معارج الاصول ::: 61 ـ 75
(61)
فيما يتعلق بصيغة الأمر ، وفيه مسائل :
    [ المسألة ] الاولى : لا شبهة في وقوع لفظة الأمر بالحقيقة على القول المخصوص ، واختلف في وقوعه على الفعل ، فأنكر ذلك قوم ، واعتمده آخرون وتوسط أبو الحسين فقال : هو مشترك بين القول المخصوص وبين الشيء و الصفة والشأن والطريق ، وهو المختار.
    لنا : ان القائل إذا قال : هذا أمر بالفعل علم القول ، وان قال : مستقيم علم الشأن ، وان قال لاجله جاء زيد علم الشيء والغرض ، وان اطلقه حصل التوقف وهو دلالة الاشتراك ، ولا يجوز أن يكون لفظ الأمر حقيقة في مطلق الفعل ، والا لسمي الشرب اليسير أمرا.
    احتج من خصه بالقول : بأن الاصل عدم الاشتراك.
    وجوابه : ان الاصل ظاهر لاقاطع ، وقد ( ترك ) (1) الظاهر لقيام الدلالة.
    واحتج من جعله حقيقة في الفعل بوجوه :
    أحدها : قوله تعالى : « فاتبعوا أمر فرعون » (2).
1 ـ في نسخة : يترك.
2 ـ هود / 97.


(62)
    الثاني : قوله تعالى : « وما أمرنا الا واحدة » (1).
    الثالث : ان ( أمرا ) في الفعل جمعه ( أمور ) ، والجمع دلالة الحقيقة.
    الرابع : ( انه ) (2) مستعمل في الفعل ، والاستعمال دلالة الحقيقة.
    والجواب عن الاول : انه محمول على القول ، [ و ] يؤيده قوله : « فاتبعوا ».
    وعن الثاني : لا نسلم أن المراد بذلك الفعل ، والا لكانت أفعاله كلها واحدة
    بل الشأن ، أي : شأننا ذلك.
    وعن الثالث : لا نسلم أن التصرف دلالة الحقيقة.
    سلمنا ، لكن لا نسلم أن ( أمورا ) جمع ( أمر ) ، فانه لا فرق بين قولهم : أمر فلان مستقيم ، وبين قولهم : ( أمور فلان مستقيمة ) (3).
    سلمنا [ ه ] ، لكن اطلاق ذلك ( لخصوص ) (4) كونه شأنا ، لا ( لعموم ) (5) كونه فعلا.
    وعن الرابع : لا نسلم أن الاصل في الاستعمال الحقيقة.
    سلمنا [ ه ] ( لكن ) (6) معارض بأن الاصل عدم الاشتراك.
    المسألة الثانية : الأمر القولي : هو استدعاء الفعل بصيغة ( افعل ) أو ما جرى مجراها على طريق الاستعلاء ، إذا صدرت ( من مريد لايقاع الفعل ) (7).
1 ـ القمر / 50.
2 ـ في بعض النسخ : وهو.
3 ـ في نسخة : اموره مستقيمة.
4 ـ في نسخة : بخصوص.
5 ـ في نسخة : بعموم.
6 ـ في نسخة : لكنه.
7 ـ في نسخة : من مريد الايقاع.


