إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الثالث ::: 256 ـ 270
(256)
    والمراد من المؤمنين في قوله : ( لِلْمُؤْمِنين ) المجتمع المنسوب للإيمان سواء كانوا مؤمنين حقيقيين أو لا ، بقرينة قوله بعده : ( وَرَحْمَةٌ لِلَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ) فانّ المراد منه ، هو المؤمنون حقّاً.
    هـ. ثمّ إنّ التصديق الذي يكون لصالح جميع المجتمع المنسوب إلى الإيمان هو التصديق المخبرِيّ دون التصديق الخبري ، أي فرض المخبر صادقاً لا كاذباً بمعنى انّه معتقد بصدق خبره وإن كان كاذباً لا يطابق الواقع ، لا إعطاء الصدق للخبر وانّه يطابق الواقع ، إذ عندئذ يكون لصالح طائفة من المجتمع دون الجمع.
    والحاصل : انّه يحترم الجميع ويصدقهم بما انّهم مخبرون ، لا انّه يصدق أخبارهم ويفرضها عين الواقع ، لأنّ ذلك لا يكون إلا لصالح جماعة دون أُخرى.
    هذا هو تفسير الآية ، وعليه وردت روايات كلّها تعرب عن أنّ المنافقين كانوا يتهمون النبي بأنّه إنسان ساذج يصدِّق كلّ خبر يصل إليه. روي أنّ عبد اللّه بن نفيل كان منافقاً ، كان يقعد لرسول اللّه فيسمع كلامه وينقله ، ولما أطْلَع اللّه النبي على عمله دعاه رسول اللّه فأخبره ، فحلف انّه لم يفعل ، فقال رسول اللّه : قد قبلت منك فلا تفعل ، فرجع إلى أصحابه فقال : إنّ محمداً أُذن أخبره اللّه انّي أنمّ عليه وأنقل أخباره ، فقبله ، وأخبرته انّي لم أقل ولم أفعل فقبله ؛ فنزلت الآية. (1)
    هذا هو تفسير الآية.
    2. في كيفيّة الاستدلال
    فقد نقله الشيخ بأنّه سبحانه مدح رسوله بتصديقه للمؤمنين ، بل قرنه بالتصديق باللّه جلّ ذكره ، فإذا كان التصديق حسناً يكون واجباً. (2) ويزيد في
1. تفسير القمي : 1/300 ، بتلخيص.
2. الفرائد : 82.


(257)
تقريب الاستدلال وضوحاً ما رواه في الكافي : انّه كان لإسماعيل بن أبي عبد اللّه دنانير وأراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن ، فقال له أبو عبد اللّه : « يا بُنيّ أمابلغك انّه يشرب الخمر ؟ » قال : سمعت الناس يقولون. فقال : « يا بني انّ اللّه عزّوجلّ يقـول : ( يُؤْمـنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنين ) يقول يصدق اللّه ويصدق للمؤمنين ، فإذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم ولا تأمن من شارب الخمر ». (1)
    3. ما أورد على الاستدلال من الإشكال
    1. إنّ المراد من الأُذن السريع التصديق ، والاعتقاد بكلّ ما يسمع ، فمدحه بحسن ظنه بالمؤمنين وعدم اتهامهم ، فالعمل بقولهم لاعتقاده بصدقه. وأين هو من العمل دون الاعتقاد ؟!
    يلاحظ عليه : أنّ تفسير الأُذن بسريع الاعتقاد ليس من المحاسن ، لأنّه أشبه بالقطّاع ، أضف إلى ذلك أنّه ربّما لا يمكن الاعتقاد بكلّ ما سمع إذا استلزم الخبران الاعتقاد بالمتضادين.
    2. انّ المراد من التصديق في الآية في مرحلة الكلام من دون تجاوز عنه إلى القلب ، فضلاً عن العمل ، وإلى هذا يرجع ما قلنا :
    من أنّ المراد من التصديق ، التصديق المخبرِي ، لا التصديق الخبري ، ويشهد له كلام الإمام لولده إسماعيل ، حيث أمره بتصديق الناس ، وليس المراد تصديق الناس في مورد القرشي جداً على نحو لو تمكن الإمام أجرى عليه الحدّ ، بل الحذر منه والعمل على وفق الاحتياط وعدم دفع المال إليه.
    والحاصل : انّ التصديق على قسمين : أخلاقي ، وعملي. والمقصود هنا هو
1. تفسير البرهان : 2/138 ـ 139 ، الحديث ....

