فوائد الاصول ـ الجزء الاول والثاني ::: 91 ـ 105
(91)
كان بمعنى الماضي لا يعمل عمل الفعل ، وهذا الكلام منهم ربما يوهم المنافاة لما اتفقوا عليه : من عدم دلالة الأسماء على الزمان ، هذا.
    ولكن قد عرفت عدم المنافاة ، إذ ليس المراد من الحال والاستقبال في قولهم : يعمل عمل الفعل ـ هو زمان الحال والاستقبال ، بل المراد حال تلبسه بالمبدء أو تلبسه فيما بعد في مقابل من كان متلبسا في السابق ، مع أنه لو فرض ان مرادهم من الحال والاستقبال هو زمان الحال والاستقبال ، فلا يلازم ان يكون اسم الفاعل بنفسه يدل على زمان الحال والاستقبال ، حتى ينافي قولهم بعدم دلالة الأسماء على الزمان ، بل يمكن استفادة زمان الحال والاستقبال من وقوع اسم الفاعل في طي التركيب ، حيث إن الكلام إذا كان مشتملا على الرابط الزماني : من ـ كان و أخواتها ـ أو السين وسوف الذين لا يدخلان الا على الفعل المضارع ، فلا محالة يستفاد منه الزمان الماضي أو زمان الاستقبال ، كقولك : كان زيد ضاربا ، أو سيكون زيد ضاربا. وان لم يكن مشتملا على الرابط الزماني كقولك : زيد قائم ، أو زيد ضارب ، فيستفاد منه زمان الحال بمقتضى ظهور اطلاق الكلام في ذلك ، وهذا معنى قولهم : ان الجملة الحملية ظاهرة في زمان الحال ، حيث إن الاخبار عن شيء يقتضى تحقق المخبر به في زمان النطق إذا لم تكن الجملة مشتملة على ما يصرفها عن هذا الظهور ، من الروابط الزمانية التي يستفاد منها المضي والاستقبال ، فلا منافاة بين قولهم : بعدم دلالة الأسماء على الزمان ، وبين قولهم : ان اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال يعمل عمل الفعل ، وقولهم : ان الجملة الخبرية ظاهرة في تحقق المخبر به في زمان النطق ، فان ظهور الجملة في ذلك انما يكون لمكان الاطلاق وعدم اقترانها بالرابط الزماني ، كما أن كون اسم الفاعل بمعنى الاستقبال انما يكون بالرابط الزماني ، لا ان نفس اسم الفاعل يدل على الزمان.
    وحاصل الكلام : ان البحث في باب المشتق ، انما يكون في مفهومه الافرادي من أنه حقيقة في خصوص المتلبس ، أو الأعم منه ومما انقضى عنه التلبس ؟ وكلامهم في ظهور الجملة الخبرية في تحقق المخبر به في حال النطق ، انما هو لمكان النسبة وظهور تركيب الكلام في ذلك عند خلوه عما يدل على تحقق المخبر به في


(92)
الماضي ، فلا ربط له بما نحن فيه من تعيين الفهوم الافرادي للمشتق ، كما لا يرتبط بالمقام ما حكى عن الفارابي والشيخ : من أن اتصاف الموضوع بالعنوان في القضايا الموجهة ، هل يكفي فيه الامكان ؟ كما عن الفارابي ، أو يعتبر الفعلية ووجود العنوان في أحد الأزمنة الثلاثة ؟ كما عن الشيخ الرئيس ، وذلك : لان كلامنا على ما عرفت ناظر إلى معنى المشتق وما هو مفهومه الافرادي ، وكلام الفارابي والشيخ ناظر إلى جهة صحة الحمل في القضية ، وانه هل يكفي في صحة الحمل امكان تحقق الوصف العنواني للموضوع في مقابل الامتناع ؟ أو يعتبر تحقق الوصف في حد الأزمنة ولا يكفي الامكان ؟ فالموضوع في قولنا : كل كاتب متحرك الأصابع ، هو ما يمكن ان يكون كاتبا وان لم يصدر منه الكتابة في زمان على رأى الفارابي ، أو ما يتحقق منه الكتابة في أحد الأزمنة على رأى الشيخ ، وكذا قولنا : كل مركوب زيد حمار ، هو ما أمكن ان يكون مركوب زيد وان لم يتلبس بالمركوبية في زمان من الأزمنة ، أو ما كان متلبسا في زمان ، وهذا كما ترى لا ربط له بما نحن فيه من أن معنى الكاتب و المركوب ما هو ؟.
    وحاصل الكلام : ان كلام الفارابي والشيخ انما هو في أن المحمول الذي يكون موجها بإحدى الجهات ، من الضرورة والامكان والفعلية هل يصح حمله على موضوع لم يتلبس بالوصف العنواني في زمان من الأزمنة الا انه ممكن التلبس ؟ أو انه لا يصح الا إذا تلبس به في أحد الأزمنة ؟ وهذا أجنبي عما نحن فيه من معنى المشتق وان صدقه بالنسبة إلى المستقبل مجاز وبالنسبة إلى حال التلبس حقيقة و بالنسبة إلى ما انقضى حقيقة أو مجاز على الخلاف ، فلا يتوهم المنافاة ، بين ما حكى عن الفارابي والشيخ في ذلك المقام ، وبين ما ذكرناه في هذا المقام ، كما لا يتوهم المنافاة ، بين ما ذكرناه في الامر الثاني : من اعتبار التلبس بالعنوان بالفعل في الذاتيات ولا يكفي التلبس فيما مضى فضلا عن التلبس في المستقبل ، وبين ما ذكره الفارابي : من كفاية امكان التلبس بالعنوان في عقد الوضع في صحة الحمل ، بناء على تعميم العنوان في كلامه بالنسبة إلى الذاتيات كما هو الظاهر ، وذلك لما عرفت من أن كلامه في صحة الحمل ، وكلامنا في المفهوم الافرادي ، فتأمل جيدا.


