش ، عبد اللّه بن خداش ، ثقة. (6)
    ومن نقل عنه العياشي هو الطيالسي الثقة الذي هو من أصحاب الإمام العسكري ( عليه السَّلام ).
    ولعلّ توثيقه مقدّم على تضعيف النجاشي خصوصاً إذا كان تضعيفه مستنداً إلى الارتفاع في العقيدة على أنّ ما يسمّونه القدماء غلوّاً ـ كنفي السهو عن
1. منهج المقال : 340.
2. معجم رجال الحديث : 21/363.
3. الكافي : 7/87 ، باب ميراث الولد من كتاب المواريث ، الحديث 4.
4. رجال النجاشي : 2/34 برقم 602.
5. رجال الطوسي : 225 أصحاب الصادق برقم 37 ، و 355 ، أصحاب الكاظم عليه السَّلام برقم 22 ، و 408 ، أصحاب الجواد ( عليه السَّلام ) ، برقم 1 ، باب الكنى.
6. رجال الكشّي : 447.


(120)
النبي ـ أصبح اليوم من ضروريات مذهب الشيعة.
    والظاهر انّ تضعيف النجاشي لأجل اعتقاده بأنّ في مذهبه ارتفاعا ، و قد مرّ انّ الغلو في الاعتقاد ، لا ينافي الصدق في الكلام والاعتماد عليه في النقل.

    5. معلّى بن خنيس
    قال الشيخ في الفهرست : معلّـى بن خنيس يكنّى أبا عثمان الأحول ، له كتاب أخبرنا به جماعة عن أبي جعفر بن بابويه ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن أحمد بن محمد عن أبيه ، عن صفوان ، عنه. (1)
    وضعّفه النجاشي و قال : « ضعيف جدّاً ، لا يعوّل عليه ». وقد تأثّر في ذلك ، من كلام زميله « ابن الغضائري » كان أوّل أمره مغيريّاً (2) ، ثمّ دعا إلى محمد بن عبد اللّه (3) ، وفي هذه الظنّة أخذه داود بن علي فقتله ، والغلاة يضيفون إليه كثيراً ، ولا أرى الاعتماد على شيء من حديثه.
    يلاحظ عليه : أوّلاً : انّ معلّى بن خنيس من الشخصيات القلقة التي اختلفت في حقّه الروايات ، ويكفي في وثاقته ما نقله الشيخ الطوسي في كتابه « الغيبة » فإنّه لمّا قتله داود بن علي ، عظم ذلك على أبي عبد اللّه عليه السَّلام واشتدّ عليه ، قال له : « يا داود على مَ قتلت مولاي و قيّمي في مالي و عيالي ... ». (4)
    ومع هذه الروايات المتضافرة لا يمكن الركون إلى قول الرجاليّين.
    وثانياً : الظاهر سقوط الواسطة بين صفوان ، و المعلّـى في سند الشيخ ، ذلك
1. فهرست الشيخ : 193 برقم 732.
2. أي مغيرة بن سعيد.
3. محمد بن عبد اللّه بن الحسن النفس الزكية المقتول عام 145 هـ.
4. الغيبة : 210 ، طبعة النجف.
دروس موجزة في علمي الرّجال والدّراية ::: فهرس