معارج الاصول ::: 151 ـ 165
(151)
فان عارضها رواية معروف النسب والعدالة كان الترجيح لجانب المعروف.
    المسألة الخامسة : إذا قال أخبرني بعض أصحابنا ، وعنى الامامية ، يقبل وان لم يصفه بالعدالة ـ إذا لم يصفه بالفسوق ـ لأن اخباره بمذهبه شهادة بأنه من أهل الامانة ، ولم يعلم منه الفسوق المانع من القبول.
    فان قال ( عن بعض أصحابه ) (1) ، لم يقبل ، لامكان أن يعني نسبته إلى الرواة ( أو ) (2) أهل العلم ، فيكون البحث فيه كالمجهول.
    المسألة السادسة : إذا أرسل الراوي الرواية ، قال الشيخ « ره » : ان كان ممن عرف أنه لا يروي الا عن ثقة ، قبلت مطلقا ، وان لم يكن كذلك ، قبلت بشرط أن لا يكون لها معارض من المسانيد الصحيحة.
    واحتج لذلك : بأن الطائفة عملت بالمراسيل عند سلامتها عن المعارض كما عملت بالمسانيد ، فمن أجاز أحدهما أجاز الآخر.
    المسألة السابعة : رواية المرأة المعروفة بالعدالة مقبولة ، للسبب المقتضي للقبول ، ويستوي في ذلك الحرة والمملوكة.
    المسألة الثامنة : يعتبر في الراوي الضبط ، فان عرف له السهو غالبا لم يقبل وان عرض نادرا قبل ، لأن أحدا لا يكاد يسلم منه ، فلو كان زواله أصلا شرطا في القبول ، لما صح العمل الا عن معصوم من السهو ، وهو باطل اجماعا من العاملين بالخبر.
    المسألة التاسعة : إذا قال راوي الاصل : لم أرو لك هذه الرواية قاطعا ، كان ذلك قادحا في الرواية ، وان قال : لا أذكر ، أو : لا أعلم ، لم يكن قادحا ، لجواز السهو على الاصل ، ووجود العدالة في الفرع ينفي التهمة عنه.
1 ـ في نسخة : بين بعض أصحابنا.
2 ـ في نسخة : و


(152)
في مباحث متعلقة بالخبر ، وفيه مسائل :
    المسألة الاولى : الالفاظ التي تعلم نسبة الخبر بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أو أحد الائمة عليهم السلام أربع مراتب :
    الاولى : أن يقول : أسمعني رسول الله صلى الله عليه وآله أو شافهني أو حدثني.
    ويلي ذلك في القوة : أن يقول : قال رسول الله ، أو سمعت منه ، أو حدث.
    ويلي ذلك : أن يقول : أمر رسول الله صلى الله عليه وآله.
    ويليه : أن يقول : رويت عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
    وههنا الفاظ أخر ليست صريحة في الرواية : منها : أن يقول : أمرنا بكذا أو : ( نهينا ) (1) عن كذا ، أو : ابيح لنا كذا ، أو يقول : من السنة كذا ، أو يقول الصحابي : كنا نفعل كذا ، فهذه الالفاظ لا يعلم من نفسها الدلالة على الرواية ما لم ينضم إليها ما يدل على القصد بها.
    أما إذا كانت الرواية عن بعض الرواة ، فالصريح فيها ثلاثة ألفاظ : أخبرني أو حدثني ، أو يقال للراوي : هل حدثك أو أخبرك فلان ؟ فيقول : نعم.
    وههنا أمور تقوم مقام ذلك : أحدها الاشارة بالجوارح ، أو بالكتابة ، أو بتسليم كتاب الرواية ويسمى مناولة ، أو بالاجازة المعهودة ، وهو : أن يأذن له أن يروي عنه ما صح له من احاديثه ، اما بأن يحيله على كتاب مشهور ، أو أخبار معروفة.
    المسألة الثانية : يجب عرض الخبر على الكتاب ، لقوله عليه السلام : « إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فان وافق فاقبلوه ، والا فردوه ».
1 ـ في نسخة : نهانا.

