حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام الجزء الأول ::: 151 ـ 165
(151)
    ان ادراك الحواس محدود كما وكيفا ، كما انها لا تدرك الأشياء الكثيرة من الممكنات ، فهي لا تدرك ـ مثلا ـ حقيقة الروح ، فكيف تدرك واجب الوجود تعالى وتقدس ؟
    س 3 ـ اخبرني متى كان ؟ ....
    ج 3 ـ اخبرني متى لم يكن ، فأخبرك متى كان ؟ ....
    لقد سخر الإمام ( عليه السلام ) من سؤاله ، فالله تعالى حقيقة مشرقة يبصره كل أحد بآثاره ، وعظيم صنعه ، وبدائع مخلوقاته ففي كل مرحلة من الوجود ، هو موجود ، ويستحيل ان يقال انه متى كان.
    س 4 ـ ما الدليل عليه ؟ ....
    ج 4 ـ إني لما نظرت إلى جسدي ، فلم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض ، والطول ، ودفع المكاره عنه ، وجر المنفعة إليه ، علمت أن لهذا البنيان بانيا ، فأقررت به ، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته ، وانشاء السحاب ، وتصريف الرياح ، ومجرى الشمس والقمر ، والنجوم ، وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات علمت أن لهذا مقدرا ومنشئا ...
    ان كل ذرة في هذا الكون تدلل على وجود الخالق العظيم المكون لها. ان الانسان إذا نظر إلى نفسه ، والى ما فيه من الأجهزة والخلايا العجيبة ، فإنه يؤمن بالله تعالى.
    وفي الحديث من عرف نفسه فقد عرف ربه ، لقد خلق الله تعالى الانسان في أحسن تقويم ، فلا يمكن الزيادة أو النقصان في أعضائه ومن المعلوم ان خلق الانسان بهذه الدقة المذهلة يدل على وجود الله ، فان الأثر يدل على المؤثر والمعلول يدل على وجود علته ـ كما يقول المنطقيون ـ.
    ومن آيات الله تعالى دوران الفلك ، وانشاء السحاب ، وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر ، قال تعالى : ( لا الشمس ينبغي ان تدرك القمر ، ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) فسبحان الله ما أكثر آياته التي تدلل عليه.
    س 5 ـ لم لا تدركه حاسة البصر ؟ ...
    ج 5 ـ للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم حاسة الابصار ، منهم ومن غيرهم ، ثم هو أجل من أن يدركه بصر ، أو يحيط به وهم ، أو يضبطه عقل ... ان حاسة البصر وغيرها من حواس الانسان محدودة فكيف تدرك الخالق


(152)
العظيم ، أو تبصره ، وتنظر إليه انما تدرك وتبصر بعض الممكنات.
    س 6 ـ حده ـ أي الله تعالى ـ لي ؟ ....
    ج 6 ـ لا حد .... إن الحد أنما هو للمكنات ، وأما واجب الوجود فإنه يستحيل عليه الحد.
    س 7 ـ لم ـ أي لماذا لا يحد ـ ؟ ...
    ج 7 ـ لان كل متناه محدود متناه ، وإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة ، وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان فهو غير محدود ، ولا متزايد ، ولا متناقص ولا متجزي ، ولا متوهم ....
    لقد أقام الإمام ( عليه السلام ) البرهان على استحالة تحديد الواجب العظيم ، فان التحديد ـ كما ذكرنا ـ انما هو من شؤون الممكنات.
    س 8 ـ أخبرني عن قولكم : إنه لطيف ، وسميع ، وبصير ، وعليم ، وحكيم أيكون السميع لا بالاذن والبصير لا بالعين ، واللطيف لا بعمل اليدين ، والحكيم لا بالصنعة ؟
    ج 8 ـ إن اللطيف منا ـ أي من المخلوقات ـ على حد ايجاد الصنعة ، أو ما رأيت أن الرجل اتخذ شيئا فيلطف في اتخاذه ؟
    فيقال : ما الطف فلانا ، فكيف لا يقال للخالق الجليل ( لطيف ) إذ خلق خلقا لطيفا وجليلا ، وركب في الحيوان منه أرواحها وخلق كل جنس مباينا من جنسه في الصورة ، ولا يشبه بعضه بعضا ، فكل به لطف من الخالق اللطيف الخبير في تركيب صورته. ثم نظرنا إلى الأشجار ، وحملها أطايبها المأكولة منها وغير المأكولة ، فقلنا عند ذلك : إن خالقنا لطيف لا كلطف خلقه.
    وقلنا : إنه سميع لأنه لا يخفى عليه أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثرى من الذرة إلى ما هو أكبر منها في برها وبحرها ، ولا يشتبه عليه لغاتها فقلنا : إنه سميع لا بأذن.
    وقلنا : إنه بصير لا ببصر لأنه يرى أثر الذرة السحماء (1) في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء ، ويرى دبيب النمل في الليلة الدجية ، ويرى مضارها ومنافعها ومفاسدها ، وفراخها ونسلها ، فقلنا عند ذلك : انه بصير لا كبصر خلقه (2).
1 ـ السحماء : السوداء.
2 ـ هناك زيادة على هذه الرواية جاءت في الاحتجاج ولا يخالجنا شك في أنها منحولة وليست من كلام الامام ، وذلك لعدم الدقة في التعبير واعراض الشيخ الصدوق عنها.