(63)
    شرطنا الصيغة المخصوصة احترازا من الخبر والتمني وشبهه إذا تضمن الاستدعاء.
    وشرطنا الاستعلاء احترازا ممن طلب متذللا ملتمسا.
    وشرطنا الارادة ـ على ما اختاره المرتضى رحمه الله ـ خلافا للاشعرية وجماعة من الفقهاء.
    لنا : ان الصيغة ترد أمرا كقوله تعالى : « اقم الصلاة » (1) وغير أمر كقوله : افعلوا ما شئتم ، ولا مخصص [ له ] الا الارادة ، لبطلان ما عداه من الاقسام
    احتج المخالف بوجهين :
    أحدهما : لو لم يكن الأمر أمرا الا بالارادة ، لما صح الاستدلال بالأمر على الارادة.
    الثاني : ان أهل اللغة قالوا : الأمر هو قول القائل لغيره : ( افعل ) [ كذا ] مع الرتبة ، ولم يشترطوا الارادة ، فجرى ذلك مجرى استعمال لفظ الانسان في ( موضوعه ) (2) فانه لا يفتقر إلى الارادة.
    وجواب الاول : انا لا نستدل على الارادة بالأمر من حيث كان أمرا ، بل من حيث هو على صيغة ( افعل ) وقد تجرد ، لأن هذه الصيغة موضوعة لطلب المراد حقيقة ، فإذا ( تجردت ) (3) وجب حملها على موضوعها.
    وجواب الثاني : سلمنا ( عدم ) (4) اشتراطها ( لفظا ) (5) لظهورها ، ولكن
1 ـ هود / 114.
2 ـ في نسخة : موضعه.
3 ـ في نسخة : تجرد.
4 ـ في بعض النسخ : بعدم.
5 ـ في بعض النسخ : نطقا.


(64)
لا نسلم عدم اشتراطها في نفس الأمر ، كما لم يشترطوا انتفاء القرائن ، وليس تمثيل تسمية الانسان مما نحن فيه ، ( لأنا لا نخالف ) (1) عند اطلاق هذه اللفظة انها تحمل على الأمر ، بل الخلاف : هل يسمى أمرا وان لم يرد الفعل ؟.
    المسألة الثالثة : لفظة ( افعل ) حقيقة في الطلب بلا خلاف ، وهل هي حقيقة في التهديد أم لا ؟ الاظهر عدمه ، والا لتوقف الذهن في فهم أحد الامرين عند الاطلاق وهو باطل.
    وأيضا : فانها حقيقة في الطلب ، فليكن مجازا في غيره دفعا للاشتراك.
    المسألة الرابعة : لفظة ( افعل ) حقيقة في الوجوب ، وقال آخرون : الايجاب [ و ] هو اختيار الشيخ أبي جعفر رحمه الله.
    وقال أبو هاشم : هي للندب ، إذا صدرت من الحكيم ، وكان ( المقول ) (2) له في دار التكليف.
    وتوقف آخرون.
    وقال المرتضى : هي مشتركة ( بينهما ) ، (3) نظرا إلى اللغة قال : [ و ] أو امر الشارع المطلقة تحمل على الوجوب ، مدعيا في ذلك الاجماع. حجتنا : ان العقلاء يذمون العبد الممتنع عند قول سيده : ( افعل ) مع اطلاق الأمر ، و يعللون حسن ذمه بمجرد ترك الامتثال ، ولا معنى للوجوب الا هذا. وما يشيرون إليه من القرائن تفرض ارتفاعه ، واستحقاق الذم باق بحاله قطعا.
    احتج المرتضى رحمه الله : بانها وردت للايجاب والندب ، والاصل في الاستعمال الحقيقة.
1 ـ في نسخة : لأن سيدا لا يخالف وفي أخرى : لأنه لا نخالف.
2 ـ في نسخة : القول.
3 ـ في نسخة : بينها.


