|
|||
(211)
ما بين الطلوع والغروب ، ويكون هذا هو الصوم المأمور به ، فلو اختل أحد الشرائط في جزء من النهار لم يكن الامساك حينئذ واجبا واقعا ، إذ امساك بعض اليوم لم يكن واجبا وليس صوما شرعا ، وحينئذ كان مقتضى القاعدة عدم وجوب الامساك من أول الفجر عند العلم باختلال بعض الشرائط ، كمن يعلم أنه يسافر في أثناء النهار أو علمت المرأة انها تحيض ، فوجوب الامساك عليه وثبوت الكفارة يحتاج إلى دليل تعبدي ، ولا يكفي في ذلك أدلة نفس وجوب الصوم.
وأما إذا كان الزمان قيدا للحكم ، فيصير المعنى ، ان الحكم بوجوب الصوم والامساك مستمر إلى الغروب ، بحيث يكون الغروب منتهى عمر الحكم ، فيحدث من أول الطلوع وينتهي بالغروب ، ومرجع ذلك إلى أن الحكم بالامساك في كل آن من آنات النهار ثابت ، فاختلال الشرائط في أثناء النهار لايكون كاشفا عن عدم ثبوت الحكم من أول الامر ، بل الحكم كان واقعا ثابتا إلى زمان اختلال الشرائط و ينقطع بالاختلال. وهذا لا ينافي ارتباطية الصوم وانه ليس هناك تكاليف متعددة مستقلة ، فان ارتباطية التكليف ليس الا عبارة عن وحدة الملاك وترتبه على مجموع الامساك الواقع في النهار ، لا ان لكل امساك ملاكا يخصه ، وهذا أجنبي عما نحن فيه من استمرار الحكم في مجموع النهار على وجه يكون قيدا للحكم ، فيكون ثبوت الحكم في كل زمان تابعا لثبوت الشرط في ذلك الزمان ، وانتفاء الشرط في زمان لا يوجب انتفاء الحكم في الزمان السابق عليه ، وح يجب الامساك على من يعلم أنه يسافر و تلزمه الكفارة عند المخالفة ، لأنه قد خالف حكما واقعيا ثابتا في الواقع ، فتأمل في المقام جيدا. وعلى كل حال تكون فعلية الحكم في باب الصوم تدريجية ، سواء قلنا بان الزمان فيه قيد للحكم أو قيد للمتعلق ، لان مناط التدريجية هو تدريجية الشروط و المتعلق ، الذي قد عرفت ان مع تدريجيتها لا يعقل فعلية الحكم دفعة ، إذ فعلية الحكم يدور مدار تحقق شرطه ، وتكون تابعة لوجوده ، ومع كون الشرط تدريجي الحصول فلا محالة يكون الفعلية أيضا تدريجية ، حسبما تقتضيه التبعية ، هذا بالنسبة إلى الصوم. (212)
واما بالنسبة إلى الصلاة فيفترق الحال فيها بالنسبة إلى أول الوقت في مضى مقدار أربع ركعات منه ، وما عدا ذلك من بقية الوقت ، فان التكليف بأربع ركعات لما كان مشروطا بالزمان الذي يمكن ايقاع الأربع فيه ، إذ لا يعقل ان يكون الزمان أضيق دائرة عن متعلق التكليف ، فالتكليف بأربع ركعات مشروط بزمان يسع الأربع ، وح لا يمكن ان يكون التكليف بالأربع من أول الوقت فعليا ، بل لابد ان يكون فعليته تدريجية حسب تدريجية اجزاء الزمان إلى مقدار أربع ركعات ، وعند انقضاء ذلك المقدار تتم الفعلية لتمامية شرطها من مضى مقدار أربع ركعات ، و لأجل ذلك أفتوا بعدم وجوب القضاء على من حصل له أحد الاعذار الموجبة لسقوط التكليف كالجنون والحيض قبل مضى مقدار أربع ركعات من الوقت ووجوب القضاء عند حصوله بعد ذلك ، والسر في ذلك هو ما ذكرنا من أن الحكم بالأربع لايكون فعليا من أول الوقت دفعة واحدة ، بل فعليته تكون تدريجية حسب تدرج شرط الحكم من الزمان ، فلا تتم الفعلية الا عند انقضاء ذلك المقدار من الزمان ، فالعذر الحاصل قبل ذلك يكون حاصلا قبل تمامية فعلية لحكم ، فلا موجب للقضاء. وهذا بخلاف ما إذا انقضى ذلك المقدار من الزمان فان شرط الفعلية ح حاصل ، فلا مانع من فعلية الحكم بالأربع ، وتكون التسليمة ح في عوض التكبيرة من حيث فعلية حكمها وكونه مخاطبا بها كخطابه بالتكبيرة.