(153)
    مناظرته مع علي بن محمد بن الجهم : ومن مناظرات الامام مع أهل المقالات والأديان هذه المناظرة التي جرت بينه وبين علي بن محمد بن الجهم.
    فقد سأل الإمام ( عليه السلام ) قائلا : يا بن رسول الله أتقول بعصمة الأنبياء ؟ .. نعم
    وأخذ يشكل على الامام بهذه الآيات قائلا :
    ما تقول (1) : في قول الله عزوجل : ( وعصى آدم ربه فغوى ) (2).
    وقوله عزوجل : ( وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه ) (3).
    وفي قوله عزوجل في يوسف : ( ولقد همت به وهم بها ) (4).
    ، وفي قوله عزوجل في داود : ( وظن داود انما فتناه ) (5).
    وقوله تعالى في نبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) (6).
    وزجره الامام من التمسك بظواهر هذه الآيات ، وهو لا يعلم تفسيرها وتأويلها ، وأخذ يتلو عليه تفسيرها قائلا ويحك يا علي ، اتق الله ، ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش ولا تتأول كتاب الله برأيك ، فان الله عزوجل قد قال : ( ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ) (7).
    وأخذ الامام في تفسير هذه الآيات قائلا : أما قوله عزوجل في آدم : ( وعصى آدم ربه فغوى ) فان الله عزوجل خلق آدم حجة في أرضه ، وخليفة في بلاده ، لم يخلقه للجنة ، وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض ، وعصمته تجب أن تكون في الأرض ليتم مقادير أمر الله فلما أهبط إلى الأرض وجعل حجة وخليفة عصم بقوله عزوجل : ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) (8).
1 ـ في رواية ( فما تعمل ).
2 ـ سورة طه / آية 121.
3 ـ سورة الأنبياء / آية 87.
4 ـ سورة يوسف / آية 24.
5 ـ سورة ص / آية 24.
6 ـ سورة الأحزاب / آية 37.
7 ـ سورة آل عمران / آية 7.
8 ـ سورة آل عمران / آية 3.


