|
|||
(496)
صريحة ، لامكان رجوعها إلى برهان عدم التداخل في المسبب.
المقدمة الأولى : انه لا اشكال ، في أن ظاهر القضية الشرطية ، هو كون الشرط مؤثرا في الجزاء. والثانية : ان ظاهر كل شرط ان يكون اثره غير اثر الشرط الاخر. والثالثة : ان ظاهر التأثير ، ان الأثر هو تعدد الوجود لا تأكد المطلوب. والعمدة من هذه المقدمات هي الأولى ، لان المقدمتين الأخيرتين واضحتان. اما الثانية : فلانه ، بعد ثبوت الأولى لا بد ان يكون اثر كل شرط غير اثر الآخر ، لان معنى تأثير الشرط التأثير بالاستقلال لا الانضمام. واما الثالثة : فلان التأكيد وان كان مغايرا لغير المؤكد ، الا انه في الحقيقة راجع إلى وحدة الأثر ، فمهما أمكن التعدد في المسبب لا موجب لتأثير الشرط التأكد. نعم : مع حفظ المقدمتين وعدم امكان التعدد يجب المصير إلى التأكيد. واما المقدمة الأولى : فعمدة المناقشة فيها مناقشة فخر المحققين : (1) من ابتنائها على كون العلل الشرعية مؤثرات ، لأنها بناء على كونها معرفات ، لا تأثير للشرط في الجزاء. ولكن ظهر مما ذكرنا : ان التداخل وعدمه لا يبتنى على هذا النزاع ، بل لا محصل لهذا النزاع أصلا ، لان علل التشريع ليست عللا حقيقية ، فلا يمكن النزاع فيها والقول بأنها مؤثرات. واما موضوعات الاحكام ، فليست الا كالعلل الحقيقية ولا يمكن ان تكون معرفات. وبالجملة لا وجه لهذه المناقشة أصلا. ثم انه ، قد ذكرنا ضابطا مميزا بين العلل للجعل وبين موضوعات المجعول في غير مبحث. واجماله : ان كل ما لا يمكن ان يجعل عنوانا لفعل المكلف ويلقى إليه لعدم تميزه بين مورد حصوله وعدم حصوله ، كاختلاط المياه والنهى عن الفحشاء ، فهذا لا يمكن ان يكون موضوعا الذي قد يعبر عنه بالعلة للمجعول ، بل يجب ان يكون علة للجعل وملاكا له ، فهذا غير مطرد ولا منعكس. وما أمكن ان يلقى إلى المكلف ، كاسكار الخمر ، لامكان تمييز المكلف بين حصوله وعدم حصوله ، فهذا يلاحظ فيه لسان الدليل ، فان اخذ فيه علة للجعل والتشريع ، فهو لا يطرد ولا ينعكس ، كقولهم ( عليهم السلام ) أتدري لم جعل أو لم شرع 1 ـ راجع إيضاح الفوائد الجزء 1 ص 48 (497)
كذا ، ولم صار ماء الاستنجاء لا بأس به لان الماء أكثر من القذر ، وأمثال هذه القضايا التي صنف الصدوق ( قده ) لها كتاب على حدة ، وسماه علل الشرايع. وان اخذ فيه علة للمجعول ، كقوله ( عليه السلام ) الخمر حرام لأنه مسكر ، فهذا هو العلة التي يتعدى عن مورد معلولها إلى المشارك معه في هذه العلة.
فتحصل مما ذكرنا ان عمدة برهان القائل بالتداخل ، هو ان صرف الشيء لا يتكرر. وهذا الكلام مما لا ريب فيه بعد اثبات ان متعلق الامر هو الطبيعة المشتركة بين المرة والتكرار ، لا خصوص المرة ، ولا التكرار ، فإذا كان المتكلم في مقام البيان ، فبالاطلاق يثبت انه أراد القدر الجامع ، وبحكم العقل يثبت ان القدر الجامع إذا تحقق لا مجال لامتثاله ثانيا. ولكن فيه أولا : ان هذا لا ينافي ظهور القضية الشرطية في تأثير كل شرط اثرا غير اثر الشرط الآخر ، لان كون صرف الشيء لا يتكرر لايكون مستندا إلى ظهور لفظي ، حتى يعارض ظهور الشرطية. وبعبارة أخرى : حكم العقل مفاده ان المطلوب الواحد لا يتكرر ، فلا يعارض ظهور ما دل على تعدد المطلوب. وثانيا : ان ظهوره في عدم التكرار بالاطلاق وعدم موجب التعدد ، ويكفي ظهور الشرطيتين في بيان موجب التعدد. واما المقام الثاني : فالحق فيه أيضا عدم التداخل ، لأنه بعد ما ظهر ان كل سبب يؤثر غير ما اثره الآخر ، فمع امكان التعدد في المسبب لا موجب للتداخل ، ولا وجه لدعوى أصالة التداخل. فالاكتفاء في الامتثال بمسبب واحد ، مع القول بعدم التداخل في الأسباب ، لا بد فيه اما : من ثبوت دليل عليه ، كالاكتفاء بغسل واحد إذا اجتمع عليه حقوق (1) لقيام الدليل الواضح على كفاية غسل واحد ، اما مطلقا ، واما لو نوى الجميع ، واما لو كان في الأسباب الجنابة. وعلى أي حال : ان ثبوته بالدليل غير دعوى أصالة التداخل. واما : من كون المسبب مصداقا لعنوانين بينهما عموم من وجه ، كضيافة الهاشمي العالم ، لو قال : أكرم هاشميا وأضف عالما ، فان اطلاق كل دليل حيث إنه يشمل مورد الاجتماع يوجب عدم البأس باتيان المجمع ، لامتثال الاكرام 1 ـ المراد من الحقوق هو حقوق الله تعالى. (498)
الذي بينه وبين الضيافة عموم من وجه في العالم الذي بينه وبين الهاشمي عموم من وجه. ولا يبتنى صحة الامتثال بالمجمع على مسألة الاجتماع ، لان موضوع تلك المسألة في الحكمين المتضادين. والمتماثلان وان كان كالمتضادين الا انه إذا بقى الحكمان باثنينيتهما ، واما مع اتحادهما كما في الحكمين الانحلاليين ، كقوله : أكرم العلماء وأكرم السادات ، واجتمع في مصداق واحد عنوان العالم والسيد ، أو في البدليين كما في امتثالهما باتيان المجمع ، فيتحدان ويؤثر كلاهما بوصف الاجتماع اثرا واحدا.