فان قلت : كيف يكون الحكم بالتسليمة فعليا مع عدم القدرة عليها شرعا الا بعد التكبيرة وما يلحقها من الاجزاء ، وبعبارة أخرى : كيف يكون الحكم فعليا دفعة مع تدريجية المتعلق ؟. قلت : العبرة في الفعلية التدريجية هي تدريجية الشرائط لا تدريجية المتعلق ، و قولك : لا يقدر على التسليمة في الحال ، قلنا : هي مقدورة له بتوسط القدرة على الاجزاء السابقة ، فتكون ح من المقدور بالواسطة ، غايته ان الواسطة تارة تكون عقلية كنصب السلم بالنسبة إلى الصعود على السطح ، وأخرى تكون جعلية شرعية كالاجزاء (213)
السابقة بالنسبة إلى التسليمة ، وقد تقدم صحة فعلية التكليف بالنسبة إلى كل ما يكون مقدورا بالواسطة ، فالتكليف بالتسليمة بعد مضى مقدار أربع ركعات من الوقت يكون كالتكليف بالصلاة في مسجد الكوفة غير مقيد بالزمان ، واما التكليف بها قبل ذلك فيكون كالتكليف بالصلاة في المسجد عند طلوع الفجر ، وقد تقدم الكلام في الفرق بين المثالين ، وان التكليف في أحدهما يكون مط وفي الآخر يكون مشروطا ، فتأمل جيدا. هذا تمام الكلام في الواجب المشروط والمطلق والمعلق.
بقى في المقام : حكم صورة الشك في كون الواجب مشروطا أو مطلقا ، الذي يرجع الشك فيه إلى الشك في كون القيد قيدا للهيئة أو قيدا للمادة ، وقد اضطربت الكلمات في ذلك ، وسلك كل مسلكا ، وينبغي ان يعلم أولا : ان محل الكلام فيما إذا كان القيد فعلا اختياريا للمكلف ، إذ لو لم يكن كذلك فلا بد ان يكون التكليف مشروطا به ، على ما تقدم تفصيل ذلك ، وكذا محل الكلام فيما إذا لم يكن في البين ما يعين أحدهما كما إذا سيق القيد بصورة القضية الشرطية فإنه يتعين رجوعه إلى الهيئة ، حيث إن القضية الشرطية ما تكون ربط جملة بجملة أخرى على ما تقدم بيانه أيضا ، أو سيق القيد على وجه اخذ وصفا للمادة ، كما إذا قيل متطهرا و أمثال ذلك ، مما يكون القيد ظاهرا في رجوعه إلى المادة. إذا عرفت ذلك فنقول : ربما قيل إنه عند الدوران يقدم تقييد المادة على تقييد الهيئة ، لان في تقييد الهيئة يلزم كثرة التقييد وتعدده ، والأصل يقتضى خلافه ، بخلاف تقييد المادة ، فان تقييد الهيئة يستلزم تقييد المادة لا محالة ، إذ لا يمكن اطلاق المادة مع تقييد الهيئة ، وهذا معنى ما يقال : من أن اشتراط الوجوب بشيء يرجع إلى اشتراط الواجب به أيضا ولا عكس ، إذ تقييد المادة لا يستلزم تقييد الهيئة كما لا يخفى هذا. ولكن لا يخفى عليك ما فيه. لان التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة ، فإذا امتنع الاطلاق امتنع التقييد وحينئذ نقول في المقام : انه لو رجع القيد إلى الهيئة وكان وجوب الحج مثلا مشروطا بالاستطاعة ، فلا يعقل الاطلاق في طرف المادة ، إذ بعد ما (214)
كان وجوب الحج بعد فرض حصول الاستطاعة ، فكيف يكون الحج واجبا في كلتا صورتي وجود الاستطاعة وعدمها الذي هو معنى الاطلاق ؟ وهل هذا الا الخلف و التناقض ؟ فإذا امتنع الاطلاق في طرف المادة امتنع التقييد أيضا لا محالة ، فان تقييد المادة بالاستطاعة مثلا يقتضى لزوم تحصيلها ، كما هو الشأن في كل قيد يرجع إلى المادة ، وبعد فرض حصول الاستطاعة ، كما هو لازم اخذها قيدا للهيئة ـ لما عرفت من أن القيود الراجعة إلى الحكم لا بد ان يؤخذ مفروضة الوجود ـ لا معنى لتقييد المادة بالاستطاعة الذي يقتضى تحصيلها ، لأنه يكون من طلب الحاصل. فدعوى ان تقييد الهيئة يستلزم تقييد المادة مما لا ترجع إلى محصل.
