فوائد الاصول ـ الجزء الاول والثاني ::: 76 ـ 90
(76)
خارجين عن حقيقته ، ويكون ما به الامتياز عن ما به الاشتراك.
    ففساده غنى عن البيان ، بداهة ان التشكيك انما يمكن في البسيط المتحد الحقيقة كالسواد ، لا في مختلفي الحقيقة كالصلاة التي تكون مركبة من عدة اجزاء مختلفة في المقولة ، حيث إن بعضها من مقولة الفعل ، وبعضها من مقولة الوضع.
    والحاصل : ان التشكيك انما يكون في مثل الوجود ، والمقولات الكيفية : من السواد والبياض ، ولا يعقل التشكيك في المركبات التي تكون اجزائها مختلفة بالحقيقة كما هو أوضح من أن يخفى.
    ومنها : ما نسب إلى المعظم من أن الصلاة موضوعة لمعظم الاجزاء التي تدور التسمية مداره.
    وفيه : ما لا يخفى ، بداهة انه ان أريد ان الصلاة موضوعة لمفهوم المعظم ، ففساده غنى عن البيان ، فان الألفاظ موضوعة بإزاء الحقايق ، لا المفاهيم التي لا موطن لها الا العقل كما تقدم ، وان أريد واقع المعظم وحقيقته ، فالمفروض ان المعظم يختلف حسب اختلاف حالات المكلفين ، فيلزم كون المعظم بالنسبة إلى بعض غير المعظم بالنسبة إلى الاخر ، فيعود المحذور ، وهو كون الشيء الواحد داخلا عند وجوده و خارجا عند عدمه ، مع أنه يلزم ان يكون اطلاق الصلاة على التامة الاجزاء والشرائط مجازا بعلاقة الكل والجزء كما تقدم.
    وقد مال شيخنا الأستاذ مد ظله ، إلى تصحيح كون الصلاة مثلا موضوعة لمعظم الاجزاء ، بتقريب كون الموضوع له من قبيل الكلي في المعين الصادق على كل ما يمكن ان ينطبق عليه ، نظير الصاع من الصبرة ، فتكون الصلاة مثلا موضوعة لسبعة اجزاء من عشرة اجزاء على نحو الكلي ، بحيث لا يضر تبادل السبعة بحسب اختلاف الحالات فتأمل ، فإنه يلزم أيضا ان يكون الاطلاق على مجموع العشرة مجازا كما لا يخفى ، مع أن تصوير كون المسمى من قبيل الكلي في المعين ، بحيث يكون المسمى محفوظا مع تبادل المعظم ، في غاية الاشكال.
    ومنها : غير ذلك ، مما لا يخفى على المراجع ، مع ما فيها من الاشكالات. فالانصاف : ان تصوير الجامع بين الافراد الصحيحة في غاية الاشكال ، فضلا عن


(77)
تصوير الجامع بين الافراد الصحيحة والفاسدة.
    ثم انه قد استدل لكل من القول بالصحيح والأعم بما لا يخلو عن مناقشة ، و لا يهمنا التعرض لها ، انما المهم بيان ما قيل في الثمرة بين القولين ، وقد ذكر لذلك ثمرتان : الأولى : صحة التمسك بالاطلاقات بناء على الأعم ، وعدم صحته بناء على الصحيح. الثانية : عدم جريان البراءة عند الشك في الاجزاء والشرائط بناء على الصحيح ، وجريانها بناء على الأعم.
    وتوضيح ذلك : هو انه لا ينبغي الاشكال في عدم جواز التمسك بالاطلاقات الواردة في الكتاب والسنة : من قوله تعالى أقيموا الصلاة ، واتوا الزكاة ، ولله على الناس حج البيت ، إلى غير ذلك ، الا بعد معرفة الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والعلم بما هو المصطلح عليه شرعا من هذه الألفاظ ، بداهة ان هذه الماهيات من المخترعات الشرعية ، وليس في العرف منها عين ولا اثر ، فلو خلينا وأنفسنا لم نفهم من قوله ـ أقيموا الصلاة ـ شيئا ، فلا يمكن ان تكون مثل هذه الاطلاقات واردة في مقام البيان.
    نعم بعد معرفة ما هو المصطلح الشرعي من هذه الألفاظ والعلم بعدة من الاجزاء والشرائط بدليل منفصل ، تظهر الثمرة حينئذ بين الأعمي والصحيحي ، إذ بعد معرفة عدة من الاجزاء بحيث يصدق عليها المسمى ، ويطلق عليها في عرف المتشرعة ـ الذي هو مرآت للمراد الشرعي ـ انها صلاة أو حج ، فبناء على الأعم يتمسك بالاطلاق في نفى اعتبار ما شك في جزئيته أو شرطيته ، الا إذا شك في مدخلية المشكوك في المسمى ، وهذا في الحقيقة ليس تمسكا باطلاق أقيموا الصلاة ، بل هو تمسك باطلاق ما دل على اعتبار تلك الأجزاء والشرائط كما لا يخفى.
    والحاصل : انه بناء على الأعم يمكن التمسك باطلاق قوله : (1) انما صلوتنا هذه ذكر ودعاء وركوع وسجود ، ليس فيها شيء من كلام الآدميين ـ على نفى جزئية شيء لو فرض انه وارد في مقام البيان للمسمى بالصلاة ، واما لو كان واردا في مقام
1 ـ راجع المستدرك المجلد الأول كتاب الصلاة. الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة الحديث 9 ، ص 995