(153)
    المسألة الثالثة : إذا روى [ الراوي ] خبرا يخالف مذهبه ، لا يكون ذلك طعنا في الرواية ، لجواز أن يروي ذلك لما ظنه دليلا وليس كذلك.
    المسألة الرابعة : يجوز رواية الخبر بالمعنى ، بشرط أن لا تكون العبارة الثانية قاصرة [ عن ] معنى الاصل ، بل ناهضة بجميع فوائدها ، لأن الصحابة كانت تروي مجالس النبي صلى الله عليه وآله بعد انقضائها وتطاول المدد ، ويبعد في العادة بقاء ألفاظه عليه السلام بعينها على الاذهان ، و [ لأن ] الله سبحانه وتعالى قص القصة الواحدة بألفاظ مختلفة ، وحكى معناها عن الامم ، ومن المعلوم أن تلك القصة وقعت بغير اللغة العربية (1) ، وان كانت باللغة العربية فان الواقع منها يكون بعبارة واحدة ، وذلك دليل على جواز نسبة المعنى إلى القائل ، وان اختلفت الالفاظ.
    احتج المانع : بقوله عليه السلام : « [ رحم الله ] من سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها ».
    والجواب أن نقول : إذا أداها بمعانيها فقد امتثل ، كما تقول : حكى فلان رسالة فلان ، إذا ( أداها ) (2) بالمعنى ولو خالفه ( باللفظ ) (3).
    المسألة الخامسة : إذا روى الواحد رواية ، ثم رواها ثانيا وزاد فيها زيادة ( أو ) (4) اختلفت الرواة في الرواية بالزيادة والنقصان ، هل يكون ذلك قادحا في الرواية أم لا ؟ نظر ، فان كان الراوي واحدا ولم تكن الزيادة منافية لمعنى الاول ، لم يكن ذلك قادحا ، لجواز أن يكون سمعها في مجلسين ، فحكى كل
1 ـ في الاصل : لغة العربية.
2 ـ في بعض النسخ : أتى.
3 ـ في نسخة : في اللفظ.
4 ـ في نسخة : و.


(154)
( واحدة منهما ) (1) تارة ، أو في مجلس واحد واقتصر على حكاية بعضه ، وان تغاير الراوي وكان المنفرد بالزيادة واحدا ، وبالنقيصة جماعة يستحيل علهيم أن لا يسمعوا ما نقله الواحد ، كانت الزيادة مردودة ، وان لم يستحل ذلك ـ بأن يكون سمعها في مجلسين ، أو في مجلس واحد يجوز أن يغفل الآخرون ـ قبلت الزيادة ، فان كانت الزيادة منافية لمعنى الاول ، تضادت الرواية [ بها ] ، ووجب التوقف عن العمل.

في التراجيح بين الاخبار المتعارضة ، وفيه مسائل :
    المسألة الاولى : إذا تعارض خبران وأحدهما موافق لعموم القرآن أو السنة المتواترة أو لاجماع الطائفة ، وجب العمل بالموافق ، لوجهين :
    أحدهما : ان كل واحد من هذه الأمور حجة في نفسه ، فيكون دليلا على صدق مضمون الخبر الموافق له.
    الثاني : أن المنافي لا يعمل به لو انفرد عن المعارض ، فما ظنك به معه ؟!.
    وكذلك إذا تعارضا وكانت رواة أحدهما عدولا ، كان الترجيح لجانب ما رواه ( العدول ) (2) ، لأن رواية من ليس بعدل ، لاتقبل مع السلامة عن المعارض فمع وجود المعارض أولى.
    المسألة الثانية : رجح الشيخ « ره » بالضابط والاضبط ، والعالم والاعلم ، محتجا بأن الطائفة قدمت ما رواه محمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية ، والفضيل
1 ـ في نسخة : واحد ، وفي أخرى : منها.
2 ـ في نسخة : العدل


(155)
ابن يسار ، ونظائرهم ، على من ليس له حالهم.
    ويمكن أن يحتج لذلك : بأن رواية العالم والاعلم (1) أبعد من احتمال الخطأ ، وأنسب بنقل الحديث على وجهه ، فكانت أولى.
    المسألة الثالثة : قال الشيخ « ره » : إذا روى أحد الراويين اللفظ ، والاخر المعنى ، وتعارضا ، فان كان راوي المعنى معروفا بالضبط والمعرفة فلا ترجيح وان لم يوثق منه بذلك ، ينبغي أن يؤخذ المروي لفظا ، وهذا ( حق ) (2) لأنه أبعد من الزلل.
    المسألة الرابعة : إذا روى الخبر سماعا ، وروى المعارض اجازة ، كان الترجيح لجانب المسموع ، الا أن يكون أحاله على أصل مسموع ، أو مصنف [ مشهور ] ، فيكونان متساويين.
    المسألة الخامسة : إذا كان راوي أحد الخبرين مجهولا ، والاخر معروفا أو كان أحد السندين متصلا ، والاخر مرسلا ، كان الترجيح للمعروف والمسند لوجود شرائط العمل فيهما على اليقين ، وعدم اليقين في الطرف الآخر.
    المسألة السادسة : إذا رويت روايتان وفي احداهما زيادة عن الأخرى قال الشيخ « ره » : عمل على الرواية المتضمنة للزيادة ، لانها في حكم خبرين.
    ولقائل أن يقول : أتعني بذلك أنه يعمل بالزيادة كما يعمل بالاصل ؟ أم تعني مع التعارض يكون أرجح ؟ ان أردت الاول فمسلم ، وان أردت الثاني فممنوع.
    المسألة السابعة : إذا عمل أكثر الطائفة على أحدى الروايتين كانت أولى إذا جوزنا كون الامام عليه السلام في جملتهم ، لأن الكثرة امارة الرجحان ، والعمل بالراجح واجب.
1 ـ كذا ، ولعل الصواب سقوط : الضابط والاضبط
2 ـ في نسخة : أحق


