فوائد الاصول ـ الجزء الاول والثاني ::: 226 ـ 240
(226)
المسبب يكون عنوانا للسبب ويكون وجوده بعين وجود سببه ويتحد معه في الوجود بنحو من الاتحاد ، فليس هناك أمران : تعلق أحدهما بالسبب والآخر بالمسبب ، حتى يبحث عن استحقاق الثواب على امتثال امر السبب ، بل هناك امر واحد وله امتثال فارد ، وذلك أيضا واضح.
    واما ما كان منها من قبيل المعدات ، فقد يتوهم جريان البحث فيه ، حيث إنه قد تعلق بالمعد امر مقدمي ، فيبحث عن استحقاق الثواب عند امتثال ذلك الامر هذا.
    ولكن الانصاف انه أيضا لا مجال للبحث عن ذلك ، لان الامر المقدمي بالمعد انما تولد من الامر بذى المقدمة ، فليس له امتثال بحيال ذاته ، بل امتثاله انما يكون بامتثال الامر الذي تولد هو منه ، وليس له امتثال على غير هذا الوجه ، فيسقط البحث عن استحقاق الثواب عند امتثال الواجب الغيري بالمرة ، فتأمل في المقام.
    ( الامر الثاني )
    قد أشكل في الطهارات الثلث ، أولا في وجه استحقاق الثواب عند فعلها المعلوم بالضرورة ، مع أن أوامرها غيرية لمكان مقدميتها للصلاة ، وقد تقدم ان الامر الغيري لا يقتضى استحقاق الثواب.
    وثانيا ان الأوامر الغيرية كلها توصلية ، لا يعتبر في سقوطها قصد امتثال أمرها والتعبد بها ، مع قيام الضرورة على اعتبار قصد التعبد بالطهارات الثلث.
    وهذان الاشكالان قد ذكرهما الشيخ ( قده ) على ما في التقرير (1) وتبعه صاحب الكفاية ( قده ) (2) ولكن الشيخ ( قده ) قد قرر الاشكال في كتاب الطهارة عند البحث عن نية الوضوء بوجه آخر (3) ولعله يرجع إلى اشكال ثالث.
1 ـ راجع مطارح الأنظار ، مباحث مقدمة الواجب ـ « هداية ، لا ريب في استحقاق العقاب عقلا على مخالفة الواجب النفسي .. » ص 66
2 ـ كفاية الأصول ـ الجلد الأول ، تقسيمات الواجب ، ومنها تقسيمه إلى النفسي والغيري ، التذنيب الأول ص 175
3 ـ كتاب الطهارة ، لأستاذ الأساطين الشيخ الأنصاري. الركن الثاني ، في كيفية نية الوضوء ، الامر الأول مما لزم التنبيه عليه ، فيما بقى في نية الوضوء. ص 80


(227)
    وحاصل ما ذكره في ذلك المقام : هو انه لا اشكال في أن نفس أفعال الوضوء من الغسلات والمسحات ليست مقدمة للصلاة ، إذ ليست هذه الأفعال رافعة للحدث ، أو مبيحة للصلاة التي يكون الوضوء بهذا الاعتبار مقدمة لها ، بل المقدمة هو الوضوء المتعبد به وما يكون عبادة ، ولا اشكال أيضا ان العبادية تتوقف على الامر ، إذ لا يقع الشيء عبادة الا بقصد امتثال امره.
    وبعد ذلك نقول : انه يتوقف رافعية الحدث للوضوء على أن يكون عبادة ، و يتوقف عباديته على الامر الغيري ، إذ المفروض انه لا امر له سوى ذلك ، والامر الغيري يتوقف على أن يكون الوضوء عبادة ، إذ الامر الغيري لا يقع الا على ما كان بالحمل الشايع مقدمة ، والوضوء العبادي يكون بالحمل الشايع مقدمة ، فلابد ان يكون عبادة قبل تعلق الامر الغيري به ، والمفروض ان عباديته تتوقف على الامر الغيري ، إذ لا امر له سوى ذلك حسب الفرض ، فيلزم الدور.
    والانصاف ان الشيخ ( قده ) قد بعد المسافة في تقرب الاشكال ، لأنه قال في تقرير الدور ما لفظه : « فتحقق الامر الغيري يتوقف على كونه مقدمة ، ومقدميته بمعنى رفعه للمانع متوقفة على اتيانه على وجه العبادة المتوقفة على الامر به ، فيلزم الدور » انتهى. فإنه لا وجه لاخذ اتيانه على وجه العبادة من أحد المقدمات إذ لا ربط للاتيان وعدم الاتيان بالدور ، بل الدور انما يتوجه في مرحلة الجعل والامر ، فلا يحتاج إلى هذه المقدمة ، بل الأولى في تقريب الدور هو ان يقال : ان الامر الغيري يتوقف على أن يكون الوضوء عبادة ، وعباديته تتوقف على الامر الغيري ، فيلزم الدور المصرح ، فتأمل.
