كفاية الاصول ::: 241 ـ 255
(241)
المقصد الخامس
المطلق والمقيد


(242)

(243)
    عرف (1) المطلق بأنه : ما دل على شائع في جنسه ، وقد أشكل عليه بعض الاعلام (2) ، بعدم الاطراد أو الانعكاس ، وأطال الكلام في النقض والابرام ، وقد نبهنا في غير مقام على أن مثله شرح الاسم ، وهو مما يجوز أن لا يكون بمطرد ولا بمنعكس ، فالاولى الاعراض عن ذلك ، ببيان ما وضع له بعض الالفاظ التي يطلق عليها المطلق ، أو من غيرها مما يناسب المقام.
    فمنها : اسم الجنس ، كإنسان ورجل وفرس وحيوان وسواد وبياض إلى غير ذلك من أسماء الكليات من الجواهر والاعراض بل العرضيات ، ولا ريب أنها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة ، بلا شرط أصلا ملحوظا معها ، حتى لحاظ أنها كذلك.
    وبالجملة : الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى ، وصرف المفهوم الغير الملحوظ معه شيء أصلا الذي هو المعنى بشرط شيء ، ولو كان ذاك الشيء هو الارسال والعموم البدلي ، ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شيء معه الذي هو
1 ـ هذا التعريف لاكثر الاصوليين على ما ذكره المحقق القمي ، القوانين 1 / 321 ، المطلق والمقيد.
2 ـ المستشكل هو صاحب الفصول ، قال في الفصول / 218 ، في فصل ( المطلق ) : ويخرج بقولنا شيوعا حكميا ... إلى أن قال : وقد أهملوا هذا القيد فيرد ذلك على طردهم ... الخ.


(244)
الماهية اللابشرط القسمي ، وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى ، بلا عناية التجريد عما هو قضية الاشتراط والتقييد فيها ، كما لا يخفى ، مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الافراد ، وإن كان يعم كل واحد منها بدلا أو استيعابا ، وكذا المفهوم اللابشرط (1) القسمي ، فإنه كلي عقلي لا موطن له إلا الذهن لا يكاد يمكن صدقه وانطباقه عليها ، بداهة أن مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجا ، فكيف يمكن أن يتحد معها ما لا وجود له إلا ذهنا ؟
    ومنها : علم الجنس (2) كأسامة ، والمشهور بين أهل العربية أنه موضوع للطبيعة لا بما هي هي ، بل بما هي متعينة بالتعين (3) الذهني ولذا يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف.
    لكن التحقيق أنه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه أصلا كاسم الجنس ، والتعريف فيه لفظي ، كما هو الحال في التأنيث اللفظي ، وإلا لما صح حمله على الافراد بلا تصرف و تأويل ، لانه على المشهور كلي عقلي ، وقد عرفت أنه لا يكاد صدقه عليها مع صحة حمله عليها بدون ذلك ، كما لا يخفى ، ضرورة أن التصرف في المحمول بإرادة نفس المعنى بدون قيده تعسف ، لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه ، مع أن وضعه لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال ، لا يكاد يصدر عن جاهل ، فضلا عن الواضع الحكيم.
    ومنها : المفرد المعرف باللام ، والمشهور أنه على أقسام : المعرف بلام الجنس ، أو الاستغراق ، أو العهد بأقسامه ، على نحو الاشتراك بينها لفظا أو معنى ، والظاهر أن الخصوصية في كل واحد من الاقسام من قبل خصوص
1 ـ في ( أ ) : لا بالشرط.
2 ـ في « ب » : للجنس.
3 ـ في « ب » : بالتعيين.