(156)
    المسألة الثامنة : إذا كان أحد الخبرين موافقا للاصل ، قال قوم : يكون أولى ، لأن الظاهر أنه هو المتأخر ، وقال آخرون : الناقل أولى ، لأن له حكم النقل ، والموافق للاصل يستغنى بالاصل عنه ، فيغلب على الظن أنه لا حاجة للشارع إلى ذكره ، للاستغناء بحكم الاصل.
    والحق : انه اما أن يكونا عن الرسول صلى الله عليه وآله أو عن الائمة عليهم السلام فان كان عن النبي صلى الله عليه وآله وعلم التاريخ ، كان المتأخر أولى سواءا كان مطابقا للاصل أو لم يكن ، وان جهل التاريخ ، وجب التوقف ، لأنه كما يحتمل أن يكون أحدهما ناسخا يحتمل أن يكون منسوخا.
    واما ان كانا عن الائمة ، وجب القول بالتخيير ، سواءا علم تاريخهما أو جهل ، لأن الترجيح مفقود عنهما ، والنسخ لا يكون بعد النبي صلى الله عليه وآله ، فوجب القول بالتخيير.
    المسألة التاسعة : قال الشيخ « ره » : [ إذا تساوت ] الروايتان في العدالة والعدد عمل بأبعدهما من قول العامة ، والظاهر [ أن ] احتجاجه في ذلك برواية رويت عن الصادق عليه السلام وهو اثبات لمسألة ( علمية ) (1) بخبر واحد ، وما يخفى عليك ما فيه ، مع انه قد طعن فيه فضلاء من الشيعة كالمفيد ، وغيره.
    فان احتج : بأن الابعد لا يحتمل الا الفتوى ، والموافق للعامة يحتمل التقية فوجب الرجوع إلى ما لايحتمل.
    [ قلنا : لا نسلم انه لا يحتمل ] الا الفتوى ، لأنه كما جاز الفتوى لمصلحة يراها الامام ، كذلك تجوز الفتوى بما يحتمل التأويل ، مراعاة لمصلحة يعلمها الامام ، وان كنا لا نعلمها.
    فان قال : ذلك يسد باب العمل بالحديث.
1 ـ في نسخة : عملية

(157)
    قلنا : انما نصير إلى ذلك على تقدير التعارض وحصول مانع يمنع من العمل ، لا مطلقا ، فلم يلزم سد باب العمل.
    المسألة العاشرة : إذا كان أحد الخبرين مشافهة ، والاخر مكاتبة ، كان الترجيح لجانب المشافهة ، لأن المكاتبة تحتمل من الخلل ما لا تحتمله المشافهة.
    المسألة الحادية عشرة : إذا كان أحد الخبرين حاظرا ، والاخر مبيحا وكان حكما هما مستفادين من الشرع ، قال قوم ، يكون الحاظر أولى ، لقوله عليه السلام : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » ولأنه أحوط في التحرز من الضرر.
    وجواب الاول : انه خبر واحد ، لا يثبت بمثله مسائل الاصول. [ و ] الثاني ضعيف ، لأن الضرر متوجه في الاقدام على حظر ما لا يؤمن [ من ] كونه مباحا كما هو محتمل في الطرف الآخر :
    والاولى : التوقف.