وبالجملة : تداخل المسبب لا بد ان يثبت بدليل ، أو يصدق الامتثال في اتيان واحد إذا كان بين العنوانين عموم من وجه. والكلام الذي نحن بصدد تنقيحه مفروض فيما كان بين الأسباب تباين ، كالبول والنوم ، أو الجماع والاكل ، أو تساو كتعدد النوم أو الاكل ، مع اتحاد المسبب بحسب المفهوم. ثم انه ينبغي التنبيه على أمرين : الأول : ان هذا الذي ذكرنا من عدم تداخل الأسباب ، انما هو بمقتضى القواعد اللفظية ، فأصالة عدم التداخل تامة لو لم يقم دليل على خلافها ، كما في كل أصل قام الدليل على خلافه. فمن جملة ما قام الدليل فيه على خلاف هذا الأصل موجبات الوضوء ، وبعض موجبات الكفارة. اما الوضوء : فقيام الدليل على كفاية وضوء واحد لجميع أسبابه موجب لاستكشاف أحد أمور ثلاثة فيه. أولها : كون سبب الوضوء هو العنوان الواحد الحاصل بأحد النواقض ، بمعنى كون النواقض محصلة لهذا العنوان ، ونفس ذلك العنوان هو السبب ، وهذا غير قابل للتعدد بتعدد محصلاته ، ويعبر عنه بالقذارة المعنوية والحالة الحدثية. ثم انه إذا تحقق المحصلان في عرض واحد ، فالعنوان مستند إلى وصف الاجتماع ، ولو تحققا طولا فمستند إلى أول الوجود منهما ، كما لا يخفى. ثانيها : كون السبب هو صرف الوجود من النواقض ، لا مطلق وجوده ، فأول سبب حصل في الخارج هو المؤثر في الوضوء ، دون ما يتحقق ثانيا وثالثا. ثالثها : ان المسبب ـ وهو الطهارة الحاصلة بأول وضوء ـ غير قابل للتعدد ولا التأكد ولا الانتساب إلى سبب من حيث والى سبب آخر من حيث آخر ، فيخرج المورد عن محل النزاع. ولكنه لا يخفى : ان هذا الاحتمال في باب الوضوء لا (499)
يتطرق ، لأنه ثبت : ان الوضوء على الوضوء نور على نور.
