|
|||
(136)
(137)
فنقول :
الخبر : كلام يفيد بنفسه نسبة أمر الى أمر نفيا أو اثباتا. ومن الناس من قال : الخبر : ما يحتمل الصدق والكذب ، وهو تعريف بما لايعرف [ الا ] به. والصدق : هو الاخبار عن الشيء ، على ما هو به. والكذب : هو الاخبار عن الشيء لاعلى ما هو به. ولا يفتقر إلى كون المخبر معتقدا بكونه كذبا ، واعتبره الجاحظ ، و الخلاف لفظي. ولابد من كون المخبر مريدا حتى تكون الصيغة مستعملة في فائدتها ، لأن الصيغة قد توجد غير خبر. إذا عرفت هذا ، فالخبر : اما أن يقطع بصدقه أو كذبه ، أو يكون محتملا لكل واحد من الامرين وما علم صدقه ينقسم الى : ما علم صدقه بمجرد الاخبار والى ما علم صدقه بامر مضاف إلى الاخبار ، كضرروة العقل أو استدلاله ، و يدخل في ذلك جميع ماعد من الاقسام الدالة على صدق الخبر ، كاخبار الله تعالى ورسوله والمعصوم عليه السلام ، وما ( اجمعت ) (1) عليه الامة ، وما ذكر بحضرة 1 ـ في نسخة اجمتعت. (138)
الرسول صلى الله عليه وآله بمسمع منه ولم يكن غافلا عنه فلم ينكره ، لأن كل ذلك علم صحته بالدليل.
وما علم صدقه بمجرد الاخبار فهو المتواتر ، وسنفرد له فصلا ، ان شاء الله تعالى. وما علم كذبه فلا يكون الا بأمر مضاف إلى الخبر ، وهو خمسة أشياء : الاول : ما خالف ضرورة العقل. الثاني : ما أحالته العوائد. الثالث : ما خالف دليل العقل. الرابع : ما خالف النص القاطع من الكتاب والسنة المتواترة. الخامس : ما خالف الاجماع. في المتواتر من الاخبار ، وفيه مسائل :
المسألة الاولى : الخبر المتواتر مفيد للعلم ، وانكره السمنية.
لنا : أن الواحد منا يجد نفسه جازمة بالبلدان والوقائع ـ وان لم يشاهدها ـ عند الاخبار عنها ، كجزمنا بما نشاهده ، جزما خاليا عن التردد ، وما تورده السمنية من الشبهة ، فهو تشكيك في الضروريات ، فلا يستحق الجواب. وأما كيفية حصول هذا العلم : فذهب أبو هاشم وأتباعه وجماعة من الفقهاء إلى كونه ضروريا ، وقال المفيد من أصحابنا : هو كسبي. وتوقف الشيخ « ره » والمرتضى في الاخبار عن البلدان والوقائع ، وقطعا على أن الاخبار الشرعية المتضمنة معجزات الانبياء والائمة وغير ذلك من المذاهب المتواترة ، كسبي (139)
يفتقر إلى ضرب من الاستدلال.
الظاهر أنه ضروري ، لأنه يجزم بهذه الأمور من لا يحسن الاستدلال [ و لا يعرفه ، ولا أمنع أن يفتقر بعض الاخبار المتواترة إلى ضرب من الاستدلال ] وليس هذا موضع الكشف عن غامض هذه المسألة. المسألة الثانية : شرائط افادة الخبر المتواتر العلم أربعة : الاول : أن يخبروا عما علموه ) ، لا ما ظنوه. الثاني : أن يكون ذلك المعلوم محسوسا. الثالث : أن يبلغوا حدا لا يجوز عليهم التواطؤ والمراسلة. الرابع : أن يستوي الطرفان والوسط في هذه الشرائط ، لأنا نعلم أنه متى اختلفت هذه الشرائط أو أحدها لا يحصل العلم بمجرد الاخبار. المسألة الثالثة : ليس للتواتر عدد محصور ، وحده قوم بسبعين ، وآخرون بأربعين ، وقوم بعدة أهل بدر ، والكل تحكم لا معنى له. لنا : أنا نحكم بوجود البلاد والوقائع عند الاخبار من غير تنبه للعدد ، فلو كان العدد شرطا ، لتوقف العلم على حصوله ، ولعل الهمه لو صرفت إلى دركه لامكن ذلك بعد صعوبة. وتحقيقه : أنا إذا سمعنا بخبر عن واحد فقد أفادنا ظنا ، ثم كلما تكرر الاخبار بذلك قوي الظن ، حتى يصير الاعتقاد علما ، فعند ذلك ان ضبط العدد كان ذلك هو المعتبر ، لأن الاخبار هو المقتضى للعلم ، والسبب لا يختلف بحسب محاله إذا كان تاما. المسألة الرابعة : شرط قوم شروطا ليست معتبرة ، وهي أربعة : الاول : أن لا يجمعهم مذهب واحد [ ولا نسب واحد ]. الثاني أن يكون عددهم غير محصور. (140)
الثالث : أن لا يكونوا مكرهين على الاخبار.