    ثم لا يخفى عليك ان هذا الاشكال لا ربط له بالاشكال الثاني الذي ذكره في التقريرات ، فان ذلك الاشكال مبنى على أن الامر الغيري لا يقتضى العبادية بل هو توصلي. وهذا الاشكال يتوجه بعد الغض عن ذلك ، وتسليم اقتضاء الامر الغيري التعبدية ، ومع ذلك يلزم الدور ، كما هو واضح هذا.


(228)
    ولكن لا يذهب عليك ، ان هذه الاشكالات كلها مبنية على أن جهة عبادية الوضوء انما تكون من ناحية امره الغيري ، وهو بمعزل عن التحقيق ، بل الوضوء انما يكتسب العبادية من ناحية الامر النفسي المتوجه إلى الصلاة بما لها من الاجزاء والشرائط ، بداهة ان نسبة الوضوء إلى الصلاة كنسبة الفاتحة إليها من الجهة التي نحن فيها ، حيث إن الوضوء قد اكتسب حصة من الامر بالصلاة لمكان قيديته له ، كاكتساب الفاتحة حصتها من الامر الصلواتي لمكان جزئيتها ، فكما ان الفاتحة اكتسبت العبادية من الامر الصلواتي ، كذلك الوضوء اكتسب العبادية من الامر الصلواتي بعد ما كان الامر الصلواتي عباديا ، وكذا الحال في الغسل والتيمم.
    فان قلت : نسبة الوضوء إلى الصلاة كنسبة الستر والاستقبال إليها ، فكيف اكتسب الوضوء العبادية ، ولم يكتسب الستر والاستقبال العبادية ؟.
    قلت : التفاوت بين الطهارات الثلث وغيرها من القيود التي لا يعتبر ايقاعها على وجه العبادية ، انما هو من ناحية الملاك ، حيث إن الملاك الذي اقتضى قيدية الوضوء للصلاة اقتضاه على هذا الوجه ، أي وقوعه على وجه العبادية ، بخلاف ملاكات سائر الشروط ، حيث لم تقتضي ذلك.
    والحاصل : ان عبادية الامر الصلواتي انما يكون بمتمم الجعل ، على ما تقدم تفصيله ، وذلك المتمم انما اقتضى عبادية الامر بالنسبة إلى خصوص الاجزاء و الطهارات الثلث ، دون غيرها من الشرائط ، ولا منافاة في ذلك بعد ما كان استكشاف العبادية بأمر آخر اصطلحنا عليه بمتمم الجعل.
    فتحصل ان الوضوء انما اكتسب العبادية من الامر الصلواتي ، والامر الغيري بالوضوء على القول به انما يكون متأخرا عن الامر الصلواتي الذي اخذ الوضوء حصة منه ، فالامر الغيري لايكون له جهة العبادية ، حتى يستشكل بان الأوامر الغيرية توصلية ، وكذا عبادية الوضوء لا يتوقف على الامر الغيري ، وان كان الامر الغيري متوقفا عليها ، فلا دور.
    واما مسألة الثواب فقد عرفت الوجه فيها في الامر المتقدم ، فترتفع الاشكالات بحذافيرها.


(229)
    ثم لو أغمضنا عن ذلك كله ، كان لنا التفصي عن الاشكالات بوجه آخر يختص بالوضوء والغسل فقط ، ولا يجرى في التيمم. وحاصل ذلك الوجه ، هو ان الوضوء والغسل لهما جهة محبوبية ذاتية ومطلوبية نفسية أوجبت استحبابهما قبل الوقت ، وعروض الوجوب لهما بعد الوقت لا ينافي بقاء تلك الجهة وان قربت بعد الوقت وحصلت لها شدة أوجبت الوجوب.
    والحاصل : ان عروض ملاك الوجوب على ملاك الاستحباب لا يوجب انعدام الملاك الاستحبابي ، وحدوث ملاك آخر للوجوب ، بل غايته تبدل الاستحباب بالوجوب وفوات الرخصة من الترك التي كانت قبل الوقت ، مع اندكاك الملاك الاستحبابي في الملاك الوجوبي ، نظير اندكاك السواد الضعيف في السواد الشديد.
    ولكن لا يخفى عليك ، ان ما ذكرناه من تبدل الاستحباب بالوجوب ، فإنما هو بالنسبة إلى الوجوب النفسي الثابت للوضوء بعد الوقت ، لا الوجوب الغيري له ، فان التبدل بالوجوب الغيري لا يعقل لاختلاف المتعلق.
    ولا بأس بالإشارة إلى ضابط تبدل الاحكام بعضها مع بعض ، ليتضح المقصود في المقام.
