كفاية الاصول ::: 286 ـ 300
(286)
فصل
    قد عرفت حجية ظهور الكلام في تعيين المرام : فإن أحرز بالقطع وأن المفهوم منه جزما ـ بحسب متفاهم أهل العرف ـ هو ذا فلا كلام.
    وإلا فإن كان لاجل احتمال وجود قرينة فلا خلاف في أن الاصل عدمها ، لكن الظاهر أنه معه يبنى على المعنى الذي لولاها كان اللفظ ظاهرا فيه ابتداء ، لا أنه يبنى عليه بعد البناء على عدمها ، كما لا يخفى ، فافهم.
    وإن كان لاحتمال قرينية الموجود فهو ، وإن لم يكن بخال عن الاشكال ـ بناء على حجية أصالة الحقيقة من باب التعبد ـ إلا أن الظاهر أن يعامل معه معاملة المجمل ، وإن كان لاجل الشك فيما هو الموضوع له لغة أو المفهوم منه عرفا ، فالاصل يقتضي عدم حجية الظن فيه ، فإنه ظن في أنه ظاهر ، ولا دليل إلا على حجية الظواهر.
    نعم نسب (1) إلى المشهور حجية قول اللغوي بالخصوص في تعيين الاوضاع ، واستدل لهم باتفاق العلماء بل العقلاء على ذلك ، حيث لا يزالون يستشهدون بقوله في مقام الاحتجاج بلا إنكار من أحد ، ولو مع المخاصمة واللجاج ، وعن بعض (2) دعوى الاجماع على ذلك.
    وفيه : أن الاتفاق ـ لو سلم اتفاقه ـ فغير مفيد ، مع أن المتيقن منه هو الرجوع إليه مع إجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة.
    والاجماع المحصل غير حاصل ، والمنقول منه غير مقبول ، خصوصا في مثل
1 ـ نسبه الشيخ ( قده ) راجع فرائد الاصول / 45 ، في القسم الثاني من الظنون المستعملة لتشخيص الاوضاع.
2 ـ كالسيد المرتضى على ما نسب إليه ، الذريعة 1 / 13.


(287)
المسألة مما احتمل قريبا أن يكون وجه ذهاب الجل لو لا الكل ، هو اعتقاد أنه مما اتفق عليه العقلاء من الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها.
    والمتيقن من ذلك إنما هو فيما إذا كان الرجوع يوجب الوثوق (1) والاطمئنان ، ولا يكاد يحصل من قول اللغوي وثوق بالاوضاع ، بل لا يكون اللغوي من أهل خبرة ذلك ، بل إنما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال ، بداهة أن همه ضبط موارده ، لا تعيين أن أيا منها كان اللفظ فيه حقيقة أو مجازا ، وإلا لوضعوا لذلك علامة ، وليس ذكره أولا علامة كون اللفظ حقيقة فيه ، للانتقاض بالمشترك.
    وكون موارد الحاجة إلى قول اللغوي أكثر من أن يحصى ، لانسداد باب العلم بتفاصيل المعاني غالبا ، بحيث يعلم بدخول الفرد المشكوك أو خروجه ، وإن كان المعنى معلوما في الجملة لا يوجب اعتبار قوله ، ما دام انفتاح باب العلم بالاحكام ، كما لا يخفى ، ومع الانسداد كان قوله معتبرا إذا أفاد الظن ، من باب حجية مطلق الظن ، وإن فرض انفتاح باب العلم باللغات بتفاصيلها فيما عدا المورد.
    نعم لو كان هناك دليل على اعتباره ، لا يبعد أن يكون انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات موجبا له على نحو الحكمة لا العلة.
    لا يقال : على هذا لا فائدة في الرجوع إلى اللغة.
    فإنه يقال : مع هذا لا تكاد تخفى الفائدة في المراجعة إليها ، فإنه ربما يوجب القطع بالمعنى ، وربما يوجب القطع بأن اللفظ في المورد ظاهر في معنى ـ بعد الظفر به وبغيره في اللغة ـ وإن لم يقطع بأنه حقيقة فيه أو مجاز ، كما اتفق كثيرا ، وهو يكفي في الفتوى.