(258)
الأوّل فلا يكذب المخبر بخلاف الثاني ، ففيه يترتب الأثر الشرعي كما هو الحال في إجراء أصالة الصحّة في فعل الغير ، فالاستدلال ناش من الخلط بين التصديقين.
    تمّ الكلام عن الآيات التي استدل بها على حجّية الخبر الواحد ، وقد عرفت عدم دلالة واحدة منها على الحجيّة.

    الاحتجاج على حجّية الخبر الواحد بالسنّة
    قد يحتج على حجّية السنّة المحكية بالخبر الواحد بالسنّة ، وصحّة الاحتجاج رهن كون ما يحتج به خبراً متواتراً ليكون دليلاً قطعياً على حجّية الخبر الواحد المفيد للظن ، ولا يكفي الآحاد منها سواء كانت مستفيضة أو غيرها.
    وقد جمع الشيخ الحرّ العاملي ما ورد في هذا المجال في كتاب القضاء خصوصاً في الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر من أبواب صفات القاضي ، وهي على طوائف خمس حسبما قسّمها الشيخ الأنصاري في الفرائد. (1)
    ونحن نذكر مقداراً من كلّ طائفة ولكن نخالفه في كيفية السرد ، وعلى كلّ تقدير يقع الكلام في مقامات :
    الأوّل : عرض الروايات.
    الثاني : كيفية الاستدلال.
    الثالث : تحليل الإشكالات.
1. الفرائد : 84.

(259)
    الطائفة الأُولى : الروايات الإرجاعية إلى الرواة بذكر سماتهم وأوصافهم :
    1. مقبولة عمر بن حنظلة قال : « ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكماً ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً ». (1) فانّها وإن وردت في القضاء لكن حجّية قضائه لأجل كون روايته مقبولة ، والمتبادر من الجمل الثلاث كونه ذا نظر ، وذلك لأجل نصبه على الحكم والقضاء ، كما قال : « فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً » وإلا لم يكن لذكره وجه.
    2. التوقيع المعروف : « وأمّا الحوادث الواقعة ، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة اللّه ». (2) فقد أخذ مطلق راوي أحاديث أهل البيت موضوعاً للحجّية.
    3. التوقيع الشريف : الذي ورد على القاسم بن العلا ، وفيه : « فانّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا ، قد عرفوا بانّا نفاوضهم سرنا ونحملهم إيّاه إليهم ». (3) وقد أخذ الوثاقة موضوعاً للحكم وراء كونه راوياً.
    4. رواية علي بن سويد السائي قال : كتب إليّ أبو الحسن ( عليه السَّلام ) وهو في السجن : « وأمّا ما ذكرت يا علي ممّن تأخذ معالم دينك ، لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا ». (4) فاكتفى في جواز الأخذ كون الراوي شيعياً.
    5. رواية حذيفة بن منصور عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) : « اعرفوا منازل الرجال منّا على قدر رواياتهم عنّا ». (5)
1. الوسائل : الجزء 18 ، الباب 11 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 1. ونقتصر في الإرجاع بذكر الباب ورقم الحديث فيما يأتي.
2. الباب 11 ، الحديث 9 ، 40 ، 42.
3. الباب 11 ، الحديث 9 ، 40 ، 42.
4. الباب 11 ، الحديث 9 ، 40 ، 42.
5. الباب 11 ، الحديث 37 ، 41.