واما باب بعض الكفارات : فهو في غير الجماع ، كالأكل والشرب و نحوهما ، لأنه ورد في الدليل ( من أفطر في نهار شهر رمضان فعليه الكفارة ) والمفطر صادق بأول وجود من المفطرات ، وهو عنوان غير قابل للتعدد ، فكل من شرب و اكل وارتمس ، يصدق عليه انه أفطر بمجرد تحقق أول المفطرات ، فاكله بعد شربه غير قابل للتأثير. ولا ينافي ذلك وجوب الامساك على المفطر أو استحبابه ، لأنه حكم تعبدي من جهة احترام شهر رمضان ، لا لامكان الافطار ثانيا لبقاء الصوم. وبالجملة : لا ينافي الأصل قيام الدليل على خلافه ، كما أن أصالة عدم تداخل المسببات ـ أي عدم كفاية امتثال واحد لأسباب متعددة مؤثرة ـ لا ينافي قيام الدليل على كفايته ، كما في الأغسال ، وكما لو لم يكن المسبب قابلا للتعدد والتأكد ولا التقيد ، كما إذا اجتمع حقوق الله تعالى في القتل ، فإنه لا يمكن ان يتقيد القتل بحق دون حق ، لان حقه تعالى غير قابل للعفو ، حتى يتقيد بسبب غير تقيده بسبب آخر ، وكما في تداخل المسببين في ضيافة العالم الهاشمي. الثاني : انه قيل : بتعدد حقايق الأغسال ، كما هو المشهور. وقيل : باتحادها ، كما هو المحكى عن الأردبيلي ( قده ) وتابعيه. ومعنى اتحاد حقيقتها ان ما يوجبه الجنابة من الغسل عين ما يوجبه الحيض أو مس الميت أو الجمعة ، وهكذا. ثم انه وان اختلف القولان بحسب الآثار الفقهية والأحكام الشرعية ، ككفاية غسل واحد حتى الجمعة عن جميع الأغسال ولو لم ينو غيرها ، وكفاية كل غسل عن الوضوء بناء على الاتحاد ، وعدم كفايته في كلا المقامين بناء على التغاير ، الا انه ليس المقام مقام البحث عن الحكم الفرعي وبيان ان المختار هو التعدد كما هو المشهور ، لظاهر الاخبار (1) بأنه « إذا اجتمع عليه حقوق أجزئك غسل واحد » الظاهر في أن الموجب للغسل متعدد. ولا معنى لاتحاد حقيقة الغسل مع تعدد موجبه ، لأنه لو كان ما 1 ـ الوسائل ، الجزء 1 الباب 43 من أبواب الجنابة الحديث 1 ص 526 (500)
توجبه الجنابة عين ما يوجبه الحيض للزم ان يكون السبب واحدا أيضا ورجوع جميع الأسباب إلى حدث واحد ، كموجبات الوضوء ، على ما عرفت ، لعدم امكان ترتب معلول واحد على علل مختلفة ، كما برهن في محله. بل المهم في المقام ، انما هو بيان الحكم الأصولي على المسلكين.
فنقول : لو قلنا بالاتحاد ، فلا محيص عن الالتزام بالتداخل وعدم تأثير كل ما هو السبب في الظاهر ولو قلنا بأصالة عدم التداخل في الأسباب والمسببات ، لعدم قابلية المورد لتعدد الوجود ، لان محل النزاع في باب التداخل هو ما لو كان الجزاء المترتب على الأسباب واحدا مفهوما وقابلا للتعدد مصداقا ، أو بحكم المتعدد المصداق من التأكيد أو التقييد. والمفروض ـ بناء على الاتحاد ـ ان ما يوجبه الجنابة من الغسل عين ما يوجبه الحيض. ولو قلنا بالتباين فلا محيص عن الالتزام بعدم التداخل ولو قلنا بأصالة التداخل في باب الأسباب والمسببات ، لما عرفت ان مورد النزاع هو المتحد في المفهوم القابل لتعدد الوجود ، ومعنى متحد المفهوم المتعدد في الوجود هو المشترك المعنوي ، كالرقبة المترتب عتقها على الافطار والظهار. وهذا بخلاف متباين الحقيقة المترتب أحد المتباينين على سبب كالوضوء مثلا على البول ، والمباين الآخر كالكفارة عل سبب آخر كالافطار ، فإنه لا معنى في هذا المقام للتداخل. ثم انه بناء عل التباين ، كما هو المختار ، فمقتضى القاعدة عدم كفاية غسل واحد عن الأسباب المتعددة ، الا انه قام الدليل على أنه لو نوى الجميع بغسل واحد يجزى ، كما أنه قام الدليل على كفاية نية الجنابة لجميع الأغسال ولو لم ينو غيرها. فالأول : كقوله في كتاب (1) حريز : إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزئك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة إلى آخر الحديث ، فان قوله : إذا اغتسلت ـ باطلاقه يشمل لو كان المتعدد هو الأغسال المستحبة ، أو الواجبة ، أو المركب منهما ، لا سيما بقرينة ذيل هذا الخبر ( فإذا اجتمعت لله عليك أجزئها عنك غسل واحد ) واما اعتبار نية الجميع ، فلقوله ( عليه السلام ) ( للجنابة والجمعة ) الظاهر في لحاظ الجنابة 1 ـ الوسائل ، الجزء 1 الباب 43 من أبواب الجنابة الحديث 1 ص 526 (501)
والجمعة وغيرهما في الغسل.
والثاني : كقوله ( عليه السلام ) (1) « إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزء عنه ذلك عن كل غسل يلزمه في ذلك اليوم » فان اطلاقه يشمل ما لو لم يلتفت الجنب حين غسل الجنابة إلى أسباب آخر. وبالجملة : لو قام الدليل كذلك لكشف عن كفاية نية الشيء عن اتيانه عن الأسباب المتعددة ، ويصير المميز للأسباب هو النية. الفصل الثاني : في مفهوم الوصف
ولا يخفى : ان عنوان محل البحث ، وان جعل في كلمات الأساطين ـ كالكفاية بل التقرير ـ هو الأعم ، ولكن الحق هو اختصاص محل النزاع بالوصف المعتمد على الموصوف دون غيره ، فان غيره ليس الا كمفهوم اللقب ، فان اثبات حكم لموضوع بعد فرض كونه لا يدل على انتفاء سنخ هذا الحكم عن غير هذا الموضوع لا فرق فيه ، بين ان يكون الموضوع في القضية شخصيا كأكرم زيدا ، أو كليا كجئ بانسان ، أو اشتقاقيا كأكرم عالما ، فكما لا يدل اثبات حكم لزيد على انتفاء سنخ هذا الحكم عن غيره ، فكذلك اثبات حكم للعالم لا يدل على انتفاء سنخ هذا الحكم عن غير العالم. وتوهم ان المشتق مأخوذ فيه الذات بناء على قول ، أو متضمن لها على آخر ـ فكان الموضوع قد ذكر في القضية ـ من أعجب الغرائب.