نعم النتيجة المقصودة من تقييد المادة حاصلة عند تقييد الهيئة ، لان المقصود من تقييد الحج بالاستطاعة ليس الا وقوع الحج بعد التلبس بالاستطاعة ، كما أن المقصود عن تقييد الصلاة بالطهارة هو وقوع الصلاة في حال التلبس بالطهارة ، وهذا المعنى حاصل بعد تقييد الهيئة ، لأنه لو تأخر وجوب الحج من الاستطاعة ، فالحج الواجب يقع بعد الاستطاعة لا محالة ، فالنتيجة المطلوبة من تقييد المادة حاصلة قهرا عند تقييد الهيئة ، ولكن هذا غير تقييد المادة بحيث يكون رجوع القيد إلى لهيئة موجبا لتعدد التقييد ويرجع الشك في المقام إلى الشك في قلة التقيد وكثرته حتى يقال : ان الأصل اللفظي يقتضى قلة التقييد. فظهر انه عند دوران الامر بين تقييد المادة وتقييد الهيئة يكون من الدوران بين المتباينين ، لا الأقل والأكثر. وبعد ذلك نقول : ان القيد تارة يكون متصلا بالكلام ، كما إذا ورد : حج مستطيعا ، ودار الامر بين رجوع قيد الاستطاعة إلى الوجوب حتى لا يجب تحصيلها ، أو إلى الحج حتى يجب تحصيلها. وأخرى يكون منفصلا ، كما إذا ورد حج ، وبعد ذلك ورد دليل منفصل يدل على اعتبار قيد الاستطاعة ، ودار أمرها بين الامرين ، فان كان القيد متصلا بالكلام فلا اشكال في اجمال الكلام حينئذ لاحتفافه بما يصلح لكلا الامرين بلا معين ، فلا يكون للهيئة اطلاق ولا للمادة ، لاتصال كل منهما بما يصلح للقرينية ، (215)
فلا يمكن التمسك باطلاق أحدهما بعد العلم الاجمالي بورود القيد على أحدهما ، بل لابد ح من الرجوع إلى الأصول العملية ، وسيأتي البحث عن ذلك.
واما لو كان القيد منفصلا ، فهذا هو الذي (1) ذكر الشيخ ( قده ) فيه وجهين لرجوع القيد إلى المادة لا إلى الهيئة. ( الوجه الأول ) ان الامر في المقام يدور بين تقييد اطلاق الهيئة ، وتقييد اطلاق المادة ، لأن المفروض انه انعقد الظهور الاطلاقي لكل منهما حيث كان التقييد بالمنفصل ، ولذلك خصصنا كلام الشيخ ( قده ) بالمنفصل ، إذ مع الاتصال لا ينعقد ظهور اطلاقي لكل منهما ، فلا معنى للدوران ح. وهذا بخلاف ما إذا كان بالمنفصل ، فان الظهور الاطلاقي انعقد لكل منهما ، فيدور الامر بين تقييد اطلاق المادة وتقييد اطلاق الهيئة ، ولما كان اطلاق الهيئة شموليا وكان اطلاق المادة بدليا ، كان اللازم تقييد اطلاق المادة ، لأقوائية الاطلاق الشمولي من الاطلاق البدلي ، كما هو الشأن في كل ما دار الامر بين تقييد اطلاق الشمولي وتقييد اطلاق البدلي. اما كون اطلاق الهيئة شموليا واطلاق المادة بدليا ، فلان معنى اطلاق الهيئة هو ثبوت الوجوب في كلتا حالتي ثبوت القيد وعدمه ، فيكون اطلاق الوجوب شاملا لصورة وجود الاستطاعة وصورة عدمها ، وهذا بخلاف اطلاق المادة فإنه بدلي ، حيث إن الواجب هو صرف وجود الحج ، والمطلوب فرد واحد منه على البدل بين الفرد قبل الاستطاعة والفرد بعده ، وهذا عين الاطلاق البدلي. واما تقديم تقييد الاطلاق البدلي على تقييد الاطلاق الشمولي ، فهو موكول إلى محله في مبحث التعادل والتراجيح ، وقد أوضحناه في محله. ثم إن المحقق الخراساني قده ، (2) سلم ان المقام يكون من دوران الامر بين تقييد الاطلاق البدلي والاطلاق الشمولي. الا انه ناقش في الكبرى ، ومنع تقديم 1 ـ راجع مطارح الأنظار ، الهداية الرابعة من مباحث مقدمة الواجب ص 47. 2 ـ الكفاية ، الجلد 1 ص 169 « فلان مفاد اطلاق الهيئة وان كان شموليا .. » (216)
الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي ، نظرا إلى أن الاطلاق في كل منهما يكون بمقدمات الحكمة لا بالوضع ، فلا موجب لتقديم أحدهما على الاخر هذا.