(93)
    ( الامر السادس )
    هل النزاع في المقام راجع إلى ناحية الاستعمال ، وان استعمال المشتق فيما انقضى عنه المبدء حقيقة أو مجاز أو ان النزاع راجع إلى ناحية التطبيق والانطباق ؟ ولا بد قبل ذلك من بيان المراد من الاستعمال ، والتطبيق ، والانطباق.
    فنقول : ان الاستعمال عبارة عن القاء المعنى باللفظ وجعل اللفظ مرآة له ، فان كان ذلك هو المعنى الموضوع له اللفظ ، كان الاستعمال على وجه الحقيقة. وان لم يكن ما وضع له اللفظ ، فان كان هناك علاقة بينه وبين الموضوع له ، كان الاستعمال على وجه المجاز ، وان لم يكن علاقة كان الاستعمال غلطا ، فالاستعمال يتصف بكل من الحقيقة والمجاز والغلطية.
    واما الانطباق ، فهو عبارة عن انطباق المعنى الكلي على مصاديقه وصدقه عليها ، وهذا لا يتصف بالحقيقة والمجاز ، بل هو من الأمور الواقعية التكوينية ، يتصف بالوجود والعدم إذ الكلي اما منطبق على هذا واما غير منطبق ، هذا بحسب الواقع. واما بحسب الاطلاق فكذلك لا يتصف بالحقيقة والمجاز ، بل بالصدق والكذب ، فلو أطلق الكلي على ما يكون مصداقا له يكون الكلام صادقا ، وان أطلق على ما لايكون مصداقا له يكون الكلام كاذبا ، فاطلاق الانسان على زيد يكون صدقا ، واطلاقه على الحمار يكون كذبا ، ومن هنا أنكر على السكاكي القائل بالحقيقة الادعائية ، بأنه لا معنى للحقيقة الادعائية ، إذ اطلاق الأسد بمعناه الحيوان المفترس على زيد الشجاع يكون كذبا ، ومجرد الادعاء لا يصحح الكلام.
    والحاصل : انه لو أطلق الأسد على زيد من دون تصرف في معنى الأسد ، بل يراد منه معناه الحقيقي الذي هو الحيوان المفترس ، يكون هذا الكلام كذبا ، و مجرد الادعاء بان زيدا من افراد الأسد لا يخرج الكلام عن الكذب ، بل يكون في ادعائه لها أيضا كاذبا ، فاطلاق الأسد على زيد انما يصح إذ توسع في معنى الأسد بجعل معناه مطلق الشجاع الصادق على الحيوان المفترس وعلى زيد الشجاع ، ثم بعد هذه التوسعة يطلق الأسد على زيد فيكون زيد من افراد المعنى الموسع فيه حقيقة ، و يكون من مصاديقه واقعا إذا كان شجاعا ، فالاطلاق يكون ح على نحو الحقيقة وان


(94)
كان استعمال الأسد في مطلق الشجاع مجازا ، لأنه استعمال في خلاف ما وضع له.
    وبالجملة : صحة اطلاق شيء على شيء انما يكون بتوسعة في ناحية ذلك الشيء على وجه يعم ذلك الشيء الذي أطلق عليه ، فتارة يكون الشيء هو بنفسه موسعا بلا عناية ويكون نسبته إلى المصاديق نسبة المتواطي ، كما لو أطلق الماء على ماء الدجلة والفرات ، ففي مثل هذا يكون كل من الاطلاق والاستعمال حقيقيا إذا لم يكن الاطلاق بلحاظ الخصوصية الفردية ، بل جرد الفرد عن الخصوصية وأريد به نفس تلك الحصة من الطبيعة الموجودة في ضمنه.
    وأخرى : لايكون الشيء هو بنفسه بلا عناية يعم ذلك الشيء الذي أطلق عليه ، وان كان من افراده الحقيقية ، الا ان نسبته إلى ذلك الشيء نسبة المشكك لا المتواطي كاطلاق الماء على ماء الزاج والكبريت ، فان ماء الزاج والكبريت و ان كان من افراد الماء حقيقة ، الا ان الماء لما كان منصرفا عن ذلك فاطلاق الماء عليه يحتاج إلى نحو عناية وتوسعة ، ولكن تلك العناية لا توجب المجازية ، بل يكون أيضا كل من الاطلاق والاستعمال على وجه الحقيقة.
    وثالثة : لايكون الشيء مما يعمه على وجه الحقيقة ، بل يكون مباينا له بالهوية ، الا انه يصح تعميم دائرة الشيء على وجه يكون ذلك الشيء من افراده حقيقة بعد التعميم ، وذلك كصحة تعميم الأسد لمطلق الشجاع لمكان العلاقة ، وبعد التعميم والتوسعة في دائرة مفهوم الأسد يطلق على زيد الشجاع ، ويكون زيد من افراد المفهوم الموسع حقيقة ، وان كان استعمال الأسد في مطلق الشجاع مجازا ، لأنه خلاف ما وضع له اللفظ.