الرابع : العدالة. والكل فاسد ، لأنا نجد النفس جازمة ( بمجرد ) (1) الاخبار المتواترة من دون هذه الأمور ، فلم تكن معتبرة. المسألة الخامسة : حكى بعض الاشعرية والمعتزلة : ان الامامية تعتبر قول المعصوم عليه السلام في التواتر ، وهو فرية عليهم ، أو ( غلط ) (2) في حقهم ، وانما يعتبرون ذلك في الاجماع. المسألة السادسة : ( التواتر ) (3) بالمعنى مفيد للعلم ككرم حاتم وشجاعة علي عليه السلام ، وان كانت مفردات أخبارهما آحادا. فيما لا يقطع بصدقه ولا كذبه ، وفيه مسائل :
المسألة الاولى : حكي عن أهل الظاهر أن خبر الواحد يفيد العلم ، وعن قوم أنه يوجب العلم الظاهر ، وهذا باطل ضرورة ، ولأنه لو أوجبه الخبر لكونه خبرا ، لاوجبه كل خبر ، ومن جملتها اخبارنا لهم أن خبر الواحد لا يوجب العلم.
وحكي عن النظام : ان خبر الواحد إذا اقترنت به قرائن أفاد العلم ، كما إذا سمعت الواعية في دار انسان ، ونشرت نساؤه شعورهن وسودت أبوابه ، و استغاث غلمانه ، وأخبر بموته ، فعند ذلك يحصل العلم بصدق المخبر ، وهو 1 ـ في بعض النسخ : بمخبر. 2 ـ في نسخة : خلط. 3 ـ في نسخة : المتواتر. (141)
باطل ، لأنه قد ينكشف بطلان الخبر في كثير من ذلك ، نعم ، [ قد ] يفيد الظن القوي ، ولا أحيل في بعض الاخبار انضمام قرائن قوية كثيرة تبلغ إلى حد يفيد معها العلم.
المسألة الثانية : يجوز التعبد بخبر الواحد عقلا ، خلافا لابن قبه من أصحابنا وجماعة من علماء الكلام. لنا : أن التعبد به يجوز اشتماله على مصلحة ، فيجب الحكم بجواز التعبد به ، أما الاولى : فلان المانع من اشتماله على المصلحة هو ما يذكره الخصم ونحن نبطله ، وأما انه إذا كان كذلك ، وجب الحكم بجواز التعبد به ، فلان الشرائع ( مقترنة ) (1) بالمصالح ، والحكمة الالهية موكولة برعايتها ، فيجب في الحكمة مهافتة (2) الشارع على نصبها. احتج الخصم بوجهين : أحدهما : ان خبر الواحد لا يوجب العلم ، فيجب أن لا يعمل به ، والاولى ظاهرة ، ولأنا لانتكلم الا فيما هذا شأنه من الاخبار ، وأما الثانية فلانه عمل بما لا يؤمن كونه مفسدة ، وأيضا قوله تعالى : « وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون » (3) الوجه الثاني : ثبت أنه لا يقبل خبر النبي (ص) الا بعد قيام المعجزة على صدقه ، ففي من عداه أولى. وجواب الاول : ان الامان من كونه مفسدة حاصل عند قيام الدلالة على العمل به. وجواب الثاني : التزام التسوية ، ( فلانا ) (4) لا نعمل بخبره ما لم تقم الدلالة 1 ـ وفي نسخة : معذوقه ، أي موسومه. 2 ـ كذا في النسخ 3 ـ البقرة / 169. 4 ـ في نسخة : فانا. (142)
على العمل به.