(245)
اللام ، أو من قبل قرائن المقام ، من باب تعدد الدال والمدلول ، لا باستعمال المدخول ليلزم فيه المجاز أو الاشتراك ، فكان المدخول على كل حال مستعملا فيما يستعمل فيه الغير المدخول.
    والمعروف أن اللام تكون موضوعة للتعريف ، ومفيدة للتعيين في غير العهد الذهني ، وأنت خبير بأنه لا تعين في تعريف الجنس إلا الاشارة إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا ، ولازمه أن لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف على الافراد ، لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له إلا الذهن إلا بالتجريد ، ومعه لا فائدة في التقييد ، مع أن التأويل والتصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التعسف. هذا.
    مضافا إلى أن الوضع لما لا حاجة إليه ، بل لا بد من التجريد عنه وإلغائه في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه ، كان لغوا ، كما أشرنا إليه ، فالظاهر أن اللام مطلقا يكون للتزيين ، كما في الحسن والحسين ، واستفادة الخصوصيات إنما تكون بالقرائن التي لابد منها لتعينها على كل حال ، ولو قيل بإفادة اللام للاشارة إلى المعنى ، ومع الدلالة عليه بتلك الخصوصيات لا حاجة إلى تلك الاشارة ، لو لم تكن مخلة ، وقد عرفت إخلالها ، فتأمل جيدا.
    وأما دلالة الجمع (1) المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه ، فلا دلالة فيها على أنها تكون لاجل دلالة اللام على التعين (2) ، حيث لا تعين إلا للمرتبة المستغرقة لجميع الافراد ، وذلك لتعين المرتبة الاخرى ، وهي أقل مراتب الجمع ، كما لا يخفى.
    فلا بد أن يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك ، لا إلى دلالة
1 ـ رد على صاحب الفصول ، الفصول / 169. التنبيه الاول.
2 ـ في « ب » : التعيين.


(246)
اللام على الاشارة إلى المعين ، ليكون به التعريف ، وإن أبيت إلا عن استناد الدلالة عليه إليه ، فلا محيص عن دلالته على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين ، فلا يكون بسببه تعريف إلا لفظا ، فتأمل جيدا.
    ومنها : النكرة مثل ( رجل ) في ( وجاء رجل من أقصى المدينة ) أو في ( جئني برجل ) ولا إشكال أن المفهوم منها في الاول ، ولو بنحو تعدد الدال والمدلول ، هو الفرد المعين في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من أفراد الرجل.
    كما أنه في الثاني ، هي الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة ، فيكون حصة من الرجل ، ويكون كليا ينطبق على كثيرين ، لا فردا مرددا بين الافراد (1).
    وبالجملة : النكرة ـ أي [ ما ] بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم ـ إما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب ، أو حصة كلية ، لا الفرد المردد بين الافراد ، وذلك لبداهة كون لفظ ( رجل ) في ( جئني برجل ) نكرة ، مع أنه يصدق على كل من جيء به من الافراد ولا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره ، كما هو قضية الفرد المردد ، لو كان هو المراد منها ، ضرورة أن كل واحد هو هو ، لا هو أو غيره ، فلابد أن تكون النكرة الواقعة في متعلق الامر ، هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة ، فيكون كليا قابلا للانطباق ، فتأمل جيدا.
    إذا عرفت ذلك ، فالظاهر صحة اطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني ، كما يصح لغة. وغير بعيد أن يكون جريهم في هذا الاطلاق على وفق اللغة ، من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها ، كما لا يخفى.
    نعم لو صح ما نسب إلى المشهور ، من كون المطلق عندهم موضوعا لما
1 ـ قال به صاحب الفصول ، الفصول / 163 ، في صيغة العموم ، عند قوله : ومدلولها فرد من الجنس لا بعينه ... الخ.

(247)
قيد بالارسال والشمول البدلي ، لما كان ما أريد منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق ، إلا أن الكلام في صدق النسبة ، ولا يخفى أن المطلق بهذا المعنى لطروء القيد غير قابل ، فإن ماله من الخصوصية ينافيه ويعانده ، بل (1) وهذا بخلافه بالمعنيين ، فإن كلا منهما له قابل ، لعدم انثلامهما بسببه أصلا ، كما لا يخفى.
    وعليه لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق ، لامكان إرادة معنى لفظه منه ، وإرادة قيده من قرينة حال أو مقال ، وإنما استلزمه لو كان بذاك المعنى ، نعم لو أريد من لفظه المعنى المقيد ، كان مجازا مطلقا ، كان التقييد بمتصل أو منفصل.
فصل
    قد ظهر (2) لك أنه لا دلالة لمثل ( رجل ) إلا على الماهية المبهمة وضعا ، وأن الشياع والسريان كسائر الطوارئ يكون خارجا عما وضع له ، فلا بد في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة ، وهي تتوقف على مقدمات :
    إحداها : كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد ، لا الاهمال أو الاجمال.
    ثانيتها : انتفاء ما يوجب التعيين.
    ثالثتها : انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ، ولو كان المتيقن بملاحظة الخارج عن ذاك المقام في البين ، فإنه غير مؤثر في رفع الاخلال بالغرض ، لو كان بصدد البيان ، كما هو الفرض ، فإنه فيما تحققت لو لم يرد الشياع لاخل بغرضه ، حيث أنه لم ينبه مع أنه بصدده ، وبدونها لا يكاد يكون هناك إخلال به ، حيث لم يكن مع انتفاء الاولى ، إلا في مقام الاهمال أو الاجمال ، ومع انتفاء الثانية ، كان البيان بالقرينة ، ومع انتفاء الثالثة ،
1 ـ أثبتناها من « أ ».
2 ـ تقدم في المقصد الخامس ، الفصل الاول / 243.