1 ـ في « ب » : موجبا للوثوق.

(288)
فصل
    الاجماع المنقول بخبر الواحد حجة عند كثير ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص ، من جهة أنه من أفراده ، من دون أن يكون عليه دليل بالخصوص ، فلابد في اعتباره من شمول أدلة اعتباره له ، بعمومها أو إطلاقها.
    وتحقيق القول فيه يستدعي رسم أمور :
    الاول : إن وجه اعتبار الاجماع ، هو القطع برأي الامام ( عليه السلام ) ، ومستند القطع به لحاكيه ـ على ما يظهر من كلماتهم ـ هو علمه بدخوله ( عليه السلام ) في المجمعين شخصا ، ولم يعرف عينا ، أو قطعه باستلزام ما يحكيه لرأيه ( عليه السلام ) عقلا من باب اللطف ، أو عادة أو اتفاقا من جهة حدس رأيه ، وإن لم تكن ملازمة بينهما عقلا ولا عادة ، كما هو طريقة المتأخرين في دعوى الاجماع ، حيث إنهم مع عدم الاعتقاد بالملازمة العقلية ولا الملازمة العادية غالبا وعدم العلم بدخول جنابه ( عليه السلام ) في المجمعين عادة ، يحكون الاجماع كثيرا ، كما أنه يظهر ممن اعتذر عن وجود المخالف بأنه معلوم النسب ، أنه استند في دعوى الاجماع إلى العلم بدخوله ( عليه السلام ) وممن اعتذر عنه بانقراض عصره ، أنه استند إلى قاعدة اللطف. هذا مضافا إلى تصريحاتهم بذلك ، على ما يشهد به مراجعة كلماتهم.


(289)
    وربما يتفق لبعض الاوحدي وجه آخر من تشرفه برؤيته ( عليه السلام ) وأخذه الفتوى من جنابه ، وإنما لم ينقل عنه ، بل يحكي الاجماع لبعض دواعي الاخفاء.
    الامر الثاني : إنه لا يخفى اختلاف نقل الاجماع ، فتارة ينقل رأيه ( عليه السلام ) في ضمن نقله حدسا كما هو الغالب ، أو حسا وهو نادر جدا ، وأخرى لا ينقل إلا ما هو السبب عند ناقله ، عقلا أو عادة أو اتفاقا ، واختلاف ألفاظ النقل أيضا صراحة وظهورا وإجمالا في ذلك ، أي في أنه نقل السبب أو نقل السبب والمسبب.
    الامر الثالث : إنه لا إشكال في حجية الاجماع المنقول بأدلة حجية الخبر ، إذا كان نقله متضمنا لنقل السبب والمسبب عن حس ، لو لم نقل بأن نقله كذلك في زمان الغيبة موهون جدا ، وكذا إذا لم يكن متضمنا له ، بل كان ممحضا لنقل السبب عن حس ، إلا أنه كان سببا بنظر المنقول إليه أيضا عقلا أو عادة أو اتفاقا ، فيعامل حينئذ مع المنقول معاملة المحصل في الالتزام بمسببه بأحكامه وآثاره.
    وأما إذا كان نقله للمسبب لا عن حس ، بل بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إليه ففيه إشكال ، أظهره عدم نهوض تلك الادلة على حجيته ، إذ المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك ، كما أن المنصرف من الآيات والروايات ذلك (1) ، على تقدير دلالتهما ، خصوصا فيما إذا رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاد الملازمة ، هذا فيما انكشف الحال.
    وأما فيما اشتبه ، فلا يبعد أن يقال بالاعتبار ، فإن عمدة أدلة حجية الاخبار هو بناء العقلاء ، وهم كما يعملون بخبر الثقة إذا علم أنه عن حس ، يعملون به فيما يحتمل كونه عن حدس ، حيث إنه ليس بناؤهم إذا أخبروا بشيء على التوقف والتفتيش ، عن أنه عن حدس أو حس ، بل العمل على (2) طبقه والجري على
1 ـ في « ب » : قدم « على تقدير دلالتهما » على « ذلك ».
2 ـ في « أ » : على العمل طبقه.


