دراسة متون الروايات اولا ـ رواية وهب : موجز الرواية : ان النبي داود (ع) خلا بنفسه يوما للعبادة واكب على التوراة يقرؤها ، اذ اقبلت حمامة من ذهب فوقعت بين يديه ، فاهوى اليها لياخذها ، فطارت غير بعيد عنه ، فما زال يتبعهاحتى اشرف على امراة جاره اوريا ، و كانت عارية تغتسل ، فاعجبه جمالها ، فلما احست به جللت نفسها بشعرها ، فازداد افتتانا بها ، فدبر امر قتل زوجها الذي كان في الغزو ، ثم تزوجها ، فتسور عليه الملكان ، و كان من امرهما ما تحدث عنه القرآن الكريم.
    في هذه الرواية جاء مرة : قال وهب ، و اخرى : قال في ما يزعم اهل اكتاب ، و بذلك خرج من عهدة روايتها.
    و لما رجعنا الى التوراة وجدنا في سفر صموئيل الثاني خبر رؤية داود يستتبع زوجة جاره اوريامن سطح داره ، و اعجابه بها ، وجلبه اياها الى داره ، و انه ضاجعها فحملت سفاحا ، الى آخرالقصة.
    و يظهر من مقارنة رواية وهب هذه بما جاء في خبر داود في سفر صموئيل من التوراة انه اخذبعض القصة من التوراة و بعضا آخر منها من كتب اسرائيلية اءخرى كان قراءها ـ كما كان يخبرعن قراءته اياها ـ ، و هذا النوع من الروايات سمي في علم دراية الحديث ب : الروايات الاسرائيلية اوالاسرائيليات.
    ثانيا ـ رواية الحسن البصري : ان موجز رواية البصري هو موجز رواية وهب نفسه ، غير ان البصري اضاف في اول القصة : ان داود كان قد جزا الدهر اربعة ايام ، و لسنا ندري هل اضافه اليها من خياله و ابتكاره ، او انه اخذه من راو آخر من رواة الاسرائيليات ؟ و على اي حال ، لم يذكر البصري سند روايته هذه ، و انما ارسلها ارسالا ، و لو انه حين رواها ذكرمصدرها و قال : انه رواها من وهب من منبه ، او غيره من رواة الروايات الاسرائيلية ، لهان الامر وتمكن الباحثـون من العثور على مصدر الرواية و ادركوا بسهولة انها من الروايات الاسرائيلية ، وبارسالها الرواية غم امر الرواية على الباحثين ، و بما انه امام الائمة في العقائد في مدرسة الخلفاء ، فقد كان لروايته اثر مضاعف على فهم العقائد الاسلامية.
    و جل رواة الروايات الاسرائيلية يفعلون ما فعله البصري ويرسلون ما يروونه من الروايات الاسرائيلية دون ذكر مصدر الرواية ، و من ثم يغم امر تلك الروايات على غير اهل دراية الحديث.
    ثالثا ـ رواية يزيد الرقاشي : ان يزيد بن ابان قال : انه سمعها من الصحابي انس الذي سمعها من رسول الله (ص) ، و بذلك كذب على انس و على رسول الله (ص) ، و هو الزاهد العابد البكاء ، و كم يكون اثر رواية يرويهاامثال يزيد من العبادفي وعظهم و قصصهم ؟ الرقاشي اسند ما سمعه من الحسن البصري الى الصحابي انس الى رسول الله (ص) ، و ياتي بعدهم المفسرون امثـال الطبري ( 310ه ) الى السيوطي ( 911ه ) و يوردون تلك الاساطير في تفاسيرهم.
    و الامر لا يقتصر على من ذكرناهم هنا من رواة الروايات الاسرائيلية ، بل يتعداهم الى غيرهم من صحابة و تابعين ، مثل :
     1 ـ عبد الله بن عمرو بن العاص : الذي اصاب راحلتين من كتب اهل الكتاب في بعض الغزوات ، و كان يروي عنهما دونما ذكر لمصدر رواياته.
    2 ـ تميم الداري : الذي اسلم بعد ان كان راهب النصارى ، وكان يقص في مسجد الرسول (ص) يوم الجمعة قبل خطبة عمر بن الخطاب ، و يقص يومين في الاسبوع على عهد عثمان.
    3 ـ كعب الاحبار : كان قد اسلم على عهد عمر ، و اصبح من علماء المسلمين على عهد عمر وعثمان.
    ثم من اخذ من هؤلاء و الف تفسير القرآن مثل :
     4 ـ مقاتل بن سليمان المروزي الازدي بالولاء ( 150ه ) .
    كان مشهورا بتفسير كتاب الله ، و قال الشافعي : الناس كلهم عيال على ثلاثة : على مقاتل بن سليمان في التفسير ، و على زهير بن ابي سلمى في الشعر ، و على ابي حنيفة في الكلام.