    إذا عرفت ذلك فنقول : ان السكاكي ان أراد من قوله : اطلاق الأسد على زيد يكون حقيقة ادعائية ، هو انه يطلق الأسد على زيد من دون توسعة في دائرة مفهوم الأسد ، فهذا مما لا معنى له ويكون الكلام كذبا ، وان أراد ان الاطلاق بعد التوسعة في دائرة مفهوم الأسد ، فهذا هو المجاز الذي يقول به المشهور ، ويكون من المجاز في الكلمة ، حيث إنه قد استعمل لفظ الأسد في مطلق الشجاع ، وهو خلاف ما وضع له فتأمل ، فان الانكار على السكاكي ربما لا يساعد عليه الشخص ابتداء و


(95)
ان كان بعد التأمل يعترف (1) بفساد مقالته.
    وعلى كل حال ، فلنرجع إلى ما كنا فيه من أن النزاع في المقام ، هل هو في صحة الاطلاق والتطبيق ؟ أو في الحقيقة والمجاز بالنسبة إلى استعمال المشتق فيما انقضى عنه المبدء ؟ ربما قيل : ان النزاع في المقام انما هو في صحة الاطلاق وتطبيق عنوان المشتق على ما انقضى عنه المبدء ، لا في أن استعماله فيما انقضى عنه المبدء حقيقة أو مجاز. قلت : هذا الكلام بمكان من الغرابة ، ضرورة ان اطلاق عنوان على شيء وتطبيقه على المصاديق يتوقف على معرفة ذلك العنوان إذ لا معنى للتطبيق مع الجهل بالعنوان.
    وبالجملة : صحة اطلاق المشتق على ما انقضى عنه المبدء وعدم صحته يتوقف على معرفة الموضوع له للمشتق ، والكلام بعد في أصل مفهوم المشتق وما وضع له ، فكيف يكون النزاع في الاطلاق والتطبيق ؟ مع أن انطباق الكلي على مصاديقه امر خارجي تكويني لا معنى لوقوع النزاع فيه من الاعلام.
    والحاصل : ان صدق عنوان الضارب على زيد الذي انقضى عنه الضرب و عدم صدقه يدور مدار مفهوم الضارب وان الموضوع له ما هو ؟ فان قلنا : ان الموضوع له هو المعنى الأعم من المتلبس بالحال وما انقضى عنه المبدء ، فلا محالة يصدق على زيد عنوان الضارب ، وان قلنا : ان الموضوع له هو خصوص المتلبس ، فلا يصدق على زيد عنوان الضارب ، فالعمدة هو تعيين الموضوع له وما هو المفهوم الافرادي ، فكيف صار النزاع في صحة الاطلاق والتطبيق ، مع أنه بعد لم يتضح الموضوع له.
    هذا كله ، مضافا إلى أن جعل محل النزاع هو الاطلاق والانطباق ، انما يصح فيما إذا كان هناك فرد أطلق عليه عنوان المشتق كما في زيد الضارب وعمر و
1 ـ هذا ما افاده شيخنا الأستاذ مد ظله في هذا المقام ، ولكن ربما يختلج في البال ان الكذب لازم على كل حال ، سواء قلنا بالتوسعة في ناحية المفهوم ، أو قلنا بمقالة السكاكي : من الحقيقة الادعائية وان اطلاق الأسد على زيد لمكان ادعاء انه من افراد الحيوان المفترس. نعم لو قلنا بان المجاز عبارة عن استعمال اللفظ في خلاف ما وضع له لعلاقة بين المعنيين من دون ان يكون هناك تصرف لا في ناحية المفهوم ولا في ناحية الفرد ـ كما هو المشهور في الألسن ـ لما كان يلزم كذب في الكلام أصلا ، فتأمل ـ منه.

(96)
الراكب ، وأما إذا لم يكن هناك فرد أطلق عليه عنوان المشتق ، كقولك : جئني بضارب ، أو تحرم أم الزوجة وما شابه ذلك من العناوين الكلية التي تكون موضوعا للأحكام ، فلا اطلاق هناك ولا تطبيق وانطباق ، بل عنوان كلي وقع موضوعا لحكم ، فلابد ان يكون النزاع في هذا في نفس المفهوم الافرادي وحقيقة الضارب و أم الزوجة ، والمفروض ان عقد البحث في المشتق انما هو لمعرفة مفاهيم تلك العناوين ليصح موضوع الحكم.