(65)
    وجوابه : كما أن الاصل [ في الاستعمال ] عدم التجوز ، فالاصل عدم الاشتراك.
    المسألة الخامسة ، صيغة الأمر الواردة بعد الحظر كحالها قبله ، وقال قوم : تفيد بعد الحظر : الاباحة.
    لنا : أن صيغة الأمر تفيد طلب الفعل ، والاباحة تفيد التخيير فيه ، فلم يكن مستفادا منها ، وغير ممتنع انتقال الشيء من الحظر إلى الوجوب.
    احتج الخصم : بقوله تعالى : « وإذا حللتم فاصطادوا » (1).
    وجوابه : معارض بقوله : « فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين » (2).
    المسألة السادسة : ذهب الجبائيان إلى أن الأمر المطلق لا يقتضي التعجيل وجوزا التأخير عن [ أول ] أوقات الامكان. وصار آخرون إلى تحريم التأخير واختاره الشيخ. وقال المرتضى رحمه الله بالاشتراك.
    والظاهر : أنه لا اشعار [ فيه ] بفور ولا تراخ.
    لنا : انه [ ورد ] مع الفور تارة ، ومع التراخي أخرى ، فيجعل حقيقة في القدر المشترك بينهما ، صونا للكلام عن الاشتراك والتجوز.
    وأيضا : فان قول القائل ( افعل ) هو طلب ( الفعل ) (3) في المستقبل ( وجرى ) (4) مجرى ( تفعل ) في كونه اخبارا عن الفعل في المستقبل ، وكما يجوز وقوعه بعد مدة ، فكذلك الامر.
1 ـ المائدة / 2.
2 ـ التوبة / 5.
3 ـ في نسخة : للفعل.
4 ـ في بعض النسخ : فجرى.


(66)
    احتج القائلون بالفور : بقوله تعالى : « فاستبقوا الخيرات » (1) وبأنه لو جاز تأخيره ، فاما مع بدل ، ويلزم سقوط المبدل وهو باطل ، أو لا معه وهو ينافي الوجوب.
    وجواب الاول : انه استدلال على غير المطلوب.
    وجواب الثاني : منقوض بما لو صرح بالتأخير.
    المسألة السابعة : الأمر بالشيء على الاطلاق لا يقتضي التكرار ، خلافا لبعض الاصوليين.
    لنا وجهان :
    أحدهما ان السيد إذا أمر عبده بدخول الدار ، ثم فعل ، لم يحسن ( منه ) (2) ذمه على ترك المعاودة.
    الثاني : لو أفاد التكرار ( لعم ) (3) الاوقات ـ لعدم الاولوية ـ وهو باطل.
    احتج المخالف بوجهين :
    الاول : لو لم يفد التكرار لما اشتبه على سراقة حين قال لرسول الله [ صلى الله عليه وآله ] « أحجتنا هذه لعامنا [ هذا ] أم للابد ؟ ».
    الثاني : ان فيه احتياطا فيجب المصير إليه.
    وجواب الاول : ان هذا لا يصلح حجة للقائلين بالتكرار ، بل لاصحاب الاشتراك ، ولا ( فرج ) (4) أيضا لاولئك ، لأنا لا نسلم أن الاشتباه بالنظر إلى اللفظ ، بل لم لا يجوز أن يكون اعتقده مماثلا للصلاة والصيام !؟ فأراد ازالة
1 ـ البقرة / 148.
2 ـ في نسخة : فيه.
3 ـ في نسخة : يعم.
4 ـ في نسخة : فرح.


(67)
هذا الاشتباه.
    ويدل على أنه ليس للتكرار قول النبي صلى الله عليه وآله : « لو قلت هذا ( لوجب ) (1) لأنه اشعار بكون الوجوب مستفادا من قوله ، لامن اللفظ.
    وجواب الثاني : ان الاحتياط يجب مع عدم الدلالة على عدم وجوب التكرار ، وأما مع وجودها فلا.
    المسألة الثامنة : الأمر المعلق على شرط ، أو صفة ، لا يتكرر بتكررهما ، سواء كان شرطا حقيقيا كقوله : ان كان الزاني محصنا فارجمه ، أو مؤثرا كقوله : ان زنى فارجمه ، ومثال الصفة : « السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما « (2).
    و قال قوم : انه يتكرر بتكررهما.
    لنا وجهان :
    الاول : ان السيد إذا قال لعبده : ان دخلت السوق فاشتر لحما ، لا يقتضي التكرار.
    والثاني : لو أفاد الأمر مع الشرط التكرار ، لم يخل : اما أن يفيده لفظا أو معنى ، والقسمان باطلان :
    أما اللفظ فظاهر.
    وأما المعنى : فلانه لو أفاد [ ذلك ] لكان ذلك لكون الشرط كالعلة عندهم وذلك باطل ، لأن الشرط يقف عليه تأثير المؤثر ، فلا يمنع ( تكرار ) (3) الشرط دون العلة ، ( فلا يحصل الحكم ) (4) وإذا كان اللفظ لا يقتضي التكرار ، والشرط
1 ـ في نسخة : وجب.
2 ـ المائدة / 38.
3 ـ في نسخة : تكرر.
4 ـ في نسخة : فلا يحصل العلم الحكم.