    كم يا ترى دس مقاتل من الاسرائيليات في رواياته التي اعتمدوها ، و كم اختلق مما روى واسند؟ (1) .
    نتيجة الدراسة : نقل وهب الرواية المفتراة على نبي الله داود (ع) من كتب اهل الكتاب و صرح بمصدرها ، ورواها الحسن و ارسلها دون الاشارة الى مصدرها ، و دلس المحدث القاص الزاهد العابد البكاءيزيد بن ابان و قال : سمعها انس من رسول الله (ص) .
    و لا يقتصر هذا النوع من التدليس و اسناد الروايات الاسرائيلية الى الصحابة بهذا المورد وحده ، و الى هذا الصحابي وحده ، فقد اكثروا في اسناد امثالها الى الصحابي ابن عم النبي (ص) عبد الله بن عباس ، و نحتاج لدراستها الى بحوث مقارنة مبسوطة ، و بمراجعة الصفحة الاخيرة من تفسيرالسيوطي الدر المنثور ينكشف لنا بعض الامر.
    و هكذا نجد منشا الخبر المفترى على داود (ع) قصص التوراة ، و كذلك تسربت الاخبارالاسرائيلية الى تفسير القرآن ، فكونت للمسلمين رؤية غير صحيحة عن سيرة الانبياء ، و كان ذلكم خبر زواج داود (ع) بارملة اوريا و ما افتروا عليه في ذلك ، ومنشاءه ، و الصحيح من خبره ، وفي ما ياتي الصحيح من خبر زواج زينب بنت جحش بزيد ثم برسول الله (ص) .
    خبر زواج الرسول بزينب بنت جحش في الرواية : قال الخازن في تفسير آية : ( و تخفي في نفسك ... ) .
    و اصح ما في هذا الباب ما روي عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان ، قال : سالني زين العابدين علي بن الحسين قال : ما يقول الحسن ـ اي البصري ـ في قوله تعالى : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه و تخشى الناس و الله احق ان تخشاه ) ؟ قلت : يقول : لما جاء زيدالى رسول الله (ص) فقال : يا رسول الله فقال علي بن الحسين : ليس كذلك ، فان الله عز و جل اعلمه انها ستكون من ازواجه ، و ان زيدا سيطلقها ، فلما جاء زيد قال : اني اريد ان اطلقها ، قال له : امسك عليك زوجك ، فعاتبه الله و قال : لم قلت امسك عليك زوجك و قد اعلمتك انها ستكون من ازواجك ؟.
    قال الخازن : و هذا هو الاولى و الاليق بحال الانبياء ، و هو مطابق للتلاوة ... .
    و تفصيل خبر زواج زينب بزيد اولا ثم بالنبي (ص) في الايات و الروايات كالاتي : الايات في خبر زواج الرسول (ص) بزينب بنت جحش قال الله سبحانه في سورة الاحزاب : ( و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضى الله و رسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم و من يعص و اذ تقول للذي انعم الله عليه و انعمت عليه امسك عليكالله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا زوجك و اتق الله و تخفي في نفسك ما الله مبديه و تخشى الناس و الله احق اءن تخشاه فلماقضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم اذا قضوامنهن ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله فيوطرا و كان امر الله مفعولا الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لاالذين خلوا من قبل و كان امر الله قدرا مقدورا ما كان محمد ابا احد من رجالكم و لكن رسول الله ويخشون احدا الا الله و كفى بالله حسيبا خاتم النبيين و كان الله بكل شي ء عليما ) (2) تاويل الايات في روايات مدرسة الخلفاء : روى الطبري في تاويل الاية عن وهب بن منبه : ان النبي (ص) كان قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ابنة عمته ، فخرج رسول الله (ص) يوما يريده ، و على الباب ستر من شعر ، فرفعت الريح الستر فانكشف و هي في حجرتها حاسرة ، فوقع اعجابها في قلب النبي (ص) ، فلما وقع ذلك كرهت الى الاخر ، فجاء زيد فقال : يا رسول الله (ص) اني اريد ان اءفارق صاحبتي ، قال : مالك ؟ ارابك منها شي ء؟ قال : لا و الله ما رابني منها شي ء يا رسول الله و لا رايت الا خيرا ... الحديث (3) .
    و وردت ـ ايضا ـ رواية اءخرى في هذا الصدد بالمضمون نفسه عن الحسن البصري ، سوف نوردها ضمن روايات اهل البيت في تاويل الايات ان شاء الله تعالى.