(154)
    وأما قوله عزوجل : ( وذا النون إذ ذهب مغاضبا وظن أن لن نقدر عليه ).
    انما ظن بمعنى استيقن ان الله لن يضيق عليه رزقه ، ألا تسمع قول الله عزوجل :
    ( وأما إذا ما ابتلاه ربه فقدر عليه رزقه ) (1) أي ضيق عليه رزقه ولو ظن أن الله لا يقدر عليه فقد كفر. وأما قوله عزوجل في يوسف : ولقد همت به وهم بها ) فإنها همت بالمعصية ، وهم يوسف بقتلها ان أجبرته لعظم ما تداخله ، فصرف الله عنه قتلها والفاحشة ، وهو قوله عزوجل : ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ) يعنى القتل والزنا. والتفت الامام إلى علي بن الجهم فقال له : فما يقول من قبلكم فيه ؟ ....
    وأخذ علي بن الجهم يتلو على الامام ما أثر عنهم في تفسير الآية قائلا :
    يقولون : إن داود ( عليه السلام ) كان في محرابه يصلي ، فتصور له إبليس على صورة طير ، أحسن ما يكون من الطيور ، فقطع داود صلاته ، وقام ليأخذ الطير ، فخرج الطير إلى الدار ، ثم خرج الطير إلى السطح ، فصعد في طلبه ، فسقط الطير في دار أوريا بن حنان ، فاطلع داود في أثر الطير ، فإذا بامرأة أوريا تغتسل ، فلما نظر إليها هواها ، وكان قد خرج أوريا في بعض غزواته ، فكتب إلى صاحبه أن قدم أوريا إلى التابوت ، فقدم ، فظفر أوريا بالمشركين ، فصعب ذلك على داود ، فكتب إليه ثانية أن قدمه أمام التابوت ، فقدم فقتل أوريا ، فتزوج داود بامرأته ...
    وفي هذه الرواية نسبة الفحشاء والمنكر إلى نبي من أنبياء الله تعالى ، مضافا إلى ما احتوته من الخرافة ، من ملاحقة داود إلى الطير.
    وقد تأثر الإمام ( عليه السلام ) منها.
    وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد نسبتم من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته ، حتى خرج في أثر الطير ، ثم بالفاحشة ، ثم بالقتل ...
    وانبرى ابن الجهم يطلب من الامام ايضاح الامر منه قائلا : يا بن رسول الله ، فما كانت خطيئته ؟ ....
    وأجابه الامام بما هو الواقع من قصة داود قائلا : إن داود ظن أن ما خلق الله عزوجل خلقا هو أعلم منه ، فبعث الله ، عز
1 ـ سورة الفجر / آية 16.

(155)
وجل ، إليه ملكين ، فتسور المحراب ، فقالا : ( خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ، ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط. ان هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ، ولي نعجة واحدة ، فقال : اكفلنيها وعزني في الخطاب ) فعجل داود على المدعى عليه ، فقال : ( لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ).
    ولم يسأل المدعى البينة على ذلك ، ولم يقبل على المدعى عليه فيقول له : ما تقول ؟ فكان هذا خطيئة رسم الحكم ، لا ما ذهبتم إليه ، ألا تسمع الله عزوجل يقول : ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض ، فاحكم بين الناس بالحق ، ولا تتبع الهوى ). وطلب ابن الجهم من الامام أن يوضح له قصة داود مع أوريا قائلا : يا بن رسول الله فما قصته مع أوريا ؟ ...
    وأخذ الإمام ( عليه السلام ) يشرح له قصته قائلا : إن المرأة في أيام داود كانت إذا مات بعلها لا تتزوج بعده أبدا ، وأول من أباح الله له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها كان داود ( عليه السلام ) فتزوج بامرأة أوريا لما قتل ، وانقضت عدتها.
    فذلك الذي شق على الناس من قتل أوريا. وأما محمد ( صلى الله عليه وآله ) وقول الله عزوجل : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) فان الله عزوجل عرف نبيه أسماء أزواجه في دار الدنيا ، وأسماء أزواجه في دار الآخرة ، وانهن أمهات المؤمنين ، وإحداهن من سمي له زينب بنت جحش وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة فأخفى اسمها في نفسه ولم يبده لكيلا يقول أحد المنافقين :
    انه قال في امرأة في بيت رجل انها إحدى أزواجه من أمهات المؤمنين ، وخشي قول المنافقين.
    فقال الله عزوجل : ( وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه ) يعني في نفسك ، وان الله عزوجل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا تزويج حوا من آدم وزينب من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقوله : ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ) (1) وفاطمة من علي ( عليه السلام ) ...
    ولما سمع ذلك علي بن الجهم بكى ، وقال : يا بن رسول الله أنا تائب إلى الله عزوجل من أن أنطق في أنبياء الله بعد يومي هذا إلا بما ذكرته (2).
1 ـ سورة الأحزاب / آية 37.
2 ـ عيون أخبار الرضا 1 / 192 ـ 195.