ثم الوجهان منقوضان بالعمل بشهادة الشاهدين ، واستقبال القبلة عند غلبة الظن وعدم العلم بجهتها ، وغير ذلك من الظنون الواردة في الشرع. المسألة الثالثة : إذا ثبت [ جواز ] التعبد بخبر الواحد ، فهل هو واقع أم لا ؟ منعه المرتضى « ره » ، وقال أكثر المعتزلة والفقهاء من العامة بوقوعه ، و اعتبر أبو علي في الخبر رواية عدلين حتى يتصل بالنبي صلى الله عليه وآله ، واكتفى الباقون برواية الواحد العدل ، وعمل به الطوسي « ره » إذا كان الراوي من الطائفة المحقة وكان عدلا. احتج المرتضى « ره » : بأنه لو وجب العمل به لعلم اما بالعقل أو ( بالنقل ) (1) والقسمان باطلان. أما الملازمة : فلانه لو كان التكليف به واردا لكان للمكلف إليه طريق ، لأن تكليف ما لا طريق ( إلى العلم ) (2) به قبيح عقلا. وأما انحصار الطريق في العقل والنقل فظاهر ، وأما انتفاء اللازم فبما سنبطل به معتمد المخالف ، وهم طائفتان : طائفة تتمسك بالعقل كابن سريج و أتباعه ، و ( أخرى ) (3) بالنقل وهم الأكثر كالقاضي وأبي عبد الله ومن تبعهما ، ومنهم من يجمع في الدلالة بين العقل والنقل كالقفال وأبي الحسين. احتج ابن سريج بأن العمل بخبر الواحد دافع للضرر ، وكلما كان كذلك كان واجبا ، أما أنه دافع للضرر فلان المخبر عن الرسول إذا كان ثقة يغلب على الظن صدق قوله ، ومخالفته مظنة للضرر ، وأما أن دفع الضرر واجب 1 ـ في نسخة : النقل. 2 ـ في نسخة : للعلم. 3 ـ في نسخة : الاخرى. (143)
فضروري.
والجواب : لا نسلم أن مخالفة الخبر مظنة للضرر ، وهذا لأن علمنا بوجوب نصب الدلالة من الشارع على ما يتوجه التكليف به ، يؤمننا الضرر عند ظن صدق المخبر ، ثم ما ذكروه منقوض برواية الفاسق لا بل برواية الكافر ، فان الظن يحصل عند خبره ، لا يقال : لولا الاجماع لقلنا به ، لأنا نقول : حيث منع الاجماع من اطراد هذه الحجة ، دل على بطلانها ، لأن الدليل العقلي لا يختلف بحسب مظانه. ثم ان الحجة مقلوبة عليهم ، لأنه لو وجب العمل بخبر الواحد لجواز اشتماله على مصلحة لا يؤمن الضرر بفواتها ، فليجب اطراحه لجواز اشتماله على مفسدة لا يؤمن الضرر بفعلها ، ويلزم ( على ما ذكروه ) (1) وجوب العمل بقول مدعي النبوة دون المعجز بعين ما ذكروه. واحتج المتمسكون بالنقل بوجوه : الاول : [ قوله تعالى ] : « فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون » (2). ووجه الدلالة : أن الله تعالى أوجب الحذر بخبر الواحد ، ومتى وجب الحذر وجب العمل [ لأن ] عند سماع الخبر المحذر : اما أن يمتنعوا عن استباحة ما حذر عنه ، وهو عمل به ، وإذا عمل به في موضع وجب في كل موضع ، إذ لا قائل بالفرق ، واما أن لا يمتنعوا ، وذلك يقتضي ترك الحذر الذي دلت الآية على وجوبه. 1 ـ في نسخه : مما ذكروه ، 2 ـ التوبة / 122. (144)
الثاني : قوله تعالى : « ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا » (1).