(68)
لا يقتضيه ، ( فمجموعهما ) (1) كذلك.
    المسألة التاسعة : الأمر المقيد بالشرط منتف عند انتفاء الشرط خلافا للقاضي.
    لنا : ان قول القائل : اعط زيدا درهما ان اكرمك ، جار مجرى قولنا :
    الشرط في ( اعطائه ) (2) اكرامك ، وفي الثاني ينتفي العطاء عند انتفاء الاكرام فكذلك في مسألتنا.
    وأيضا : فان الشرط : هو ما ( يتوقف ) (3) عليه الحكم ، فلو حصل بدونه لم يكن شرطا.
    ولا حجة للمخالف في قوله تعالى : « ولا تكرهوا فتياتكم على البغاءان أردن تحصنا » (4) لأنه لما ذكر الاكراه شرط ارادة التحصن ليتحقق الاكراه [ فيها ].
    المسألة العاشرة : إذا تكررت الاوامر ، فان اختلف المأمور به ، تعدد كقوله : صل صم. فان تماثلا : فاما أن يصح ( فيهما ) (5) التزايد أو لا يصح ، فان صح : فاما أن يكون الثاني معطوفا أو لا يكون ، فهيهنا ثلاثة أقسام :
    الاول : أن يصح فيه التزايد ولم يكن معطوفا ، فعند القاضي يفيد غير ما أفاده الاول ، الا أن تمنع العادة منه ، أو يكون الثاني معرفا كقولك : اسقني ماءا ... اسقني ماءا ، فانه لا يتكرر عادة ، فكذلك : صل ركعتين. صل الركعتين لأن الظاهر أن الالف واللام للعهد ، فإذا تجرد عن العادة والتعريف تعددا.
    وتوقف أبو الحسين.
1 ـ في نسخة فبمجموعهما.
2 ـ في نسخة : عطائه.
3 ـ في بعض النسخ : يقف.
4 ـ النور / 33.
5 ـ في نسخة : فيها.


(69)
    لنا : [ انه ] لو حمل الثاني على الاول ، لكان الثاني تكرارا أو تأكيدا و كلاهما خلاف الاصل.
    الثاني : أن يكون الثاني معطوفا : فان لم يكن معرفا أفاد غير ما أفاده الاول كقوله : صل ركعتين وصل ركعتين. ( وان ) (1) كان الثاني معرفا كقوله : صل ركعتين وصل الركعتين ، يجب هيهنا التوقف ، لأن اللام للعهد ، والعطف يقتضي المغايرة ، فتعارضا.
    الثالث : أن يكون مما لا يصح فيه التزايد : فان كانا عامين أو خاصين اتحدا سواءا كان بعطف أو بغير عطف ، [ و ] أما ان كان أحدهما عاما والاخر خاصا : فان كان الثاني معطوفا قال القاضي : لايدخل تحت الاول ، مراعاة لحكم العطف والاولى التوقف. وان كان الثاني غير معطوف كقوله : صم كل يوم. صم يوم الجمعة ، فان الثاني تأكيد قطعا ، وقال قوم بالتوقف.
    المسألة الحادية عشر : تعليق الحكم على العدد لا يدل على نفي ما زاد عليه ولا ما نقص عنه ، من حيث اللفظ ، بل باعتبار زائد ، لأن الاعداد مختلفة فلم يجب اتفاقها في الحكم.
    احتج الخصم بوجهين :
    أحدهما : أنه لو لم يدل لم يكن لذكر العدد فائدة.
    الثاني : أن النبي صلى الله عليه وآله لما نزل عليه : « ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم » (2) قال صلى الله عليه وآله لازيدن على السبعين ، فلولم يسبق إلى فهمه بأن ما زاد بخلافه ، لما قال ذلك.
    وجواب الاول : انه يدل ( بطريق دليل ) (3) الخطاب ، وسنبين ضعفه.
1 ـ في نسخة : فان
2 ـ التوبة / 80.
3 ـ في نسخة : بدليل طريق ،