(260)
    6. رواية أحمد بن ماهويه قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالثعليه السَّلام أسأله عمّن آخذ معالم ديني ، وكتب أخوه أيضاً بذلك ، فكتب إليهما : « فهمتُ ما ذكرتما ، فاصمِدا في دينكُما على كلّ مسن في حبنا وكلّ كثير القدم في أمرنا ». (1) فالموضوع للقبول من عمّر في حبّ أهل البيت وكثير القدم في أمرهم.
    إلى غير ذلك من الروايات الإرجاعية إلى لفيف من شيعتهم بذكر صفاتهم وسماتهم لا بذكر أسمائهم.
    الطائفة الثانية : الإرجاع إلى آحاد الرواة بذكر أسمائهم
    ونذكر من الطائفة ما يلي :
    7. رواية أحمد بن إسحاق ، عن أبي الحسن ( عليه السَّلام ) قال : سألته وقلت : مَن أُعامل وعمّن آخذ ، وقول من أقبل ؟ فقال : « العمريّ ثقتي ، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي ، وما قال لك عنّي فعنّي يقول ، فاسمع وأطع فانّه الثقة ، المأمون ». (2)
    8. رواية أبان بن عثمان ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) قال له : « إنّ أبان بن تغلب قد روى عنّي روايات كثيرة ، فما رواه لك عنّي فاروه عنّي ». (3)
    9. رواية يونس بن عمار أنّ أبا عبد اللّه ( عليه السَّلام ) قال له في حديث : « أما ما رواه زرارة عن أبي جعفر ، فلا يجوز لك أن تردّه ». (4)
    10. رواية المفضل بن عمر ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) قال للفيض بن المختار في حديث : « فإذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس » وأومأ إلى رجل من أصحابه فسألت أصحابنا عنه ؟ فقالوا : زرارة بن أعين. (5)
    11. روى الحسن بن علي بن يقطين ، عن الرضا ( عليه السَّلام ) قال : قلت : لا أكاد
1. الباب 11 ، الحديث 45 ، 4 ، 8 ، 17 ، 19.
2. الباب 11 ، الحديث 45 ، 4 ، 8 ، 17 ، 19.
3. الباب 11 ، الحديث 45 ، 4 ، 8 ، 17 ، 19.
4. الباب 11 ، الحديث 45 ، 4 ، 8 ، 17 ، 19.
5. الباب 11 ، الحديث 45 ، 4 ، 8 ، 17 ، 19.


(261)
أصل إليك ، أسألك عن كلّ ما احتاج إليه من معالم ديني ، أفيونس بن عبد الرحمان ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني ؟ فقال : « نعم ». (1)
    12. رواية أبي بصير قال : إنّ أبا عبد اللّه عليه السَّلام قال له في حديث : « لولا زرارة ونظراؤه لظننت أنّ أحاديث أبي ستذهب ». (2)
    13. رواية شعيب العقرقوفي ، قال : قلت لأبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) : ربّما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل ؟ قال : « عليك بالأسديّ » يعني أبا بصير. (3)
    14. رواية جميل بن دُرّاج قال : سمعت أبا عبد اللّه ( عليه السَّلام ) يقول : « بشر المخبتين بالجنة : بريد بن معاوية البجلي ، وأبو بصير ليث بن البختري المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة ، أربعة نجباء أُمناء اللّه على حلاله وحرامه ، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست ». (4)
    إلى غير ذلك من الروايات التي تُرجِعُ الشيعة إلى أشخاص معيّنين ، ويوصفهم بالوثاقة والأمانة معرِباً عن كون الوثوق بالقول هو مناط الأخذ.
    الطائفة الثالثة : الأخبار العلاجية
    إنّ الأخبار العلاجية ، على قسمين : قسم يأمر بالأخذ بذي المزية من الخبرين ، وقسم يأمر بالتخيير. وسيوافيك الجميع في باب التعادل والترجيح.
    أمّا القسم الأوّل فمنه ما يلي :
    15. ما يأمر بأخذ خبر أعدل الراويين وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما. (5)
1. الباب 11 ، الحديث 33 ، 16 ، 15 ، 14.
2. الباب 11 ، الحديث 33 ، 16 ، 15 ، 14.
3. الباب 11 ، الحديث 33 ، 16 ، 15 ، 14.
4. الباب 11 ، الحديث 33 ، 16 ، 15 ، 14.
5. الكافي : 1/68.