(290)
وفقه بدون ذلك ، نعم لا يبعد أن يكون بناؤهم على ذلك ، فيما لا يكون هناك أمارة على الحدس ، أو اعتقاد الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة هذا.
    لكن الاجماعات المنقولة في ألسنة الاصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا ، فلا اعتبار لها ما لم ينكشف أن نقل السبب كان مستندا إلى الحس ، فلابد في الاجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة من استظهار مقدار دلالة ألفاظها ، ولو بملاحظة حال الناقل وخصوص موضع النقل ، فيؤخذ بذاك المقدار ويعامل معه كأنه المحصل ، فإن كان بمقدار تمام السبب ، وإلا فلا يجدي ما لم يضم إليه مما حصله أو نقل له من سائر الاقوال أو سائر الامارات ما به (1) تم ، فافهم.
    فتلخص بما ذكرنا : أن الاجماع المنقول بخبر الواحد ، من جهة حكايته رأي الامام ( عليه السلام ) بالتضمن أو الالتزام ، كخبر الواحد في الاعتبار إذا كان من نقل إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه ( عليه السلام ) وما نقله من الاقوال ، بنحو الجملة والاجمال ، وتعمه أدلة اعتباره ، وينقسم بأقسامه ، ويشاركه في أحكامه ، وإلا لم يكن مثله في الاعتبار من جهة الحكاية.
    وأما من جهة نقل السبب ، فهو في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار من الاقوال التي نقلت إليه على الاجمال بألفاظ نقل الاجماع ، مثل ما إذا نقلت على التفصيل ، فلو ضم إليه مما حصله أو نقل له (2) ـ من أقوال السائرين أو سائر الامارات ـ مقدار كان المجموع منه وما نقل بلفظ الاجماع بمقدار السبب التام ، كان المجموع كالمحصل ، ويكون حاله كما إذا كان كله منقولا ، ولا تفاوت في اعتبار الخبر بين ما إذا كان المخبر به تمامه ، أو ما له دخل فيه وبه قوامه ، كما يشهد به حجيته بلا ريب في تعيين حال السائل ، وخصوصية القضية الواقعة المسؤول عنها ، وغير ذلك مما له دخل في تعيين
1 ـ في « ب » : بانه.
2 ـ في « أ » : إليه ، وصححه المصنف.


(291)
مرامه ( عليه السلام ) من كلامه.
    وينبغي التنبيه على أمور :
    الاول : إنه قد مر أن مبنى دعوى الاجماع غالبا ، هو اعتقاد الملازمة عقلا ، لقاعدة اللطف ، وهي باطلة ، أو اتفاقا بحدس رأيه ( عليه السلام ) من فتوى جماعة ، وهي غالبا غير مسلمة ، وأما كون المبنى العلم بدخول الامام بشخصه في الجماعة ، أو العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة من الفتاوى ، فقليل جدا في الاجماعات المتداولة في السنة الاصحاب ، كما لا يخفى ، بل لا يكاد يتفق العلم بدخوله ( عليه السلام ) على نحو الاجمال في الجماعة في زمان الغيبة ، وإن احتمل تشرف بعض الاوحدي بخدمته ومعرفته أحيانا ، فلا يكاد يجدي نقل الاجماع إلا من باب نقل السبب بالمقدار الذي أحرز من لفظه ، بما اكتنف به من حال أو مقال ، ويعامل معه معاملة المحصل.
    الثاني : إنه لا يخفى أن الاجماعات المنقولة ، إذا تعرض إثنان منها أو أكثر ، فلا يكون التعرض إلا بحسب المسبب ، وأما بحسب السبب فلا تعارض في البين ، لاحتمال صدق الكل ، لكن نقل الفتاوى على الاجمال بلفظ الاجماع حينئذ ، لا يصلح لان يكون سببا ، ولا جزء سبب ، لثبوت الخلاف فيها ، إلا إذا كان في أحد المتعارضين خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه ( عليه السلام ) لو اطلع عليها ، ولو مع اطلاعه على الخلاف ، وهو وإن لم يكن مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلا ببعيد ، إلا أنه مع عدم الاطلاع عليها كذلك إلا مجملا بعيد ، فافهم.