(70)
    وعن الثاني : لا نسلم أنه عقل ( من ) (1) اللفظ ، بل لأن الاصل جواز الغفران ، ونحن لا نأبى العلم بذلك ( بدليل ) (2) آخر كما نعلم حظر ما زاد على الثمانين في القذف بدليل الاصل.
    المسألة الثانية عشر : الحكم المعلق على الاسم لا يدل على [ نفي ] حكم ما عداه ، سواءا كان خبرا كقوله : زيد في الدار ، أو ايجابا كقوله : أكرم زيدا خلافا لأبي بكر الدقاق.
    لنا : لو صح ذلك لما صح الاخبار عن ( الانسان ) (3) بشيء الا بعد العلم بانتفائه عما عداه ، وهو باطل.
    وأيضا : فكان يلزم أن يكفر الانسان بقوله : موسى رسول الله ، لأنه يتضمن نفي الرسالة عن غيره.
    احتج : بأن تعليق الحكم على الاسم يقتضي فائدة ، ولا فائدة الا اختصاصه بالحكم.
    وجوابه : منع المقدمة الاخيرة.
    المسألة الثالثة عشر : تعليق الحكم على الصفة لا يدل على نفيه عما عداها نظرا إلى اللفظ ، ولا يمنع أن ( يستدل ) (4) على ذلك : بالاصل ، أو بدليل آخر خلافا لمعظم أصحاب الشافعي ، وأبي عبد الله البصري.
    لنا : لو دل لدل اما بلفظه ، أو بفحواه ومعناه ، والقسمان باطلان ، أما الملازمة فظاهرة ، وأما بطلان دلالته بلفظه : فانه ليس في اللفظ ذكر ما عدا الصفة
1 ـ في نسخة : عن ،
2 ـ في نسخة : من دليل.
3 ـ في نسخة : انسان.
4 ـ في نسخة : نستدل.


(71)
وأما الفحوى : فلا تدل الا بطريق التعليق واللزوم ، ولا لزوم بين تعلق الحكم عند صفة وانتفائه عند أخرى ( فانه ) (1) قد ورد معلقا على الصفة وانتفى عن غيرها كقوله : « في سائمة الغنم زكاة » ، وورد لامع انتفائه كقوله : « ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق » (2) فيجعل حقيقة للقدر المشترك بينهما ، وهو ثبوته عند الصفة حسب ، صونا للكلام عن الاشتراك والمجاز.
    احتج الخصم : بأنه لوثبت الحكم مع انتفاء الصفة لكان تعليقه على الصفة عريا عن الفائدة ، ويجري مجرى قولك : الانسان الاشقر لا يعلم الغيوب ، و : الاسمر إذا نام لا يبصر.
    وجواب الاول : منع الملازمة ، وهذا لأن هيهنا فوائد غير ما ذكروه :
    منها : اعلام السامع أن الحكم متناول للصفة ، لئلايتوهم خروجها [ عنه ] كقوله مثلا : « ولا تقتلوا أولادكم .. » الخ ، لأنه لولا اعتبار الخشية لامكن أن يتوهم أن القتل جائز معها ، فذكر ذلك ليعلم ثبوت التحريم عندها أيضا.
    ومنها : أن تكون المصلحة تقتضي اعلام حكم الصفة بالنص ، وما عداها بالنظر والفحص.
    وأما ( التمثيل بالاشقر والاسمر فلا نسلم أن الاستقباح جاء من حيث ) ذكرهما (3) بل من حيث هو بيان للواضحات.
    وأيضا : فما ذكروه معارض بقولنا : تجوز التضحية بالشاة العوراء فانه
1 ـ في نسخة كتبت كلمة ( الثاني ) بدل ( فانه ).
2 ـ الاسراء / 31.
3 ـ في بعض النسخ : ذكروا.