وبالجملة : الالتزام بالمفهوم فيما إذا ذكر الموصوف صريحا ، انما هو لخروج الكلام عن اللغوية ، وتقريبه : ان الحكم لو لم يختص بمورد الوصف وكان ثابتا له و للفاقد لما كان لذكر الوصف وجه. وهذا لا يجرى في مثل أكرم عالما ، فان ذكر موضوع الحكم لا يحتاج إلى نكتة غير اثبات الحكم له ، لا اثباته له وانتفائه عن غيره. وبالجملة : الوصف الغير المعتمد على الموصوف ليس الا اللقب. فالأولى ان يجعل العنوان هكذا : لو نعت موضوع القضية بنعت ، فهل يدل ذكر النعت بعد المنعوت على انتفاء الحكم عن ذات المنعوت الغير المتصف بهذا 1 ـ الوسائل ـ الجزء الباب 43 ـ من أبواب الجنابة ـ الحديث 1 ـ 2 ـ ص 526 (502)
الوصف مطلقا ؟ أو لا يدل مطلقا ؟ أو يفصل بين ما إذا كان مبدء الاشتقاق للوصف علة للحكم فله الدلالة وبين ما لم يكن كذلك ؟ أي التفصيل بين الوصف المشعر بعلية مبدء اشتقاقه للحكم ، وعدمه.
والحق : عدم الدلالة مطلقا ، وذلك لما ظهر في مفهوم الشرط : من أن كون القضية ذات مفهوم انما يتصور فيما إذا كان القيد راجعا إلى الحكم ، بالمعنى المعقول الذي بيناه ، وهو تقييد المتحصل من الجملة ، لا ذات الانتساب الذي هو معنى حرفي. واما لو كان القيد راجعا إلى عقدي الوضع والحمل ـ أي لو كان القيد واردا قبل الانتساب وكان مقيدا لاحد المنتسبين ـ فلا يتصور ثبوت المفهوم للقضية ، و في المقام لا يمكن ارجاع القيد الا إلى الموضوع ، فيكون كالشرطية التي سيقت لفرض وجود الموضوع ، فلا مجال لتوهم المفهوم فيها. وبالجملة : القيد في المقام ليس كالقيد في باب القضية الشرطية ، ولا كالغاية التي يمكن ان تكون غاية للحكم. ان قلت : فلا وجه على هذا ، لحمل المطلق على المقيد ، فإنه لا وجه للحمل الا كون التقييد بالمنفصل كالتقييد بالمتصل ، ولا شبهة ان التقييد بالمتصل يوجب اختصاص الحكم بالمقيد ، فكذلك المنفصل ، ولو لم يكن الوصف ذا مفهوم لما كان وجه لحمل المطلق على المقيد وبعبارة أخرى : من اجل ظهور المقيد في اختصاص الحكم به ، لان الأصل في القيد الاحترازية ، يحمل المطلق على المقيد. قلت : حمل المطلق على المقيد ليس من جهة المفهوم ، بل من جهة التنافي بين التعين الذي يكون المقيد نصا فيه ، والتخيير الذي يكون المطلق ظاهرا فيه مع وحدة التكليف. والا فان مجرد اختصاص الحكم بالرقبة المؤمنة في المقيد ليس الا مثل ان يذكر المقيد ابتداء من دون ذكر المطلق ، فلا يفيد التقييد الا تضييق دائرة موضوع الحكم. وهذا ليس معنى المفهوم ، فإنه يجب ان يدل على انتفاء سنخ هذا الحكم عن غير هذا الموضوع بأي سبب فرض. وبعبارة أخرى : كون الموضوع خاصا وامرا مخصوصا غير دلالة القضية على (503)
انتفاء الحكم من غير هذا الموضوع. ومن هنا ظهر : ان كون الأصل في القيد احترازيا ـ لا للفوائد الاخر التي تذكر لمجيئ القيد ـ لا يفيد اثبات المفهوم ، فان الاحترازية ان كانت بمعنى دلالة القيد على انتفاء الحكم عن ذات المقيد الخالي عن هذا القيد ، فالمسلم منها انما هو في الحدود ، لان بناء التعريف على الاطراد والانعكاس ، دون غيرها ، وان كانت بمعنى دلالته على اختصاص الحكم بالمقيد ، فهذا لا يفيد الا اختصاص هذا الحكم بهذا الموضوع الخاص ، لا نفيه عن غيره.