(248)
لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده ، فإن الفرض أنه بصدد بيان تمامه ، وقد بينه ، لا بصدد بيان أنه تمامه ، كي أخل ببيانه ، فافهم (1).
    ثم لا يخفى عليك أن المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده ، مجرد بيان ذلك وإظهاره وإفهامه ، ولو لم يكن عن جد ، بل قاعدة وقانونا ، لتكون حجة فيما لم تكن حجة أقوى على خلافه ، لا البيان في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فلا يكون الظفر بالمقيد ـ ولو كان مخالفا ـ كاشفا عن عدم كون المتكلم في مقام البيان ، ولذا لا ينثلم به إطلاقه وصحة التمسك به أصلا ، فتأمل جيدا.
    وقد انقدح بما ذكرنا (2) أن النكرة في دلالتها على الشياع والسريان ـ أيضا ـ تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال من مقدمات الحكمة ، فلا تغفل.
    بقى شيء : وهو أنه لا يبعد أن يكون الاصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد ، هو كونه بصدد بيانه ، وذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات من التمسك بالاطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها إلى جهة خاصة ، ولذا ترى أن المشهور لا يزالون يتمسكون بها ، مع عدم إحراز كون مطلقها بصدد البيان ، وبعد كونه لاجل ذهابهم إلى أنها موضوعة للشياع والسريان ، وإن كان ربما نسب ذلك إليهم ، ولعل وجه النسبة ملاحظة أنه لا وجه للتمسك بها بدون الاحراز والغفلة عن وجهه ، فتأمل جيدا.
1 ـ إشارة إلى أنه لو كان بصدد بيان أنه تمامه ما أخل ببيانه ، بعد عدم نصب قرينة على إرادة تمام الافراد ، فإنه بملاحظته يفهم أن المتيقن تمام المراد ، وإلا كان عليه نصب القرينة على إرادة تمامها ، وإلا قد أخل بغرضه ، نعم لا يفهم ذلك إذا لم يكن إلا بصدد بيان أن المتيقن مراد ، لا بصدد بيان أن غيره مراد أو ليس بمراد ، قبالا للاجمال والاهمال المطلقين ، فافهم فإنه لا يخلو عن دقة ( منه أعلى الله مقامه ).
2 ـ في صفحة 247 من هذا الكتاب.


(249)
    ثم إنه قد انقدح بما عرفت ـ من توقف حمل المطلق على الاطلاق ، فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقالية على قرينة الحكمة المتوقفة على المقدمات المذكورة ـ أنه لا إطلاق له فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الافراد أو الاصناف ، لظهوره فيه ، أو كونه متيقنا منه ، ولو لم يكن ظاهرا فيه بخصوصه ، حسب اختلاف مراتب الانصراف ، كما أنه منها ما لا يوجب ذا ولا ذاك ، بل يكون بدويا زائلا بالتأمل ، كما أنه منها ما يوجب الاشتراك أو النقل.
    لا يقال : كيف يكون ذلك وقد تقدم أن التقييد لا يوجب التجوز في المطلق أصلا.
    فإنه يقال : مضافا إلى أنه إنما قيل لعدم استلزامه له ، لا عدم إمكانه ، فإن استعمال المطلق في المقيد بمكان من الامكان ، إن كثرة إرادة المقيد لدى إطلاق المطلق ولو بدال آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له مزية أنس ، كما في المجاز المشهور ، أو تعينا (1) واختصاصا به ، كما في المنقول بالغلبة ، فافهم.
    تنبيه : وهو أنه يمكن أن يكون للمطلق جهات عديدة ، كان واردا في مقام البيان من جهة منها ، وفي مقام الاهمال أو الاجمال من أخرى ، فلابد في حمله على الاطلاق بالنسبة إلى جهة من كونه بصدد البيان من تلك الجهة ، ولا يكفي كونه بصدده من جهة أخرى ، إلا إذا كان بينهما ملازمة عقلا أو شرعا أو عادة ، كما لا يخفى.
فصل
    إذا ورد مطلق ومقيد متنافيين ، فإما يكونان مختلفين في الاثبات والنفي ، وإما يكونان متوافقين ، فإن كانا مختلفين مثل ( أعتق رقبة ) و ( لا
1 ـ في « ب » : تعيينا.