    فنقول :
    ضابط التبدل هو ان يتعلق الوجوب بعين ما تعلق به الاستحباب ، كما لو نذر صلاة الليل ، فان الامر الاستحبابي انما تعلق بذات صلاة الليل لا بما انها مستحبة ، والنذر أيضا انما يتعلق بالذات ، إذ لا يمكن ان يتعلق النذر بصلاة الليل بوصف كونها مستحبة ، لأنها بالنذر يصير واجبة فلا يمكنه اتيانها بوصف الاستحباب ، فلابد ان يتعلق النذر بالذات ، فيكون الامر الوجوبي الجائي من قبل النذر متعلقا بعين ما تعلق به الامر الاستحبابي ، فيتبدل الامر الاستحبابي بالامر الوجوبي ، ويكتسب الامر الوجوبي التعبدية ، كما اكتسب الامر الاستحبابي الوجوب ، فان الامر النذري وان كان توصليا ، الا انه لما تعلق بموضوع عبادي اكتسب التعبدية ، فتأمل.


(230)
    فتحصل : ان تبدل حكم إلى غيره ، انما يكون بوحدة المتعلق ، وتعلق الثاني بعين ما تعلق به الأول. وأما إذا لم يكن كذلك ، بل تعلق الثاني بما تعلق به الأول بقيد كونه مأمورا به بالامر الأول ، ففي مثل هذا لا يعقل التبدل كما في صلاة الظهر ، حيث اجتمع فيها أمران : امر تعلق بذاتها وهو الامر النفسي العبادي الذي لا يسقط الا بامتثاله والتعبد به ، ولمكان كون صلاة الظهر مقدمة لصلاة العصر ـ حيث إن فعلها شرط لصحتها ـ قد تعلق بها امر آخر مقدمي ، ولكن الامر المقدمي قد تعلق بصلاة الظهر بقيد كونها مأمورا بها بالامر النفسي وبوصف وقوعها عبادة امتثالا لأمرها النفسي ، حيث إن ذات صلاة الظهر لم تكن مقدمة لصلاة العصر ، بل المقدمة هي صلاة الظهر المتعبد بها بالامر النفسي ، والامر المقدمي انما يقع على ما هو مقدمة ، فيختلف موضوع الامر النفسي مع موضوع الامر المقدمي ، ولا يتحدان ، فلا يمكن التبدل في مثل هذا ، فلو قصد الامر المقدمي في فعل صلاة الظهر تقع باطلة ، فان الامر المقدمي يكون توصليا ولا يكتسب التعبدية ، لاختلاف متعلق الامر العبادي مع الامر التوصلي.
    وكذا الحال بالنسبة إلى الصوم حيث يكون للاعتكاف. ومثل ذلك أيضا الامر الإجاري عند استيجار شخص لعبادة فان المستأجر عليه هو العبادة المأمور بها بالنسبة إلى المنوب عنه ، وهي بهذا الوصف تقع متعلقا للإجارة ، فلا يعقل ان يتحد الامر الجائي من قبل الإجارة مع الامر المتعلق بالعبادة ، حيث إن الامر العبادي انما تعلق بالذات ، والامر الإجاري تعلق بها بوصف كونها مأمورا بها بالنسبة إلى المنوب عنه ، فلا اتحاد. ومن هنا يظهر : انه لا يمكن تصحيح عبادة الاجراء ، بقصد امتثال الامر الإجاري ، وللكلام محل آخر.
    إذا عرفت ذلك فنقول : ان الوضوء قبل الوقت كان امره استحبابيا ، وبعد الوقت يكون وجوبيا بالامر الصلواتي ، ولمكان اتحاد المتعلق يتبدل الامر الاستحبابي بالامر الوجوبي ، حيث إن الامر الاستحبابي قبل الوقت قد تعلق بالذات ، والامر الوجوبي النفسي العارض من جهة الامر بالصلاة بعده أيضا تعلق بالذات ، فيتبادلان. واما الامر الغيري العارض له بعد الامر بالصلاة ، فلا يعقل ان يتحد مع


(231)
الامر الاستحبابي أو النفسي ، لان الامر الغيري اما يعرض على ما هو بالحمل الشايع مقدمة ، والوضوء المأمور به بالامر الصلواتي يكون مقدمة ، فيكون حال الوضوء بالنسبة إلى الامر النفسي والامر الغيري كحال صلاة الظهر التي تكون مقدمة لصلاة العصر من حيث عدم تبدل أمريها ، وبالنسبة إلى الامر النفسي والامر الاستحبابي كحال نذر صلاة الليل من حيث التبدل ، فتأمل.
    ومما ذكرنا يظهر : ان قصد الامر الغيري لا يكفي في وقوع الوضوء عبادة ، لان العبرة في وقوع الشيء عبادة هو قصد امره المتعلق به نفسه ، لا قصد الامر المتعلق به بوصف كونه مأمور به بأمره الذي تعلق به أولا وبالذات فتأمل.
    ثم انه قد بقى في المقام بعض الفروع المتعلقة بباب الطهارات ، قد تعرض لها الشيخ ( قده ) في كتاب الطهارة (1) وأشار إليها شيخنا الأستاذ مد ظله في المقام.