(156)
    هذه بعض مناظراته مع كبار الفلاسفة والعلماء من مختلف الأديان ، وقد أثبتت تفوقه عليهم ، واقرارهم له بالفضل ، واعترافهم بالعجز عن مجاراته ، فقد كان سلام الله عليه يملك طاقات هائلة من العلوم لا تحد.
    مسائل المأمون وجواب الامام :
    وعرض المأمون على الإمام الرضا ( عليه السلام ) كوكبة من المسائل وأكبر الظن أنه أراد امتحانه بها فأجابه الامام عنها.
    وفيما يلي ذلك :
    س 1 ـ يا بن رسول الله أليس قولك ان الأنبياء معصومون ؟ ....
    بلى ...
    ما معنى قول الله عزوجل : ( فعصى آدم ربه فغوى ) ؟ ....
    ج 1 ـ إن الله تبارك وتعالى قال لآدم : ( أسكن أنت وزوجك الجنة ، وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ) وأشار لهما إلى شجرة الحنطة ( فتكونا من الظالمين ) ولم يقل لهما : لا تأكلا من هذه الشجرة ، ولا مما كان من جنسها ، فلم يقربا تلك الشجرة ولم يأكلا منها ، وانما أكلا من غيرها ، ولما أن وسوس الشيطان لهما ، وقال : ( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة ) وانما ينهاكما أن تقربا غيرها ، ولم ينهكما عن الاكل منها ( الا ان تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ، وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين ) ولم يكن آدم وحوا شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا ، ( فدلاهما بغروره ) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله ، وكان ذلك من آدم قبل النبوة.
    ولم بكن ذلك بذنب كبير أستحق به دخول النار ، وانما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم ، فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبيا كان معصوما ، لا يذنب صغيرة ولا كبيرة.
    قال الله عزوجل : ( وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه فتاب عليه فهدى ) (1) وقال عزوجل ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ). (2).
    س 2 ـ ما معنى قول الله عزوجل : ( فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما ) (3).
    ج 2 ـ إن حواء ولدت لآدم خمس مائة بطن ذكرا وأنثى وان آدم وحواء عاهدا.
1 ـ سورة طه / اية 121 ـ 122.
2 ـ سورة آل عمران / آية 34.
3 ـ سورة الأعراف آية 19.


(157)
    الله عزوجل ودعواه وقالا : ( لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما أتاهما صالحا ) من النسل خلقا سويا ، بريئا من الزمانة (1) والعاهة.
    وكان ما آتاهما صنفين : صنفا ذكرانا ، وصنفا إناثا ، فجعل الصنفين لله تعالى ذكره ، شركاء فيما آتاهما ، ولم يشكراه كشكر أبويهما له عزوجل ، قال الله تبارك وتعالى : ( فتعالى الله عما يشركون ) (2).
    س 3 ـ أشهد أنك ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أخبرني عن قول الله عزوجل في حق إبراهيم : ( فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي ) (3) ...
    ج 3 ـ إن إبراهيم ( عليه السلام ) وقع إلى ثلاثة أصناف : صنف يعبد الزهرة ، وصنف يعبد القمر ، وصنف يعبد الشمس ، وذلك حين خرج من السرب (4).
    الذي أخفي فيه ، فلما جن عليه الليل ، فرأى الزهرة ، قال : هذا ربي ، على الانكار والاستخبار ( فلما أفل ) الكواكب ، ( قال : لا أحب الآفلين ) لان الأفول من صفات المحدث لا من صفات القدم ، ( فلما رأى القمر بازغا قال : هذا ربي ) على الانكار والاستخبار ( فلما أفل قال : لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ).
    يقول : لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين ، فلما أصبح ورأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر ، من الزهرة والقمر على الانكار والاستخبار لا على الاخبار والاقرار ، فلما أفلت قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس ( يا قوم إني برئ مما تشركون أني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ).
    وانما أراد إبراهيم بما قال : ان يبين لهم بطلان دينهم ، ويثبت عندهم ان العبادة لا لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس ، وانما تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض ، وكل ما احتج به على قومه مما ألهمه الله تعالى وآتاه ، كما قال عزوجل : ( وتلك حجتنا آتيناها على قومه ).
    س 4 ـ لله درك يا بن رسول الله اخبرني عن قول إبراهيم :
1 ـ الزمانة : المرض.
2 ـ سورة الأعراف / آية 190.
3 ـ سورة الأنعام / آية 76.
4 ـ السرب : الكهف ، والبيت تحت الأرض.


