معارج الاصول ::: 121 ـ 135
(121)
دال على الاباحة ، ( أو امتثالا لخطاب دال عليها ) (1).
    المسألة الثانية : التعارض بين فعليه بالنظر اليهما غير ممكن ، لانهما لا يقعان الا في زمانين ، بل [ قد ] يقترن بالفعل ما يدل على عمومه في الاشخاص ، و شموله ( للاوقات ) (2) فيصح تطرق التعارض ، وفي التحقيق : التعارض راجع إلى تلك القرينة.
    وأما التعارض بين قوله وفعله ـ عليه السلام ـ فممكن ، فعلى هذا ، إذا تعارض قوله وفعله ، ولم يعلم تقدم أحدهما على الآخر ، وجب التوقف ، الا لدلالة غيرهما سواءا كان التعارض من كل وجه أو من بعض ، وقال جماعة : يجب المصير إلى القول.
    واحتجوا : بأن القول يدل بنفسه ، والفعل ( يفتقر ) (3) في الدلالة إلى القول فكان القول أولى. وبأن الفعل يحتمل الاختصاص به عليه السلام ، وليس كذلك القول.
    وجواب الاول ، أن الكلام ليس في الفعل المطلق ، بل في الفعل الذي قام الدليل على وجوب متابعته عليه السلام فيه ، فصار كالقول ، وهذا هو الجواب عن الثاني.
فائدة
اختلف الناس في النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ هل كان متعبدا بشرع من قبله أم لا ؟ و هذا الخلاف عديم الفائدة ، لأنا لا نشك أن جميع ما أتى به لم يكن نقلا عن الانبياء ، عليهم السلام بل عن الله تعالى بواسطة الملك ، ونجمع على أنه صلى الله عليه وآله أفضل الانبياء ، وإذا أجمعنا على ثمرة المسألة ، فالدخول بعد ذلك فيها كلفة.
1 ـ في نسخة : أو امتثال دال عليها
2 ـ في نسخة : الاوقات
3 ـ في نسخة : مفتقر


(122)

(123)


(124)

(125)
    وفيه مسائل :
    المسألة الاولى : الاجماع ـ وان كان في وضع اللغة مشتركا بين الاتفاق و ( الازماع ) ـ (1) فهو في الاصطلاح : اتفاق من يعتبر قوله في الفتاوى الشرعية على أمر من الأمور الدينية ، قولا كان أو فعلا ، وهو ممكن الوقوع.
    وفى الناس من أحاله ، كما يستحيل اجماع أهل الاقليم الواحد على الاشتراك في ملبس واحد ومأكل واحد ، وهذا باطل ، لما يعلم من الاتفاق على كثير من مسائل الفقه ضرورة. ثم الفرق : أن التساوي في المأكل والمشرب مما يتساوى فيه الاحتمال ، وليس كذلك المسائل الدينية ، لانها يصار إليها عند الأدلة ، فجاز الاتفاق عليها.
    ومن الناس من أحال العلم به الا في زمن الصحابة ، نظرا إلى كثرة المسلمين وانتشارهم ، وكون ذلك لا يعلم الا بالمشافهة لهم أو التواتر عنهم ، وهما متعذران فيمن بلغ هذا الحد.
    لا يقال : نحن نعلم اتفاق المسلمين على كثير من المسائل ، كنبوة محمد
1 ـ في نسخة : الاعزام

(126)
صلى الله عليه وآله ، والصلوات الخمس ، ونعلم غلبة كثير من المذاهب على بعض البلاد.
    لأنا نجيب عن الاول : بأنه لا معنى للمسلم الا من قال بهذه الاشياء فكأن القائل : أجمع المسلمون على النبوة ، يقول : أجمع من قال بالنبوة على النبوة.
    وأما غلبة بعض المذاهب ، فلا نسلم أنا نعلم ذلك في أهل البلد كافة ، ولئن سلمنا أن الأكثر منهم قائل به ، لكن هذا مما لا يجدي في باب الاجماع.
    المسألة الثانية : عندنا أن زمان التكليف لا يخلو من امام معصوم حافظ للشرع يجب الرجوع إلى قوله فيه. إذا تقرر هذا فمتى ( اجمعت ) (1) الامة على قول ، كان ذلك الاجماع حجة ، ولو فرضنا خلو الزمان من ذلك الامام لم يكن الاجماع حجة.
وههنا بحثان :
    الاول : مع وجوده عليه السلام الاجماع حجة للامن على قوله من الخطأ ، و القطع على دخوله في جملة المجمعين ، وعلى هذا ، فالاجماع كاشف عن قول الامام ، لا أن الاجماع حجة في نفسه من حيث هو اجماع.
    البحث الثاني : لو خلا الاجماع ( عن ) (2) المعصوم ـ عليه السلام ـ لم يكن حجة خلافا لساير الطوائف ، ما عدا الخوارج ، والنظام.
    لنا : لو كان حجة لعلم ذلك اما بالعقل أو بالنقل ، والقسمان باطلان ، بما يبطل به معتمد المخالف ، وهم طائفتان : طائفة تتمسك بالمعقول ، واخرى بالمنقول.
1 ـ في بعض النسخ : اجتمعت
2 ـ في بعض النسخ ( من )