    والحاصل : ان التكلم في الاطلاق والتطبيق ، انما هو فيما إذا كان التطبيق مذكورا في الكلام صريحا ، كقولك زيد ضارب. وأما إذا لم يكن التطبيق مذكورا في الكلام صريحا ، سواء كان مذكورا فيه ضمنا ، كقولك : رأيت ضاربا حيث إن الرؤية لابد ان تتعلق بشخص ، أو لم يكن مذكورا فيه ولو ضمنا ، كما في العناوين المشتقة التي وقعت موضوعا للأحكام الشرعية ، كقوله ( عليه السلام ) مثلا يكره البول تحت الشجرة المثمرة أو تحرم أم الزوجة وما شابه ذلك ، فلا محالة ان يكون التكلم فيه من حيث الحقيقة والمجاز وتعيين ما هو الموضوع له لتلك العناوين المشتقة. وثمرة النزاع انما تظهر في مثل هذا ، إذ غالب الفروع التي رتبها الاعلام على مسألة المشتق ، انما ترتب على العناوين الكلية التي وقعت موضوعا للأحكام الشرعية ، ومع هذا كيف يصح ان يقال : ان الكلام في المقام في الاطلاق و الانطباق ؟ ولو كان من عادتنا إساءة الأدب ، لأسئنا الأدب بالنسبة إلى من قال بهذه المقالة كما أساء الأدب بالنسبة إلى الاعلام. فتأمل في المقام جيدا ، حتى لا تعثر بمقالته.
    ( الامر السابع )
    في شرح الحال في الاشتقاق ومبدء الاشتقاق.
    اعلم : ان بناء المتقدمين كان على أن مبدء الاشتقاق هو المصدر ، وحكى عن المتأخرين ان مبدء الاشتقاق هو اسم المصدر. والحق : انه لا هذا ولا ذلك ، و توضيحه يتوقف على بيان المراد من المصدر واسم المصدر وما هو المايز بينهما ، وان كان قد تقدم منا في المعاني الحرفية شرح ذلك على وجه الاجمال ، ونزيده في المقام


(97)
وضوحا.
    فنقول : انه لا اشكال في أن المقولة هي بنفسها من الماهيات الامكانية في قبال الماهية الجوهرية ، وفي عالم الهوية لا ربط لاحديهما بالأخرى ، ولكن ماهية العرض تحتاج في مقام التحقق إلى محل تقوم به ، لعدم امكان قيام الماهية العرضية بنفسها ، بل وجودها انما يكون بوجود الموضوع ، ومن هنا قالوا : ان وجود العرض لنفسه وفي نفسه عين وجوده لمحله وفي محله ، والمراد من عينية الوجود للمحل هو الاتحاد في الوجود خارجا ، بحيث لايكون هناك أمران منحازان في الخارج ، ولأجل ذلك صح لحاظ العرض بما هو هو ، وبما هو قائم بالمحل ومتحد وجوده مع وجوده. و بعبارة أخرى تارة : يلاحظ بشرط لا عما يتحد معه ، وأخرى : يلاحظ لا بشرط عما يتحد معه : فان لوحظ بما هو هو وبشرط لا عما يتحد معه وبما انه شيء من الموجودات الامكانية ، يقال له العرض كالسواد والبياض ، وان لوحظ بما هو قائم بالمحل ولا بشرط عما يتحد معه في الوجود وبما انه وجود رابطي ، يقال له العرضي كالأبيض والأسود. وبعبارة أخرى تارة : يلاحظ أمرا مباينا غير محمول ، وأخرى : يلاحظ أمرا متحدا محمولا كقولك : زيد ابيض ، حيث إنه يصح ذلك ، ولا يصح قولك : زيد بياض.
    ثم إن العرض ان لو حظ أمرا مباينا غير محمول ، فاما ان يلاحظ بما هو هو ، من دون لحاظ انتسابه إلى محله ، فهو المعبر عنه باسم المصدر ، حيث قيل في تعريفه : انه ما دل على نفس الحدث بلا نسبة. واما ان يلاحظ منتسبا إلى فاعله ، فتارة : يكون اللحاظ بنسبة ناقصة تقييدية ، وهو المعبر عنه بالمصدر كقولك : ضرب زيد ، وأخرى : بنسبة تامة خبرية ، وهو المعبر عنه بالفعل باقسامه الثلاثة : من الماضي والمضارع والامر ، فيشترك كل من المصدر والفعل في الدلالة على النسبة ، غايته ان هيئة المصدر تدل على النسبة الناقصة التقييدية على ما قيل ، وان كان لنا فيه كلام يأتي انشاء الله تعالى ، وهيئة الفعل تدل على النسبة التامة الخبرية ، فإذا كان معنى المصدر هو ذلك ، فلا يمكن ان يكون هو مبدء الاشتقاق ، بداهة انه يكون للمصدر ح هيئة تخصه ، ويكون بما له من المعنى مباينا لسائر المشتقات ، فكيف يكون هو مبدء


(98)
الاشتقاق ؟ مع أنه يعتبر في مبدء الاشتقاق ان يكون معرى عن الهيئة حتى يمكن عروض الهيئات المشتقة عليها ، وما يكون له هيئة مخصوصة غير قابل لذلك ، إذ لا يعقل عروض الهيئة على الهيئة ، فالمصدر بما له من المادة والهيئة لا يمكن ان يكون مبدء الاشتقاق. وكذا الحال في اسم المصدر ، إذ اسم المصدر على ما عرفت ، هو عبارة عن نفس الحدث بشرط انتسابه إلى محله ، والغالب اتحاد هيئته مع هيئة المصدر من دون ان يكون له هيئة تخصه ، كما في الضرب والقتل ، وغير ذلك من المصادر التي يمكن ان يراد منها الاسم المصدر ، وقد يكون له هيئة تخصه ، كما في الغسل بالضم حيث إنه اسم المصدر والمصدر هو الغسل بالفتح. وعلى كل حال : اسم المصدر أيضا بما له من المعنى والهيئة يباين معاني سائر المشتقات وهيئاتها ، فلا يصح ان يكون هو مبدء الاشتقاق ، بل لابد ان يكون مبدء الاشتقاق أمرا معرى عن كل هيئة ( كالضاد ) و ( الراء ) و ( الباء ) ولا بأس بالتعبير عنه بالضرب من دون لحاظ وضع هيئة ودلالتها على النسبة ، بل تكون الهيئة لمجرد حفظ المادة ليسهل التعبير عنها.