    منها : انه هل يعتبر في وقوع الطهارات بل كل مقدمة عبادية قصد فعل ذي المقدمة ولا يكفي قصد أمرها الغيري من دون قصد امتثال امر ذي المقدمة ، أو انه لا يعتبر ذلك ؟ والأقوى اعتبار ذلك ، لان امتثال الامر الغيري بنفسه لا يوجب قربا من دون امتثال امر ذيها ، فلا يقع الستر أو الاستقبال مثلا عبادة بقصد أمرهما الغيري مع عدم القصد إلى الصلاة.
    ومنها : انه لو توضأ بقصد الصلاة ثم بداله عدم الصلاة ، فلا ينبغي الاشكال في صحة وضوئه ، لان قصد الصلاة عند فعل الوضوء يكون شرطا لصحته ، مع قطع النظر عن كونه بنفسه عبادة ، أو نفرض الكلام في التيمم ، فإذا قصد ذلك يقع وضوئه صحيحا ورافعا للحدث ، ويجوز فعل كل مشروط بالطهارة ، كما لا يخفى. ولا يقتضى المقام تفصيل ذلك ، فإنه من المسائل الفرعية الخارجة عن عنوان البحث. هذا تمام الكلام في الواجب النفسي والغيري.
1 ـ طهارة الشيخ قدس سره ، الركن الثاني ، في كيفية نية الوضوء ، الكلام هنا في مقامات ، المقام الأول ، الثالث ص 82 ـ 81

(232)
    وينقسم الواجب ، باعتبار آخر إلى تعييني وتخييري.
    وقد يستشكل في تصوير الواجب التخييري ، وانه كيف يعقل تعلق إرادة الآمر بأحد الشيئين أو الأشياء من غير تعيين ؟ مع عدم امكان تعلق إرادة الفاعل بذلك ، لوضوح ان إرادة الفاعل المستتبعة لحركة العضلات لا تتعلق الا بمعين محدود بحدوده الشخصية ، ولا يعقل تعلقها بأحد الشيئين على وجه الابهام والترديد ، فإذا لم يعقل تعلق إرادة الفاعل على هذا الوجه ، فكيف يعقل تعلق إرادة الآمر بذلك ؟ ومن هنا اختلفت الكلمات في كيفية الواجب التخييري. والوجوه العلمية التي ذكروها في المقام ترجع إلى أربعة :
    الوجه الأول :
    هو ان الواجب في الواجب التخييري ، الكلي الانتزاعي ، وهو عنوان ( أحدها ) ولا مانع من تعلق التكليف بالأمور الانتزاعية إذا كان منشأ انتزاعها بيد المكلف ، ولم تكن من أنياب الأغوال ، وواضح ان هذا العنوان الانتزاعي قابل للانطباق على كل من افراد الواجب المخير ، فإنه يصدق على كل من العتق والصيام والاطعام عنوان ( أحدها ) فيكون هو متعلق التكليف هذا.
    ولكن يرد عليه
    ان ذلك خلاف ظواهر الأدلة المتكفلة لبيان الواجب التخييري ، حيث إن الظاهر منها ، كون كل من الخصال واجبا ، لا ان الواجب هو عنوان ( أحدها ).
    والحاصل : ان هذا الوجه وان كان ممكنا ثبوتا ، ولا محذور فيه عقلا ، الا انه خلاف ظواهر الأدلة لا يصار إليه الا بقرينة معينة ، أو انحصار الوجه في ذلك و عدم تمامية الوجوه الآتية.
    الوجه الثاني :
    هو ان يكون الوجوب في كل واحد من افراد التخيير مشروطا بعدم فعل الاخر ، فيكون العتق واجبا عند عدم الصيام والاطعام ، وكذا العكس ، فتكون الإرادة قد تعلقت بكل على نحو الواجب المشروط ، وذلك انما يكون إذا كان لكل من الصيام والعتق والاطعام ملاك يخصه ، ولكن لا يمكن الجمع بين الملاكات و


(233)
كان استيفاء واحد منها مانعا عن استيفاء الباقي ، فإذا كان كذلك فلا بد من ايجاب الكل على نحو الواجب المشروط ، إذ تخصيص الوجوب بأحدهما يكون بلا مرجح ، هذا.
    ولكن يرد عليه : أولا : انه لا يتوقف الواجب التخييري على أن يكون لكل من الافراد ملاك يخصه ، بل يمكن ان يكون هناك ملاك واحد قائم بكل من الافراد ، غايته انه يحتاج إلى جامع بينها حتى لا يصدر الواحد من المتعدد. وسيأتي توضيح ذلك.
    وثانيا : لو فرض ان هناك ملاكات متعددة ، ولكن بعد فرض وقوع التزاحم والتمانع بينها في المرتبة السابقة على الخطاب لا يمكن ان يكون كل واحد منها تاما في الملاكية ، إذ الملاك المزاحم بغيره لايكون تاما في ملاكيته ، فبالآخرة يرجع إلى أن الملاك التام واحد ، والعبرة بالملاك التام ، ومع وحدة الملاك لا تكون الافراد من الواجب المشروط ، إذ مبنى ذلك كان على تعدد الملاكات.