فان قلت : حمل المطلق على المقيد في المطلق المطلوب منه صرف وجوده وان لم يكن من باب المفهوم ، الا انه في المطلق الانحلالي يكون التقييد مستلزما للمفهوم لامحة ، فان تقييد وجوب الزكاة في مطلق الغنم بالسائمة ، معناه نفيها عن المعلوفة ، فكون القيد احترازيا لا يستقيم الا باخراج المعلوفة من دليل المطلق ، وهذا عين المفهوم. قلت : أولا : لا موجب للتقييد في المطلق الانحلالي لو كان القيد منفصلا ، نعم في المتصل لا مناص عن اختصاص الحكم بمورد القيد ، وذلك لعدم التنافي بين تعلق الزكاة بمطلق الغنم وتعلقها بالسائمة. وثانيا : على فرض تسليم التقييد ، ان التقييد ليس الا قصر دائرة الحكم على الموضوع المقيد ، لا نفيه عما عداه. وفرق بين اثبات حكم لموضوع خاص مع سكوته عن غير هذا الموضوع ، واثباته له ونفيه عما عداه ، والثاني هو المفهوم ، لا الأول. ولذا لو دل دليل ثالث على تعلق الزكاة بالمعلوفة ، فبناء على التقييد لا تعارض بين المقيدين ، ونتيجة تقييد الحكم بكليهما هو الاطلاق ، لاستيعابهما جميع افراد المطلق. وبناء على المفهوم يتعارضان ، لان اثبات الحكم في السائمة مع القول بالمفهوم معناه : عدم ثبوت الزكاة في المعلوفة. ثم انه لا اشكال في أن محل البحث هو فيما لو كان بين الموصوف والصفة عموم مطلقا أي كان الموصوف عاما والصفة أخص منه ، ويلحق به ما لو كان بينهما العموم من وجه مع الافتراق من جانب الموضوع ، أي وجد الموصوف كالغنم ولم يكن (504)
سائمة. واما الافتراق من جانب الوصف ، أي وجدت السائمة ولم تكن غنما ، فهذا غير داخل في محل النزاع ، لان كون الوصف ذا مفهوم معناه تخصيص موصوفه به و اخراج سائر افراد الموصوف عن ثبوت هذا الحكم لها ، لا تخصيص موصوف خارج عن هذين التركيبين. فلا بد من ملاحظة التقييد بالنسبة إلى الإبل السائمة وعدم وجوب الزكاة في معلوفها من ملاحظة نفس دليل تعلق الزكاة بالإبل ، وهذا واضح. وقول الشافية لا يعتنى به. واستفادة العلية من وصف خاص خارج عن ظهور الكلام بحسب طبعه.
الفصل الثالث : في مفهوم الغاية وتنقيحه يتوقف على تحرير نزاع آخر وقع في باب الغاية ، وهو انه. هل الغاية داخلة في المغيى مطلقا ، أم لا مطلقا ، أو التفصيل بين أدواتها ، أو التفصيل بين كون الغاية من جنس المغيى وعدمه ؟ ولا يخفى : انه لا يمكن اثبات وضع ولا قرينة عامة في الدخول أو الخروج. وكون لفظة الغاية والنهاية دالة على دخول الغاية ـ لان نهاية الشيء كابتدائه من حد الشيء ، وحد الشيء من اجزائه لا انه أول جزء من خارج الشيء ـ لا يفيد اثبات الوضع ( لحتى والى ) فإنهما لم يوصفا لما يستفاد من هذا اللفظ الأسمى. والأمثلة التي تذكر للدخول أو الخروج لا تفيد اثبات الوضع ، فان استفادة الدخول أو الخروج من هذه الأمثلة انما هي لقرائن خاصة خارجية. فدعوى ظهور الأداة في الدخول أو الخروج أو التفصيل دعوى بلا برهان. وليس هنا أصل لفظي يدل على الدخول أو الخروج ، فالمرجع عند الشك هو الأصول العملية. إذا عرفت هذا فالكلام يقع في ثبوت المفهوم للغاية ، وقد ذكرنا في مفهوم الشرط : ان كون القضية ذات مفهوم مرجعه إلى تقييد الحكم ، وعدم كونها كذلك مرجعه إلى رجوع القيد إلى أحد عقدي الوضع أو الحمل. وبعبارة أخرى : لو كان التقييد ـ سواء كان للموضوع أو المحمول ـ قبل الاستناد فهذا يرجع إلى مفهوم اللقب. ولو كان في رتبة الاسناد ـ أي قيد الحكم وهو اسناد المحمول إلى الموضوع أي تقييد الجملة لا تقييد المفردات ـ فهذا يرجع إلى ثبوت المفهوم ، فهذان الأمران مما لا نزاع فيهما. فالأليق في النزاع ان يكون البحث في احراز الصغرى ، وان الغاية غاية للحكم (505)
أو الموضوع.