(158)
( رب أرني كيف تحيي الموتى قال : أولم تؤمن ؟ قال : بلى ، ولكن ليطمئن قلبي ) (1).
    ج 4 ـ إن الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم ( عليه السلام ) إني متخذ من عبادي خليلا ، إن سألني إحياء الموتى أجبته ، فوقع في نفس إبراهيم انه ذلك الخليل.
    فقال : رب أرني كيف تحيي الموتى ، قال أولم تؤمن ؟ قال : بلى ، ولكن ليطمئن قلبي ) ـ على الخلة ـ قال : ( فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم ) فأخذ إبراهيم نسرا وطاووسا وبطا وديكا فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله ، وكانت عشرة منهن جزء وجعل مناقيرهن بين أصابعه.
    ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبا وماء فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان ، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه فخلى إبراهيم ( عليه السلام ) عن مناقيرهن فطرن ، ثم وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب وقلن : يا نبي الله أحييتنا أحياك الله.
    فقال إبراهيم : بل الله يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير.
    س 5 ـ بارك الله فيك يا أبا الحسن ، اخبرني عن قول الله عزوجل : ( فوكزه موسى فقضى عليه ، قال هذا من عمل الشيطان ) (2).
    ج 5 ـ إن موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها ، وذلك بين المغرب والعشاء ( فوجد فيها رجلان يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ). فقضى موسى على العدو ، وبحكم الله تعالى ذكر ، فوكزه فمات ( قال هذا من عمل الشيطان ).
    يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين ، لا ما فعله موسى من قتله أنه يعني الشيطان عدو مضل مبين.
    س 6 ـ ما معنى قول موسى : ( رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ).
    ج 6 ـ يعني : اني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة ، ( فاغفر لي ) اي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني ، ( فغفر له انه هو الغفور الرحيم ) قال موسى : ( رب بما أنعمت علي ) من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة ( فلن أكون
1 ـ سورة البقرة / آية 26.
2 ـ سورة القصص / آية 15.


(159)
ظهيرا للمجرمين ) بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى فأصبح موسى في المدينة ( خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه ) على آخر ( قال له موسى إنك لغوي مبين ) قاتلت رجلا بالأمس.
    وتقاتل هذا اليوم لأوذينك وأراد أن يبطش به ( فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما ) ( قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ان تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد ان تكون من المصلحين ).
    س 7 ـ جزاك الله عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن ، ما معنى قول موسى لفرعون : ( فعلتها إذا وأنا من الضالين ) (1).
    ج 7 ـ ان فرعون قال لموسى لما أتاه : ( وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ) بي قال موسى : فعلتها إذا وأنا من الضالين عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي رب حكما وجعلني من المرسلين.
    وقد قال الله عزوجل لنبيه محمد (ص) : ( ألم يجدك يتيما فآوى ) (2) يقول : ألم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس ( ووجدك ضالا ) يعني عند قومك ( فهدى ) اي هداهم إلى معرفتك ( ووجدك عائلا فأغنى ) يقول : أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا.
    س 8 ـ بارك الله فيك يا بن رسول الله ، ما معنى قول الله عزوجل : ( فلما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ) كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران ( عليه السلام ) لا يعلم أن الله تبارك وتعالى ذكره ، لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال ؟.
    ج 8 ـ ان كليم الله موسى بن عمران علم أن الله تعالى أعز (3) أن يرى بالابصار ، ولكنه لما كلمه الله عزوجل وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم ان الله عزوجل كلمه وقربه وناجاه فقالوا : ( لن نؤمن لك ) حتى نستمع كلامه كما سمعت وكان القوم سبعمائة الف رجل فاختار منهم سبعين رجلا لميقات ربهم فخرج بهم
1 ـ سورة الشعراء / آية 20.
2 ـ سورة الضحى / آية 6.
3 ـ في نسخة : ان الله تعالى منزه ان يرى بالابصار.