    الثالث : إنه ينقدح مما ذكرنا في نقل الاجماع حال نقل التواتر ، وأنه من حيث المسبب لا بد في اعبتاره من كون الاخبار به إخبارا على الاجمال بمقدار يوجب قطع المنقول إليه بما أخبر به لو علم به ، ومن حيث السبب يثبت به كل مقدار كان اخباره بالتواتر دالا عليه ، كما إذا أخبر به على التفصيل ، فربما لا يكون إلا دون حد


(292)
التواتر ، فلا بد في معاملته معه معاملته من لحوق مقدار آخر من الاخبار ، يبلغ المجموع ذاك الحد.
    نعم ، لو كان هناك أثر للخبر المتواتر في الجملة ـ ولو عند المخبر ـ لوجب ترتيبه عليه ، ولو لم يدل على ما بحد التواتر من المقدار.
فصل
    مما قيل باعتباره بالخصوص الشهرة في الفتوى ، ولا يساعده دليل.
    وتوهم (1) دلالة أدلة حجية خبر الواحد عليه بالفحوى ، لكون الظن الذي تفيده أقوى مما يفيده الخبر ، فيه مالا يخفى ، ضرورة عدم دلالتها على كون مناط اعتباره إفادته الظن ، غايته تنقيح ذلك بالظن ، وهو لا يوجب إلا الظن بأنها أولى بالاعتبار ، ولا اعتبار به ، مع أن دعوى القطع بأنه ليس بمناط غير مجازفة.
    وأضعف منه ، توهم دلالة المشهورة (2) والمقبولة (3) عليه ، لوضوح أن المراد بالموصول في قوله في الاولى : ( خذ بما اشتهر بين أصحابك ) وفي الثانية : ( ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به ، المجمع عليه بين أصحابك ، فيؤخذ به ) هو الرواية ، لا ما يعم الفتوى ، كما هو أوضح من أن يخفى.
    نعم بناء على حجية الخبر ببناء العقلاء ، لا يبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجيته ، بل على حجية (4) كل أمارة مفيدة للظن أو الاطمئنان ، لكن دون إثبات ذلك خرط القتاد.
1 ـ راجع تعليقة المصنف على كتاب فرائد الاصول / 57.
2 ـ عوالي اللآلي 4 / 133 ، الحديث 229.
3 ـ التهذيب 6 / 301 ، الحديث 52 ، والفقيه 3 / 5 ، الحديث : 2 ، باختلاف يسير في الرواية.
4 ـ في « ب » : حجيته.


(293)
فصل
    المشهور بين الاصحاب حجية خبر الواحد في الجملة بالخصوص.
    ولا يخفى أن هذه المسألة من أهم المسائل الاصولية ، وقد عرفت في أول الكتاب (1) أن الملاك في الاصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط ، ولو لم يكن البحث فيها عن الادلة الاربعة ، وإن اشتهر في ألسنة الفحول كون الموضوع في علم الاصول هي الادلة ، وعليه لا يكاد يفيد في ذلك ـ أي كون هذه المسألة أصولية ـ تجشم دعوى (2) أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن أحوال الدليل ، ضرورة أن البحث في المسألة ليس عن دليلية الادلة ، بل عن حجية الخبر الحاكي عنها ، كما لا يكاد يفيد عليه تجشم دعوى (3) أن مرجع هذه المسألة إلى أن السنة ـ وهي قول الحجة أو فعله أو تقريره ـ هل تثبت بخبر الواحد ، أو لا تثبت إلا بما يفيد القطع من التواتر أو القرينة ؟ فإن التعبد بثبوتها مع الشك فيها لدى الاخبار بها ليس من عوارضها ، بل من عوارض مشكوكها ، كما لا يخفى ، مع أنه لازم لما يبحث عنه في المسألة من حجية الخبر ، والمبحوث عنه في المسائل إنما هو الملاك في أنها من المباحث أو من غيره ، لا ما هو لازمه ، كما هو واضح.
1 ـ راجع ص 9.
2 ـ انظر دعوى صاحب الفصول ، الفصول / 12.
3 ـ راجع فرائد الاصول / 67 ، في الخبر الواحد.