ولكن الانصاف ان المقام أجنبي عن مسألة تقديم الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي ، لان تلك المسألة انما هي في ما إذا تعارض الاطلاقان وتنافيا بحسب المدلول ، كما إذا ورد لا تكرم الفاسق وورد أيضا أكرم عالما ، حيث إن اطلاق لا تكرم الفاسق يقتضى عدم اكرام العالم الفاسق ، واطلاق أكرم عالما يقتضى اكرامه ، فيتنافيان في مورد الاجتماع ، ويصح التعارض بينهما ، فيبحث ح عن أن اطلاق الشمولي مقدم على الاطلاق البدلي أو غير مقدم. والمقام ليس من هذا القبيل ، إذ ليس بين اطلاق المادة واطلاق الهيئة تعارض وتناف ، بل بينهما كمال الملائمة والألفة ، إذ لا يلزم من اطلاق كل منهما محذور لزوم اجتماع المتناقضين الذي هو المناط في باب التعارض ، والعلم بورود المقيد على أحدهما من الخارج لمكان الدليل المنفصل لا يوجب التنافي بينهما. غايته انه يعلم بعدم إرادة أحد الاطلاقين و ان أحدهما لا محالة مقيد ، وأي ربط لهذا باقوائية اطلاق الهيئة لكونه شموليا من اطلاق المادة لكونه بدليا ؟ فان الأقوائية لا توجب ان يكون القيد واردا على الضعيف ، وأي ملازمة في ذلك ؟ بل لو فرض ان الهيئة بالوضع تدل على الشمول لا بالاطلاق كان ذلك العلم الاجمالي بحاله ، فان القيد لا محالة اما ان يكون واردا على الهيئة أو يكون واردا على المادة ، وأقوائية الهيئة لا ربط لها بذلك ، فالمقام نظير ما إذا علم بكذب أحد الدليلين من دون ان يكون بين مدلوليهما تناف ، حيث أوضحنا في محله انه لا يعامل معاملة التعارض في مثل هذا ، بل يكون من باب اشتباه الحجة باللاحجة ، ويعامل معهما معاملة قواعد العلم الاجمالي ، والمقام بعينه يكون من هذا القبيل. ( الوجه الثاني ) الذي ذكره الشيخ ( قده ) لترجيح ارجاع القيد إلى المادة ، هو ان تقييد الهيئة وان لم يستلزم تقييد المادة ، بحيث يلزم تعدد التقييد كما تقدم ، الا انه لا اشكال في أنه يوجب بطلان اقتضاء المادة للاطلاق ، ويخرجها عن قابليته ، وكما أن (217)
أصل التقييد مخالف للأصل ، كذلك عمل ما ينتج نتيجة التقييد واخراج المحل عن قابلية الاطلاق يكون مخالفا للأصل ، لاشتراكهما في الأثر. وهذا بخلاف ارجاع القيد إلى المادة ، فإنه سالم عن هذا المحذور لبقاء اطلاق الهيئة على حاله هذا.
ولكن لا يخفى عليك ما فيه فان التقييد انما كان على خلاف الأصل لمكان جريان مقدمات الحكمة ، وأين هذا من عمل ما يوجب عدم جريان مقدمات الحكمة وهدم أساسها كما هو الحال عند ارجاع القيد إلى الهيئة حيث إنه يوجب عدم جريان مقدمات الحكمة في صرف المادة وهدم أساس اطلاقها ، فإنه لا أصل يقتضى بطلان مثل هذا العمل. وبالجملة ما ذكره الشيخ ( قده ) من الوجهين لارجاع القيد إلى المادة ، مما لا يمكن المساعدة عليه. فلابد من اعمال قواعد العلم الاجمالي ، إذ الأصول اللفظية من أصالة اطلاق المادة وأصالة اطلاق الهيئة متعارضة ، للعلم بتقييد أحد الاطلاقين ، فتصل النوبة حينئذ إلى الأصول العملية ، ومعلوم ان الشك في المقام يرجع إلى الشك في لزوم تحصيل القيد ، ومقتضى أصالة البراءة عدم لزوم تحصيله. هذا حاصل ما افاده شيخنا الأستاذ مد ظله في هذا المقام. ثم تنظر في جميع ما افاده بما حاصله : ان المراد من تقييد الهيئة هو تقيد المادة المنتسبة على ما عرفت ، إذ تقييد الهيئة بما انها معنى حرفي لا يعقل ، فلا بد من رجوع القيد إلى المادة المنتسبة ، ويكون الفرق بين تقييد المادة وتقييد الهيئة هو انه تارة : يكون التقييد للمادة بلحاظ ما قبل الاستناد ، وأخرى : يكون تقييدا لها بلحاظ الاستناد ـ كما تقدم تفصيل ذلك ـ وحينئذ يكون رجوع القيد إلى المادة متيقنا ، والشك يرجع إلى امر زائد وهو تقييدها بلحاظ الاستناد ، واطلاق الهيئة ينفى هذا الامر الزائد ، من غير فرق بين ان يكون التقييد بالمتصل أو المنفصل ، إذ رجوع القيد المتصل إلى المادة أيضا متيقن ، ورجوعه إلى المادة المنتسبة مشكوك وأصالة الاطلاق الجارية في طرف الهيئة تنفى ذلك. وتوهم انه يكون من احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية فاسد ، إذ الضابط فيما يصلح للقرينية هو امكان رجوع القيد إلى ما تقدم بلا حاجة إلى عناية زائدة و (218)
صلوحه للقرينية بلا كلفة ، كاستثناء الفساق من العلماء مع تردد الفساق بين مرتكب الكبيرة فقط ، أو الأعم منه ومن مرتكب الصغيرة لأجل اجمال المفهوم ، وكالضمير المتعقب لجمل متعددة ، أو الاستثناء المتعقب لذلك ، فإنه في الجميع يكون القيد صالحا لرجوعه إلى ما تقدم بلا عناية ، بحيث يصح للمتكلم الاعتماد على ذلك وبذلك ينهدم أساس مقدمات الحكمة. وهذا بخلاف المقام ، فان رجوع القيد إلى الهيئة يحتاج إلى عناية زائدة ، وهي لحاظ الانتساب في طرف المادة هذا.