(160)
إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور ، وسأل الله تعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ذكره ، وسمعوا كلامه ، من فوق وأسفل ، ويمين ، وشمال ، ووراء وأمام ، لان الله عزوجل أحدثه في الشجرة ، وجعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه ، فقالوا : ( لن نؤمن لك ) بأن هذا الذي سمعناه كلام : ( حتى نرى الله جهرة ) فلما قالوا : هذا القول العظيم.
    واستكبروا وعتوا بعث الله عزوجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم ، فماتوا ، فقال موسى : يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم ، وقالوا : إنك ذهبت بهم فقتلتهم ، لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله عزوجل إياك.
    فأحياهم الله وبعثهم معه ، فقالوا إنك لو سألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك ، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته ، فقال موسى : ( يا قوم إن الله لا يرى بالابصار ، ولا كيفية له ، وانما يعرف بآياته ، ويعلم باعلامه ) ، فقالوا : ( لن نؤمن لك ) حتى تسأله فقال موسى : يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل ، وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله جل جلاله يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى : ( رب أرني انظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فان استقر مكانه ) ـ وهو يهوي ـ ( فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل ) بآية من آياته ( جعله دكا وخر موسى صعقا فلما آفاق قال سبحانك تبت إليك ).
    يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي ( وأنا أول المؤمنين منهم بأنك لا ترى ).
    وطفق المأمون يبدي اعجابه بمواهب الامام ، وسعة معارفه ، وعلومه قائلا : لله درك يا أبا الحسن.
    س 9 ـ اخبرني عن قول الله عزوجل : ( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ) (1).
    ج 9 ـ لقد همت به ، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت به لكنه كان معصوما ، والمعصوم لا يهم بذنب ، ولا يأتيه.
    ولقد حدثني أبي عن أبيه الصادق أنه قال : همت بأن تفعل ، وهم بأن لا يفعل.
    س 10 ـ لله درك يا أبا الحسن !! اخبرني عن قول الله عزوجل ( وذا النون إذ
1 ـ سورة يوسف / آية 24.

(161)
ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه ) (1).
    ج 10 ـ ذلك يونس بن متى ذهب مغاضبا لقومه فظن بمعنى استيقن أن لن نقدر عليه رزقه أين لن نضيق عليه رزقه ، ومنه قوله عزوجل وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ) (2) أو ضيق وقد ( فنادى في الظلمات ) أي ظلمة البحر ، ظلمة بطن الحوت ( أن لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين ) بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت ، فاستجاب الله له ، وقال عزوجل : ( فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) (3).
    ج 11 ـ لله درك يا أبا الحسن ! اخبرني عن قول الله عزوجل : ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ) (4).
    ج 11 ـ يقول الله عزوجل : ( حتى إذا استيأس الرسل ) من قومهم ، وظن قومهم ان الرسل قد كذبوا جاء الرسل نصرنا.
    س 12 ـ لله درك يا أبا الحسن !! اخبرني عن قول الله عزوجل : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) (5) ؟
    ج 12 ـ لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله (ص) لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاث مائة وستين صنما فلما جاءهم ( صلى الله عليه وآله ) بالدعوة إلى كلمة الاخلاص كبر ذلك عليهم ، وعظم ، وقالوا : ( أجعل الالهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب وانطلق الملا منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم أن هذا لشئ يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ) (6).
    فلما فتح الله عزوجل على نبيه مكة قال له : يا محمد : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ). عند مشركي أهل مكة بدعائك
1 ـ سورة الأنبياء / آية 87.
2 ـ سورة الفجر / آية 16.
3 ـ سورة الصافات / آية 143 ـ 144.
4 ـ سورة يوسف / آية 110.
5 ـ سورة الفتح / آية 2.
6 ـ سورة ص / آية 5 ـ 7.