    نعم : لو وقع التزاحم في المرتبة المتأخرة عن الخطاب لمكان عدم القدرة على الجمع بين متعلقي الخطابين ـ كما في انقاذ الغريقين ـ كان الخطاب في كل واحد مشروطا بعدم فعل متعلق الاخر ، إذا قلنا في باب التزاحم بسقوط اطلاق الخطابين ، لا أصل الخطابين ، كما سيأتي تفصيله في مبحث الترتب انشاء الله تعالى ، لان الملاك في كل واحد يكون تاما ، وانما المانع عدم قدرة المكلف على الجمع بين المتعلقين ، و لمكان اشتراط كل تكليف بالقدرة يكون الخطاب في كل مشروطا بعدم فعل الآخر ، لثبوت القدرة على هذا الوجه.
    والحاصل : انه فرق بين عروض التزاحم في المرتبة المتأخرة عن الخطاب بعد تمامية الملاك في كل من المتعلقين ، وبين وقوع التزاحم في المرتبة السابقة على الخطاب لمكان التمانع بين الملاكات ، ففي الأول يكون الخطاب في كل مشروطا بعدم الاخر ، لمكان اشتراط كل خطاب بالقدرة ، وينتج نتيجة ، الواجب التخييري ، حيث يكون المكلف مخيرا في اختيار أيهما شاء.
    وفى الثاني لايكون الخطاب بكل مشروطا بعدم الاخر ، إذ ليس هناك الا


(234)
ملاك واحد ، ومع وحده الملاك وانطباقه على كل واحد من الخصال مثلا لا يمكن ان يكون التكليف بكل واحد مشروطا بعدم فعل الآخر ، إذ يلزم فعلية جميع التكاليف عند ترك فعل الكل ، لتحقق شرط الوجوب في كل واحد ، ولازم ذلك تعدد العقاب وهو ضروري البطلان إذ ليس في ترك الواجب التخييري الا عقاب واحد ، مع أنه كيف يعقل ان يكون هناك واجبات متعددة فعلية مع وحدة الملاك ؟ وهذا بخلاف الاشتراط الناشئ عن تزاحم الخطابين ، فان تعدد العقاب لا مانع منه ، و فعلية كل من الواجبين لا محذور فيه لتمامية الملاك في كل منهما ، كما سيأتي تفصيله في مبحث الترتب انشاء الله تعالى. مع أن ارجاع الواجب التخييري إلى الواجب المشروط خلاف ظاهر الأدلة ، حيث إن الواجب المشروط لابد ان يكون مشروطا بأحد أدوات الشرط فتأمل جيدا.
    ( الوجه الثالث )
    هو ان الواجب في الحقيقة في الواجب التخييري هو الجامع بين الافراد الذي يؤثر في الملاك الواحد ، لوضوح ان المتعدد بما هو متعدد لا يمكن ان يقتضى اثرا واحدا ، لان الواحد لا يصدر الا من واحد ، فلا بد ان يكون هناك جامع بين الافراد يقتضى الأثر الواحد ، ويكون الواجب هو ذلك الجامع ، فيرجع التخيير الشرعي إلى التخيير العقلي ، هذا.
    ولكن لا يخفى عليك ما فيه.
    فان وجود الجامع بين الافراد وان كان مما لا بد منه فرارا عن المحذور المتقدم ، الا انه ليس كل جامع ينفع في التخيير العقلي ، بل يعتبر في الجامع ان يكون أمرا قريبا عرفيا يصح تعلق التكليف به بنفسه ، بحيث يكون من المسببات التوليدية ، بل لا يكفي مجرد كونه سببا توليديا ، إذ التسخين يكون من المسببات التوليدية ، لكل من الشمس والنار ، ومع ذلك ليس بينهما جامع قريب عرفي ، وان كان بينهما جامع عقلي لا محالة ، وتباين افراد خصال الكفارة عرفا ليس بأدون من تباين الشمس والنار ، فلا يمكن ارجاع التخيير بينهما إلى التخيير العقلي ، لما عرفت من أنه يعتبر في التخيير العقلي ان يكون الجامع بين الافراد جامعا قريبا عرفيا ، كالماء ، و


(235)
الانسان ، والحيوان ، وغير ذلك من العناوين المنطبقة على الافراد الخارجية ، فهذا الوجه أردء من الوجهين السابقين.
    ( الوجه الرابع )
    هو الذي اختاره شيخنا الأستاذ مد ظله ، وحاصله : انه لا مانع من تعلق إرادة الامر بكل واحد من الشيئين أو الأشياء على وجه البدلية ، بان يكون كل واحد بدلا عن الاخر ، ولا يلزم التعيين في إرادة الامر بان تتعلق ارادته بأمر معين ، بل يمكن تعلق إرادة الآمر بأحد الشيئين بهما ، وان لم يمكن تعلق إرادة الفاعل بذلك ، ولا ملازمة بين الإرادتين على هذا الوجه. مثلا لا اشكال في تعلق إرادة الآمر بالكلي ، مع أن إرادة الفاعل لا يعقل ان تتعلق بالكلي مجردا عن الخصوصية الفردية.