(158)

(159)


(160)

(161)
في النسخ ، وفيه مسائل :
    المسألة الاولى : النسخ في الاصل هو الازالة ، من قولهم نسخت الشمس الظل ، والتغيير ، كما يقال : نسخت الريح الاثر ، وقيل : هو حقيقة في النقل ، مجاز في غيره ، وقيل : [ بل ] هو مشترك ، والبحث لفظي.
    وفي الشرع : عبارة عن الاعلام بزوال مثل الحكم الثابت بالدليل الشرعي بدليل شرعي متراخ عنه ، على وجه لولاه لكان الحكم الاول ثابتا.
    ومن الناس من يجعل النسخ رفعا ، ومنهم من يجعله بيانا لانتهاء مدة الحكم الاول.
    والناسخ : هو الدليل الثاني ، وقد يطلق الناسخ على ناصب دلالة النسخ ، وقد يتجوز به في الحكم ، كما يقال : نسخ شهر رمضان صوم عاشوراء ، وفي المعتقد ، كما يقال : الحنفي ينسخ القرآن بالسنة.
    والمنسوخ : هو الدليل الاول ، وقد يستعمل في الحكم ، ولا يطلق النسخ بالحقيقة الا حيث يكون الدليلان شرعيين ، فلو كانا عقليين أو أحدهما ، لم يكن ذلك نسخا بالحقيقة ، وان كان معنى النسخ موجودا فيه.


(162)
    المسألة الثانية : النسخ في الشرائع جائز عقلا وشرعا :
    أما عقلا فلوجهين :
    أحدهما أن الشرائع تابعة للمصالح ، وهي جائزة الاختلاف ، فجاز اختلاف ما هو تابع لها.
    الثاني أن الدلائل القطعية دلت على نبوة نبينا صلى الله عليه وآله ويلزم من ذلك نسخ شرع من قبله.
    وأما شرعا فوجوه :
    أحدها : [ ما ] نقل أن نوحا عليه السلام احل له كل دابة ، ثم حرم على لسان موسى عليه السلام كثير من الحيوان.
    الثاني : قوله تعالى : « ما ننسخ من آية أو ننسها ، نأت بخير منها أو مثلها » (1).
    الثالث : وقوع النسخ في شرعنا ، كنسخ التوجه إلى بيت المقدس باستقبال الكعبة ، ونسخ الاعتداد في الوفاة بالحول إلى أربعة أشهر وعشر ، ونسخ ثبات الواحد في الجهاد لعشرة إلى ثباته لاثنين.
    احتج المانع بوجوه :
    الاول : لو جاز النسخ ، لزم منه الأمر بالشيء والنهي عنه ، لكن ذلك فاسد من وجوه :
    الاول : انه يلزم منه البداء.
    الثاني : انه يؤدي إلى كون الشيء حسنا [ و ] قبيحا.
    الثالث : ان يكون الأمر يدل على حسن المأمور ، فلو نهى عنه لانتقضت تلك الدلالة.
1 ـ البقرة / 106

(163)
    الوجه الثاني : ان اطلاق الأمر يدل على استمرار الالزام بالفعل ، فلو لم يرد دوامه ، لوجب بيان مدته ، والا لزم الاغراء باعتقاد الجهل.
    الوجه الثالث : لو جاز النسخ لزم رفع الثقة بدوام الاحكام ، وتمسك اليهود في المسألة بقول موسى عليه السلام : « تمسكوا بالسبت [ أبدا » وبقوله : « تمسكوا بالسبت ] مادامت السماوات والارض ».
    والجواب عن الاول ( أن نقول : لا نسلم ) (1) أنه يلزم منه الأمر بالشيء و النهي عنه ، لأنا بينا أن الدليل الاول تناول غير ما تناوله الثاني وانما يلزم البداء لو كان الأمر بنفس ما نهى عنه ، والوقت والمكلف واحد.
    قوله : لو نهى عنه لانتقضت دلالة الحسن.
    قلنا : لا نسلم أن الدليل الثاني دل على قبح ما لم يدل عليه الاول ، فلم تنتقض دلالته ، وجرى ذلك مجرى ما علم زواله عقلا ، فان الشرع إذا دل على وجوب فعل ، فإذا عجز عنه [ المكلف ] سقط بالعجز ، ولا يلزم أن يكون العجز ناقضا لدلالة الوجوب ، فكذا مسألتنا.
    والجواب عن الثاني : قوله لو لم يرد دوامه لبينه والالزم الاغراء باعتقاد الجهل.
    قلنا : لا نسلم ، لأن المكلف يعلم أن تغير المصالح يوجب تغير التكاليف وذلك يمنعه عن القطع باعتقاد الدوام.
    قوله في الوجه الثالث : يلزم أن لا يحصل الوثوق بدوام شيء من الاحكام.
    قلنا : نحن نعلم دوام كثير من الاحكام بالضرورة من مقاصد الشرع ، فيكون الوثوق بالدوام حيث [ يكون ] الأمر كذلك دون غيره.
    المسألة الثالثة : الزيادة على النص ان كانت رافعة لمثل الحكم الشرعي
1 ـ في نسخة : أنا لا نسلم.