(162)
إلى توحيد الله فيما تقدم ، وما تأخر لان مشركي مكة أسلم بعضهم ، وخرج بعضهم عن مكة ، ومن بقي منهم لم يقدر على انكار التوحيد ، عليه ، إذا دعا الناس إليه ، فصار ذنبه عند ذلك مغفورا بظهوره عليهم ...
    س 13 ـ لله درك يا أبا الحسن !! اخبرني عن قول الله عزوجل : ( عفا الله عنك لم أذنت لهم ؟ (1).
    ج 13 ـ هذا مما نزل ، بإياك أعني ، واسمعي يا جارة ـ خاطب الله عزوجل بذلك نبيه ، وأراد به أمته ، وكذلك قوله تعالى : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) (2) وقوله عزوجل ( لولا أن ثبتناك لقد كنت تركن إليهم شيئا قليلا ) (3).
    س 14 ـ إن رسول الله (ص) قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها : سبحان الذي خلقك وانما أراد بذلك تنزيه الباري عزوجل عن قول : من زعم أن الملائكة بنات الله فقال الله عزوجل : ( أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما ) (5) ...
    فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجئ رسول الله (ص) وقوله لها : سبحان الذي خلقك فلم يعلم زيد ما أراد بذلك وظن أنه قال ذلك لما أعجبته من حسنها فجاء إلى النبي (ص) وقال له : يا رسول الله إن امرأتي في خلقها وإني أريد طلاقها فقال له النبي : أمسك عليك زوجك واتق الله وقد كان الله عرفه عدد أزواجه وان تلك المرأة منهن فأخفى ذلك في نفسه ، ولم يبده لزيد ، وخشي الناس أن يقولوا : إن محمدا يقول لمولاه :
1 ـ سورة التوبة / آية 43.
2 ـ سورة الزمر / آية 65.
3 ـ سورة الإسراء / آية 74.
4 ـ سورة الأحزاب / آية 37.
5 ـ سورة الإسراء / آية 40.


(163)
إن امرأتك ستكون لي زوجة ، يعيبونه بذلك ، فأنزل الله عزوجل : ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه ـ يعني بالاسلام ـ وأنعمت عليه ـ يعني بالعتق ـ أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) ثم إن زيد بن حارثة طلقها واعتدت منه.
    فزوجها الله عزوجل من نبيه محمد (ص) وأنزل بذلك قرآنا ، فقال عزوجل : ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا ).
    ثم علم الله عزوجل ان المنافقين سيعيبونه بتزويجها ، فأنزل الله تعالى ( ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ) (1).
    وانتهت بذلك هذه المناظرة التي دللت على مدى ثروات الامام العلمية ، واحاطته الشاملة بكتاب الله العظيم فقد نزه الامام أنبياء الله العظام عن اقتراف المعصية وأثبت لهم العصمة بهذا المدعم بالأدلة والبراهين الحاسمة.

    إشادة المأمون بمواهب الامام : وأشاد المأمون بمواهب الامام ، وراح يقول :
    شفيت صدري يا بن رسول الله ، وأوضحت ما كان ملتبسا علي ، فجزاك الله عن أنبيائه ، وعن الاسلام خيرا. وانصرف المأمون عن المجلس ، وأخذ بيد عم الإمام محمد بن جعفر فقال له : كيف رأيت ابن أخيك ؟.
    وانبرى محمد يبدي اعجابه البالغ بالامام قائلا : إنه عالم ، ولم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم !!.
    وأوقفه المأمون على حقيقة الامر قائلا : إن ابن أخيك من أهل بيت النبي (ص) الذين قال لهم النبي : الا إن أبرار عترتي ، وأطائب أرومتي ، أحلم الناس صغارا ، وأعلم الناس كبار ، فلا تعلموهم ، فإنهم اعلم منكم ، لا يخرجونكم عن هدى ، ولا يدخلونكم في باب ضلالة.
    ونقل علي بن الجهم ثناء المأمون واطرائه على الامام ، وما قاله فيه محمد بن
1 ـ سورة الأحزاب / آية 38.