والظاهر : ان الغاية قيد للحكم ، الا ان تقوم قرينة على خلافه ، لان قوله عليه السلام : كل شيء لك حلال حتى تعرف الحرام ، مع قوله (1) « عز اسمه » : وأتموا الصيام إلى الليل ـ بنسق واحد. فكما ان الحكم لو جعلت غايته المعرفة تكون الغاية قيدا للحكم ، فكذلك سائر الأمثلة التي جعلت فيها الغاية غاية بعد اسناد المحمول إلى موضوعه. وكون الغاية قيد للموضوع ـ وأخرت عن الجملة لعدم امكان تقديمها ـ لا يصغى إليه ، لامكان تبديل هذا التركيب إلى آخر بان يقال : الصيام إلى الليل أتمه ، والسير من البصرة إلى الكوفة أوجده ، فجعل الغاية بعد اسناد المحمول إلى الموضوع كاشف عن رجوعها إلى الجملة ، لا إلى مفردات الكلام. وبالجملة : ظاهر القضية بحسب القواعد العربية رجوع الغاية إلى اسناد المحمول إلى الموضوع ، فكأنه جعل وجوب اتمام الصيام مغيى بغاية الليل ، فيقتضى رجوع الغاية إلى الحكم انتفائه عما بعد الغاية ، وينفى ثبوت حكم آخر من سنخ هذا الحكم لليل. الفصل الرابع : في مفهوم الحصر لا يخفى : ان النزاع فيه أيضا يرجع إلى أن الحصر حصر للحكم ، أو للموضوع. ولا اشكال في أن مثل ( الا ) يفيد حصر الحكم في المستثنى منه واخراج المستثنى عنه بعد الاسناد. وما نقل عن نجم الأئمة : ان رفع التناقض المتوهم في باب الاستثناء منحصر بان يخرج المستثنى قبل الاسناد ، كلام لا ينبغي صدوره عن جنابه ، لأنه لا تناقض ابدا بين المستثنى منه والمستثنى حتى يتوقف رفعه على جعل الاخراج قبل الاسناد ، لان الكلام يحمل على ما هو ظاهر فيه بعد تماميته بمتمماته : من لواحقه و توابعه ، بل لو عول المتكلم على بيان مرامه بقرينة منفصلة لا تعد القرينة مناقضة لذي القرينة. 1 ـ البقرة ، 178 (506)
وبالجملة : هذا التناقض المتوهم يجرى بين قرائن المجازات والتخصيصات والتقييدات ، مع ذي القرائن والعمومات والمطلقات ، ولا اختصاص له بباب الاستثناء ، مع أنه لا وقع لهذا التوهم أصلا. فاخذ الاخراج قبل الاسناد الذي يرجع في المآل إلى أن كلمة ( الا ) صفتية وبمعنى الغير لا استثنائية ، لا وجه له ، بعد ظهورها في الاستثنائية في القضايا المتعارفة ، لأنها لو كانت صفتية لاقتضى مجيء الاستثناء قبل الحكم ، بان يقال : القوم الا زيد أي الموصوف بغير زيد جاؤوا ، كما ورد هكذا في الآية المباركة : لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا.
وبالجملة : فالنزاع في الحقيقة راجع في قوله : جاء القوم الا زيد ـ إلى أن قوله ( الا زيد ) من قيود القوم ؟ حتى تكون ( الا ) صفتيه ، فيكون محصل المعنى : ان القوم الذين هم غير زيد جاءوا ، فلا يكون لهذه القضية مفهوم ، لان اثبات حكم لموضوع خاص لا يدل على انتفاء سنخه عن غير هذا الموضوع. أو من قيود الحكم ؟ حتى تكون ( الا ) استثنائية ويكون للقضية مفهوم ، لان اثبات حكم القوم واخراج زيد عن هذا الحكم الثابت لعشيرته مع أنه منهم موضوعا عين المفهوم ، لان المدعى ليس الا دلالة القضية على عدم ثبوت الحكم المذكور للقوم نفيا واثباتا لزيد وخروج حكمه عن حكمهم. وعلى هذا فلا اشكال انه إذا قال : له على عشرة الا درهما فهو اقرار بالتسعة ، ولو قال : له على عشرة الا درهم بالرفع فهو اقرار بالعشرة ، لان مقتضى القواعد العربية التي يجب حمل كلام المتكلم عليها لا على الغلط ان يجعل الدرهم بالرفع صفة للعشرة ، فكأنه قال : العشرة التي هي غير الدرهم على ، هذا في الاثبات. واما في النفي فحيث انه يجوز الوجهان في الاستثناء الواقع بعده ، فلو قال : ما له على عشرة الا درهم أو الا درهما ، فيحمل على اقراره بالدرهم ، فما أفادوه في أنه على النصب لم يكن اقرارا بشيء لا وجه له. والعجب مما يحكى عن (1) المسالك ، فإنه مع اعترافه بان كلمة الا 1 ـ راجع المسالك ، المجلد الثاني ، كتاب الاقرار ، المقصد الرابع في صيغ الاستثناء ، ما افاده في شرح قول المحقق قدس سره في الشرايع « ولو قال : ماله عندي شيء الا درهم كان اقرارا بدرهم .. » ص 171 (507)
استثناء حمله على الاخراج قبل الاسناد فكان النفي دخل على المستثنى والمستثنى منه ، و مرجع الكلام إلى أن المقدار الذي هو عشرة الا درهما ليس على ، وبعبارة أخرى : التسعة ليس على ، لان العشرة الا الدرهم هي التسعة. ولا يخفى : انه مع كون كلمة ( الا ) استثنائية لا يعقل ان يكون الاخراج قبل الاسناد ، فإنها يكون حينئذ وصفية ، و رفع اشكال التناقض ليس باخراج المستثنى من المستثنى منه قبل الاسناد. وبالجملة : مع أن القواعد العربية تساعد النصب بعد النفي أيضا ، فحمل ( الا ) على الوصفية لا وجه له. ومجرد كونه مطابقا لأصل البراءة لا يقتضى صرف الكلام عن ظاهره و اخراجه عن كونه اقرارا ، فما افاده في الجواهر (1) هو الأقوى ، وهو ثبوت الدرهم على كل تقدير من الرفع والنصب.