(164)
المستفاد من الحكم الشرعي ، كانت نسخا ، وان كانت رافعة لحكم من أحكامه المستفادة من العقل ، لم يكن ذلك نسخا.
    وفائدة ذلك : ما ثبت أن خبر الواحد لا ينسخ به حكم الدليل المقطوع به فكل موضع ( تعده ) (1) نسخا لا يجوز استعمال خبر الواحد فيه.
    وقال [ السيد ] المرتضى « ره » ، وأبو جعفر « ره » : ان كانت [ الزيادة ] مغيرة للمزيد عليه ، بحيث لو فعل كما كان يفعل قبل الزيادة ، لم يكن مجزيا ، ووجب استئنافه ، كان ذلك نسخا ، والا فلا.
    لنا : ما بيناه أولا من أن شرط النسخ أن يكون رافعا لمثل الحكم الشرعي المستفاد بالدليل الشرعي ، فبتقدير أن يكون ذلك الحكم مستفادا من العقل لا يكون الرفع [ لمثله ] نسخا حقيقيا ، والا لكان كل خبر يرفع البراءة الاصلية نسخا ، وهو باطل.
    لا يقال : لو وجبت الصلاة ركعتين ، ثم زيد عليها [ ركعة ] أخرى لكانت ناسخة ، لأن التسليم وجب تأخيره إلى ما بعد الثالثة ، وقد كان يجب أن يكون عقيب الثانية ، ولأن الركعتين كانتا مجزيتين بانفرادهما ( فصارتا ) (2) غير مجزيتين لو انفردتا.
    لأنا نقول : لا نسلم أن ذلك نسخ لوجوب الركعتين ، ولا للتشهد وان كان التغير فيهما ثابتا ، بل بتقدير أن يكون الشرع دل على ( وجوب تعقيب التشهد بالتسليم ) (3) للثانية ، يلزم أن يكون الأمر بتأخيره نسخا لتعجيله ، إذ لم
1 ـ في نسخة : نعده.
2 ـ في بعض النسخ : فعادتا.
3 ـ كذا الظاهر ، ولكن في بعض النسخ : وجوب تعقيب التشهد ، وفي أخرى : وجوب تشهد التسليم.


(165)
يرفع [ الدليل ] الثاني شيئا غير ذلك.
    واما الركعتان فان حكمهما باق من كونهما واجبتين ، وغاية ما في الباب أن وجوبهما كان منفردا ، فصار منضما إلى الثالثة ، والشئ لا ينسخ بانضياف غيره إليه ، كما [ لا ] ينسخ وجوب فريضة واحدة إذا وجب بعدها أخرى.
    وأما كونهما لو انفردتا [ لما ] أجزأتا بعد أن كانتا مجزئتين ، فان الاجزاء يعلم لامن منطوق الدليل ، بل علم بالعقل ، فلم يكن نسخا ، ولو علم الاجزاء من نفس الدليل الشرعي ، لكان المنسوخ اجزاؤهما منفردتين ، لا وجوبهما.
    المسألة الرابعة : النقيصة من العبادة لا تكون نسخا لها ، سواءا كان الناقص جزءا منها أو شرطا لها ، لكن ان دل الدليل الشرعي على وجوب ذلك الجزء أو ذلك الشرط ، ثم دل الآخر على ارتفاعه ، كان ذلك نسخا للجزء ( والشرط ) (1) خاصة ، دون نفس العبادة.
    مثال ذلك : إذا أوجب صلاة ثلاثية مثلا ، ثم أسقط منها ركعة ، كان ذلك نسخا لتلك الركعة حسب ، ولم يكن نسخا للصلاة كلها ، أو أوجب فريضة و شرط لها شرطا ثم أسقط ذلك الشرط ، كان نسخا له حسب ، ولم يكن نسخا للفريضة.
    لنا : ان الدليل المقتضي لثبوت الحكم السابق ثابت ، والدليل الثاني ليس رافعا لمثل حكمه ، فلا يكون نسخا.
    فان قالوا : العبادة الاولى كانت غير مجزية بتقدير أن لا يفعل الشرط ، وقد صارت الان مجزية ، فقد انتسخ الاجزاء.
    قلنا : لا نسلم أن ذلك نسخ ، لأنا قد بينا أن الاجزاء إذا لم يتضمنه الدليل الشرعي يكون معلوما بالعقل ، فلا يكون زواله نسخا ، ولو سلمنا أن ذلك نسخ ،
1 ـ في نسخة : وللشرط
معارج الاصول ::: فهرس