مع أن رجوع القيد إلى الهيئة والوجوب ، لا يصح الا بعد اخذ القيد مفروض الوجود كما تقدم ، وذلك أيضا امر زائد ينفيه اطلاق القيد ، حيث إنه لم يتعقب بمثل أداة الشرط التي خلقها الله تعالى لأجل فرض الوجود ، فمقتضى اطلاقه عدم لحاظه مفروض الوجود. هذا كله. مضافا إلى أن القيود التي تصلح لان ترجع إلى المادة أو الوجوب انما هي القيود التي تكون بصيغة الحال ، كحج مستطيعا ، إذ ما عدا ذلك لا تصلح لذلك ، فان ما كان مصدرا بأدوات الشرط (1) وما يلحق بها لا تصلح الا للرجوع إلى الهيئة ، وما كان من قبيل المفعول به وفيه لا تصلح الا للمادة كصل في المسجد ، حيث إن ظاهره الأولى يقتضى بناء المسجد الا ان تقوم قرينة شخصية أو نوعية على خلافه. فينحصر ما يصلح للرجوع إلى كل منهما بما كان على هيئة الحال ، ومعلوم ان مقتضى الظهور النوعي في مثل حج مستطيعا ، وصل متطهرا ، وأمثال ذلك ، هو رجوع القيد إلى المادة ، حيث لا يستفاد منه الا ذلك ، هذا إذا كان التقييد بالمتصل. وأما إذا كان التقييد بالمنفصل ، فان كان لفظيا فالكلام فيه هو الكلام في المتصل ، بل هو أولى كما لا يخفى. وان كان لبيا ، كما إذا انعقد اجماع على أن الحج لا يقع بصفة المطلوبية الا 1 ـ كالعقود التي لا تتعلق بها إرادة الفاعل لكونها خارجة عن القدرة كالزمان ، حيث عرفت ان مثل ذلك لابد ان يؤخذ مفروض الوجود ـ منه. (219)
في حال الاستطاعة ، وشك في كون الاستطاعة شرطا للوجوب أو للحج ، فالظاهر أيضا رجوع القيد إلى المادة فقط ، لاحتياج رجوع القيد إلى الهيئة إلى عناية زائدة ، و الاطلاق يدفع ذلك.
نعم لا يتمشى الوجه الثاني (1) والثالث فيما إذا كان دليل القيد لبيا كما لا يخفى. هذا حاصل ما افاده مد ظله ، ولكن للنظر فيه مجال ، كما لا يخفى على المتأمل. هذا تمام الكلام في الواجب المشروط والمطلق وما يتعلق بذلك من المباحث. وينقسم الواجب أيضا إلى نفسي وغيري وعرف الغيري : بما امر به للتوصل إلى واجب آخر. ويقابله النفسي ، وهو ما لم يؤمر به لأجل التوصل به إلى واجب آخر. وقد يعرف النفسي : بما امر به لنفسه ، والغيري : بما امر به لأجل غيره. وقد أشكل على التعريف الأول بما حاصله : انه يلزم ان يكون جل الواجبات غيرية ، لان الامر بها انما هو لأجل التوصل بها إلى ما لها من الفوائد و الملاكات المترتبة عليها ، التي تكون هي الواجبة في الحقيقة ، وكونها مقدورة بالواسطة لأنها من المسببات التوليدية. ثم وجه المستشكل بان ترتب الملاكات على الواجبات وكون الملاكات من المسببات التوليدية لا ينافي الوجوب النفسي ، لأنه يمكن ان تكون الواجبات معنونة بعنوان حسن ، وبانطباقه عليها تكون واجبات نفسية ، وارجع تعريف الواجب النفسي بأنه ما امر به لنفسه إلى ذلك هذا. وقد أشبعنا الكلام في بطلان توهم كون الملاكات من المسببات التوليدية في مبحث الصحيح والأعم ، وانه ليست الملاكات واجبة التحصيل لكونها من الدواعي ، ولا يمكن تعلق إرادة الفاعل بها. فراجع ذلك المبحث. وعليه لا يرد 1 ـ مرادنا من الوجه الثاني : هو ظهور دليل القيد في عدم اخذه مفروض الوجود ، ومن الوجه الثالث : هو الظهور النوعي في رجوع ما كان بصيغة الحال إلى المادة فقط ـ منه. (220)
الاشكال على التعريف المذكور.