    وحاصل الكلام : انه لابد ان يكون مبدء الاشتقاق من حيث المعنى و اللفظ لا بشرط ، ليكون قابلا لان يرد على لفظه كل هيئة مع انحفاظ معناه في جميع المعاني المشتقة ، ومعنى المصدر واسم المصدر ، انما يكون بشرط شيء كما في المصدر حيث يلاحظ فيه الانتساب ، أو بشرط لا كما في اسم المصدر حيث يلاحظ فيه عدم الانتساب ، فلا يصلحان لان يكونا مبدء الاشتقاق ، فتأمل في المقام جيدا هذا.
    ولكن لا يخفى عليك : ان ما قيل : من أن المصدر بهيئته يدل على الانتساب مما لا معنى له ، بداهة ان الانتساب انما يستفاد من إضافة المصدر إلى فاعله ، كما هو الغالب ، والى مفعوله نادرا كما في قولك : ضرب زيد عمروا حيث يكون زيد فاعلا ، أو ضرب زيد عمرو بالرفع حيث يكون عمرو فاعلا ، وعلى كل تقدير ليست هيئة المصدر موضوعة للدلالة على انتساب الحدث إلى فاعله بالنسبة الناقصة التقيدية ، كوضع هيئة الافعال للدلالة على النسبة التامة الخبرية ، بل النسبة انما تستفاد من


(99)
الإضافة أي إضافة المصدر إلى معموله ، بحيث لولا الإضافة لما كاد يستفاد نسبة أصلا ، بل المصدر بهيئته انما وضع للدلالة على ذات المنتسب ، لكن لا بشرط عدم لحاظ الانتساب ، كما في اسم المصدر ، بل في حال قابليته للانتساب.
    وبعبارة أخرى : المصدر انما وضع للحدث في حال صدوره عن فاعله ، لا بما هو هو كما في اسم المصدر ، ولا بما هو منتسب كما في الافعال ، وبهذا يباين المصدر كل من الفعل واسم المصدر. فلا يتوهم انه إذا لم تكن هيئة المصدر موضوعة للدلالة على النسبة الناقصة التقييدية بل كان المصدر بهيئته موضوعا لنفس ذات الحدث المنتسب ، فاما ان يرتفع المايز بينه وبين اسم المصدر إذا لوحظ ذات المنتسب بشرط عدم الانتساب ، واما ان لا يلاحظ ذلك بل يكون لا بشرط من هذه الجهة فيكون هو المعنى المحفوظ في جميع الصيغ المشتقة ، ويلزمه ان يكون هو مبدء الاشتقاق.
    وذلك : لان اسم المصدر موضوع لنفس الحدث الغير القابل للانتساب ، فمعناه ملحوظ بشرط لا ، والمصدر بمادته وهيئته موضوع للحدث القابل لورود الانتساب عليه ، فالتباين بين المصدر واسم المصدر أوضح من أن يخفى. وكذا عدم امكان كون المصدر مبدء الاشتقاق ، لان للمصدر هيئة تخصه ، وما كان له هيئة مخصوصة لا يمكن ان يكون مبدء الاشتقاق ، لاعتبار ان يكون مبدء الاشتقاق معرى عن الهيئة القابل لطرو الهيئات المختلفة عليه.
    فتحصل : ان كلا من المصدر واسم المصدر والافعال والمفاعيل و اسم الفاعل والصفة المشبهة وغير ذلك من المشتقات ، انما يشتق من مبدء واحد محفوظ في جميع هذه الصيغ ، وهو في حدث الضرب يكون ( الضاد ) و ( الراء ) و ( الباء ) وفي حدث القتل يكون ( القاف ) و ( التاء ) و ( اللام ) وهكذا الحال في سائر الاحداث والاعراض.
    هذا كله في الاشتقاق اللفظي ، وقد عرفت ان جميع الصيغ تشتق في عرض واحد من مبدء واحد ، وليست الصيغ المشتقة مترتبة في الاشتقاق لفظا ، أو تكون بعض الصيغ مشتقة من بعض آخر ، بل الكل يشتق من امر واحد.
    واما المعاني التي تكفلتها الصيغ المشتقة ، فلا اشكال في أن بينها ترتبا ،


(100)
بحيث يكون بعض المعاني متولدا من بعض آخر. وتفصيل ذلك هو انه لا اشكال في أن معنى الاسم المصدري متولد عن المعنى المصدري ، ومن هنا قيل في تعريف اسم المصدر : بأنه ما حصل من المصدر. والسر في ذلك : هو ان اسم المصدر عبارة عن نفس الحدث والعرض كما تقدم ، ومن المعلوم : ان تحقق العرض انما هو لمكان انتسابه إلى محله ، إذ لا وجود له مع قطع النظر عن الانتساب ، فلا بد ان يحصل الغسل ( بالفتح ) من الشخص حتى يتحقق الغسل ( بالضم ) وذلك واضح.