(262)
    16. ما يأمر بالأخذ بموافق الكتاب : كرواية عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه قال : قال الصادق ( عليه السَّلام ) : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب اللّه ، فما وافق كتاب اللّه فخذوه ، وما خالف كتاب اللّه فردّوه ». (1)
    17. ما يأمر بأخذ ما خالف العامّة : كرواية عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه المصري ، قال : قال الصادق ( عليه السَّلام ) : « فإن لم تجدوهما في كتاب اللّه فأعرضوهما على أخبار العامّة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه ». (2)
    و أمّا القسم الثاني الذي يأمر بالتخيير فمنه ما يلي :
    18. رواية الحسن بن الجهم ، عن الرضا ( عليه السَّلام ) قال : قلت له : ... يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيّهما الحقّ ؟ قال : « فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّـهما أخذت ». (3)
    19. رواية الحارث بن المغيرة ، عن أبي عبد اللّه عليه السَّلام قال : « إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة فموسّع عليك حتى ترى القائم فترد إليه ». (4) إلى غير ذلك من الروايات الآمرة بالتخيير. (5)
    الطائفة الرابعة : الواردة في الحث على نقل الحديث وكتابته ونشره
    قد جمع صاحب الوسائل الشيء الكثير ممّا يدل على بثِّ الحديث وكتابته في الباب الثامن من أبواب صفات القاضي ، ومن أراد فليرجع إليه. لكن نذكر في المقام بعض الكتب التي عرضت على الأئمة فصدقوها.
1. الباب 9 ، الحديث 29 ولاحظ الحديث 21.
2. الباب 9 ، الحديث 29.
3. الباب 9 ، الحديث 40 ، 41.
4. الباب 9 ، الحديث 40 ، 41.
5. لاحظ الحديث 44 من الباب 9.


(263)
    20. روي عن أبي عمرو المتطبب انّه قال : عرضته على أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) ، يعني كتاب ظريف في الديات. (1)
    21. روى يونس بن عبد الرحمان في حديث قال : أتيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر ( عليه السَّلام ) ووجدت أصحاب أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) متوافرين فسمعت واحداً واحداً ، وأخذت كتبهم فعرضتها بعدُ على الرضا ، فأنكر منها أحاديث. (2)
    22. روى أحمد بن أبي حنف قال : كنت مريضاً فدخل عليّ أبو جعفر ( عليه السَّلام ) يعودني عند مرضي ، فإذا عند رأسي كتاب يوم وليلة ، فجعل يتصفّحه ورقة ورقة حتى أتى عليه من أوّله إلى آخره ، وجعل يقول : « رحم اللّه يونس ، رحم اللّه يونس ، رحم اللّه يونس ». (3)
    23. روى داود بن القاسم الجعفري قال : أدخلت كتاب يوم وليلة الذي ألّفه يونس بن عبد الرحمان على أبي الحسن العسكري ( عليه السَّلام ) ، فنظر فيه وتصفّحه كلّه ، ثمّ قال : « هذا ديني ودين آبائي كلّه ، وهو الحقّ كلّه ». (4)
    24. روى بورق البوشجاني قال : خرجت إلى سرّ من رأى ومعي كتاب يوم وليلة ، فدخلت على أبي محمد ( عليه السَّلام ) وأريته ذلك الكتاب وقلت له : إن رأيتَ أن تنظر فيه وتصفّحه ورقة ورقة فقال : « هذا صحيح ينبغي أن تعمل به ». (5)
    25. روى حامد بن محمد انّه دخل على أبي محمد ( عليه السَّلام ) ، فلما أراد أن يخرج سقط منه كتاب في حضنه ملفوف في رداء ، فتناوله أبو محمد ( عليه السَّلام ) ونظر فيه ، وكان الكتاب من تصنيف الفضل ، فترحّم عليه وذكر أنّه قال : « أغبط أهل خراسان لمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم ». (6)
1. الباب 8 ، الحديث 32 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 77.
2. الباب 8 ، الحديث 32 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 77.
3. الباب 8 ، الحديث 32 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 77.
4. الباب 8 ، الحديث 32 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 77.
5. الباب 8 ، الحديث 32 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 77.
6. الباب 8 ، الحديث 32 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 77.