(127)
    أما المعقول : فقالوا لو لم يكن الاجماع ( حجة ) (1) ، لاستحال اجماعهم عليه ، كما يستحيل تواطؤهم على التلفظ بالعبارة الواحدة ، والتحلّى بالزي الواحد.
    الثاني : أن اجماع الخلق العظيم على الحكم يستدعي دلالة أو امارة ، و كلاهما حجة.
    وجواب الاول : منع الملازمة ، وابداء الفارق بأن صورة الوفاق مما يتساوى فيه الاحتمال وتختلف فيه الدواعي ، وليس كذلك الاجماع على الحكم ، لأنه قد يحصل ( عن ) (2) شبهة [ ثم ] تعم تلك الشبهة.
    وجواب الثاني : منع الحصر ، لجواز أن يجمعوا لشبهة.
    ثم ان الوجهين منقوضان باجماع اليهود والنصارى ، وغيرهم من الفرق الموفين على عدد المسلمين ، فانهم أجمعوا على كثير من الاباطيل.
    وأما المتمسكون بالمنقول ، فاستدلوا بوجوه :
    الاول : قوله تعالى : « ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين ... الآية » (3) ، فلو لم يكن كل واحد منهما محظورا لقبح الجمع بينهما ، كما يقبح « من شاق الرسول وشرب ماءا ، عاقبته » ومع ثبوت ذلك يكون اتباع غير سبيل المؤمنين محظورا ، فيكون اتباع سبيلهم واجبا.
    الثاني : قوله تعالى : « وكذلك جعلناكم امة وسطا » (4) ، والوسط : العدل
1 ـ في بعض النسخ : حقا
2 ـ في نسخة : عند
3 ـ النساء / 115
4 ـ البقرة / 143


(128)
والخيار ، بالنقل عن أئمة اللغة وأهل التفسير ، والموصوف بالعدالة مجانب ( لمواقعة ) (1) الخطيئة ، وذلك ينافي الاجماع عليها.
    الثالث : قوله تعالى : « كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعرف وتنهون عن المنكر » (2) أخبر أنهم ينهون عن المنكر ، وهو يعم كل منكر ، بما عرف في باب العموم ، وهو ينافي الاجماع عليه.
    الرابع : قوله صلى الله عليه وآله : « أمتي لا تجتمع على الخطأ » (3) ، وصحة نقل الحديث مشهورة ، ولو دفع بعينه لكان معناه منقولا بالتواتر لوجود هذا المعنى في أخبار لا تحصى كثرة.
    وجواب الاول : ( بمنع ) (4) عموم السبيل ، فلعله أراد في ترك ( المشاقة ) (5) ( الخاصة ) (6). ولو سلمنا عمومه ، لزم [ ترك ] اتباع اجماعهم ، لأنهم ان أجمعوا من غير دلالة ، لم يجز الاتباع ، وان كان لدلالة ، لم يجز العمل بما أجمعوا عليه الا بعد الظفر بتلك الدلالة ، لأنه قد كان من شأنهم لولا الدلالة لما عملوا به ، و لو سلمنا ذلك ، لم يكن فيه منافاة لمذهبنا ، لأن الواقع وجود الامام المعصوم عليه السلام ، وهو أحد المؤمنين ، ( واتباع ) (7) غير سبيله غير جائز ، ونحن نتكلم على تقدير عدمه.
1 ـ في نسخة : لموافقة
2 ـ آل عمران / 110
3 ـ في بعض النسخ : على خطأ
4 ـ في بعض النسخ : نمنع
5 ـ في نسخة : المشاققة
6 ـ في نسخة : خاصة
7 ـ في نسخة : فاتباع