(78)
بيان ما هو المأمور به ، فيمكن التمسك باطلاقه على كلا القولين. واما بناء على الصحيحي فلا يمكن التمسك باطلاق ذلك ، لاحتمال ان يكون المشكوك له دخل في الصحة. نعم يمكن التمسك بالاطلاق المقامي في مثل صحيحة حماد (1) الواردة في مقام بيان كل ماله دخل في الصلاة ، ولو فرض كون الصلاة اسما لذلك الجامع الذي يكون هذه الأفعال محصلة له ، فان مثل صحيحة حماد حينئذ تكون واردة في مقام بيان كل ماله دخل في حصول ذلك الجامع.
    فتحصل من جميع ما ذكرنا : ان التمسك بالاطلاقات الواردة في الكتاب لا يمكن على كلا القولين ، ووجهه : انه لا يمكن ان تكون تلك الاطلاقات واردة في مقام البيان ، والتمسك باطلاق مثل صيحة حماد يمكن على القولين ، والتمسك باطلاق مثل قوله ( عليه السلام ) انما صلوتنا هذه ذكر ودعاء ، يصح على الأعمى لو كان واردا في مقام بيان المسمى.
    وما يقال : من أنه لا يمكن التمسك باطلاق ذلك حتى على القول بالأعمى ، للعلم بان المراد ومتعلق الطلب هو الصحيح وان كان اللفظ موضوعا للأعم ، فمجرد صدق المسمى لا يكفي في نفى ما شك في جزئيته مع عدم العلم بحصول المراد ، ـ ففساده غنى عن البيان ، لأن الصحيح ليس الا ما قام الدليل على اعتباره ، والمفروض ان ما قام الدليل على اعتباره هو هذا المقدار ، فبالاطلاق يحرز ان الصحيح هو ما تكفله الدليل ، كما هو الشأن في جميع الاطلاقات ، والمانع من التمسك بالاطلاق ـ بناء على القول الصحيحي ـ هو ان متعلق التكليف امر اخر غير ما تكفله الاطلاق ، فلا يمكن احرازه بالاطلاق ، وهذا بخلاف القول الأعمى ، فان متعلق التكليف بناء عليه هو نفس ما تكفله الاطلاق ، فتأمل في المقام جيدا. هذا كله في الثمرة الأولى.
    واما الثمرة الثانية :
    وهي الرجوع إلى الأصول العملية ، فقد قيل : انه لافرق في الرجوع إلى
1 ـ راجع الوسائل ، الجزء 4 كتاب الصلاة الباب 1 من أبواب الصلاة الحديث 1 ص 673

(79)
البراءة والاشتغال على القولين عند فقد الأصول اللفظية ، ولكن الحق هو التفصيل ، لما عرفت من أنه بناء على الصحيح واخذ الجامع بالمعنى المتقدم لا محيص من القول بالاشتغال ، لرجوع الشك فيه إلى الشك في المحصل ، وعدم التزام القائلين بالصحيح بذلك لا ينافي ذلك ، إذ التكلم في المقام انما هو على ما تقضيه القاعدة ، والقاعدة تقتضي الاشتغال بناء على الصحيح ولا بد من التزامهم بذلك فعدم التزامهم بذلك ينافي مبناهم ، أو يكشف عن فساد المبنى فتأمل. هذا كله بناء على مشرب القوم.
    واما بناء على ما اخترناه : من أن الصلاة انما تكون اسما للتامة الاجزاء و الشرائط وهي التي تستحق اطلاق الصلاة عليها أولا وبالذات وبلا عناية و اطلاق الصلاة على ما عدا ذلك انما يكون بعناية الاجتزاء حيث إن الشارع لما اجتزء عند الاستعجال بما عدا السورة ، صح اطلاق الصلاة على الفاقدة للسورة عند الاستعجال ، ولمكان المشابهة في الصورة صح اطلاق الصلاة على الفاقدة للسورة ، و لولا الاستعجال تكون حينئذ فاسدة ، نظير سبك المجاز من المجاز ، وان لم يكن هو هو حقيقة ، على ما تقدم ، فجريان البراءة عند الشك في الاجزاء والشرائط واضح ، لان متعلق التكليف يكون حينئذ نفس الاجزاء.
    نعم في التمسك بالاطلاقات اشكال تقدم وجهه ، ولكن الاشكال بالتمسك بالاطلاقات مطرد على جميع المسالك ، فلا ينبغي جعل مسألة التمسك بالاطلاقات من ثمرات الصحيح والأعم ، بل تختص الثمرة بالرجوع إلى الأصول على عكس ما ذكره في الكفاية (1) من اختصاص الثمرة بالتمسك بالاطلاقات ، فتأمل جيدا. هذا تمام الكلام في العبادات.
    واما المعاملات :
    فظاهر عبارة الشهيد قده (2) انها كالعبادات في وضعها للصحيح ، حيث
1 ـ كفاية الأصول الجلد الأول ص 43 ـ 42 « ومنها ان ثمرة النزاع .. »
2 ـ قال الشهيد الأول ( قدس سره ) في القواعد : « الماهيات الجعلية كالصلاة والصوم وسائر العقود لا تطلق على الفاسد الا الحج لوجوب المضي فيه » .
    القواعد والفوائد ، القسم الأول ـ الفائدة الثانية من قاعدة 43 ص 158 ـ الطبعة الجديدة.