(264)
    26. روى عبد اللّه الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح ، عن الحسين بن روح ، عن أبي محمد الحسن بن علي عليهما السَّلام انّه سئل عن كتب بني فضّال فقال : « خذوا ما رووا ، وذروا ما رأوا ». (1)
    27. ذكر النجاشي أنّ كتاب عبيد اللّه بن علي الحلبي عرض على الصادق عليه السَّلام فصححه واستحسنه. (2)
    إلى غير ذلك من الكتب المعروضة.
    الطائفة الخامسة : ما ورد في ذمّ الكذّابين ووضّاع الحديث
    28. قال النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « أيها الناس قد كثرت عليّ الكذابة فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار ». (3)
    29. قال الصادق ( عليه السَّلام ) : لعن اللّه المغيرة بن سعيد انّه كان يكذب على أبي فأذاقه اللّه حر الحديد. (4)
    30. وقال الصادق ( عليه السَّلام ) : « إنّا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ، فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ». (5)
    31. وقال عليه السَّلام : « إنّ الناس أولعوا بالكذب علينا ، كأنّ اللّه افترض عليهم ولا يريد منهم غيره ». (6)
1. الباب 8 ، الحديث 79 ، 81.
2. رجال النجاشي : برقم 610.
3. الكافي : 1/62 وبحار الأنوار : 2/225.
4. رجال الكشي : 195.
5. رجال الكشي : 257.
6. بحار الأنوار : 2/246.


(265)
    روى الكشي في ترجمة « المغيرة بن سعيد وأبي الخطاب » شيئاً كثيراً من تقول الكذابين على أئمّة أهل البيت عليهم السَّلام. (1)

    2. كيفية الاستدلال
    لا يخفى انّ من لاحظ تلك الروايات الهائلة يستكشف أنّ حجّية الخبر الواحد عندهم كان أمراً مسلماً على وجه لولاها لم يكن لصدور هذه الروايات وجه.
    فإذا كانت الحجّة هو الخبر المتواتر ، فما معنى الإرجاع إلى رواة الأحاديث ، أو الإرجاع إلى آحادهم بأسمائهم ؟ كما أنّ السؤال عن علاج المتعارضين من الخبرين ، آية تسليم كون كلّ منهما حجّة لولا المعارض.
    ومثله الحثّ على كتابة الحديث ، ونقله وبثّه ، كما أنّ عرضَ الكتب آية كونه حجّة ، وقد عرضوها للتأكد من صحتها.
    ولو كان بناء المسلمين على الاقتصار على المتواترات لم يكن لوضع الحديث وجه ، لأنّ الغاية هي قبول الناس والمفروض انّ بناءهم كان على عدم قبول الآحاد ، فالمجموع يكشف عن جريان السيرة على قبول الآحاد بشرائطها الخاصة.
    نعم ولكن لا تجد فيها رواية هي بصدد جعل الحجية للخبر الواحد ، بل تدور الروايات بين الفحص عن الصغرى وانّ الراوي ثقة أو لا ، أو انّ كتابه مصون من الدس أو لا ، أو الإرشاد إلى السيرة المألوفة بين العقلاء وانّه لا عذر لموالينا في التشكيك فيما يرويه ثقاتنا وفي الوقت نفسه النهي عن الأخذ عن غير الموالين.
1. رجال الكشي : 194 ـ 198 و 246 ـ 260.

(266)
    3. الإشكال على الاستدلال
    هذا هو المقام الثالث قد أورد على الاستدلال بها إشكالات نذكر أهمها :
    أ. الأخبار ليست بمتواترة
    إنّ هذه الأخبار ليست بمتواترة لأنّها تنتهي إلى الكتب الأربعة ، ولفيف منسائر الكتب ، وشرط التواتر بلوغ الخبر من كلّ طبقة من الطبقات حدّ التواتر ، وليس الأمر كذلك ، فانّها في نهاية المطاف تنتهي إلى ثلاثة ، أو أربعة أشخاص.
    والجواب : انّ المراد من التواتر في المقام ليس التواتر اللفظي ، بل التواتر الإجمالي.
    أمّا الأوّل ، فالمراد منه إذا إتحدت ألفاظ المخبرين في خبرهم عن موضوع واحد كقوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه » أو قوله : « إنّما الأعمال بالنيّات » وفي مثله لا يحصل العلم إلا ببلوغ الخبر في كلّ طبقة حدّ التواتر.
    وأمّا الثاني ، والمراد منه هو العلم الإجمالي بصدور بعض من الأحاديث المختلفة وتسميته بالتواتر ، مسامحي والمراد العلم الإجمالي بصدور البعض.
    ب. انّ هذه الأخبار مختلفة المضمون
    إنّ هذه الأخبار مختلفة المضمون واللسان ، وإليك عناوينها :
    1. كونه شيعياً
    الظاهر من بعضها كفاية كون الراوي شيعياً ، مثل قوله عليه السَّلام : « رواة