(129)
    وجواب الثاني : منع عموم العدالة في الاشياء كلها ، فلعلهم عدول في الشهادة على الناس خاصة. ثم ان أراد بذلك امة النبي صلى الله عليه وآله لم يتحقق الاجماع الا بعد اتفاق كل من كان ويكون من الامة ، وان أراد البعض ـ وليس في الآية اشعار به ـ دخل في حيز المجمل ، فلعله أراد من ثبتت عصمته من الائمة عليهم السلام.
    وجواب الثالث : ان ( المنكر ) اسم مفرد معرف باللام ، وقد بينا أنه لا يقتضي العموم ، وإذا كان كذلك ، جاز أن يراد به النهي عن الكفر ، ومع قيام ( الاحتمال ) (1) يبطل التعلق بالآية.
    لا يقال : هذا حاصل في سائر الامم ، فلا يكون فيه مزية ، وظاهر الآية اثبات المزية.
    لأنا نقول : المزية حاصلة ، وهي مبالغتهم في النهي عن الكفر ، كما [ لو ] صرح بهذا المعنى لم تبطل المزية.
    وجواب الحديث : منع أصله ، ولو سلمنا تواتره ، لقلنا بموجبة من حيث أن أمته ـ عليه السلام ـ لا تخلو ( عن ) (2) المعصوم ، فيكون قولها حجة لدخول قوله في الجملة.
فرعان :
    الاول : جاحد ( الحكم ) (3) المجمع عليه كافر ، لأنه يجحد ما يعلم ( حقيقة ) (4) من الشرع.
1 ـ في بعض النسخ : الاجمال
2 ـ في نسخة : من
3 ـ في نسخة : الحديث
4 ـ في نسخة : حقيته وفي أخرى : حقيقته


(130)
    الفرع الثاني : الاجماع لا يصدر عن مستند ظني ، لأن معتمد المعصوم عليه السلام الدليل القطعي ، لا الحجة الظنية. نعم يجوز أن تكون أقوال باقى الامامية مستندة إلى الظن ، كخبر الواحد منضما إلى قوله الصادر عن الدلالة.
    المسألة الثالثة : لا يجوز أن ينعقد اجماع على مسألة ، ثم ينعقد بعده اجماع على خلافها ، والا لكان قول المعصوم خطأ.
    لا يقال : ربما كان قوله الاول تقية.
    لأنا نقول : الاجماع لا يتقرر ما لم يعلم الاتفاق قصدا.
    المسألة الرابعة : كل ما انعقد الاجماع عليه فهو حق ، سواءا كان من العقائد الدينية ، أو الفروع الشرعية ، أو غير ذلك ، لكن كل ما يتوقف العلم بوجوب وجود الامام المعصوم عليه السلام عليه ، لم يصح الاستدلال عليه بالاجماع ، والا لدار ، وكل ما لا يكون كذلك ، جاز الاستدلال عليه بالاجماع.

في المجمعين ، وفيه مسائل :
    المسألة الاولى : قال القاضي أبو بكر : يعتبر في الاجماع عوام الامة ، نظرا إلى لفظ الخبر. وقال الأكثرون : المعتبر بقول العلماء وأهل الاجتهاد خاصة. وقال أهل الظاهر : المعتبر باجماع الصحابة خاصة. والذي يجيء على مذهبنا اعتبار من يعلم دخول المعصوم فيهم. فعلى هذا ، ولو أجمع العلماء أو الفقهاء أو أهل البيت لكفى ذلك في كونه حجة ، لما قررناه.


(131)
فائدة
    اعتبر قوم بلوغ المجمعين حد التواتر.
    وعلى ما اخترناه ، المعتبر من يعلم دخول المعصوم في جملتهم.
    المسألة الثانية : اجماع أهل كل عصر حجة خلافا لاهل الظاهر.
    لنا : أن زمان التكليف لا يخلو من امام معصوم ، ومتى كان كذلك فلابد من دخوله في المجمعين ، ومع دخوله يكون الاجماع حجة.
    ولغيرنا : الظواهر الدالة على كون الاجماع حجة من غير تقييد.
    المسألة الثالثة : إذا اتفقت الامة على قولين ، فان كان الثالث مما يلزم منه الخروج ( عن ) (1) الاجماع كان باطلا بالاتفاق ، وان لم يكن كذلك لم يجز احداث الثالث عند قوم ، لأن الثالث ان كان باطلا لم يجز العمل به ، وان كان حقا لزم خلو الامة عنه ، وهو باطل.
    وعلى ما أصلنا [ ه ] فالامام في احدى الطائفتين فتكون محقة والخارج عن الحق باطل.
    المسألة الرابعة : إذا لم تفصل الامة بين مسألتين : فان نصت على المنع من الفصل فلا كلام ، وان عدم النص :
    فان كان بين المسألتين علقة ، بحيث يلزم من العمل بأحدهما العمل بالاخرى ، لم يجز الفصل ، كما في زوج وأبوين ، وزوجة وأبوين ، فمن قال للام ثلث أصل التركة ، قال في الموضعين ، ومن قال ثلث الباقي. قال في الموضعين ، الا ابن سيرين.
    وان لم يكن بينهما علقة ، قال قوم : ( يجوز ) (2) الفصل بينهما.
1 ـ في نسخة : على.
2 ـ في نسخة : بجواز.