(294)
    وكيف كان ، فالمحكي عن السيد (1) والقاضي (2) وابن زهرة (3) والطبرسي (4) وابن إدريس (5) عدم حجية الخبر ، واستدل (6) لهم بالآيات الناهية (7) عن اتباع غير العلم ، والروايات (8) الدالة على رد ما لم يعلم أنه قولهم ( عليهم
1 ـ الذريعة 2 : 528 ، في التعبد بخبر الواحد ورسالة للسيد في إبطال العمل بالخبر الواحد ، المطبوعة في رسائل السيد المرتضى 3 : 309 وأجوبته عن مسائل التبانيات المطبوعة في ضمن رسائله 1 : 21 ، الفصل الثاني. علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين المشهور بالسيد المرتضى ، تولد سنة 355 ، حاز من الفضائل ما تفرد به ، له تصانيف مشهورة منها « الشافي » في الامامة و « الذخيرة » و « الذريعة » وغيرها ، خلف بعد وفاته ثمانين الف مجلد من مقرواته ومصنفاته ، توفي لخمس بقين من شهر ربيع الاول سنة 436 ه‍. ( الكنى والالقاب 2 / 483 ).
2 ـ الشيخ عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج ، وجه الاصحاب وفقيههم ، لقب بالقاضي لكونه قاضيا في طرابلس ، قرأ على السيد والشيخ فترة ويروي عنهما وعن الكراجكي وأبي الصلاح الحلبي. له « المهذب » و « الموجز » و « الكامل » و « الجواهر ». توفي في 9 شعبان سنة 481 ( الكنى والالقاب 1 / 224 ).
3 ـ الغنية : 475 ، ( المطبوعة في الجوامع الفقهية ). أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي العالم الفاضل الفقيه ، يروي عن والده وغيره ، له « غنية النزوع إلى علمي الاصول والفروع » و « قبس الانوار في نصرة العترة الاطهار » توفي سنة 585 في سن اربع وسبعين ، قبره بحلب بسفح جبل جوشن عند مشهد السقط. ( الكنى والالقاب 1 / 299 ).
4 ـ كذا يظهر من تفسيره آية النبأ ، مجمع البيان 5 : 133. أمين الاسلام أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المشهدي مفسر فقيه صاحب كتاب مجمع البيان وجوامع الجامع ، كان معاصرا لصاحب الكشاف ، يروي عنه جماعة من أفاضل العلماء ، منهم ولده الحسن بن الفضل وابن شهر آشوب والقطب الراوندي ، انتقل من المشهد الرضوي إلى سبزوار سنة 523 وانتقل منها إلى دار الخلود سنة 548 وحمل نعشه إلى المشهد المقدس وقبره معروف ( رياض العلماء 4 / 340 ).
5 ـ السرائر : 5.
6 ـ المعتمد 2 : 124.
7 ـ الاسراء : 36 ، النجم : 28.
8 ـ مستدرك الوسائل 3 : 186 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 10.


(295)
السلام ) ، أو لم يكن عليه شاهد من كتاب الله أو شاهدان (1) ، أو لم يكن موافقا للقرآن إليهم (2) ، أو على بطلان ما لا يصدقه كتاب الله (3) ، أو على أن ما لا يوافق كتاب الله زخرف (4) ، أو على النهي عن قبول حديث إلا ما وافق الكتاب أو السنة (5) ، إلى غير ذلك (6). والاجماع المحكي (7) عن السيد في مواضع من كلامه ، بل حكي (8) عنه أنه جعله بمنزلة القياس ، في كون تركه معروفا من مذهب الشيعة.
    والجواب : أما عن الآيات ، فبأن الظاهر منها أو المتيقن من إطلاقاتها هو اتباع غير العلم في الاصول الاعتقادية ، لا ما يعم الفروع الشرعية ، ولو سلم عمومها لها ، فهي مخصصة بالادلة الآتية على اعتبار الاخبار.
    وأما عن الروايات ، فبأن الاستدلال بها خال عن السداد ، فإنها أخبار آحاد.