نعم يرد عليه ، خروج الواجبات التهيئية والواجبات التي يستقل العقل بوجوبها لأجل برهان التفويت عن كونها واجبات نفسية ، لان الامر في جميعها انما يكون لأجل التوصل بها إلى واجبات آخر ، من الحج في وقته ، والصلاة مع الطهور في وقتها ، وغير ذلك ، فيلزم ان يكون جميعها واجبات غيرية ، مع أنها ليست كذلك كما تقدم سابقا. فالأولى ان يعرف الواجب النفسي بما امر به لنفسه ، أي تعلق الامر به ابتداء وكان متعلقا للإرادة كذلك ، ويقابله الواجب الغيري ، وهو ما إذا كانت ارادته ترشحية من ناحية إرادة الغير ، فتكون الواجبات التهيئية كلها من الواجبات النفسية ، حيث لم تكن ارادتها مترشحة من إرادة الغير ، لوجوبها مع عدم وجوب الغير ، على ما تقدم تفصيل ذلك. ثم إن ما دفع به الاشكال عن الواجبات النفسية ، بأنه يمكن ان يكون ذلك لأجل انطباق عنوان حسن الخ ، لم نعرف معناه ، فان العنوان الحسن من أين جاء ؟ وهل ذلك العنوان الا جهة ترتب الملاكات عليها الذي التزم انها من تلك الجهة تكون واجبات غيرية ؟ فتأمل جيدا. وعلى كل حال لو شك في واجب انه نفسي أو غيري فتارة ، يقع الكلام فيما يقتضيه الأصل اللفظي وأخرى ، فيما يقتضيه الأصل العملي. ( اما الأول ) فمجمل القول فيه : هو ان الواجب الغيري لما كان وجوبه مترشحا عن وجوب الغير ، كان وجوبه مشروطا بوجوب الغير ، كما أن وجود الغير يكون مشروطا بالواجب الغيري ، فيكون وجوب الغير من المقدمات الوجوبية للواجب الغيري ، ووجود الواجب الغيري من المقدمات الوجودية لذلك الغير ، مثلا يكون وجوب الوضوء مشروطا بوجوب الصلاة ، وتكون نفس الصلاة مشروطة بوجود الوضوء ، فالوضوء بالنسبة إلى الصلاة يكون من قيود المادة ، ووجوب الصلاة يكون من قيود الهيئة بالنسبة إلى الوضوء بالمعنى المتقدم من تقييد الهيئة ، بحيث لا يرجع إلى تقييد المعنى (221)
الحرفي. وحينئذ يرجع الشك في كون الوجوب غيريا إلى شكين : أحدهما : الشك في تقييد وجوبه بوجوب الغير ، وثانيهما : الشك في تقييد مادة الغير به.
إذا عرفت ذلك فنقول : انه ان كان هناك اطلاق في كلا طرفي الغير والواجب الغيري ، كما إذا كان دليل الصلاة مط لم يأخذ الوضوء قيدا لها ، وكذا كان دليل ايجاب الوضوء مط لم يقيد وجوبه بالصلاة ، كما في قوله تعالى (1) « إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم » الخ ، حيث إنه قيد وجوب الوضوء بالقيام إلى الصلاة فلا اشكال في صحة التمسك بكل من الاطلاقين ، وتكون النتيجة هو الوجوب النفسي للوضوء ، وعدم كونه قيدا وجوديا للصلاة ، فان اطلاق دليل الوضوء يقتضى الأول ، واطلاق دليل الصلاة يقتضى الثاني. والاشكال في التمسك باطلاق الهيئة في طرف الوضوء ، بان الهيئة موضوعة لافراد الطلب ومصاديقه لا لمفهومه ، فلا معنى للرجوع إلى اطلاق الهيئة كما في التقريرات (2) ضعيف جدا. واضعف منه ، دفع الاشكال بان الهيئة موضوعة لمفهوم الطلب ، وهو الذي ينشأ ، إذ لا معنى لانشاء المصداق الخ ما ذكره في الكفاية (3). اما ضعف ما في التقرير ، فلان كون الهيئة موضوعة لمفهوم الطلب أو لمصاديقه أجنبي عما نحن فيه ، إذ لا اشكال في ثبوت الواجبات الغيرية في الشريعة ، فيسئل ان الشيء بأي صناعة يكون واجبا غيريا ؟ وهل يكون الشيء واجبا غيريا الا بتقييد وجوبه بالغير ؟ على معنى تقييد جملة بجملة ، على ما تقدم بيانه في الواجب المشروط. وبالجملة : الواجب الغيري يكون قسما من الواجب المشروط ، وكما أن اطلاق دليل الحج مثلا يقتضى عدم تقييد وجوبه بالاستطاعة ، كذلك 1 ـ المائدة ، الآية 6 2 ـ مطارح الأنظار ، مباحث مقدمة الواجب « هداية : ينقسم الواجب باعتبار اختلاف دواعي الطلب على وجه خاص كما ستعرفه إلى غيري ونفسي .. » ص 65 3 ـ كفاية الأصول ، الجلد 1 ص 173 « ففيه ان مفاد الهيئة كما مرت الإشارة إليه ليس الافراد ، بل هو مفهوم الطلب .. » (222)
اطلاق دليل الوضوء يقتضى عدم تقييد وجوبه بمثل « إذا قمتم إلى الصلاة » فتأمل.