    واما المصدر فقد اختلف في تقدم معناه على معنى الفعل الماضي أو تأخره ، و قد نسب إلى الكوفيين تأخره وان معناه اشتق من معنى الفعل الماضي ، وذلك لان الفعل الماضي انما هو متكفل لبيان النسبة التحققية أي كون العرض متحققا في الخارج مع انتسابه إلى فاعله بنسبة تامة خبرية ، فالماضي انما يدل على تحقق الحدث من فاعله وليس مفاده أزيد من ذلك وما اشتهر من أنه يدل على الزمان الماضي فهو اشتباه ، بل إن فعل الماضي بمادته وهيئته لا يدل الا على تحقق الحدث من فاعله ، نعم لازم الاخبار بتحققه عقلا هو سبق التحقق على الاخبار آنا ما قبل الاخبار والا لم يكن اخبارا بالتحقق ، وأين هذا من أن يكون الزمان الماضي جزء مدلول الفعل الماضي ، وكيف يعقل ذلك ؟ مع أن هيئة الفعل الماضي انما وضعت للدلالة على النسبة التحققية ، وهي معنى حرفي ، ولذا كان الفعل الماضي مبنيا الذي هو لازم المعنى الحرفي ، والزمان انما يكون معنى اسميا استقلاليا ، فلا يعقل ان يكون مفاد الحرف معنى اسميا.
    والحاصل : ان دلالة الفعل الماضي على الزمان ، اما ان يكون بمادته ، واما ان يكون بهيئته. اما المادة فهي مشتركة بين الافعال والأسماء المشتقة ، فليس فيها دلالة على الزمان والا كانت الأسماء المشتقة أيضا لها دلالة على الزمان ، وهو ضروري البطلان. واما الهيئة : فليس مفادها الا انتساب العرض إلى محله بالنسبة التحققية ، وذلك معنى حرفي لا يمكن ان يدل على الزمان الذي هو معنى اسمى ، فإذا كان مفاد الفعل الماضي هو تحقق العرض منتسبا إلى محله ، فهذا أول نسبة يتحقق بين العرض والمحل ، لأنه واقع في رتبة الصدور والتحقق ، وقبل ذلك لا تكون الا


(101)
الماهية الامكانية المباينة لماهية المحل ، فانتساب العرض إلى محله بالنسبة التحققية التي تكون تامة خبرية يكون أول النسب ، ثم بعد ذلك تحصل النسبة الناقصة التقييدية التي تكون مفاد المصدر بالبيان المتقدم بداهة انه بعد تحقق الضرب من زيد وصدوره عنه يضاف الضرب إلى زيد ، ويقال : ضرب زيد كذا من الشدة و الضعف ، فإضافة العرض إلى الذات بالإضافة التقييدية التي تكون مفاد المصدر ، تكون متأخرة عن إضافة العرض إلى الذات بالإضافة الفاعلية التحققية ، التي تتكفلها هيئة الفعل الماضي.
    ومن هنا قيل : ان الأوصاف قبل العلم بها اخبار ، كما أن الاخبار بعد العلم بها أوصاف ، إذ معنى ذلك هو ان توصيف الذات بالشيء كزيد العالم مثلا يكون متأخرا عن العلم بتحقق الوصف منه الذي يخبر به ، كقولك : زيد عالم ، فبعد الاخبار بعالمية زيد يتصف زيد بالعالمية عند المخاطب الجاهل واقعا أو المفروض جهالته في مقام الاخبار ، فتنقلب النسبة التامة الخبرية من قولك زيد عالم إلى النسبة الناقصة التقييدية من قولك : زيد العالم. هذا في الجمل الاسمية ، وقس على ذلك الجمل الفعلية بعد اخبارك بضرب زيد بقولك : ضرب زيد ، تنقلب النسبة التامة الخبرية إلى النسبة الناقصة التقييدية ، ويقال : ضرب زيد مثلا شديد. فهذا معنى ما نسب إلى الكوفيين ، من اشتقاق المصدر من الفعل الماضي ، فان مرادهم من الاشتقاق هو ترتب معناه على معناه ، لا انه مشتق منه لفظا ، هذا.
    ولكن شيخنا الأستاذ مد ظله ، لم يرتض هذه المقالة ، وقال : يتأخر رتبة معنى الفعل الماضي عن معنى المصدر ، والتزم بان ما اشتهر : من أن الأوصاف قبل العلم بها اخبار والاخبار بعد العلم بها أوصاف ، مقصور على الجمل الاسمية. و السر في ذلك : هو ان المصدر ـ على ما تقدم ـ عبارة عن الحدث القابل للانتساب ، ولم يؤخذ فيه انتساب فعلى ، ومن المعلوم : ان الحدث القابل للانتساب هو الذي يصدر من الفاعل ، فالنسبة التحققية التي تكفلها هيئة الماضي متأخرة بالرتبة عن معنى المصدر فتأمل.