    لا يقال : إنها وإن لم تكن متواترة لفظا ولا معنى ، إلا أنها متواترة إجمالا ، للعلم الاجمالي بصدور بعضها لا محالة.
    فإنه يقال : إنها وإن كانت كذلك ، إلا أنها لا تفيد إلا فيما توافقت عليه ، وهو غير مفيد في إثبات السلب كليا ، كما هو محل الكلام ومورد النقض والابرام ، وإنما تفيد عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والسنة ، والالتزام به ليس بضائر ، بل
1 ـ وسائل الشيعة 18 : 80 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 18.
2 ـ مستدرك الوسائل 3 : 186 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 5.
3 ـ المحاسن 1 : 221.
4 ـ وسائل الشيعة 18 : 78 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 12.
5 ـ وسائل الشيعة 18 : 78 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 11.
6 ـ راجع وسائل الشيعة 18 : 75 : أحاديث باب 9 من أبواب صفات القاضي.
7 ـ أجوبة المسائل التبانيات 1 : 24 ، الفصل الثاني.
8 ـ رسائل السيد المرتضى 3 : 309 ، رسالة إبطال العمل بالخبر الواحد.


(296)
لا محيص عنه في مقام المعارضة.
    وأما عن الاجماع ، فبأن المحصل منه غير حاصل ، والمنقول منه للاستدلال به غير قابل ، خصوصا في المسألة ، كما يظهر وجهه للمتأمل ، مع أنه معارض بمثله ، وموهون بذهاب المشهور إلى خلافه.
    وقد استدل للمشهور بالادلة الاربعة :
فصل
    في الآيات التي استدل بها :
    فمنها : آية النبأ ، قال الله تبارك وتعالى : « إن جاء كم فاسق بنبأ فتبينوا » (1). ويمكن تقريب الاستدلال بها من وجوه (2) : أظهرها أنه من جهة مفهوم الشرط ، وأن تعليق الحكم بإيجاب التبين عن النبأ الذي جيء به على كون الجائي به الفاسق (3) ، يقتضي انتفاءه عند انتفائه.
    ولا يخفى أنه على هذا التقرير لا يرد : أن الشرط في القضية لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم له ، أو مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع ، فافهم.
    نعم لو كان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجيء الفاسق به ، كانت القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع ، مع أنه يمكن أن يقال : إن القفضية ولو كانت مسوقة لذلك ، إلا أنها ظاهرة في انحصار موضوع وجوب التبين في النبأ الذي جاء به الفاسق ، فيقتضي انتفاء وجوب التبين عند انتفائه ووجود موضوع آخر ، فتدبر.
    ولكنه يشكل (4) بأنه ليس لها هاهنا ملهوم ، ولو سلم أن أمثالها ظاهرة في
1 ـ الحجرات : 6.
2 ـ ذكر الوجوه في حاشية الفرائد / 60.
3 ـ في منتهى الدراية 4 / 441 : فاسقا.
4 ـ وللمزيد راجع فرائد الاصول / 72 ، وعدة الاصول / 1 / 44 ، ومعارج الاصول / 145.


(297)
المفهوم ، لان التعليل بإصابة القوم بالجهالة المشترك بين المفهوم والمنطوق ، يكون قرينة على أنه ليس لها مفهوم.
    ولا يخفى أن الاشكال إنما يبتني على كون الجهالة بمعنى عدم العلم ، مع أن دعوى أنها بمعنى السفاهة وفعل مالا ينبغي صدوره من العاقل غير بعيدة.
    ثم إنه لو سلم تمامية دلالة الآية على حجية خبر العدل ، ربما أشكل شمول مثلها للروايات الحاكية لقول الامام ( عليه السلام ) بواسطة أو وسائط ، فإنه كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق الذي ليس إلا بمعنى وجوب ترتيب ما للمخبر به من الاثر الشرعي بلحاظ نفس هذا الوجوب ، فيما كان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر ، لانه وإن كان أثرا شرعيا لهما ، إلا أنه بنفس الحكم في مثل الآية بوجوب تصديق خبر العدل حسب الفرض.
    نعم لو أُنشئ هذا الحكم ثانيا ، فلا بأس في أن يكون بلحاظه أيضا ، حيث إنه صار أثرا بجعل آخر ، فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع ، بخلاف ما إذا لم يكن هناك إلا جعل واحد ، فتدبر.