ثم لا يخفى : انه يمكن ان يكون منشأ توهم أبي حنيفة : كون الموضوع له للفظة ( الا ) هو الأعم من الصفتية والاستثنائية ، والا فإنها لو كانت موضوعة للاستثناء لم يمكن توهم عدم ثبوت المفهوم للقضية. والأمثلة التي ذكرها لعدم الإفادة هي في الإفادة أظهر من عدمها ، لان قوله عليه السلام (2) لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ، أو الا بطهور ـ مثلا ـ لو كان المراد من الصلاة هي الجامعة لجميع الشرائط الا الطهور ، فيفيد نفى الصلواتية عن فاقدة الطهور كون الصلاة المفروضة ( أي الجامعة مع الطهور ) صلاة ، ولا محذور فيه. ولو كان المراد من الصلاة الأعم من الجامع والفاقد فاثبات الصلواتية بمجرد وجدان الطهارة وحدها أيضا لا محذور فيه ، لان معناه ان الصلاة من هذه الجهة صلاة ، ولا ينافي عدم كونها كذلك من جهة فقد سائر الشروط والاجزاء. وبعبارة أخرى : بناء عليه ، الحصر إضافي ولا بأس به. فتحصل مما ذكرنا : ان القيد لو كان راجعا إلى عقد الوضع والحمل ، أي كان التقييد قبل الاسناد ، فبانتفاء الموضوع المقيد أو المحمول المقيد لا ينتفى الحكم عن موضوع آخر ، وانتفاء الحكم عن هذا الموضوع عقلي لا ربط له بالمفهوم. والسر في 1 ـ جواهر الكلام الجزء 35 ، كتاب الاقرار ، المقصد الرابع في صيغ الاستثناء ص 88 2 ـ المستدرك الجلد الأول الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 5 ص 274 (508)
ذلك : ان التقييد لا يوجب الا تضييق دائرة الموضوع أو المحمول ، وثبوت حكم لموضوع خاص لا يلازم انتفائه عن موضوع آخر. ولو كان راجعا إلى الحكم ـ أي المتحصل من الجملة أي كان التقييد في رتبة الاسناد ـ فالحكم المقيد ينتفى بانتفاء قيده بالملازمة ، وهذا هو المفهوم. ولا فرق فيما ذكرنا بين مفهوم الغاية ، والحصر ، أو غيرهما.
نعم : لا يمكن في باب الشرط ارجاع القيد إلى الموضوع ، لان أداة التعليق وضعت لتعليق جملة على جملة ، فمرجع النزاع فيه إلى كون القضية مسوقة لغرض وجود الموضوع ، أو لتحديد الحكم. فعلى هذا لو رجع الحصر إلى الاسناد ـ وكان الاخراج في رتبة قوله : جاء القوم الا زيدا ـ يدل على انتفاء الحكم الثابت للمستثنى منه عن المستثنى ، ومحل النزاع انما هو في ( الا ) الاستثنائية لا الوصفية ، فالقول بعدم دلالة القضية على المفهوم مرجعه إلى استعمال ( الا ) الاستثنائي في الوصف ، والمصير إليه من دون قرينة عليه لا وجه له. ثم إن هنا اشكالا ، في إفادة كلمة ( لا إله إلا الله ) التوحيد ، وحاصله : ان خبر ( الا ) لو قدر ( موجود ) فلا دلالة لهذه الكلمة على عدم امكان اله آخر ، ولو قدر ( ممكن ) فلا دلالة لها على وجود الباري تعالى وان دلت على عدم امكان آلهة أخرى. ولا يخفى : ان هذا الاشكال انما نشأ من قول أكثر النحويين ان خبر ( لا ) مقدر ، ولذا عدوها من نواسخ المبتدأ والخبر ، وجعلوا الفرق بين لا النافية للجنس ولا المشبهة بليس ، هو الفرق بين لولا الغالبية ولولا الغير الغالبية ، فان لولا الغالبية حيث إن خبرها من أفعال العموم أي الوجود المطلق ، فيجب ان يكون محذوفا كقوله : لولا علي لهلك عمر ، ومنشأ وجوب حذفه دلالة الكلام عليه ، فيكون ذكره لغوا ، كحذف الفاعل في فعل الامر ، والمضارع المخاطب منه ، والمتكلم وحده ، و مع الغير. ولولا الغير الغالبية حيث إن خبرها فعل خاص وجب ذكره كقوله عليه السلام : لولا قومك حديثوا عهد بالاسلام لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين. و قالوا : ان لولا الغالبية هي لا النافية للجنس المركبة مع لو ، وغيرها هي المشبهة بليس المركبة مع لو. (509)
وبالجملة : ( لولا ) على قسمين : قسم يمتنع فيها جوابها بمجرد وجود المبتدأ بعدها ، وهذا القسم لا بد ان يكون خبر المبتدأ وهو الكون المطلق ، نحو لولا على ، و يجب ان يكون محذوفا لتعيين المحذوف. وقسم يمتنع فيها جوابها لا بمجرد وجود المبتدأ ، بل لنسبة الخبر إلى المبتدأ ، وهذا القسم خبر المبتدأ امر خاص ، ويجب ان يذكر ، الا ان يدل قرينة عليه. ولا النافية للجنس هي لولا الغالبية ، فيجب ان يكون خبره الوجود المطلق المحذوف ، فيكون معنى ( لا إله إلا الله ) لا اله موجود.