(72)
لا يدل على نفي ( الصحة ) (1) عن الصحيحة.

في المأمور به ، وفيه مسائل :
    [ المسألة ] الاولى : الأمر بالاشياء على طريق التخيير يفيد وجوب الكل على البدل ، وقال قوم : الواجب واحد لا بعينه ، وقال آخرون : الواجب واحد ، وهو يتعين باختيار المكلف.
    ومعنى كون الكل واجبا : أنه لا يجوز الاخلال بجميعها ، ولا يجب الجمع بين اثنين منها ، فان كان الخصم يسلم ذلك ، فهو وفاق ، وان أنكره حصل الخلاف.
    لنا : لو كان الواجب معينا لما خير المكلف ، والا لكان تخييرا بين الواجب وغيره.
    لا يقال : يتعين باختيار المكلف.
    لأنا نقول : الوجوب حاصل قبل الاختيار ، فالموصوف به قبل الاختيار اما الكل على البدل ، وهو مذهبنا ، أو البعض ، وذلك ينافي التخيير. وليست المسألة كثيرة الفائدة.
    المسألة الثانية : الأمر يقتضي الاجزاء [ و ] نعني بذلك : سقوط التعبد عند الاتيان بالمأمور [ به ] وقال القاضي : ان معنى وصف العبادة بكونها مجزية : هو أنه لا يجب قضاؤها.
    وهذا باطل ، لأن كثيرا من العبادات لا تقضى وان لم تكن مجزيه كصلاة الجمعة ، والعيدين إذا اختل بعض شرائط صحتها. ولأن القضاء يمكن تعليله
1 ـ في بعض النسخ : الاجزاء.

(73)
بأن العبادة غير مجزية ، والعلة غير المعلول.
    وانما قلنا ان الأمر يقتضى الاجزاء بهذا التفسير ، لأن وجوب المأمور به يدل على اختصاصه بالمصلحة ، فلو لم يكن الاتيان [ به ] على ذلك الوجه ( كافلا ) (1) ( بتحصيل ) (2) المصلحة المطلوبة ، لما حصل الأمر [ به ].
    لا يقال : الحجة التي حصل الوطء فيها يجب اتمامها ولا تجزي.
    لأنا نقول : تجزى في البراءة من عهدة الأمر المتناول للمضي فيها ، ولا تجزي في سقوط القضاء.
    المسألة الثالثة : الأمر بالشيء ليس بنهي عن ضده نطقا. وخالف في ذلك قوم.
    لنا : أن أهل اللغة فرقوا بين صيغتي الأمر والنهي ، والفرق دليل على قطع الشركة.
    حجة المخالف : ان الأمر بالشيء مريد له ، وارادته للشيء كراهية ضده.
    وجوابه : منع الثانية.
    وأما من جهة المعنى : فالامر بالشيء على وجه الوجوب يدل على كراهية تركه وضده ( إذا ) (3) كان له ضد واحد ، لأن الواجب تركه قبيح الا أن هذا ليس من دلالة اللفظ في شيء.
    المسألة الرابعة : ما لا يتم الواجب الا به : ان لم يتمكن المكلف من تحصيله لم يكن واجبا ، وان تمكن : فان توقف عليه الوجوب لم يجب ، وان توقف عليه الواجب لزم وذلك كنصب السلم لصعود السطح.
1 ـ في نسخة كافيا.
2 ـ في نسخة : لتحصيل.
3 ـ في نسخة : وان.