(80)
عطف العقود على الماهيات المخترعة في عبارته المحكية عن القواعد ، وحينئذ ربما يشكل عليه بأنها لو كانت موضوعة للصحيح ، فلازمه عدم جواز التمسك بالمطلقات الواردة في باب المعاملات على نفى ما شك في اعتباره ، كالماضوية ، والعربية ، كما كان لازم القول بوضع العبادات للصحيح عدم التمسك بالمطلقات عند الشك في اعتبار شيء منها ، على ما عرفت ، مع أنه جرت سيرة الاعلام على التمسك بالمطلقات في باب المعاملات ، ولولا التمسك بالمطلقات لكان اللازم هو الاحتياط ، لان الأصل العملي في المعاملات يقتضى الفساد.
    والتحقيق في حل الاشكال : هو انه لو قلنا بان ألفاظ المعاملات موضوعة بإزاء الأسباب ونفس العقد من الايجاب والقبول ، فلا ينبغي الاشكال في صحة التمسك بالمطلقات ولو قلنا بأنها موضوعة للصحيحة ، لان الاطلاق يكون منزلا على ما يراه العرف صحيحا ، حيث كانت الأسباب أمورا عرفية ، واطلاق دليل الامضاء يدل على امضاء كل ما هو سبب عند العرف ، فالعقد الفارسي لو كان عند العرف سببا لحصول الملكية أو الزوجية كان اطلاق أحل الله البيع امضاء لذلك.
    نعم لو قلنا بأنها موضوعة للمسببات ـ كما هو كذلك بداهة ان ألفاظ المعاملات موضوعة بإزاء المسببات لا الأسباب ، ولا محل لتوهم ان البيع مثلا اسم للسبب ، نعم في خصوص قوله تعالى أوفوا بالعقود ربما يتوهم ذلك ، الا انه مع ذلك لا يصح بقرينة الوفاء الذي لا يتعلق الا بالمسبب ـ فيشكل الامر ، لان امضاء المسبب لا يلازم امضاء السبب.
    وما يقال في حله : من أن امضاء المسبب يلازم عرفا امضاء السبب ، إذ لولا امضاء السبب كان امضاء المسبب لغوا ، فليس بشيء ، إذ لا ملازمة عرفا في ذلك وان يظهر (1) من الشيخ ( قده ) الميل إلى ذلك حسب ما افاده قبل المعاطاة بأسطر
1 ـ قال الشيخ في المكاسب بعد ذكر كلام الشهيد الثاني في المسالك. والشهيد الأول في القواعد :
    « ويشكل ما ذكراه بان وضعها للصحيح يوجب عدم جواز التمسك باطلاق نحو أحل الله البيع واطلاقات أدلة ساير العقود في مقام الشك في اعتبار شيء فيها ، مع أن سيرة علماء الاسلام التمسك بها في هذه المقامات.
    نعم يمكن ان يقال : ان البيع وشبهه في العرف إذا استعمل في الحاصل من المصدر الذي يراد من قول


(81)
عند نقل كلام الشهيد ( قده ) واللغوية انما تكون إذا لم يجعل الشارع سببا ، أو لم يمض سببا أصلا ، إذ لا لغوية لو جعل سببا أو امضى سببا في الجملة ، غايته انه يلزم حينئذ الاخذ بالمتيقن ، فلزوم اللغوية لا يقتضى امضاء كل سبب ، بل يقتضى امضاء سبب في الجملة ، ويلزمه الاخذ بالمتيقن.
    فالتحقيق في حل الاشكال : هو ان باب العقود والايقاعات ليست من باب الأسباب والمسببات ، ان أطلق عليها ذلك ، بل انما هي من باب الايجاد بالآلة ، والفرق بين باب الأسباب والمسببات ، وبين باب الايجاد بالآلة ، هو ان المسبب في باب الأسباب لم يكن بنفسه فعلا اختياريا للفاعل ، بحيث تتعلق به ارادته أولا وبالذات ، بل الفعل الاختياري وما تتعلق به الإرادة هو السبب ، و يلزمه حصول المسبب قهرا.
    وهذا بخلاف باب الايجاد بالآلة ، فان ما يوجد بالآلة كالكتابة ، هو بنفسه فعل اختياري للفاعل ، ومتعلق لإرادته ويصدر عنه أولا وبالذات ، فان الكتابة ليس الا عبارة عن حركة القلم على القرطاس بوضع مخصوص ، وهذا هو بنفسه فعل اختياري صادر عن المكلف أولا وبالذات ، بخلاف الاحراق ، فان الصادر عن المكلف هو الالقاء في النار لا الاحراق ، وكذا الكلام في سائر ما يوجد بالآلة : من آلات النجار ، والصايغ ، والحداد ، وغير ذلك ، فان جميع ما يوجده النجار يكون فعلا اختياريا له ، والمنشار مثلا آلة لايجاده ، وباب العقود والايقاعات كلها من هذا القبيل ، فان هذه الألفاظ كلها آلة لايجاد الملكية ، والزوجية ، والفرقة ، وغير ذلك ،