واما ضعف ما في الكفاية ، فلانه لا معنى لوضع الهيئة لمفهوم الطلب ، و لا معنى لانشاء مفهوم الطلب ، بل الهيئة على ما عرفت لم توضع الا لايقاع النسبة بين المبدء والفاعل بالنسبة الايقاعية ، مقابل النسبة التحققية والتلبسية ، التي وضعت هيئة الماضي والمضارع لهما ، وبايقاع هذه النسبة إذا كان بداعي الطلب يتحقق مصداق من الطلب ، حيث إن حقيقة الطلب هو التصدي لتحصيل المطلوب ، والآمر بايقاعه للنسبة مع كونه بداعي الطلب قد تصدى لتحصيل مطلوبه بتوسط عضلات العبد ، فالهيئة لم توضع للطلب أصلا لا لمفهومه ولا لمصداقه ، وقد تقدم ذلك مشروحا في أول مبحث الأوامر ، فراجع. وعلى كل حال ظهر صحة التمسك باطلاق كل من الغير والواجب الغيري لو كان لكل منهما اطلاق. بل لو كان لأحدهما اطلاق يكفي في المقصود من اثبات الوجوب النفسي ، لان مثبتات الأصول اللفظية حجة ، فلو فرض انه لم يكن لدليل الوضوء اطلاق وكان لدليل الصلاة اطلاق ، فمقتضى اطلاق دليلها هو عدم تقييد مادتها بالوضوء ، ويلزمه عدم تقييد وجوب الوضوء بها ، لما عرفت من الملازمة بين الامرين ، وكذا الحال لو انعكس الامر وكان لدليل الوضوء اطلاق دون دليل الصلاة. وبالجملة الأصل اللفظي يقتضى النفسية عند الشك فيها ، سواء كان لكل من الدليلين اطلاق أو كان لأحدهما اطلاق ، ولا تصل النوبة إلى الأصول العملية ، الا إذا فقد الاطلاق من الجانبين ، وحينئذ ينبغي البحث عما يقتضيه الأصل العملي. فنقول : الشك في الوجوب الغيري له اقسام ثلاثة : القسم الأول ما إذا علم بوجوب كل من الغير والغيري من دون ان يكون وجوب الغير مشروطا بشرط غير حاصل ، كما إذا علم بعد الزوال بوجوب كل من الوضوء و الصلاة ، وشك في وجوب الوضوء من حيث كونه غيريا أو نفسيا ، ففي هذا القسم (223)
يرجع الشك إلى الشك في تقييد الصلاة بالوضوء وانه شرط لصحتها ، حيث عرفت ملازمة الشك في ذلك للشك في تقييد الصلاة ، وح يرجع الشك بالنسبة إلى الصلاة إلى الشك بين الأقل والأكثر الارتباطي ، وأصالة البراءة تقتضي عدم شرطية الوضوء للصلاة وصحتها بدونه ، فمن هذه الجهة تكون النتيجة النفسية. واما من جهة تقييد وجوب الوضوء بوجوب الصلاة فلا اثر لها ، للعلم بوجوب الوضوء على كل حال نفسيا كان أو غيريا ، نعم ربما يثمر في وحدة العقاب وتعدده عند تركه لكل من الوضوء والصلاة ، وليس كلامنا الآن في العقاب.
القسم الثاني ما إذا علم بوجوب كل من الغير والغيري ، ولكن كان وجوب الغير مشروطا بشرط غير حاصل ، كالمثال المتقدم فيما إذا علم قبل الزوال ، ففي هذا القسم يرجع الشك في غيرية الوضوء ونفسيته إلى الشك في اشتراطه بالزوال وعدم اشتراطه ، إذ لو كان واجبا غيريا يكون مشروطا بالزوال لمكان اشتراط الصلاة به ، و حينئذ يكون من افراد الشك بين المط والمشروط ، وقد تقدم ان مقتضى الأصل العملي هو الاشتراط ، للشك في وجوبه قبل الزوال ، وأصالة البراءة تنفى وجوبه ، كما تنفى شرطية الصلاة بالوضوء ، ولا منافاة بين اجراء البراءة لنفى وجوب الوضوء قبل الزوال واجراء البراءة لنفى قيديته للصلاة كما لا يخفى. القسم الثالث ما إذا علم بوجوب ما شك في غيريته ، ولكن شك في وجوب الغير ، كما إذا شك في وجوب الصلاة في المثال المتقدم وعلم بوجوب الوضوء ، ولكن شك في كونه غيريا حتى لا يجب لعدم وجوب الصلاة ظاهرا بمقتضى البراءة ، أو نفسيا حتى يجب. فقد قيل في هذا القسم بعدم وجوب الوضوء واجراء البراءة فيه ، لاحتمال كونه غيريا ، فلا يعلم بوجوبه على كل حال هذا. ولكن الأقوى وجوبه ، لان المقام يكون من التوسط في التنجيز الذي عليه يبتنى جريان البراءة في الأقل والأكثر الارتباطي ، إذ كما أن العلم بوجوب ما عدا السورة مع الشك في وجوبها يقتضى وجوب امتثال ما علم ، ولا يجوز اجراء البراءة (224)
فيه ، مع أنه يحتمل كون ما عدا السورة واجبا غيريا ومقدمة للصلاة مع السورة ، فكذلك المقام من غير فرق بينهما ، سوى تعلق العلم بمعظم الواجب في مثل الصلاة بلا سورة ، وفي المقام تعلق العلم بمقدار من الواجب كالوضوء فقط ، وهذا لا يصلح ان يكون فارقا فيما نحن بصدده. كما لا يصلح الفرق بين المقامين : بأنه في المقام قد تعلق العلم بما يحتمل كونه مقدمة خارجية كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة ، وفي ذلك المقام تعلق العلم بما يحتمل كونه مقدمة داخلية ، فان المناط في الجميع واحد وهو العلم بالوجوب ، مع أنه لنا ان نفرض مثال المقام بما يحتمل كونه مقدمة داخلية ، كما إذا علم بوجوب السورة فقط وشك في النفسية والغيرية ، فتأمل.