    والحاصل : ان بعض الخصوصيات من لوازم الإرادة الفاعلية ، حيث إن الإرادة الفاعلية انما تكون مستتبعة لحركة عضلاته ولا يمكن حركة العضلات نحو المبهم المردد ، وهذا بخلاف إرادة الآمر ، فإنه لو كان كل من الشيئين أو الأشياء مما يقوم به غرضه الوجداني ، فلا بد ان تتعلق ارادته بكل واحد لا على وجه التعيين بحيث يوجب الجمع ، فان ذلك ينافي وحدة الغرض ، بل على وجه البدلية ، ويكون الاختيار ح بيد المكلف في اختيار أيهما شاء ، ويتضح ذلك بملاحظة الأوامر العرفية ، فان امر المولى عبده بأحد الشيئين أو الأشياء بمكان من الامكان ، ولا يمكن ارجاعه إلى الكلي المنتزع كعنوان ( أحدهما ) ، فان ذلك غير ملحوظ في الأوامر العرفية قطعا و لا يلتفت إليه ، فلتكن الأوامر الشرعية كذلك ، فالإرادة في الواجب التخييري سنخ من الإرادة في قبال الإرادة المشروطة أو الإرادة المطلقة بشيء معين ، فتأمل جيدا.
    بقى في المقام : التخيير بين الأقل والأكثر ، وهو مع ملاحظة الأقل لا بشرط لا يعقل ، ومع ملاحظته بشرط لا بمكان من الامكان ، ويخرج حينئذ عن الأقل والأكثر ، لمباينة الشيء بشرط لا مع الشيء بشرط شيء كما هو واضح. هذا تمام الكلام في الواجب التعييني والتخييري.
    وينقسم الواجب أيضا : إلى عيني وكفائي
    والبحث في الواجب الكفائي هو البحث في الواجب التخييري ، غايته ان


(236)
البحث في الواجب التخييري كان بالنسبة إلى المكلف به ومتعلق التكليف ، و في الكفائي بالنسبة إلى الفاعل والمكلف ، ويكون المكلف هو جميع الآحاد وجميع الأشخاص على وجه يكون كل واحد بدلا عن الآخر ، ومن هنا يتجه عقاب الجميع عند ترك الكل ، أو ثواب الجميع عند فعل الكل دفعة واحدة ، لعصيان كل واحد حيث إنه ترك متعلق التكليف لا إلى بدل ، أي مع عدم قيام الآخر به ، وإطاعة كل واحد حيث فعل متعلق التكليف ، وقد أطال شيخنا الأستاذ مد ظله البحث في ذلك ، ولقلة فائدته قد تسامحنا في كتابته.
    وينقسم الواجب : إلى موقت وعير موقت
    والموقت إلى مضيق وموسع ، ولا اشكال في امكان كل واحد من ذلك و وقوعه في الشريعة ،
    نعم : ربما يستشكل في المضيق بأنه لا يعقل اتحاد زمان البعث والانبعاث ، بل لابد من تقدم البعث ولو آنا ما ، ولكن سيأتي في مبحث الترتب انشاء الله تعالى ضعف هذا الاشكال ، وعدم اختصاصه بالمضيق فانتظر.
    ثم انه وقع البحث في الموقتات ، في أن الأصل يقتضى سقوط الواجب فيما بعد الوقت ، أو ان الأصل يقتضى عدم سقوطه. وبعبارة أخرى : وقع البحث في دلالة الامر بالموقت على بقاء الوجوب بعد الوقت وعدم دلالته ، وربما يعنون البحث بان القضاء هل هو بالامر الأول أو بأمر جديد ؟ ولا يخفى ما في هذا التعبير من المسامحة ، لوضوح ان لا معنى لتسمية الفعل قضاء مع دلالة الدليل الأول على بقاء الوجوب فيما بعد الوقت ، بل يكون الواجب بعد الوقت هو ذلك الواجب بعينه قبل الوقت ، فلا معنى لاطلاق القضاء عليه ، وعلى كل حال ان البحث في الواجب الموقت يقع من جهات.
    ( الجهة الأولى )
    في دلالة الامر على بقاء الوجوب فيما بعد الوقت ، وهو المراد من كون القضاء بالامر الأول ، والوجوه المحتملة في ذلك ثلاثة :
    الأول : دلالة الامر على ذلك مط ، سواء كان التوقيت بالمتصل أو المنفصل.


(237)
    الثاني : عدم دلالته على ذلك مط.
    الثالث : التفصيل بين المتصل فلا دلالة فيه ، والمنفصل فيدل على بقاء الوجوب فيما بعد الوقت ، ولكن إذا لم يكن لدليل القيد اطلاق ، وهذا هو الذي اختاره في الكفاية (1).