(74)
    لنا : ان الأمر مطلق ، والشرط مقدور ، فيجب ، والا لكان التكليف من دونه تكليفا ( بما ) (1) لا يطاق.

في مباحث الأمر المؤقت ، وفيه مسألتان :
    المسألة الاولى : الفعل : اما أن يزيد على الوقت ، ولا يجوز التعبد بايقاعه فيه ، أو يكون مساويا [ له ] كصوم يوم معين ، وهو جائز اجماعا ، أو يقصر عن الوقت كقوله تعالى : « أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل » (2) والاكثرون على جوازه. ومنع بعض الحنفية ذلك ، وقال بعضهم : الوجوب مختص بأول الوقت ، وقال آخرون : بآخره ، وقال ( ابو الحسين ) (3) هو مراعى.
    لنا : ان الوجوب معلق على الوقت ، فيجب أن يكون في كله ، والا لكان في بعضه ، وهو ترجيح من غير مرجح ، أو لا في شيء منه وهو باطل بالاجماع.
    حجة المخالف : لو وجب في أول الوقت لقبح تركه فيه.
    وجوابه : انا نقول : يترك إلى بدل ، وهو العزم عند قوم ، وعند آخرين : هو فعله بعد ذلك ، فلا يلزم قبح ( تركه ) (4) ، كخصال الكفارة.
    المسألة الثانية : إذا لم يفعل الموسع في أول الوقت ، لا يجب العزم ، و قال الشيخ « ره » : يجب العزم.
    لنا : لو وجب العزم ، لسقط التكليف بالفعل في الثاني ، لأنه ان قام العزم
1 ـ في بعض النسخ : لما.
2 ـ الاسراء / 78.
3 ـ في بعض النسخ : أبو الحسن.
4 ـ في نسخة : لتركه.


(75)
مقامه ، كفى في الاتيان بمقتضى الأمر ، فلو وجب في الثاني بذلك الأمر ، لزم أن يكون الأمر للتكرار ، وقد أبطلناه.
فرعان :
    الاول : الأمر الموقت بزمان معين ، لا يقتضى فعله فيما بعده إذا عصى المكلف بتركه ، لأن الأمر لا يدل على ما عدا ذلك الوقت ، لا بمنطوقه ، ولا بمعناه.
    الفرع الثاني : الأمر المطلق اذالم يفعله المكلف في أول وقت الامكان هل يجب الاتيان به في الثاني ؟
    قال من نفى الفور : نعم. واختلف القائلون بالفور على قولين.
    احتج مسقطوه : بأن قوله : افعل ، يجري مجرى قوله : افعل في الان الثاني من الأمر ، ولو صرح بذلك ، لما وجب الاتيان به فيما بعد ، لما سلف.
    احتج الموجب : بأن الأمر يقتضي كون المأمور فاعلا على الاطلاق ، و ذلك يوجب استمرار الامر.

في المباحث المتعلقة بالمأمور ، وفيه مسألتان :
    [ المسألة ] الاولى : إذا تناول الأمر جماعة. فاما على سبيل الجمع ويسمى فرض [ عين ، كقوله : « أقيموا الصلاة » (1) ، أو لا على سبيل الجمع ويسمى ] [ فرض ] كفاية ، والفرض فيه موقوف على العلم ، أو غلبة الظن. فان [ علم أو ] ظن قوم أن غيرهم يقوم به سقط عنهم ، وان علموا [ أو ] ظنوا ان غيرهم لا يقوم به وجب عليهم.
1 ـ البقرة / 43.
معارج الاصول ::: فهرس