ووجه الدلالة : انه أمر بالتبين عند كونه فاسقا ، ( فوجب ) (2) أن لا يحصل وجوب التبين عند عدمه ، والا لما كان لتعليق التبين على الفسوق فائدة. الثالث : انه عليه السلام كان يبعث رسله الى البلدان والقبائل ، وهم آحاد ، و يوجب على المرسل إليهم القبول من المرسل. الرابع : أجمعت الصحابة على العمل بخبر الواحد ، واجماع الصحابة حجه ، أما انهم أجمعوا فلانهم رجعوا الى أزواج النبي صلى الله عليه وآله في الغسل من التقاء الختانين ، ورجع أبو بكر في توريث الجدة إلى خبر المغيره ، ورجع عمر الى رواية عبد الرحمن في سيرة المجوس بقوله : « سيروا بهم سنة أهل الكتاب » ، ومنع من توريث المرأة من دية زوجها ، ورجع عن ذلك بخبر الضحاك بن قيس ، وعن علي عليه السلام : « كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني ، فإذا حدثني به غيره استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته » ، وعمل علي عليه السلام بخبر المقداد في المذي ، وهذه الاخبار وان كانت آحادا ، فان معناها متواتر ، كما يعلم كرم حاتم ، وشجاعة عمرو ، وان كانت مفردات أخبارهما آحادا. لا يقال : لم لا يجوز أن تكون الصحابة عملت عند هذه الاخبار ، لابها ؟ لأنا نقول : لو عملوا لابها ، لوجب نقل ذلك الموجب للعمل دينا وعادة لأن الجماعة إذا مستهم الحاجة إلى كشف ملتبس ظهر منهم الاستبشار عند وضوحه ، والتعجب من حصوله ، فيظهر لا محالة ، ولو صح من الواحد ستره لما استمر (3) في الجماعة كلهم ، ولكان يحدوهم الدين إلى اظهار السبب الموجب 1 ـ الحجرات / 6. 2 ـ في نسخة : فيجب. 3 ـ كذا في النسخ ، ولعل الصواب : استتر (145)
للعمل لئلا يحصل التوهم انهم عملوا للخبر ، وإذا ثبت أن بعضهم عمل بما ذكرناه ولم ينكر الباقون مع ارتفاع الموانع من الانكار ، كان ذلك اجماعا.
والجواب عن الآية الاولى أن نقول : لا نسلم وجوب الحذر ، فان قال : ( لعل ) في حق الله للوجوب ، قلنا : هي في حقه للوجوب بمعنى تحقق حصول ما دخلت عليه ، لا بمعنى استحقاق الذم بتركه. سلمنا أن الحذر واجب عنده ، لكن لا نسلم أنه يلزم العمل بمضمونه ، و لم لا يكون ثمرة الحذر ( البعث على ) (1) استعلام الحق والفحص عنه ؟! على أن وجوب الحذر ينافي العمل بخبر الواحد إذ مع العمل به يؤمن الحذر ، فكيف يكون سببا له ؟ ثم نقول : كما يحتمل ذلك نقل الخبر يحتمل نقل الفتوى ، ومع قيام الاحتمال لا يعود حجة على ( موضع ) (2) النزاع على أن تناوله ( للفتوى ) (3) أولى ، لقوله تعالى : « ولينذروا قومهم » (4) لأن العمل بالخبر يختص العلماء دون غيرهم ، ( فتنزيلها ) (5) على الاعم أولى. والجواب عن الآية الثانية أن نقول : الاستدلال بها مبني على القول بدليل الخطاب ، وهو باطل. فان قال : ان تعليل التبين بكون المخبر فاسقا يقتضي عدم الحكم عند عدمه ، فلا يجب التبين عند خبر العدل. 1 ـ في نسخة : البحث عن. 2 ـ في نسخة : محل. 3 ـ في نسخة : الفتوى. 4 ـ التوبة / 122. 5 ـ في نسخة : وتنزيلها. (146)
( قلت ) (1) : هذا معارض بأن عدم الامان من اصابة القوم بالجهالة علة في وجوب التبين ، وهو ثابت في العدل فيجب التبين عملا بالعلة.