القائل ( بعت ) عند الانشاء لا يستعمل حقيقة الا فيما كان صحيحا مؤثرا ولو في نظرهم ، ثم إذا كان مؤثرا في نظر الشارع كان بيعا عنده والا كان صورة بيع نظير بيع الهازل عند العرف.
    فالبيع الذي يراد منه ما حصل عقيب قول القائل ( بعت ) عند العرف والشرع حقيقة في الصحيح المفيد للأثر ومجاز في غيره الا ان الإفادة وثبوت الفائدة مختلف في نظر العرف والشرع ، واما وجه تمسك العلماء باطلاق أدلة البيع ونحوه فلان الخطابات لما وردت على طبق العرف حمل لفظ البيع وشبهه في الخطابات الشرعية على ما هو الصحيح المؤثر عند العرف أو على المصدر الذي يراد من لفظ بعت فيستدل باطلاق الحكم بحله أو بوجوب الوفاء على كونه مؤثرا في نظر الشارع أيضا فتأمل .. ( المكاسب ، كتاب البيع ، ص 81 ـ 80 )


(82)
وليس البيع مثلا مسببا توليديا لهذه الألفاظ ، بل البيع هو بنفسه فعل اختياري للفاعل متعلق لإرادته أولا وبالذات ، ويكون ايجاده بيده ، فمعنى حلية البيع هو حلية ايجاده ، فكل ما يكون ايجادا للبيع بنظر العرف فهو مندرج تحت اطلاق قوله تعالى : أحل الله البيع ، والمفروض ان العقد بالفارسية مثلا يكون مصداقا لايجاد البيع بنظر العرف ، فيشمله اطلاق حلية البيع ، وكذا الكلام في سائر الأدلة وساير الأبواب ، فيرتفع موضوع الاشكال ، إذ مبنى الاشكال هو تخيل ان المنشئات بالعقود من قبيل المسببات التوليدية ، فيستشكل فيه من جهة ان امضاء المسبب لا يلازم امضاء السبب ، والحال ان الامر ليس كذلك ، فتأمل في المقام جيدا.
المبحث الثالث في المشتق
    وتحقيق الحال فيه يستدعى رسم أمور :
    ( الامر الأول )
    اختلفوا في أن اطلاق المشتق على ما انقضى عنه التلبس بالمبدء ، هل هو على نحو الحقيقة أو المجاز ؟ بعد اتفاقهم على المجازية بالنسبة إلى من يتلبس في المستقبل ، وعلى الحقيقة بالنسبة إلى المتلبس في الحال.
    والسر في اتفاقهم على المجازية في المستقبل ، والاختلاف فيما انقضى ، هو ان المشتق لما كان عنوانا متولدا من قيام العرض بموضوعه ، من دون ان يكون الزمان مأخوذا في حقيقته ، بل لم يؤخذ الزمان في الافعال ـ كما سيأتي ـ فضلا عن المشتق ، وقع الاختلاف بالنسبة إلى ما انقضى عنه المبدء حيث إنه قد تولد عنوان المشتق لمكان قيام العرض بمحله في الزمان الماضي ، وهذا بخلاف من يتلبس بعد ، فإنه لم يتولد عنوان المشتق لعدم قيام العرض بمحله ، فكان للنزاع في ذلك مجال ، دون هذا ، إذ يمكن ان يقال فيما تولد عنوان المشتق : ان حدوث التولد في الجملة ولو فيما مضى يكفي في صدق العنوان على وجه الحقيقة ولو انقضى عنه المبدء ، كما أنه يمكن ان يقال : انه يعتبر في صدق العنوان على وجه الحقيقة بقاء التولد في الحال ، ولا يكفي حدوثه مع انقضائه. هذا فيما إذا تولد عنوان المشتق في الجملة.
    واما فيما لم يتولد فلا مجال للنزاع في أنه على نحو الحقيقة ، لعدم قيام العرض