    والأقوى : هو الوجه الثاني ، ووجهه ظاهر ، لان التقييد بالوقت يكون كالتقييد بغيره من الأوصاف والملابسات ، وقد بينا في محله وجه حمل المط على المقيد مط متصلا كان أو منفصلا ، وعدم صحة حمل دليل القيد على كونه واجبا في واجب ، أو كونه أفضل الافراد ، ولا خصوصية لقيدية الوقت ، فكما ان التقييد بالايمان يوجب انحصار الواجب في المؤمنة وعدم وجوب عتق الكافرة من غير فرق بين المتصل والمنفصل ، فكذا التقييد بالوقت. وما ذكره في الكفاية من التفصيل مما لا يمكن المساعدة عليه ، فان دليل التوقيت اما ان يدل على التقييد واما ان لا يدل ، فان دل على التقييد فلا يمكن دلالته على بقاء الوجوب بعد ذلك واستفادة كونه من قبيل تعدد المطلوب ، وان لم يدل على التقييد فيخرج عن كونه واجبا موقتا.
    والحاصل : انه مع كون الواجب موقتا لا يمكن دعوى ان التقييد بالوقت يكون على نحو تعدد المطلوب وانه من قبيل الواجب في واجب ، من غير فرق بين المتصل والمنفصل. فوجوب الفعل في خارج الوقت يحتاج إلى دليل ، ولا يكفي الدليل الأول.
    ( الجهة الثانية )
    لا اشكال في قيام الدليل في بعض الموارد على وجوب الفعل في خارج الوقت عند فوته في الوقت كالفرائض اليومية ، وصوم رمضان ، والنذر المعين ، فح يقع البحث في أنه بعد قيام الدليل على ذلك هل يكون التقييد بالوقت من باب تعدد المطلوب وكونه واجبا في واجب ؟ أو يكون من باب التقييد ولكن قيديته مقصورة
1 ـ كفاية الأصول ، الجلد الأول ، ص 230 « ثم انه لا دلالة للامر بالموقت بوجه .. »

(238)
بحال التمكن ، كما هو الشأن في سائر القيود المعتبرة في العبادة ما عدا الطهور ، حيث تكون مقصورة بحال التمكن وتسقط عند التعذر ، لا ان المقيد يسقط ، لان الصلاة لا تسقط بحال ، أو انه لايكون هذا ولا ذاك ، بل يكون القضاء واجبا آخر مغايرا للواجب الأول بحسب العنوان ، وليس هو ذلك الواجب بعينه وانما سقط قيده.
    ولا يخفى عليك الفرق بين الوجوه الثلاثة ، فإنه لو كان من قبيل الواجب في واجب ، لكان اللازم عند ترك القيد عمدا حصول الامتثال بالنسبة إلى أصل الواجب وان تحقق العصيان بالنسبة إلى الواجب الآخر ، ولو كان من قبيل القيدية المقصورة بحال التمكن كان اللازم عدم حصول الامتثال عند ترك القيد عمدا مع التمكن منه ، ولكن هذا انما يثمر بالنسبة إلى غير التقييد بالوقت من سائر القيود التي يمكن فيها الاتيان بالمقيد بدون القيد كالصلاة بلا ركوع مع التمكن ، واما بالنسبة إلى التقييد بالوقت فلا يتحقق اثر بين الوجهين ، إذ لا يعقل وقوع الصلاة في خارج الوقت مع كونها في الوقت ، فلا فرق بين ان يكون قيدية الوقت من باب الواجب في واجب ، أو من باب القيدية المقصورة بحال التمكن.
    نعم : ثبوتا يمكن ان يكون على أحد الوجهين ، كما يمكن ان يكون على الوجه الثالث ، وهو اختصاص الواجب بما كان في الوقت والذي يجب خارجه هو واجب آخر أجنبي عما وجب في الوقت ، وان اشتمل على مقدار من مصلحة ذلك الواجب.
    والفرق بين هذا الوجه والوجهين الأولين : هو ان الواجب في خارج الوقت بناء على الوجهين الأولين ، هو ذلك الواجب في الوقت بعينه ، وانما الساقط قيد من قيوده ، أو واجب آخر الذي كان يجب في ذلك الظرف ، ويكون وجوبه في خارج الوقت بنفس العنوان الذي كان يجب قبله ، وهذا بخلاف الوجه الثالث فإنه يكون ح واجبا آخر مغايرا للواجب الأول ومعنونا بغير ذلك العنوان.
    والحاصل : انه لو لم يقم دليل على وجوب القضاء كان مقتضى الدليل ، القيدية المطلقة التي يسقط فيها المقيد عند تعذر القيد ، ولا يكون من قبيل تعدد المطلوب ، ولا من قبيل كون القيدية مقصورة بحال التمكن ، من غير فرق بين ان


(239)
يكون دليل التوقيت متصلا أو منفصلا كما عرفت ، ولكن بعد قيام الدليل على القضاء يمكن ان يستظهر منه أحد الوجوه الثلاثة ، فإنه لا مانع من كل منها ثبوتا.