(250)
تعتق رقبة كافرة ) فلا إشكال في التقييد ، وإن كانا متوافقين ، فالمشهور فيهما الحمل والتقييد ، وقد استدل بأنه جمع بين الدليلين وهو أولى.
    وقد أورد عليه بإمكان الجمع على وجه آخر ، مثل حمل الامر في المقيد على الاستحباب.
    وأورد عليه بأن التقييد ليس تصرفا في معنى اللفظ ، وإنما هو تصرف في وجه من وجوه المعنى ، اقتضاه تجرده عن القيد ، مع تخيل وروده في مقام بيان تمام المراد ، وبعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده على وجه الاجمال ، فلا إطلاق فيه حتى يستلزم تصرفا ، فلا يعارض ذلك بالتصرف في المقيد ، بحمل أمره على الاستحباب.
    وأنت (1) خبير بأن التقييد أيضا يكون تصرفا في المطلق ، لما عرفت من أن الظفر بالمقيد لا يكون كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان ، بل عن عدم كون الاطلاق الذي هو ظاهره بمعونة الحكمة ، بمراد جدي ، غاية الامر أن التصرف فيه بذلك لا يوجب التجوز فيه ، مع أن حمل الامر في المقيد على الاستحباب لا يوجب تجوزا فيه ، فإنه في الحقيقة مستعمل في الايجاب ، فإن المقيد إذا كان فيه ملاك الاستحباب ، كان من أفضل أفراد الواجب ، لا مستحبا فعلا ، ضرورة أن ملاكه لا يقتضي استحبابه إذا اجتمع مع ما يقتضي وجوبه.
    نعم ، فيما إذا كان إحراز كون المطلق في مقام البيان بالاصل ، كان من التوفيق بينهما ، حمله على أنه سيق في مقام الاهمال على خلاف مقتضى الاصل ، فافهم. ولعل وجه التقييد كون ظهور إطلاق الصيغة في الايجاب التعييني أقوى من ظهور المطلق في الاطلاق.
1 ـ رد على الشيخ ( قده ) في انتصاره لدليل المشهور ، مطارح الانظار / 220.

(251)
    وربما يشكل بأنه يقتضي التقييد في باب المستحبات ، مع أن بناء المشهور على حمل الامر بالمقيد فيها على تأكد الاستحباب ، اللهم إلا أن يكون الغالب في هذا الباب هو تفاوت الافراد بحسب مراتب (1) المحبوبية ، فتأمل.
    أو أنه كان بملاحظة التسامح في أدلة المستحبات ، وكان عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق بعد مجيء دليل المقيد ، وحمله على تأكد استحبابه ، من التسامح (2) فيها.
    ثم إن الظاهر أنه لا يتفاوت فيما ذكرنا بين المثبتين والمنفيين بعد فرض كونهما متنافيين ، كما لا يتفاوتان في استظهار التنافي بينهما من استظهار اتحاد التكليف ، من وحدة السبب وغيره (3) ، من قرينة حال أو مقال حسبما يقتضيه النظر ، فليتدبر.
    تنبيه : لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين ، بين كونهما في بيان الحكم التكليفي ، وفي بيان الحكم الوضعي ، فإذا ورد مثلا : إن البيع سبب ، وإن البيع الكذائي سبب ، وعلم أن مراده إما البيع على إطلاقه ، أو البيع الخاص ، فلابد من التقييد لو كان ظهور دليله في دخل القيد أقوى من ظهور دليل الاطلاق فيه ، كما هو ليس ببعيد ، ضرورة تعارف ذكر المطلق وإرادة المقيد ـ بخلاف العكس ـ بالغاء القيد ، وحمله على أنه غالبي ، أو على وجه آخر ، فإنه على خلاف المتعارف.
1 ـ في « أ و ب » : المراتب ، والصواب ما أثبتناه.
2 ـ ولا يخفى أنه لو كان حمل المطلق على المقيد جمعا عرفيا ، كان قضيته عدم الاستحباب إلا للمقيد ، وحينئذ إن كان بلوغ الثواب صادقا على المطلق كان استحبابه تسامحيا ، وإلا فلا استحباب له أصلا ، كما لا وجه ـ بناء على هذا الحمل وصدق البلوغ ـ يؤكد الاستحباب في المقيد ، فافهم ( منه قدس سره ).
3 ـ تعريض بصاحب المعالم والمحقق القمي ، حيث اعتبرا وحدة السبب في عنوان البحث ، معالم الدين / 155 ، القوانين 1 / 322.