(267)
حديثنا » (1). وقوله ( عليه السَّلام ) : « من غير شيعتنا » (2). أو قوله عليه السَّلام : « كلّ مسنّ في حبنا ، كثير القدم في أمرنا ». (3)
    2. كونه ثقة
    إنّ الظاهر من البعض الآخر ، كونه ثقة ، مثل قوله عليه السَّلام : « التشكيك فيما يرويه ثقاتنا » (4). أو قوله عليه السَّلام : « العمري ثقتي » (5). أو قوله عليه السَّلام : « فيونس بن عبد الرحمان ثقة » (6). وقوله عليه السَّلام : « كلاهما أو كلّهم ثقة » (7).
    3. كونه مجتهداً
    الظاهر من بعضها لزوم كونه مجتهداً لا ناقلاً مثل قوله عليه السَّلام : « روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا » ويقرب منه ما دلّ على حجّية قول مثل زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير ويونس بن عبد الرحمان وغيرهم من فضلاء أصحاب الصادق ، والرضا عليهما السَّلام ، وعلى هذا يلزم الأخذ بأخص المضامين ، وهو أن يكون الراوي جامعاً لجميع هذه الصفات ، وهو غير القول بحجّية قول مطلق الثقة.
    الجواب : لو وجدنا بين هذه الروايات ما يكون جامعاً لهذه الصفات ، ويكون مفاده حجّية مطلق الثقة يتعدى منه إلى المطلوب وإلى هذا يشير المحقّق الخراساني بقوله : وقضيته وإن كان حجّية خبر دل على حجّية أخصها مضموناً إلا انّه يتعدى منه فيما إذا كان بينهما ما كان بهذه الخصوصية وقد دلّ على حجّية ما كان أعم.
1. لاحظ الحديث 2 ، 4 ، 6.
2. لاحظ الحديث 2 ، 4 ، 6.
3. لاحظ الحديث 2 ، 4 ، 6.
4. لاحظ الحديث 3 ، 7 ، 11 ، 19.
5. لاحظ الحديث 3 ، 7 ، 11 ، 19.
6. لاحظ الحديث 3 ، 7 ، 11 ، 19.
7. لاحظ الحديث 3 ، 7 ، 11 ، 19.


(268)
    ولعلّ صحيح أحمد بن إسحاق بين تلك الأخبار جامعة لجميع هذه الخصوصيات من حيث السند ، وقد دلّ مضمونه على حجّية قول الثقة.
    روى الكليني بسند عال رواته كلّهم مشايخ ثقات عدول قد زكّاهم جمع من العدول ، فروى : عن محمد بن عبد اللّه الحميري ومحمد بن يحيى العطار القمي ، عن عبد اللّه بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن إسحاق ، أنّه سأل أبا الحسن ( الهادي ( عليه السَّلام ) ) وقال له : من أُعامل ، وعمّن آخذ ، وقول من أقبل ؟ فقال : « العمري ثقتي ، فما روى إليك عنّي ، فعني يؤدّي ، وما قال لك فعنّي يقول ، فاسمع له وأطع فانّه الثقة المأمون ».
    وسئل أبومحمد ( عليه السَّلام ) عن مثل ذلك فقال : « العمري وابنه ثقتان ما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤديان ، ... فإنّهما الثقتان المأمونان ». (1)
    وعامة من ورد في السند ، من المشايخ ، فقال النجاشي في حقّ الأوّل ( محمد بن عبد اللّه الحميري ) : ثقة وجه. وفي حقّ الثاني ( محمّد بن يحيى العطار ) : أبو جعفر القمي ثقة. وفي حقّ الثالث ( عبد اللّه بن جعفر الحميري ) : أبو العباس ثقة. وأمّا الرابع ( أحمد بن إسحاق ) : فهو مردّد بين الرازي والأشعري ، وكلاهما ثقة ، ويحتمل اتحادهما. ونظيره رواية الحسن بن علي بن يقطين. (2)
    وأمّا المضمون ، فقد علّل حجّية قول العمري بأنّه الثقة المأمون ، وعليه فرواية كلّ ثقة مأمون ، حجّة ، سواء كان من المشايخ والفقهاء أو لا ، والمراد من الثقة هو العدل ، ونظيره رواية الحسن بن علي بن يقطين.
    ومنه يظهر انّه ليس للشارع في باب حجّية الخبر الواحد أي جعل ولا تصرف ، فما اشتهر في ألسن المشايخ من جعل الحجّية أو الطريقية ، أو تتميم
1. الوسائل : الجزء 18 ، الباب 11 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 4.
2. الوسائل : الجزء 18 ، الباب 11 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 33.