(83)
بمحله ، فكيف يمكن ان يتوهم صدق العنوان على وجه الحقيقة ، مع أنه لم يتحقق العنوان بعد ، فلا بد ان يكون على وجه المجاز بعلاقة الأول والمشارفة.
    ( الامر الثاني )
    لا اشكال في اختصاص النزاع بالعناوين العرضية المتولدة من قيام أحد المقولات بمحالها ، وخروج العناوين الذاتية التي يتقوم بها الذات وما به قوام شيئية الشيء ، كحجرية الحجر ، وانسانية الانسان ، وما شابه ذلك من المصادر الجعلية التي بها قوام الشيء ، فلا يصح اطلاق الحجر على ما لايكون متلبسا بعنوان الحجرية فعلا ، ولا اطلاق الانسان على ما لايكون متلبسا بالانسانية فعلا ، فلا يقال للتراب : انه انسان باعتبار انه ، أحد العناصر التي يتولد منها الانسان ، وذلك لان انسانية الانسان ليست بالتراب ، بل انما تكون بالصورة النوعية التي بها يمتاز الانسان عن غيره ، بل التراب لم يكن انسانا في حال من الحالات ، حتى في حال تولد الانسان منه ، فضلا عن حال عدم التولد. وبعبارة أخرى : في حال كون الانسان انسانا لم يكن انسانيته بالتراب الذي هو أحد عناصره ، بل انسانيته انما هي بالصورة النوعية ، فإذا لم يكن التراب في حال كونه عنصر الانسان مما يصح اطلاق اسم الانسان عليه ، فكيف يصح اطلاق اسم الانسان عليه في غير ذلك الحال ، مع أنه لا علاقة بينه وبين الانسان ، حتى علاقة الأول والمشارفة ، لان التراب لا يصير انسانا ، ولا يؤل إليه ابدا.
    وهذا بخلاف العناوين العرضية ، كضارب ، فان ضاربية الضارب انما يكون بالضرب ، لمكان قيام الضرب به على جهة الصدور ، ومن المعلوم : ان من لم يكن ضاربا في الحال ، هو الذي يكون ضاربا في الغد حقيقة ، وهو الذي يتعنون بهذا العنوان ، واليه مآله ، فعلاقة الأول والمشارفة في مثل هذا ثابتة ومتحققة ، بخلاف التراب والانسان حيث لم يكن مآل التراب إلى الانسان في حال من الحالات ، بخلاف ضارب ، فان الذي يكون ضاربا هو زيد ، فصح اطلاق الضارب على زيد بعلاقة انه يؤل إلى هذا العنوان في المستقبل.
    وحاصل الكلام : انه فرق ، بين أسماء الذوات : من الأجناس والأنواع


(84)
والاعلام ، وبين أسماء العرضيات ، فإنه في الأول لا يصح اطلاق الاسم عليها الا في حال ثبوت الذات بما لها من الصور النوعية التي بها يتحقق عنوان الذات كحيوانية الحيوان وانسانية الانسان وزيدية زيد ، بخلاف الثاني ، فإنه يصح اطلاق الاسم عليها ، وان لم تكن متلبسة بالعرض فعلا بعلاقة الأول والمشارفة.
    وكذا الكلام في علاقة ما كان ، فان زيدا الفاقد للضرب في الحال ، هو الذي كان ضاربا بالأمس حقيقة ، فصح اطلاق الضارب عليه بعلاقة ما كان ، و هذا بخلاف الكلب الواقع في المملحة بحيث صار ملحا ، فان هذا الملح لم يكن كلبا ، إذ الكلبية انما هي بالصورة النوعية التي لم تكن ، فظهر : سر اختصاص النزاع بالعرضيات ، دون الذاتيات (1) فتأمل.
    ( الامر الثالث )
    ليس المراد من المشتق مطلق ما كان له مصدر حقيقي مقابل المصدر الجعلي ، بحيث يعم الافعال ، ولا خصوص اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة كما توهم ، بل المراد من المشتق كل عنوان عرضي كان جاريا على الذات متحدا معها وجودا على وجه يصح حمله عليها ، سواء كان من المشتق الاصطلاحي كضارب و مضروب ، أو لم يكن كبعض الجوامد التي تكون من العناوين العرضية مقابل العناوين الذاتية ، كالزوجية ، والرقية ، والحرية ، وغير ذلك من العناوين العرفية ، و لا موجب لتوهم الاختصاص بخصوص المشتق الاصطلاحي ، وان كان ظاهر العنوان ربما يعطى ذلك ، الا انه يظهر من بعض الكلمات التعميم لكل عنوان عرضي ، ويدل على ذلك : العبارة المحكية عن القواعد ، مع ما في الايضاح من شرحها ، والعبارة المحكية عن المسالك (2) فيمن كان له زوجتان كبيرتان وزوجة
1 ـ وكان غرض شيخنا الأستاذ مد ظله من هذا البيان هو انه بالنسبة إلى الذاتيات لا يصح اطلاق الاسم على غير المتلبس بالذات ، لا على وجه الحقيقة ، ولا على وجه المجاز ، بل يكون الاستعمال غلطا ، ولكن الظاهر من بعض الكلمات : هو انه بالنسبة إلى الذاتيات لا يصح الاطلاق على غير المتلبس على وجه الحقيقة ، واما على وجه المجاز فكأنه لا كلام في صحة الاطلاق ، فتأمل ـ منه.
2 ـ قال الشهيد الثاني ( قدس سره ) في المسالك :