    ويمكن ذب الاشكال (1) ، بأنه إنما يلزم إذا لم يكن القضية طبيعية ، والحكم فيها بلحاظ طبيعة الاثر ، بل بلحاظ أفراده ، وإلا فالحكم بوجوب التصديق يسري إليه سراية حكم الطبيعة إلى أفراده ، بلا محذور لزوم اتحاد الحكم والموضوع. هذا مضافا إلى القطع بتحقق ما هو المناط في سائر الآثار في هذا الاثر ـ أي وجوب التصديق ـ بعد تحققه بهذا الخطاب ، وإن كان لا يمكن أن يكون ملحوظا (2) لاجل المحذور ، وإلى عدم القول بالفصل بينه وبين سائر الآثار ، في وجوب الترتيب لدى الاخبار بموضوع ، صار أثره الشرعي وجوب التصديق ، وهو خبر العدل ، ولو بنفس الحكم في الآية به ، فافهم.
1 و 2 ـ الصحيح ما أثبتناه وما في النسخ المطبوعة خطأ ظاهر.

(298)
    ولا يخفى أنه لا مجال بعد اندفاع الاشكال بذلك للاشكال في خصوص الوسائط من الاخبار ، كخبر الصفار المحكي بخبر المفيد مثلا ، بأنه لا يكاد يكون خبرا تعبدا إلا بنفس الحكم بوجوب تصديق العادل الشامل للمفيد ، فكيف يكون هذا الحكم المحقق لخبر الصفار تعبدا مثلا حكما له أيضا ، وذلك لانه إذا كان خبر العدل ذا أثر شرعي حقيقة بحكم الآية وجب ترتيب أثره عليه عند إخبار العدل به ، كسائر ذوات الآثار من الموضوعات ، لما عرفت من شمول مثل الآية للخبر الحاكي للخبر بنحو القضية الطبيعية ، أو لشمول الحكم فيها له مناطا ، وإن لم يشمله لفظا ، أو لعدم القول بالفصل ، فتأمل جيدا.
    ومنها : آية النفر ، قال الله تبارك وتعالى : « فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة » (1) الآية ، وربما يستدل بها من وجوه :
    أحدها : إن كلمة ( لعل ) وإن كانت مستعملة على التحقيق في معناه الحقيقي ، وهو الترجي الايقاعي الانشائي ، إلا أن الداعي إليه حيث يستحيل في حقه تعالى أن يكون هو الترجي الحقيقي ، كان هو محبوبية التحذر عند الانذار ، وإذا ثبت محبوبيته ثبت وجوبه شرعا ، لعدم الفصل ، وعقلا لوجوبه مع وجود ما يقتضيه ، وعدم حسنه ، بل عدم إمكانه بدونه.
    ثانيها : إنه لما وجب الانذار لكونه غاية للنفر الواجب ، كما هو قضية كلمة ( لولا ) التحضيضية ، وجب التحذر ، وإلا لغى وجوبه.
    ثالثها : إنه جعل غاية للانذار الواجب ، وغاية الواجب واجب.
    ويشكل الوجه الاول ، بأن التحذر لرجاء إدراك الواقع وعدم الوقوع في محذور مخالفته ، من فوت المصلحة أو الوقوع في المفسدة ، حسن ، وليس بواجب فيما لم يكن هناك حجة على التكليف ، ولم يثبت ها هنا عدم الفصل ، غايته عدم
1 ـ التوبة : 122.

(299)
القول بالفصل.
    والوجه الثاني والثالث بعدم انحصار فائدة الانذار ب‍ [ إيجاب ] (1) التحذر تعبدا ، لعدم إطلاق يقتضي وجوبه على الاطلاق ، ضرورة أن الآية مسوقة لبيان وجوب النفر ، لا لبيان غايتية التحذر ، ولعل وجوبه كان مشروطا بما إذا أفاد العلم لو لم نقل بكونه مشروطا به ، فإن النفر إنما يكون لاجل التفقه وتعلم معالم الدين ، ومعرفة ما جاء به سيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله ) ، كي ينذروا بها المتخلفين أو النافرين ، على الوجهين في تفسير الآية ، لكي يحذروا إذا أنذروا بها ، وقضيته إنما هو وجوب الحذر عند إحراز أن الانذار بها ، كما لا يخفى.