    وعلى كل حال : فان وقع الاختلاف في اشتقاق المصدر عن الفعل


(102)
الماضي أو اشتقاق الفعل الماضي عن المصدر ، فلم يقع خلاف بينهم في اشتقاق الفعل المضارع عن الفعل الماضي بمعنى تأخر رتبته على رتبة الفعل الماضي ، وذلك لما عرفت : من أن الفعل الماضي بهيئته يدل على النسبة التحققية التي هي أول نسبة يمكن ان تفرض بين العرض ومحله ، وهذا بخلاف الفعل المضارع فإنه يدل على انتساب الذات إلى العرض واتصافها به كقولك : يضرب زيد ، فان مفاده تكيف زيد بالضرب وتلونه واتصافه به ، ومن المعلوم : ان هذا متأخر رتبة عن تحقق العرض منتسبا إلى فاعله ، إذ بعد التحقق تتكيف الذات بتلك الكيفية وتوصف به.
    والحاصل : انه في الفعل الماضي يلاحظ العرض منتسبا إلى فاعله بالنسبة التحققية فيقال : ضرب زيد ، وفي الفعل المضارع يلاحظ الذات متصفة بالعرض فيقال : يضرب زيد ، ومن المعلوم : ان رتبة اتصاف الذات بالعرض متأخرة عن رتبة تحقق العرض عن الذات ، إذ بعد التحقق وصدور العرض من الذات يتصف به الذات ، فمعنى المضارع انما يتولد من الفعل الماضي ، فهذه هي النسبة الثانية للعرض ، والنسبة الأولى هي النسبة التحققية.
    ثم إن ما اشتهر : من أن المضارع يكون بمعنى الحال والاستقبال أيضا من الاشتباهات ، فان الظاهر من اطلاق الفعل المضارع من قولك : يضرب أو يقول و غير ذلك هو التلبس الحالي ، وصرفه إلى الاستقبال يحتاج إلى قرينة من ادخال السين وسوف ، والا فظهوره الأولى هو التلبس بالحال ، كما هو الظاهر من قوله تعالى : ويقول الذين كفروا الخ ، فان الظاهر منه هو ان حال نزول الآية كان ما تكفلته الآية مقولا لقول الكفار ، لا انهم بعد ذلك يقولون ويصدر منهم ذلك القول. وعلى كل حال ، فقد ظهر لك تأخر رتبة المضارع عن الماضي.
    ثم إن رتبة اسم الفاعل متأخرة عن رتبة المضارع ، لان مفاد اسم الفاعل انما يكون عنوانا متولدا من قيام العرض بمحله واتصافه به ، فان مفاده هو الاتحاد في الوجود ، وعينية وجود العرض لمحله ، وهذا المعنى كما ترى متأخر بالرتبة عن تحقق العرض من فاعله الذي هو مفاد الفعل الماضي ، وعن اتصاف الذات بالعرض الذي هو مفاد الفعل المضارع ، فمفاد اسم الفاعل انما يتولد من مفاد الفعل المضارع. ومن


(103)
هنا قيل : ان اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال يعمل عمل الفعل المضارع ، لان المضارع مبدئه القريب ، بخلاف الماضي فإنه يكون مبدئه البعيد ، فنسبة اسم الفاعل واقعة في المرتبة الثالثة من النسب.
    ثم بعد ذلك ، تصل النوبة إلى نسبة ملابسات الفعل من المفاعيل ، من حيث وقوع الضرب من زيد في زمان خاص ، أو مكان مخصوص ، فيقال : زيد ضارب في المسجد ، أو في الليل وأمثال ذلك ، فنسبة ملابسات الفعل تكون في المرتبة الرابعة من النسب.
    ( الامر الثامن )
    في بساطة مفهوم المشتق وتركيبه ، وهو من أشكل الأمور المبحوث عنها في المشتق ، وقبل بيان المختار لابد من تقديم أمور :
    الأول : الظ ان هناك ملازمة ، بين القول بدلالة هيئة المشتق على النسبة الناقصة التقييدية ، والقول بأخذ الذات في مفهومه ، إذ المراد من النسبة الناقصة نسبة المبدء إلى الذات ، فلابد من دلالته على الذات التي هي طرف النسبة ، كدلالته على المبدء الذي هو الطرف الآخر لها ، فلا يجتمع القول بخروج الذات عن مفهوم المشتق مع القول بدلالته على النسبة الناقصة التقييدية (1) فتأمل.
    الثاني : المراد من التركيب المتنازع فيه في المقام ، هو التركيب بحسب التحليل العقلي في عالم الادراك واخذ المفهوم ، بحيث يكون المدرك العقلاني من ضارب ، هو من جملة الذات التي ثبت لها الضرب على وجه يكون مدلول اللفظ هو هذه الجملة المركبة من الذات والمبدء وثبوته لها ، ويقابله البساطة ، فإنه معنى البساطة هو خروج الذات عن مدلوله ، بحيث يكون المدرك العقلاني من ضارب مثلا أمرا واحدا ومعنى فاردا ليست الذات داخلة فيه.
    والحاصل : ان للقائم مثلا وجودا خارجيا ، ووجودا عقلانيا ، اما الوجود
1 ـ يمكن ان يقال : بأنه موضوع لنفس النسبة مع خروج المنتسبين عن المدلول ، كخروج الفاعل عن مدلول الفعل ، مع أنه وضع للنسبة التحققية في الماضي ـ منه.