(85)
صغيرة وأرضعت الكبيرتان الصغيرة ، حيث بنوا حرمة المرضعة الثانية على مسألة المشتق ، ولا بأس بنقل العبارة المنقولة عن الايضاح والقواعد وبيان المراد منها وان كانت المسألة فقهية.
    فنقول : انه حكى من القواعد (1) « انه لو أرضعت الصغيرة زوجتاه على التعاقب ، فالأقرب تحريم لجميع ، لان الأخيرة صارت أم من كانت زوجته ، ان كان قد دخل بإحدى الكبيرتين ، والا حرمت الكبيرتان مؤبدا ، وانفسخ عقد الصغيرة انتهى » وحكى عن الايضاح (2) انه قال : « أقول تحريم المرضعة الأولى و الصغيرة مع الدخول بإحدى الكبيرتين بالاجماع ، واما المرضعة الأخيرة ففي تحريمها خلاف ، فاختار والدي المصنف وابن إدريس تحريمها ، لان هذه يصدق عليها انها أم زوجته ، لأنه لا يشترط في صدق المشتق بقاء المعنى المشتق منه ، فكذا هنا ، ولأن عنوان الموضوع لا يشترط صدقه حال الحكم ، بل لو صدق قبله كفى ، فيدخل تحت قوله : وأمهات نسائكم ، ولمساوات الرضاع النسب ، وهو يحرم سابقا ولا حقا فكذا مساويه » انتهى موضع الحاجة.
    أقول :
    عبارة القواعد مع ما عليها من الشرح قد تكفلت لبيان فروع :
    الأول : حرمة المرضعة الكبيرة الأولى على كل حال ، وعدم ابتنائها على المشتق.
    الثاني : توقف حرمة المرتضعة الصغيرة على الدخول بإحدى الكبيرتين.
    الثالث : انفساخ عقد الصغيرة مع عدم الدخول بإحدى الكبيرتين ، وان لم تحرم عليه مؤبدا ، فله تجديد العقد عليها.
« وبقى الكلام في تحريم الثانية من الكبيرتين ، فقد قيل إنها لا تحرم ، واليه مال المصنف حيث جعل التحريم أولى وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن الجنيد لخروج الصغيرة عن الزوجية إلى البنتية ، وأم البنت غير محرمة على أبيها خصوصا على القول باشتراط بقاء المعنى المشتق منه في صدق الاشتقاق كما هو رأى جمع من الأصوليين. ( مسالك الأفهام في شرح شرايع الاسلام ، الجلد الأول كتاب النكاح ، ص 475 )
1 و 2 ـ إيضاح الفوائد في شرح القواعد ـ الطبعة الجديدة ، الجزء 3 ص 52


(86)
    الرابع : ابتناء حرمة المرضعة الثانية الكبيرة على مسألة المشتق. ولا بأس ببيان مدرك هذه الفروع.
    فنقول : اما الفرع الأول ، وهو حرمة المرضعة الأولى على كل حال ، فلصيرورتها أم الزوجة في حال اكمال الرضعة الخامسة عشر ، بداهة انه في ذلك الحال تكون المرتضعة الصغيرة زوجة ، والمرضعة الكبيرة أم الزوجة ، فيصدق عليها في ذلك الحال ـ أمهات نسائكم ـ فتحرم.
    واما الفرع الثاني : وهو حرمة المرتضعة الصغيرة مع الدخول بإحدى الكبيرتين ، فلان الصغيرة تكون حينئذ ربيبته إذا لم يكن اللبن للزوج ، كما هو مفروض الكلام ، حيث إنهم ذكروا ذلك في فروع المصاهرة ، ومن المعلوم : حرمة الربيبة إذا كانت أمها مدخولا بها ، من غير فرق بين الدخول بالأولى أو الدخول بالثانية ، لأنها على كل تقدير تصير ربيبة من الزوجة المدخول بها.
    واما الفرع الثالث : وهو انفساخ عقد الصغيرة فيما إذا لم يكن قد دخل بإحدى الكبيرتين وعدم حرمتها ، فلأنها وان صارت ربيبة بالارضاع ، الا انها ربيبة لم يكن قد دخل بأمها فلا تحرم ، واما انفساخ عقدها ، فلانه في حال اكمال الرضعة الخامسة عشر يلزم اجتماع الام والربيبة في عقد الازدواج ، وهو موجب لانفساخ عقد الصغيرة ، لعدم جواز الاجتماع.
    واما الفرع الرابع : وهو ابتناء حرمة المرضعة الثانية على مسألة المشتق ، فلانه في حال ارضاع الثانية لم تكن الصغيرة زوجة ، لخروجها عن الزوجية بارتضاعها من الأولى ، فإذا لم تكن في ذلك الحال زوجة ، فلا تكون المرضعة الثانية أم الزوجة فعلا ، بل تكون أم من كانت زوجة في السابق ، فلو قلنا بان المشتق حقيقة فيمن انقضى منه المبدء ، تحرم المرضعة الثانية أيضا ، لصدق أم الزوجة عليها حقيقة ، وان لم نقل فلا موجب لحرمتها.
    بقى الكلام فيما ذكره في الايضاح من الوجهين الأخيرين لحرمة المرضعة الثانية.
    اما الوجه الأول منهما ، وهو قوله : ولأن عنوان الموضوع لا يشترط صدقه