(132)
    وعلى ما ذهبنا إليه ، لم يجز ، لأن الامام عليه السلام مع احدى الطائفتين قطعا ، ويلزم من ذلك وجوب متابعته في ( الجميع ) (1).
    المسألة الخامسة : لا يجوز انقسام المجمعين إلى فرقتين تجمع كل واحدة منهما بين حق وباطل ، لأن الامام مع احداهما ، وهو يمنع من ( اتفاقها ) (2) على الخطأ.

في كيفية العلم بالاجماع ، وفيه مسائل :
    المسألة الاولى : قد عرفت أن الاجماع انما كان حجة لدخول الامام عليه السلام فيه ، فالمعتبر حينئذ ( قوله ) (3) فعلى هذا ، يعلم قول المعصوم عليه السلام بعينه بأمرين :
    أحدهما : السماع منه مع المعرفة [ به ].
    [ و ] الثاني النقل المتواتر.
    فان فقد الامران ، وأجمعت الامامية على أمر من الأمور على وجه يعلم أنه لاعالم من الامامية الا وهو قائل به ، فانه يعلم دخول المعصوم عليه السلام فيه ، لقيام الدليل القاطع على حقية مذهبهم ، والا من على المعصوم من ارتكاب الباطل.
    إذا تقرر هذا ، فان علم أن لا مخالف ثبت الاجماع قطعا ، وان علم المخالف وتعين باسمه ونسبه كان الحق في خلافه ، وان جهل نسبه ، قدح ذلك في
1 ـ في نسخة : الجمع.
2 ـ في نسخة : اتفاقهما :
3 ـ في نسخة : دخوله.


(133)
الاجماع ، لجواز أن يكون هذا المعصوم عليه السلام وان لم يعلم مخالف وجوزنا وجوده لم يكن ذلك اجماعا ، لامكان وقوع الجائز ، وكون ذلك هو الامام عليه السلام.
    المسألة الثانية : إذا اختلفت الامامية على قولين : فان كانت احدى الطائفتين معلومة النسب ، ولم يكن الامام أحدهم ، كان الحق في الطائفة الأخرى ، وان لم تكن معلومة النسب : فان كان مع احدى الطائفتين دلالة قطعية توجب العلم وجب العمل على قولها ، لأن الامام معها قطعا وان لم يكن مع احداهما دليل قاطع : قال الشيخ « ره » : تخيرنا في العمل بأيهما شئنا ، وقال بعض أصحابنا : طرحنا القولين ، والتمسنا دليلا من غيرهما ، وضعف الشيخ « ره » هذا القول بأنه يلزم منه اطراح قول الامام.
    قلت : وبمثل هذا يبطل ما ذكره « ره » ، لأن الامامية إذا اختلفت على قولين ، فكل طائفة توجب العمل بقولها ، وتمنع من العمل بالقول الآخر ، فلو تخيرنا لاستبحنا ما حظره المعصوم عليه السلام.
تفريع
    إذا ( اختلفت ) (1) الامامية على قولين ، فهل يجوز اتفاقها بعد ذلك على أحد القولين ؟ قال الشيخ « ره » : ان قلنا بالتخيير لم يصح اتفاقهم بعد الخلاف لأن ذلك يدل على أن القول الآخر باطل ، وقد قلنا أنهم مخيرون.
    ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون التخيير مشروطا بعدم الاتفاق فيما بعد ؟ وعلى هذا الاحتمال ، يصح الاجماع بعد الاختلاف.
    المسألة الثالثة : الاجماع يقع على ضروب :
1 ـ في نسخة : اختلف.

(134)
    منها : أن يجمع أهل الاجماع على المسألة بالقول الصريح.
    الثاني : أن يجمعوا عليها فعلا.
    الثالث : أن يقول بعض ، ويقرره الباقون.
    ولابد في هذه الوجوه من ارتفاع التقية.
    الرابع : أن يعلم رضاهم بالمسألة.
    لا يقال : كيف يعلم اتفاق الامامية كلهم على ذلك ، مع كثرتهم وانتشارهم في البلاد.
    لأنا نقول : كما يعلم اتفاق المسلمين على كثير من المسائل ، كايجاب غسلة واحدة في الوضوء ، ( وأنه ) (1) لا قائل بوجوب الثانية والثالثة ، وكما يعلم أنه إذا اجتمع أخ وجد ، فانه لا قائل بأن الاخ يحوز المال دون الجد ، وغير ذلك من المسائل.
1 ـ في نسخة : وأن.

(135)
معارج الاصول ::: فهرس