وحاصل الكلام : حيث إنهم عدوا كلمة ( لا ) من نواسخ المبتدأ والخبر فالتجأوا إلى تقدير الخبر. ولكن الالتزام بذلك بلا موجب ، فان كلمة ( لا ) كما وضعت لمعنى حرفي رابطي ، كذلك وضعت لمعنى استقلالي ، وهو نفى الحقيقة والهوية ، أي وضعت تارة : للنفي الربطي وعدم وصف لموضوع ، وأخرى : لنفى المحمول ، أي عدم الشيء. كما أن الافعال الناقصة ، مثل ( كان ) قد تكون ناسخة و هي الرابطة الزمانية ، وقد تكون تامة وغير محتاجة إلى الخبر ، بل قيل ( ان ) النافية من الافعال الناقصة كليس أيضا لها جهتان : ربطي ، وهو ليس الناقصة ، وغير ربطي ، وهو ليس التامة. وهذا الكلام في ( ليس ) وان لم يكن بصحيح ، بل ليس وضعها الا وضع الحروف ، ربطي صرف وضعت لنفى شيء عن موضوع في الحال ، واستعمالها في نفى الوجود مسامحة ، الا ان هذا التقسيم للأفعال الناقصة التي وضعها و هيئتها كهيئة الافعال تام ، فإنها قد تكون زمانية ، وأخرى منسلخة عنها وتكون أداة ربطية. وعلى أي حال : فلا النافية للجنس ، حيث إنها وضعت لنفى هوية الشيء المعراة عن الوجود والعدم ، فلا خبر لها ، لا انه محذوف دل عليه الكلام ، فيصير معنى الكلمة الشريفة نفى هوية واجب الوجود واثباته لذاته تعالى ، ونفى واجب الوجود و اثبات فرد منه هو عين التوحيد ، لان غيره لو كان واجب الوجود لوجب وجوده لوجوبه ذاتا ، فلو لم يكن غيره تعالى واجب الوجود ، فاما : ممتنع الوجود ذاتا ، واما : ممكن الوجود ذاتا ، وكلاهما ليسا بواجب الوجود ذاتا ، فانحصر الواجب فيه تعالى. وعلى أي حال : سواء قلنا بتقدير خبر لا ، أو لم نقل به لعدم احتياجه إليه ، لا يرد الاشكال على كلمة التوحيد ، اما بناء على عدم التقدير فلما ذكرنا ، واما بناء (510)
عليه فكذلك ، سواء قدر ممكن ، أو موجود ، لان المراد من الاله المنفى هو واجب الوجود. فلو قدر ممكن فنفى الامكان عن غيره تعالى واثبات الامكان له مساوق لوجوده تعالى ، لأنه لو أمكن وجوده لوجب ، لأن المفروض انه واجب الوجود ، فلو لم يمتنع لوجب. ولو قدر موجود فنفى الوجود عن غيره ملازم لامتناع غيره ، لأنه لو لم يمتنع لوجب وجوده بالملازمة التي بيناها : من أنه لو خرج الشيء عن الامتناع وأمكن لوجب وجوده ، لأن المفروض انه واجب الوجود.
ثم انه لا اشكال في إفادة كلمة ( انما ) الحصر ، كإفادة الاستثناء له ، اما : لأنه بمعنى ما والا ، واما : لأنها مركبة من كلمة ( ان ) التي للتحقيق واثبات الشيء وكلمة ( ما ) التي لنفى الشيء ، والنفي يرد على تالي انما ، والاثبات على الجزء الآخر. وقوله عليه السلام : انما الأعمال الخ بمنزلة لا عمل الا بنية. نعم سائر أداة الحصر مثل ( بل ) وتعريف المسند إليه ، فأفادتها له انما هي بقرائن المقام ، لا الوضع ، ولا القرينة العامة. |
|||
|