بقى في المقام التنبيه على أمرين ( الأول ) قد اختلف الاعلام في استحقاق الثواب والعقاب على فعل الواجب الغيري وتركه على أقوال. ( ثالثها ) التفصيل بين ما إذا كان الوجوب الغيري مستفادا من خطاب اصلى فيترتب ، أو تبعي فلا يترتب. ( رابعها ) التفصيل بين استحقاق الثواب فلا يترتب ، واستحقاق العقاب فيترتب. والأولى تحرير محل النزاع في المقام ، بالأعم من الاستحقاق والتفضل ، إذ استحقاق الثواب في الواجبات النفسية محل كلام. فقد حكى شيخنا الأستاذ مد ظله ، عن المفيد (ره) القول بعدم استحقاق العبد للثواب على الإطاعة وامتثال أوامر مولاه عقلا على وجه يكون عدم ترتب الثواب على اطاعته من الظلم المستحيل في حقه تعالى وكيف يحكم العقل بذلك ؟ مع أن العبد مملوك لمولاه ، فعليه اطاعته وامتثال أوامره ، ولا يمتنع عقلا عدم إثابة العبد لإطاعة مولاه ، بل الثواب انما يكون بالتفضل منه تعالى على عبيده ومنة عليهم بذلك. وقد خالف في ذلك المتكلمون ، حيث قالوا بالاستحقاق. ونظير هذا البحث وقع في وجوب قبول التوبة ، حيث ذهب المتكلمون إلى وجوب قبولها عليه تعالى و (225)
خالف في ذلك بعض. وعلى كل حال مسألة استحقاق الثواب في امتثال الواجبات النفسية محل كلام ، فما ظنك بالواجبات الغيرية ؟ فالأولى تحرير النزاع بالأعم من الاستحقاق ، (1) والتفضل.
ثم انه لا اشكال في أن استحقاق الثواب على القول به ، انما يتوقف على قصد الطاعة وامتثال الامر ، وليس هو من لوازم فعل ذات الواجب من دون قصد ذلك ، بداهة ان الاتيان بذات الواجب من دون قصد امتثال الامر مما لا يوجب استحقاق الثواب. إذا عرفت هذا فنقول : انه لا معنى للبحث عن استحقاق الثواب على امتثال الواجب الغيري ، لان امتثاله انما يكون بعين امتثال ذي المقدمة الذي تولد امره منها ، وليس له امر بحيال ذاته ، حتى يبحث عن استحقاق الثواب عند امتثاله ، من غير فرق في ذلك بين المقدمات الشرعية أو العقلية. اما المقدمات الشرعية فواضح ، لان أمرها انما يكون بعين الامر المنبسط على الواجب بما له من الاجزاء والشرائط والموانع ، ويكون حال المقدمات الخارجية حال المقدمات الداخلية ، من حيث إن امتثال أمرها انما يكون بامتثال الامر الواقع على الجملة ، سواء قلنا بوجوب المقدمة أو لم نقل ، بداهة تعلق الامر بالشرائط في ضمن تعلقه بالمركب ، ويكون امتثال الامر بالشرائط بعين امتثال الامر بالمركب ، وينبسط الثواب على الجميع ، ويختلف سعة دائرة الثواب وضيقه بسعة المركب و ضيقه ، فلا معنى للبحث عن أن امتثال الامر بالمقدمات الشرعية يوجب استحقاق الثواب ، وذلك واضح. اما المقدمات العقلية : فما كان منها من قبيل الأسباب التوليدية ، فقد عرفت في بعض المباحث السابقة ان الامر بالسبب امر بالمسبب وكذا العكس ، لان 1 ـ والانصاف : ان البحث عن التفضل مما لا ينبغي لسعة فضله ( تعالى ) فلا معنى للبحث عن تفضله بالثواب على الواجبات الغيرية ، فالأولى : ابقاء عنوان النزاع على حاله من استحقاق الثواب ، غايته انه يبنى البحث على استحقاق الثواب في الواجبات النفسية ، ويكون التكلم في المقام بعد الفراغ عن ذلك ـ منه. |
|||
|