    دراسة الروايتين :
     ا ـ سندهما : نقلوا الروايتين عن وهب بن منبه و الحسن البصري ، و نضيف الى ما اوردناه في ترجمتها : ان كليهما كانا قد ولدا بعد رسول الله (ص) باعوام ، فكيف يرويان عما حدث في عصر رسول الله (ص) ويرسلانه ارسالا دونما ذكر مصدرهما؟
     ب ـ متنهما : محور الخبر ان الرسول (ص) اعجبه جمال زينب عندما رآها بغتة بلا حجاب ، و رغب في طلاق زيد اياها ، و اخفى ذلك في نفسه.
    و بيان زيف ذلك : ان زينب كانت ابنة عمة النبي (ص) ، و قد نزل حكم الحجاب بعد زواج الرسول (ص) بزينب ، و كان قد رآها قبل ان يتزوجها من زيد مرارا و تكرارا ، و قد افترى على رسول الله (ص) من قال ذلك ، و الصحيح في الخبر ما ننقله عن كتب السيرة في ما ياتي باذنه تعالى : خبر زواج زينب بزيد اولا ثم النبي (ص) بعد طلاق زيد اياها : كان من خبر زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي انه اصابه سباء في الجاهلية و بيع في بعض اسواق العرب ، فاشتري لخديجة ، ثم وهبته خديجة للنبي (ص) قبل ان يبعث و هو ابن ثماني سنين ، فنشا عند النبي (ص) ، و بلغ الخبر اهله ، فقدم ابوه و عمه مكة لفدائه ، فدخلا على النبي (ص) و قالا : يا ابن عبد المطلب فدائه اءدعوه وخيروه فان اختاركم فهو لكم ، و ان اختارني فو الله ما اءنا بالذي اختار على من اختارني احدا ، قالا : زدتنا على النصف و احسنت ، فدعاه رسول الله (ص) فقال : هل تعرف هؤلاء؟ قال : نعم هذا ابي ، و هذا عمي و ما انا بالذي اختار عليك احدا ، انت مني مكان الاب والعم على الحرية و على ابيك و اهل بيتك ؟ قال : نعم ، ورايت من هذا الرجل شيئا ما انا بالذي اختار عليه احدا ابدا ، فلما راى رسول الله (ص) ذلك اخرجه الى الحجر ـ في بيت الله ـ فقال : يا من حضر اشهدوا ان زيدا ابني يرثني و ارثه ، فلماراى ذلك ابوه وعمه طابت نفوسهما و انصرفا (4) .
    و نسب زيد بعد ذلك الى رسول الله (ص) و قيل له : زيد ابن محمد (ص) ، و زوجه الرسول (ص) من امته و حاضنته السوداء الحبشية ، و كانت قد تزوجت قبله من عبيد الحبشي و ولدت له ايمن فكنيت باءم اءيمن ، فولدت في مكة اءسامة من زيد (5) .
    كان ذلكم خبر تبني الرسول (ص) لزيد ، ثم تزوج النبي (ص) زينب كالاتي خبره : خبر زواج زيد من زينب ابنة عمة الرسول (ص) : بعد الهجرة الى المدينة خطب زينب ابنة اميمة ابنة عبد المطلب عدة من اصحاب النبي (ص) ، فارسلت اخاها الى النبي (ص) تستشيره في امرها ، فقال : فاين هي ممن يعلمهاكتاب ربها و سنة نبيها؟ فسالت : من هو؟ فقال : زيد اناخير منه حسبا ، فانزل الله تعالى : ( و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا اءن يكون لهم الخيرة من امرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) (6) ، فرضيت ، فزوجها الرسول (ص) من زيد بعد ام ايمن السوداء الحبشية ، و لها اءسامة بن زيد ، فكانت تعلو على زيد و تشتد و تاخذه بلسانها ، فكان يشكوها الى الرسول (ص) و يحاول تطليقها ، و اقتضت مشيئة الله وحكمته ان يتزوجها الرسول (ص) بعد زيد ليلغي بذلك التبني بين المسلمين ، و اشعره الوحي بذلك ، فخشي الرسول (ص) ان يقول الناس : تزوج حليلة ابنه ، فكتم الوحي في نفسه و قال لزيد : اتق الله و امسك عليك زوجك ، و لما ضاق زيد ذرعا بزوجته زينب طلقها و انقضت عدتها ، فنزلت الايات على الرسول (ص) مرة واحدة تخبر عما وقع و تبين حكم المتبني في شريعة الاسلام.
1 ـ راجع ترجمة تاريخ بغداد 12 : 169 ـ 160 رقم الترجمة 7142 , وفيات الاعيان
2 ـ الايات 4036.
3 ـ تفسير الطبري 22 : 11 ـ 10 ط.دار المعرفة , بيروت .
4 ـ اءسد الغابة 2 : 224 ـ 227.
5 ـ ترجمة اءم اءيمن في اءسد الغابة 7 : 303 , و الاستيعاب : 765 رقم الترجمة 2 , والاصابة
6 ـ الاحزاب /36.