(104)
الخارجي : فهو عبارة عن الهيئة الخاصة والشكل المخصوص القائم بالهواء. واما الوجود العقلاني المدرك من اطلاق القائم فهو المتنازع فيه من حيث اخذ الذات فيه ، فمن يقول بالتركيب ، يقول : ان المدرك العقلاني والمفهوم من قائم ، هو الذات التي ثبت لها تلك الهيئة الخاصة والقائم بها ذلك المبدء. ومن يقول بالبساطة يقول : بخروج الذات عن المفهوم ، وانما المفهوم من قائم هو عنوان الذات يتولد من قيام المبدء بها ، من دون ان يكون الذات جزء المفهوم والمدرك حتى عند التحليل العقلي ، إذ التركيب ولو تحليلا ينافي البساطة.
    فما يظهر من بعض الاعلام : من الالتزام بالتركيب عند التحليل العقلي مع الالتزام بالبساطة (1) مما لا وجه له.
    ثم إن اخذ الذات في مفهوم المشتق يتصور على وجهين :
    الأول : ان يكون الذات المبهمة الكلية مأخوذة فيه بمعنى اخذ ذات ما فيه.
    الثاني : اخذ الذوات الشخصية في مفهومه من باب الوضع العام والموضوع له الخاص ، وسيأتي ما في كلا الوجهين انشاء الله تعالى.
    الثالث :
    حكى عن الشيخ قده ، انه قاس المشتق بالجوامد من حيث عدم اخذ الذات فيه ، وقال : كما أن الذات لم تؤخذ في مفهوم الجوامد ، وليس معنى الحجر هو ذات ثبت له الحجرية ، بل هو معنى بسيط ، فكذلك المشتق لم تكن الذات مأخوذة فيه. و قد تعجب من هذا القياس بعض وقال في وجه التعجب : ان الذات لا محالة مأخوذة في مفهوم الجوامد ، إذ الحجر مثلا من أسماء الذوات ، فلا يعقل خروج الذات عنه ، فلا مجال لقياس المشتقات بالجوامد. ثم أشكل على ما افاده الشيخ قده بقوله : أولا ، و ثانيا ، وثالثا ، ورابعا ، وخامسا ، كما لا يخفى على المراجع هذا.
1 ـ هذا ما ذكره شيخنا الأستاذ مد ظله ، ولكن حكى انه يظهر من كلمات القوم : ان القائلين بالبساطة مختلفون ، فمنهم من يقول ببساطة المفهوم وان كان عند التحليل العقلي مركبا ، ومنهم من يقول بالبساطة حتى عند التحليل ، فراجع ـ منه.

(105)
    ولكن الظ ان القياس في محله ، وذلك : لان الحجر وان كان من أسماء الذات ، الا ان منشأ توهم دخول الذات في المشتق هو بعينه موجود في الجوامد ، و يلزمه القول بتركيب الجوامد مع بداهة بساطتها ، إذ لا منشأ لتوهم تركب المشتق من المبدء والذات ، سوى ان المبدء في المشتق انما يلاحظ لا بشرط عما يتحد معه من الذات الذي بهذا اللحاظ يكون عرضيا ويصح حمله على الذات ، على ما سيأتي من معنى اللابشرطية في المقام ، بخلاف ما إذا لوحظ بشرط لا ، فإنه يكون عرضا غير محمول. وهذا اللحاظ أي لحاظ اللابشرطية بعينه موجود فيما يتحصل منها الأنواع ، كالانسان ، والشجر ، والحجر ، وغير ذلك ، فان المادة أو الصورة ان لوحظت بشرط لا ، يكون كل منها مباينا للاخر ، ولا يصح حمل أحدهما على الاخر ولا حملهما على ثالث ، بل تكون المادة ح صرف القوة مباينة للصورة التي هي فعلية صرفة. وان لوحظت لا بشرط يصح حمل أحدهما على الآخر وحملهما على ثالث ، ويعبر عن أحدهما حينئذ بالجنس والاخر بالفصل ، فان الجنس هو المادة وانما الفرق بينهما بالاعتبار ، حيث إن المادة تعتبر بشرط لا ، والجنس يعتبر لا بشرط ، وكذا الحال في الصورة و الفصل. وحينئذ ان كان لحاظ مبدء الاشتقاق في المشتقات لا بشرط موجبا لدخول الذات فيه ، فليكن لحاظ الجنس لا بشرط عما يتحد معه من الفصل موجبا لدخول الفصل في الجنس ، وكذلك دخول الجنس في الفصل ، إذ الفصل أيضا يلاحظ لا بشرط عن الجنس ، فيلزم دخول الجنس في الفصل ، والفصل في الجنس ، ودخولهما في النوع ، ودخول النوع في كل منهما ، فان حمل الحيوان على الانسان في قولك : الانسان حيوان انما يكون بعد لحاظ الحيوان لا بشرط عن اتحاده مع الانسان ، والا بان لوحظ بشرط لايكون ح صرف المادة ، ولا يصح حمله على الانسان ، فلو كان لحاظ الشيء لا بشرط عما يتحد معه موجبا لدخول ذلك المتحد مع الشيء في الذات لكان يلزم دخول الانسان في الحيوان عند حمله عليه ، فان ما يكون حيوانا هو الانسان ، وما يكون انسانا هو الحيوان ، وكذلك في الفصل. وهذا معنى ما قلنا : من أنه يلزم دخول كل من الجنس والفصل والنوع في مفهوم الاخر ، مع أن ذلك بديهي البطلان.
فوائد الاصول ـ الجزء الاول والثاني ::: فهرس