(87)
حال الحكم بل لو صدق قبله كفى فيدخل تحت قوله : وأمهات نسائكم ، فربما يتخيل انه يرجع إلى الوجه الأول ، وهو صدق المشتق على من انقضى عنه المبدء ، فهو تكرار لذلك الوجه بعبارة أخرى هذا ، ولكن يمكن ان يكون مراده منه ، هو انه لا يتوقف الحكم بحرمة أم الزوجة على صدق هذا العنوان حال الحكم ، حتى يقال : ان ذلك مبنى على كون المشتق حقيقة فيمن انقضى ، بل يكفي في حرمة الام تلبس البنت بالزوجة آنا ما.
    والحاصل : انه وان لم يصدق على الام انها أم الزوجة فعلا لخروج الزوجة عن الزوجية ، الا انه لا يتوقف الحكم بحرمة الام على صدق الزوجية على البنت في حال صيرورتها اما لها ، بل يكفي في الحكم بحرمة أمها ثبوت الزوجية لها في زمان ، و هو الزمان الذي قبل الارتضاع من المرضعة الأولى ، نظير قوله تعالى : لا ينال عهدي الظالمين ، حيث إن التلبس بالظلم في زمان يكفي في عدم نيل العهد وان لم يكن حال النيل ظالما ، فتأمل جيدا.
    واما الوجه الأخير : فحاصله ان لحمة الرضاع كلحمة النسب ، وانه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، ومن المعلوم : انه لو تزوج بابنة ثم طلقها ، يحرم عليه أمها مع زوال زوجيتها بالطلاق ، فكذلك في الام والبنت الرضاعية تحرم الام الرضاعية ولو خرجت البنت عن الزوجية ، كما في المقام. وعلى كل حال : فقد خرجنا عما هو المقصود في المقام ، من عدم اختصاص المشتق المتنازع فيه بالمشتق الاصطلاحي ، وهو ما كان له مصدر حقيقي ، بل يجرى في الجوامد التي تكون لها مصادر جعلية إذا كانت من العرضيات لا الذاتيات.
    وضابط العرضي هو ما كان متولدا من قيام إحدى المقولات بموضوعاتها ، سواء كانت من الأمور المتأصلة في عالم العين ، كما إذا كان العنوان متولدا من مقولة الكم والكيف ، كالأبيض والأسود ، أو كان متولدا من الأمور النسبية ، كسائر المقولات السبع : من مقولة الفعل والانفعال والإضافة والجدة وغير ذلك ، و سواء كان من الأمور الاعتبارية ، أو كان من الأمور الانتزاعية ، وسواء كان من


(88)
المحمول بالضميمة ، أو كان خارج المحمول ، ولعل هذا هو مراد صاحب (1) الكفاية من تعميم محل النزاع بالنسبة إلى العرض والعرضي ، وان كان ذلك خلاف ما اشتهر من اصطلاح العرض والعرضي ، حيث إن مرادهم من العرض نفس المقولة ، أي عرضا مباينا غير محمول كالبياض ، ومرادهم من العرضي ، المتحد مع الذات المحمول عليها كالأبيض ، فالتعبير عن المحمول بالضميمة وخارج المحمول ـ بالعرض و العرضي ـ خلاف ما اشتهر من اصطلاحهم في ذلك.
    وعلى كل حال : المراد من المحمول بالضميمة ، هو ما كان الحمل بلحاظ قيام أحد الاعراض التسعة بمحالها ، ولو كان العرض من مقولة الإضافة والنسبة كقولك : هذا ابيض ، هذا اسود ، هذا أب ، هذا زوج ، هذا فوق ، هذا تحت ، وغير ذلك مما كان من مقولة الكم ، والكيف ، والإضافة ، والنسبة المتكررة. والمراد من الخارج المحمول ، ما كان المحمول أمرا خارجا عن الذات ، ولكن كان من مقتضيات الذات ، كهذا ممكن ، هذا وأحب ، وغير ذلك مما لم يكن المحمول من أحد المقولات.
    وربما عبر عن الأمور الانتزاعية التي تنتزع من قيام العرض بمحله بخارج المحمول ، كالسبق واللحوق والتقارن المنتزعة من تقارن الشيئين في زمان أو مكان أو سبق أحد الشيئين في المكان والزمان ، فمثل السبق واللحوق والتقارن ينتزع من قيام مقولة الأين ومتى بموضوعها ، فمثل هذا أيضا ربما يعبر عنه بخارج المحمول على ما حكاه شيخنا الأستاذ مد ظله ، ولكن المعروف من اصطلاح ـ خارج المحمول ـ هو ما كان من مقتضيات الذات خارجا عن حقيقتها ، كالامكان و الوجوب.
    فتحصل من جميع ما ذكرنا : ان الخارج عن محل النزاع هو خصوص العناوين الذاتية المنتزعة عن نفس مقام الذات ، على ما تقدم في الامر الثاني ، واما سائر العناوين المتولدة من أي مقولة كانت ، فهي داخلة في محل النزاع ، سواء كانت من خارج المحمول ، أو من المحمول بالضميمة.
1 ـ كفاية الجلد الأول ص 59 « ثم انه لا يبعد ان يراد بالمشتق .. »