فان قال : لو استوى العدل والفاسق في ذلك ، لم يكن لذكر الفسوق فائدة. قلنا : لا نسلم ، وما المانع أن تكون الفائدة هي اظهار فسوق من نزلت الآية بسببه ، وهو الوليد بن عقبة ، فانه ( يمكن ) (2) أنه كان على ظاهر العدالة عندهم فكشف عن فسوقه. والجواب عن الثالث : أن نقول : لا نسلم أنه صلى الله عليه وآله كان يبعث رسله الى القبائل لرواية الخبر ، ولم لا يجوز أن يكون بعثهم للحكم والفتوى ؟! ومع قيام هذا الاحتمال يبطل التعلق بهذا الاستدلال. والجواب عن الرابع : لا نسلم حصول الاجماع على ذلك. قوله : نقل بالتواتر حكم الصحابة [ به ]. قلنا : لا نسلم تواتر ذلك ، إذ لو كان كذلك لحصل لنا العلم به كما حصل لك ، ولحصل لكثير ممن أنكر ذلك من المعتزلة وغيرهم. قوله : عمل [ به ] بعض الصحابة وسكت الباقون. قلنا : لا نسلم أن بعضا عمل. فان استدل بالاخبار المذكورة ، قلنا : هي آحاد ، فيكون ذلك اثباتا للشيء بنفسه. سلمنا أن بعضهم عمل ، ولكن لا نسلم أن سكوت الباقين لا يحتمل الا الرضا ، لأن العامل بذلك هم أرباب الحكم كأبي بكر وعمر وعثمان وأمثالهم ، وليس كل أحد قادرا على الانكار عليهم ، وان قدر الواحد أو العشرة من الصحابة ، فان وفاقهم لا يكون اجماعا ، لانا 1 ـ في نسخة : قلنا. 2 ـ في نسخة : ممكن. (147)
لا نعلم ارتفاع الاحتمال في حق الباقين.
على أن هذا الاستدلال لو صح لكان معارضا بمثله ، فان بعض الصحابة رد خبر الواحد ، ولم يعلم النكير من غيره ، كما روي أن أبا بكر رد خبر عثمان فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله من اذنه برد الحكم بن أبي العاص ، وأن عمر رد خبر فاطمة بنت قيس ، وأن عليا عليه السلام رد خبر بروع بنت واشق ، وأن عائشة ردت خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه ، وغير ذلك مما عددوه ، وتقريره ما تقدم. وذهب شيخنا أبو جعفر إلى العمل بخبر العدل من رواة أصحابنا ، لكن لفظه وان كان مطلقا ، فعند التحقيق تبين أنه لا يعمل بالخبر مطلقا ، بل بهذه الاخبار التي رويت عن الائمة عليهم السلام ودونها الاصحاب ، لا أن كل خبر يرويه الامامي يجب العمل به ، هذا الذي تبين لي من كلامه ، ويدعي اجماع الاصحاب على العمل بهذه الاخبار ، حتى لو رواها غير الامامي وكان الخبر سليما عن المعارض واشتهر نقله في هذه الكتب الدائرة بين الاصحاب عمل به ، واحتج لذلك بوجوه ثلاثة : الاول : دعوى الاجماع على ذلك ، فانه « ره » ذكر أن قديم الاصحاب و حديث إذا طولبوا بصحة ما أفتى به المفتي ( منهم ) (1) ، عول على المنقول في أصولهم المعتمدة وكتبهم المدونة ، فيسلم له خصمه منهم الدعوى في ذلك ، وهذه سجيتهم من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى زمن الائمة عليهم السلام ، فلو لا أن العمل بهذه الاخبار جائز لانكروه وتبرأوا من العامل به. الوجه الثاني : وجود الاختلاف من الاصحاب بحسب أختلاف الاحاديث يدل على أن مستندهم إليها ، إذ لو كان العمل بغيرها مما طريقه القطع لوجب 1 ـ في نسخة : بينهم (148)
أن يحكم كل واحد بتضليل مخالفه وتفسيقه ، فلما لم يحكموا بذلك دل على أن مستندهم الخبر ، وعلى جواز العمل به.