(252)
    تبصرة لا تخلو من تذكرة ، وهي : إن قضية مقدمات الحكمة في المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات ، فإنها تارة يكون حملها على العموم البدلي ، وأخرى على العموم الاستيعابي ، وثالثة على نوع خاص مما ينطبق عليه حسب اقتضاء خصوص المقام ، واختلاف الآثار والاحكام ، كما هو الحال في سائر القرائن بلا كلام.
    فالحكمة في إطلاق صيغة الامر تقتضي أن يكون المراد خصوص الوجوب التعييني العيني النفسي ، فإن إرادة غيره تحتاج إلى مزيد بيان ، ولا معنى لارادة الشياع فيه ، فلا محيص عن الحمل عليه فيما إذا كان بصدد البيان ، كما أنها قد تقتضي العموم الاستيعابي ، كما في ( أحل الله البيع ) إذ إرادة البيع مهملا أو مجملا ، ينافي ما هو المفروض من كونه بصدد البيان ، وإرادة العموم البدلي لا يناسب المقام ، ولا مجال لاحتمال إرادة بيع اختاره المكلف ، أي بيع كان ، مع أنها تحتاج إلى نصب دلالة عليها ، لا يكاد يفهم بدونها من الاطلاق ، ولا يصح قياسه على ما إذا أخذ في متعلق الامر ، فإن العموم الاستيعابي لا يكاد يمكن إرادته ، وإرادة غير العموم البدلي ، وإن كانت ممكنة ، إلا أنها منافية للحكمة ، وكون المطلق بصدد البيان.
فصل
في المجمل والمبين
    والظاهر أن المراد من المبين في موارد إطلاقه ، الكلام الذي له ظاهر ، ويكون بحسب متفاهم العرف قالبا لخصوص معنى ، والمجمل بخلافه ، فما ليس له ظهور مجمل وإن علم بقرينة خارجية ما أريد منه ، كما أن ماله الظهور مبين وإن علم بالقرينة الخارجية أنه ما أريد ظهوره وأنه مؤول ، ولكل منهما في الآيات والروايات ، وإن كان أفراد كثيرة لا تكاد تخفى ، إلا أن لهما أفراد مشتبهة وقعت محل البحث والكلام للاعلام ، في أنها من أفراد أيهما ؟ كآية


(253)
السرقة (1) ، ومثل « حرمت عليكم أمهاتكم » (2) و « أحلت لكم بهيمة الانعام » (3) مما أضيف التحليل إلى الاعيان ومثل ( لا صلاة إلا بطهور ) (4).
    ولا يذهب عليك أن إثبات الاجمال أو البيان لا يكاد يكون بالبرهان ، لما عرفت من أن ملاكهما أن يكون للكلام ظهور ، ويكون قالبا لمعنى ، وهو مما يظهر بمراجعة الوجدان ، فتأمل.
    ثم لا يخفى أنهما وصفان إضافيان ، ربما يكون مجملا عند واحد ، لعدم معرفته بالوضع ، أو لتصادم ظهوره بما حف به لديه ، ومبينا لدى الآخر ، لمعرفته وعدم التصادم بنظره ، فلا يهمنا التعرض لموارد الخلاف والكلام والنقض والابرام في المقام ، وعلى الله التوكل وبه الاعتصام.
1 ـ المائدة : 38.
2 ـ النساء : 23.
3 ـ المائدة : 1.
4 ـ الفقية : 1 / 35 الباب 14 في من ترك الوضوء أو بعضه أو شك فيه.


(254)

(255)
المقصد السادس
الامارات
كفاية الاصول ::: فهرس