(89)
    ومما ذكرنا من تعريف المحمول بالضميمة ظهر : ان جعل مثل الزوجية من خارج المحمول ، كما يظهر من صاحب الكفاية (1) حيث أم بالتعميم ادراج مثل الزوجية كما يشهد بذلك سياق كلامه مما لا وجه له ، إذ الزوجية من المحمول بالضميمة ، لا خارج المحمول ، حيث إن الزوجية من مقولة النسبة التي هي من المقولات التسع ، فتكون من المحمول بالضميمة ، على ما بيناه من ضابط المحمول بالضميمة.
    ( الامر الرابع )
    يعتبر في المشتق المتنازع فيه ، بقاء الذات مع انقضاء المبدء ، كالضارب ، حيث تكون الذات فيه باقية مع انقضاء الضرب ، ولأجل ذلك ربما يستشكل في ادراج مثل اسم الزمان في محل النزاع ، لانعدام الذات فيه كانقضاء المبدء ، لان الذات فيه انما يكون هو الزمان ، وهو مبنى على التقضى والتصرم ، فمثل مقتل الحسين ( عليه السلام ) لا يمكن ادراجه في محل النزاع ، لان كلا من الزمان والقتل قد انقضى ، فلا يصح ان يقال : ان هذا اليوم مقتل الحسين ( عليه السلام ) هذا.
    ولكن يمكن ان يقال : ان المقتل عبارة عن الزمان الذي وقع فيه القتل ، وهو اليوم العاشر من المحرم ، واليوم العاشر لم يوضع بإزاء خصوص ذلك اليوم المنحوس الذي وقع فيه القتل ، بل وضع لمعنى كلي متكرر في كل سنة ، وكان ذلك اليوم الذي وقع فيه القتل فردا من افراد ذلك المعنى العام المتجدد في كل سنة ، فالذات في اسم الزمان انما هو ذلك المعنى العام ، وهو باق حسب بقاء الحركة الفلكية ، وقد انقضى عنه المبدء الذي هو عبارة عن القتل ، فلا فرق بين الضارب وبين المقتل ، إذ كما أن الذات في مثل الضارب باقية وقد انقضى عنها الضرب ، فكذا الذات في مثل المقتل الذي هو عبارة عن اليوم العاشر من المحرم باقية لتجدد ذلك اليوم في كل سنة و قد انقضى عنها القتل ، نعم لو كان الزمان في اسم الزمان موضوعا لخصوص تلك القطعة الخاصة من الحركة الفلكية التي وقع فيها القتل ، لكانت الذات فيه
1 ـ المدرك السابق ص 60 « فعليه كلما كان مفهومه متنزعا .. »

(90)
متصرمة ، كتصرم نفس المبدء ، الا انه لا موجب للحاظ الزمان كذلك ، فتأمل جيدا.
    ( الامر الخامس )
    المراد من الحال في قولهم : اطلاق المشتق على المتلبس بالمبدء في الحال يكون حقيقة ، ليس زمان الحال المقابل لزمان الماضي والاستقبال الذي هو عبارة عن زمان التكلم والنطق ، بل المراد من الحال ، هو حال التلبس بالمبدأ أي حال تحقق المبدء وفعلية قيامه بالذات. وبعبارة أخرى : المراد بالحال ، هو وجود العنوان المتولد من قيام العرض بمحله ، سواء كان مقارنا لزمان الحال ، كما إذا كان زيد ضاربا حين قولي : زيد ضارب ، أو كان سابقا على زمان الحال ، أو لاحقا له ، كما إذا قلت : كان زيد ضاربا ، أو سيكون زيد ضاربا.
    وبذلك يندفع : ما ربما يستشكل في المقام : من المنافاة ، بين الاتفاق على أن اطلاق المشتق على المتلبس في الحال يكون على وجه الحقيقة ، وبين الاتفاق على أن الأسماء مط لا تدل على الزمان ، سواء في ذلك الجوامد والمشتقات ، وانما قيل بدلالة الافعال على الزمان ، وهو أيضا محل منع كما سيأتي.
    وجه المنافاة ، هو انه لو لم يكن الزمان مأخوذا في مفهوم الاسم ، ولا جزء الموضوع له ، فكيف يكون اطلاق المشتق على المتلبس في الحال على وجه الحقيقة ؟ إذ معنى كونه على وجه الحقيقة ، هو انه تمام ما وضع له اللفظ ، فيكون زمان الحال جزء مدلول اللفظ ، وهذا كما ترى ينافي الاتفاق على عدم دلالة الأسماء على الزمان ، هذا.
    ومما ذكرنا من معنى الحال يظهر لك وجه الدفع وعدم المنافاة بين الاتفاقين ، إذ ليس المراد من ـ الحال ـ في اتفاقهم على أن اطلاق المشتق على المتلبس في الحال يكون حقيقة هو زمان الحال حتى يكون زمان الحال جزء مدلول المشتق ، بل المراد من ـ الحال ـ هو حال فعلية المبدء وتحققه ، غايته ان فعليته لابد ان يكون في زمان لاحتياج الزماني إلى الزمان ، الا ان ذلك غير كونه جزء مد لول اللفظ.
    ومما ذكرنا أيضا من معنى الحال يندفع اشكال آخر ، وهو ان النحاة قالوا : ان اسم الفاعل ان كان بمعنى الحال أو الاستقبال يعمل عمل الفعل المضارع ، وان
فوائد الاصول ـ الجزء الاول والثاني ::: فهرس