لا يقال : هذا دليل على أنهم غير معاقبين على العمل به ، وعدم العقاب لا يدل على كونه حقا. لأنا نقول : الجواب عن ذلك من وجهين : أحدهما : أن الغرض في جواز العمل بهذه الاخبار انما هو ارتفاع الفسق وارتفاع العقاب. [ و ] الثاني : أنه لو كان العمل بها خطأ ، لما جاز الاعلام بالعفو عن فعله لأن ذلك يكون اغراءا بالقبيح. الوجه الثالث : اعتناء الطائفة بالرجال ، وتمييز العدل من المجروح ، والثقة من الضعيف ، والفرق بين من يعتمد على حديثه ومن لا يعتمد ، وكونهم إذا اختلفوا في خبر نظروا في سنده ، وذلك يدل على العمل بهذه الاخبار ، لأنهم لو لم يعملوا بها لما كان لشروعهم في ذلك فائدة. المسألة الرابعة : قد يقترن بخبر الواحد قرائن تدل على صدق مضمونه وان كانت غير دالة على صدق الخبر نفسه لجواز اختلافه مطابقا لتلك القرينة والقرائن أربع : احداها أن يكون موافقا لدلالة العقل ، أو لنص الكتاب خصوصه أو عمومه أو فحواه ، أو السنة المقطوع بها ، أو لما حصل الاجماع عليه. وإذا تجرد عن القرائن الدالة على صدقه ، ولم يوجد ما يدل على خلاف متضمنه ، افتقر العمل به إلى اعتبار شروط نذكرها في الفصول المعقبة [ لهذه ] (149)
في مباحث متعلقة بالمخبر ، وفيه مسائل :
المسألة الاولى : الايمان معتبر في الراوي ، وأجاز الشيخ « ره » العمل بخبر الفطحية ، ومن ضارعهم ، بشرط أن لا يكون متهما بالكذب ، ومنع من رواية الغلاة ، كأبي الخطاب ، وابن أبي العزاقر.
لنا : قوله تعالى : « ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا » (1). احتج الشيخ « ره » بأن الطائفة عملت بخبر عبد الله بن بكير ، وسماعة ، وعلي بن أبي حمزة ، وعثمان بن عيسى ، وبما رواه بنو فضال ، والطاطريون. والجواب : أنا لا نعلم إلى الان أن الطائفة عملت بأخبار هولاء. المسألة الثانية : عدالة الراوي شرط في العمل بخبره [ و ] قال الشيخ « ره » يكفي كونه ثقة متحرزا عن الكذب في الرواية وان كان فاسقا بجوارحه ، وادعى عمل الطائفة على أخبار جماعة هذه صفتهم. ونحن نمنع هذه الدعوى ، ونطالب بدليلها ، ولو سلمنا [ ها ] لاقتصرنا على المواضع التي عملت فيها بأخبار خاصة ، ولم يجز التعدي في العمل إلى غيرها. ودعوى التحرز ( عن ) (2) الكذب مع ظهور ( الفسق ) (3) مستبعدة ، إذ الذي يظهر فسوقه لا يوثق بما يظهر من تحرجه عن الكذب. 1 ـ الحجرات / 6 2 ـ في نسخة : من 3 ـ في نسخة : الفسوق (150)
تفريع
عدالة الرواي ( تعلم ) (1) باشتهارها بين أهل النقل ، فمن اشتهرت عدالته من الرواة أو جرحه عمل بالاشتهار وان خفي حاله وشهد بها محدث واحد هل يقبل قوله بمجرده ؟ الحق انه لا يقبل الا على ما يقبل عليه تزكية الشاهد وجرحه ، وهو شهادة عدلين.
وإذا جرح بعض ، وعدل آخرون ، قدم العمل بالجرح ، لأنه شهادة بزيادة لم يطلع عليها المعدل ، ولأن العدالة قد يشهد بها على الظاهر ، وليس كذلك الجرح. المسألة الثالثة : المجنون والصبي لاتقبل روايتهما في حال كونهما كذلك لأن الوثوق بهما لا يحصل ، لعدم تحقق الضبط ، سواء كان الصبي مميزا أو غير مميز. لا يقال : الصبي تقبل شهادته في الجراح والشجاج ، فيجب قبول روايته. لأنا نقول : لم لا يجوز أن يكون ذلك احتياطا في الدم ؟ لا لصحة خبره على أن منصب الرواية أعظم ، إذ الحكم بها مستمر والثابت ( عنها ) (2) شرع عام في المكلفين ، وليس كذلك الشهادة ، فلا يقاس أحدهما على الآخر. أما لو تحمل الشهادة صبيا لقبلت إذا أداها بالغا. المسألة الرابعة : المجهول النسب إذا عرف اسلامه لم يكف في قبول روايته ، فان عرفت عدالته قبلت ، لأنا نتيقن ارتفاع الفسق المانع من قبول الشهادة 1 ـ في نسخة : تظهر. 2 ـ في نسخة : منها. |
|||
|