(164)
جعفر فتبسم الامام وقال : لا يغرنك ما سمعته منه ، فإنه سيغتالني ، والله تعالى ينتقم لي منه (1).
    وتحقق تنبؤ الإمام ( عليه السلام ) فقد أترعت نفس المأمون بالكراهية والحسد للامام على ما وهبه الله من الفضل والعلم ، فقدم على اقتراف أفظع جريمة في الاسلام ، فدس السم له ، واغتاله وبذلك فقد قضى على سليل النبوة ، ومعدن العلم والحكمة في الأرض.

    مسائل ابن السكيت : ووفد أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الدورقي المعروف ب‍ ( ابن السكيت ) ، وهو من أجلاء علماء عصره على الإمام الرضا ( عليه السلام ).
    وقدم له السؤال التالي : لماذا بعث الله موسى بن عمران باليد البيضاء ، وبعث عيسى بآية الطب ، وبعث محمدا بالكلام والخطب ؟.
    فأجابه الامام بحكمة ذلك قائلا : ان الله لما بعث موسى كان الغالب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسع القوم مثله ، وبما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجة عليهم. وان الله بعث عيسى في وقت قد ظهرت فيه الزمانات ، واحتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله.
    وبما أحيا لهم الموتى ، وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ، وأثبت به الحجة عليهم. وان الله بعث محمدا ( صلى الله عليه وآله ) في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام (2).
    فأتاهم من عند الله من مواعظه واحكامه ما أبطل به قولهم ، وأثبت به الحجة عليهم.
    وبهر ابن السكيت بعلم الامام وراح يقول : والله ما رأيت مثلك قط ، فما الحجة على الخلق اليوم ؟
    فأجابه الامام : العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه.
    وطفق ابن السكيت قائلا :
1 ـ عيون أخبار الرضا / 195 ـ 204.
2 ـ قال الراوي لهذا الحديث : وأظنه كان الشعر.


(165)
هذا هو والله الجواب (1).
    لقد خلق الله العقل فجعله الحجة على الانسان فإذا ما اطاعه جلب الرحمة له ، وإذا عصاه جلب الشقاء له ، وبه يعرف الصادق من الكاذب ، والمحق من المبطل ، فهو الحجة من الله على عباده.

    احتجاجه على رجل : ودخل عليه رجل لم يذكر المؤرخون اسمه ، فلما استقر به المجلس التفت إلى الإمام ( عليه السلام ) فقال له :
    يا بن رسول الله ما الدليل على حدوث العالم ؟
    فأجابه الامام بالدليل الحاسم : إنك لم تكن ، ثم كنت وقد علمت أنك لم تكون نفسك ولا كونك من هو مثلك (2).

    احتجاجه على اصطفاء العترة : ومن بين احتجاجات الإمام الرضا ( عليه السلام ) هذا الاحتجاج الذي دلل فيه على اصطفاء العترة الطاهرة ، وأقام على ذلك أوثق الأدلة ، وكان ذلك بحضور المأمون وجماعة من علماء العراق وخراسان فقد سأل المأمون العلماء عن معنى هذه الآية : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) (3).
    وبادر العلماء فقالوا : ان الذين اصطفاهم الله هم المسلمون كلهم والتفت المأمون إلى الامام فقال له : ما تقول : يا أبا الحسن ؟.
    لا أقول : كما قالوا : ولكن أقول : أراد الله تبارك وتعالى العترة الطاهرة ( عليهم السلام ).
    وسارع المأمون ، وقد استفزه قول الإمام ، فقال : كيف عنى العترة دون الأمة ؟.
1 ـ الاحتجاج 2 / 224 ـ 225.
2 ـ الاحتجاج ( 2 / 170 ـ 171 ).
3 ـ سورة فاطر / آية 32.
حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام الجزء الأول ::: فهرس