    ولكن الانصاف : انه لا سبيل إلى أحد الوجهين الأولين ، لان الظاهر من قوله ( عليه السلام ) (1) ( اقض ما فات ) هو ان الواجب في خارج الوقت امر آخر مغاير لما وجب أولا ، وان ما وجب أولا قد فات ، وان هذا الواجب هو قضاء ذلك.
    وبالجملة دلالة لفظة القضاء والفوت على أنه لم يكن التوقيت من قبيل تعدد المطلوب ولا من قبيل القيدية المقصورة بحال التمكن ، مما لا تخفى ، لأنه لو كان على أحد الوجهين لا يستقيم التعبير بالفوت ، إذ بناء عليهما لم يتحقق فوت ، بل كان ذلك الواجب هو بعينه باق ، فيظهر منه ان الواجب في خارج الوقت امر آخر مغاير لما وجب أولا ومعنون بعنوان آخر. ويدل على ذلك أيضا انه ربما يتحقق الفعل زمانا بين وجوب الأداء ووجوب القضاء ، كما إذا لم يبق من الوقت مقدار ركعة ولم يتحقق الغروب بعد ، فإنه لم يكن مكلفا في هذا المقدار من الزمان إلى أن يتحقق الغروب لا بالأداء ولا بالقضاء ، فيظهر منه ان المكلف به في خارج الوقت مغاير لما كلف به أولا ، فتأمل.
    ( الجهة الثالثة )
    بعد ما ثبت ان القضاء انما يكون بأمر جديد ، ويكون الواجب في خارج الوقت مغايرا لما وجب في الوقت ، فيقع البحث ح عن موضوع ما يجب في خارج الوقت وانه هل يمكن احراز موضوعه باستصحاب عدم الفعل في الوقت ؟ وبعبارة أخرى : الفوت الذي اخذ موضوعا في دليل القضاء هل هو عبارة عن عدم الفعل في الوقت ؟ حتى يجرى استصحاب عدم الفعل في الوقت ويحرز به الفوت ، أو ان الفوت ليس عبارة عن عدم الفعل ، بل هو ملازم لذلك ، فالاستصحاب لا ينفع
1 ـ راجع الوسائل ، الجزء 5 الباب 6 من أبواب قضاء الصلاة الحديث 1 ص 359 وفي متن الخبر « يقضى ما فاته كما فاته »

(240)
الا بناء على اعتبار الأصل المثبت.
    ثم لا يخفى عليك : ان هذا البحث لا اثر له بالنسبة إلى قضاء الصلوات ، لجريان قاعدة الشك بعد الوقت الحاكمة على الاستصحاب المذكور. ومن هنا أشكلنا على الشيخ قده ـ عنه توجيه مقالة المشهور القائلين بوجوب قضاء الفوائت حتى يعلم بالبرائة مع أن قاعدة الشك في الأقل والأكثر الغير الارتباطي تقضى جريان البراءة فيما عدا المتيقن من الفوائت ، بان استصحاب عدم فعل المشكوك في وقته يقتضى وجوب قضائه ـ بما حاصله : ان الاستصحاب لا ينفع ولا يوجه به مقالة المشهور ، لجريان قاعدة الشك بعد الوقت ، كما اعترف هو ( قده ) بذلك ، بل لابد من العمل بما يقتضيه العلم الاجمالي فيما ذكره المشهور وقد بينا وجه مقالة المشهور في تنبيهات البراءة ، فراجع. وعلى كل حال البحث عن معنى الفوت لا اثر له في باب الصلاة.
    نعم : تظهر الثمرة في سائر المقامات مما ثبت فيه القضاء كالصوم المعين و نحوه ، فلو قلنا : بان الفوت عبارة عن عدم الفعل في وقته فبأصالة عدم الفعل فيه يترتب وجوب القضاء ولو قلنا : ان الفوت ليس مجرد عدم الفعل ، بل هو عبارة عن خلو المحل عن الشيء وعدم وجوده مع أنه كان فيه اقتضاء الوجود وكان مما من شانه ان يوجد بحيث يبقى المحل خاليا عنه وهذا المعنى ملازم لعدم الفعل لا انه هو بعينه ، فيكون أصالة عدم الفعل مثبتة بالنسبة إلى ذلك ، ولا يتحقق بها موضوع الفوت ، فيكون المرجع في صورة الشك البراءة ، للشك في التكليف. وقد اختار هذا الوجه شيخنا الأستاذ مد ظله ، فتأمل جيدا.
    هذا تمام الكلام في اقسام الواجب
    فلنشرع ح في مباحث الاجزاء ، والفور والتراخي ، والمرة والتكرار ، ولما كانت مباحث مسئلتي الفور والتراخي ، والمرة والتكرار ، قليلة الجدوى بل لا طائل تحتها كان الاعراض عنهما أجدر ، ولكن تبعا للقوم لا بأس بالإشارة الاجمالية إليهما أولا ، ثم نتكلم في مسألة الاجزاء فنقول :
فوائد الاصول ـ الجزء الاول والثاني ::: فهرس