    ثم إنه أشكل أيضا ، بأن الآية لو سلم دلالتها على وجوب الحذر مطلقا فلا دلالة لها على حجية الخبر بما هو خبر ، حيث إنه ليس شأن الراوي إلا الاخبار بما تحمله ، لا التخويف والانذار ، وإنما هو شأن المرشد أو المجتهد بالنسبة إلى المسترشد أو المقلد.
    قلت : لا يذهب عليك أنه ليس حال الرواة في الصدر الاول في نقل ما تحملوا من النبي ( صلى الله عليه وعلى أهل بيته الكرام ) أو الامام ( عليه السلام ) من الاحكام إلى الانام ، إلا كحال نقلة الفتاوى إلى العوام. ولا شبهة في أنه يصح منهم التخويف في مقام الابلاغ والانذار والتحذير بالبلاغ ، فكذا من الرواة ، فالآية لو فرض دلالتها على حجية نقل الراوي إذا كان مع التخويف ، كان نقله حجة بدونه أيضا ، لعدم الفصل بينهما جزما ، فافهم.
    ومنها : آية الكتمان ، « إن الذين يكتمون ما أنزلنا » (2) الآية.
    وتقريب الاستدلال بها : إن حرمة الكتمان تستلزم وجوب (3) القبول عقلا ،
1 ـ اثبتناها من « ب ».
2 ـ البقرة : 159.
3 ـ أثبتناها من « أ ».


(300)
للزوم لغويته بدونه ، ولا يخفى أنه لو سلمت هذه الملازمة لا مجال (1) للايراد على هذه الآية بما أورد على آية النفر ، من دعوى الاهمال أو استظهار الاختصاص بما إذا أفاد العلم ، فإنها تنافيهما ، كما لا يخفى ، لكنها ممنوعة ، فإن اللغوية غير لازمة ، لعدم انحصار الفائدة بالقبول تعبدا ، وإمكان أن تكون حرمة الكتمان لاجل وضوح الحق بسبب كثرة من أفشاه وبينه ، لئلا يكون للناس على الله حجة ، بل كان له علهيم الحجة البالغة.
    ومنها : آية السؤال عن أهل الذكر « فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون » (2). وتقريب الاستدلال بها ما في آية الكتمان.
    وفيه : إن الظاهر منها إيجاب السؤال لتحصيل العلم ، لا للتعبد بالجواب.
    وقد أورد (3) عليها : بأنه لو سلم دلالتها على التعبد بما أجاب أهل الذكر ، فلا دلالة لها على التعبد بما يروي الراوي ، فإنه بما هو راو لا يكون من أهل الذكر والعلم ، فالمناسب إنما هو الاستدلال بها على حجية الفتوى لا الرواية.
    وفيه : إن كثيرا من الرواة يصدق عليهم أنهم أهل الذكر والاطلاع على رأي الامام ( عليه السلام ) كزرارة ومحمد بن مسلم ومثلهما ، ويصدق على السؤال عنهم أنه السؤال عن [ أهل ] (4) الذكر والعلم ، ولو كان السائل من أضرابهم ، فإذا وجب قبول روايتهم في مقام الجواب بمقتضى هذه الآية ، وجب قبول روايتهم ورواية غيرهم من العدول مطلقا ، لعدم الفصل جزما في وجوب القبول بين المبتدئ والمسبوق بالسؤال ، ولا بين أضراب زرارة وغيرهم ممن لا يكون من أهل
1 ـ دفع لما أورده الشيخ ـ من الاشكالين الاولين في آية النفر ـ على الاستدلال بهذه الآية ، فرائد الاصول / 81.
2 ـ النحل : 43 ، الانبياء : 7.
3 ـ هذا هو الايراد الثالث للشيخ على الاستدلال بالآية ، فرائد الاصول / 82.
4 ـ أثبتناها من « ب ».
كفاية الاصول ::: فهرس