(269)
الكشف ، ليس لها أيّ دليل في الروايات والمتبادر منها ، هو إمضاء ما جرى عليه العقلاء في حياتهم العملية من الاعتماد على قول الثقة المأمون فالحجّية إمضائية لا تأسيسية.

    الاستدلال على حجّية الخبر الواحد بالإجماع
    وقد استدلّوا على حجّية الخبر الواحد بالإجماع القولي تارة ، والإجماع العملي أُخرى.
    1. الاحتجاج بالإجماع القولي
    إنّ الاحتجاج بالإجماع القولي على حجّية الخبر الواحد يتحقّق بأحد وجهين : إمّا بتتبّع فتاوى الأصحاب على الحجّية من زماننا إلى زمان الشيخ حتى يكون إجماعاً محصَّلاً ـ فيكشف رضاء الإمام بذلك ـ على القول بقاعدة اللطف ؛ أو يقطع من باب الحدس ، أو بتتبع الإجماعات المنقولة على الحجّية.
    وأورد المحقّق الخراساني على التقرير الأوّل باختلاف الفتاوى فيما أخذ في اعتباره من الخصوصيات ومعه لا يكشف عن رضاه من تتبعها ، وعلى التقرير الثاني ، باختلاف معاقد الإجماعات فيها ، إلا أن يقال : الاختلاف في الخصوصيات لا يضرّ الإجماع على الحجّية إجمالاً.
    يلاحظ على الاستدلال أيضاً بأنّ الإجماع حجّة إذا جهل مصدره ومدركه ، وأمّا مع العلم به فيكون المتّبع هو الدليل لا الإجماع.


(270)
    2. الاحتجاج بالإجماع العملي
    وقد يحتج بدعوى اتّفاق العلماء عملاً بل كافة المسلمين على العمل بالخبر الواحد في أُمورهم الشرعية ، فبما يظهر من أخذ فتاوى المجتهدين من الناقلين لها.
    وأورد عليه المحقّق الخراساني : انّه لم يحرز اتّفاقهم على العمل بما هم مسلمون ، لأنّهم لا يزالون يعملون بها في غير الأُمور العادية به ، فيرجع هذا الاستدلال إلى الاستدلال الآتي ، أعني : الاستدلال بسيرة العقلاء.

    3. الاحتجاج بالسيرة العقلائية
    إنّك إذا تصفّحت حال العقلاء في حياتهم الدنيوية ، تقف على أنّهم مطبقون على العمل بقول الثقة في جميع الأزمان والأدوار وفي تمام الأقطار والأمصار ، ويتضح ذلك بملاحظة أمرين :
    الأوّل : أنّ تحصيل العلم القطعي عن طريق الخبر المتواتر أو المحفوف بالقرائن أمر صعب ، خصوصاً بالنسبة إلى من يسكن البوادي والقرى مع قلة المواصلات والوسائل الإعلامية.
    الثاني : انّ القلب يسكن إلى قول الثقة ويطمئن به ويخرج عن التزلزل ، ولأجل ذلك يُعدّ عند العرف علماً لا ظناً ، خصوصاً إذا كان عدلاً ، ذا ملكة رادعة عن الاقتحام في الكذب.
    ولو كانت السيرة أمراً غير مرضي للشارع ، كان عليه الردع عن ذلك كما ردع عن العمل بقول الفاسق.
    مع أنّك إذا سبرت حياة الأُمم في العصور السابقة ، تقف على أنّ سيرتهم جرت على العمل بخبر الواحد ، خصوصاً بين أهل القرى والبوادي التي لا يتوفر
إرشاد العقول إلى مباحث الأصول المجلد الثالث ::: فهرس