معارج الاصول ::: 181 ـ 195
(181)
الغلط ، لوجود الدلالة المانعة من ذلك في حقه.
    والجواب عن الثاني : ان حكمه للانسان بشيء من حق أخيه ليس بغلط ، لأنه هو الحكم المأمور به شرعا ، سواء كان مطابقا للباطن أو لم يكن ، و الاصابة ليس الا [ في ] العمل بالاوامر الشرعية على الوجه الذي عين له وهو موجود فيما يحكم به.
    المسألة الثالثة : الاحكام اما أن تكون مستفادة من ظواهر النصوص المعلومة على القطع ، والمصيب فيها واحد ، والمخطئ لا يعذر ، وذلك ما يكون المعتقد فيه لا [ يتغير ] بتغير المصالح.
    واما أن تفتقر إلى اجتهاد ونظر ، ويجوز اختلافه باختلاف المصالح ، فانه يجب على المجتهد استفراغ الوسع فيه ، فان أخطأ لم يكن مأثوما ، ويدل على وضع الاثم عنه وجوه :
    أحدها : انه مع استفراغ الوسع يتحقق العذر ، فلا يتحقق الاثم.
    الثاني : أنا نجد الفرقة المحقة مختلفة في الاحكام الشرعية اختلافا شديدا حتى يفتى الواحد منهم بالشيء ويرجع عنه إلى غيره ، فلو لم يرتفع الاثم لعمهم الفسق وشملهم الاثم ، لأن القائل منهم بالقول اما أن يكون استفرغ وسعه [ في تحصيل ذلك الحكم أو لم يكن ، فان لم يكن ، تحقق الاثم ، وان استفرغ وسعه ] ثم لم يظفر ، ولم يعذر ، تحقق الاثم أيضا.
    الثالث : الاحكام الشرعية تابعة للمصالح ، فجاز أن تختلف بالنسبة إلى المجتهدين ، كاستقبال القبلة ، فانه يلزم كل من غلب على ظنه أن القبلة في جهة أن يستقبل تلك الجهة ـ إذ لم يكن له طريق إلى العلم ـ ثم تكون الصلوات مجزية لكل واحد منهم ، وان اختلفت الجهات.
    فان قيل : لا نسلم أن مع استفراغ الوسع يمكن الغلط في الحكم ، و


(182)
ذلك لأن الواقعة لابد فيها من حكم شرعى ، ولابد من نصب دلالة على ذلك الحكم ، فلو لم يكن للمكلف طريق إلى العلم بها ، ( لكان ) (1) نصبها عبثا ( و ) (2) لما كان لذلك المخطئ طريق إلى العلم بالحكم مع تقدير استفراغ الوسع ، وذلك تكليف بما لا يطاق.
    والجواب : قوله : [ و ] لابد من نصب دلالة. قلنا : [ مسلم ] ، لكن ما المانع أن يكون فرض المكلف مع الظفر بتلك الدلالة العمل بمقتضاها ، و مع عدم الظفر بها يكون الحكم في الواقعة لاذلك الحكم ، ومثاله : جهة القبلة فان مع العلم بها يجب التوجه ، ومع عدم العلم [ يكون ] فرضه التوجه إلى الجهة التي يغلب على ظنه أنها جهة القبلة ، وكذلك العمل بالبينة عند ظهور العدالة و ( خفاء ) (3) الفسق ، [ ولو ظهر ] فسقها لوجب اطراحها ، فما المانع أن يكون الأدلة التي وقع فيها النزاع كذلك ؟ ألا ترى أن العموم يخص مع وجود المخصص ، ويعمل بعمومه مع عدم المخصص ؟!

في القياس ، وفيه مسائل :
    المسألة الاولى : القياس في الوضع : هو المماثلة.
    وفى الاصطلاح : عبارة عن الحكم على معلوم بمثل الحكم الثابت لمعلوم
1 ـ في نسخة : كان.
2 ـ في نسخة : أو.
3 ـ في نسخة : أخفاء.


(183)
آخر ، لتساويهما في علة الحكم.
    فموضع الحكم المتفق عليه يسمى : أصلا.
    وموضع الحكم المختلف فيه يسمى : فرعا.
    والعلة : هي الجامع الموجب لاثبات مثل حكم الاصل في الفرع ، فان كانت العلة معلومة ، ولزوم الحكم لها معلوما من حيث هي ، كانت النتيجة علمية ، ولا نزاع في كون مثل ذلك دليلا ، وان كانت العلة مظنونة ، أو كانت معلومة ، لكن لزوم الحكم لها (1) ـ خارجا عن موضع الوفاق ـ مظنونا ، كانت النتيجة ظنية ، وهل هو دليل في الشرعيات ؟ فيه خلاف.
    المسألة الثانية : النص على علة الحكم وتعليقه عليها مطلقا ، يوجب ثبوت الحكم ان ثبتت العلة ، كقوله : الزنا يوجب الحد ، والسرقة توجب القطع. أما إذا حكم في شيء بحكم ثم نص على علته فيه : فان نص مع ذلك على تعديته وجب ، وان لم ينص ، لم يجب تعدية الحكم الا مع القول بكون القياس حجة ، مثاله : إذا قال : الخمر حرام لانها مسكرة ، فانه يحتمل أن يكون [ التحريم ] معللا [ بالاسكار مطلقا ، ويحتمل أن يكون معللا ] باسكار الخمر ، ومع الاحتمال لا يعلم وجوب التعدية.
    المسألة الثالثة : من الناس من منع من التعبد بالقياس عقلا ، وأكثرهم قالوا بجوازه.
    احتج المانع بوجوه :
    أحدها : ان العمل [ بالقياس ] اقدام على ما لا يؤمن كونه مفسدة ، فيكون قبيحا ، كالاقدام على ما يعلم كونه مفسدة.
    الثاني : ان القياس موجب للظن مع امكان العمل بالعلم ، فيكون باطلا.
1 ـ زاد في نسخة : كان.

(184)
    الثالث : ان عمومات القرآن والسنة المتواترة كافلة بتحصيل الاحكام الشرعية ، والقياس : ان طابقها فلا حاجة إليه ، وان نافاها لم يجز العمل به.
    [ و ] احتج شيخنا المفيد « ره » لذلك [ أيضا ] بأنه لا سبيل إلى علة الحكم في الاصل ، فلا سبيل إلى القياس ، أما الاولى : فلان العلة اما أن تعلم بطريق علمي أو ظني ، والقسمان باطلان أما العلم فظاهر ، وأما الظن فلانه لاحكم له الا عن امارة ، والامارة مفقودة ، ومع عدم الوقوف على علة الحكم تستحيل تعديته.
    والجواب عن الاول : ان الامن [ من ] المفسدة يحصل بتقدير وجود الدلالة الشرعية ، كما في غيره من الأمور المظنونة.
    والجواب عن الثاني : انا لا نستعمل القياس في موضع يكون العلم بالحكم ممكنا ، بل في موضع يفقد العلم [ بالحكم ].
    و [ الجواب ] عن الثالث : لا نسلم أن عمومات القرآن كافلة بالاحكام ، فان في مسائل الديات والمواريث والبيوعات وغيرها ، ما يعلم خروجه عن مدلولات العموم.
    والجواب عن احتجاج المفيد أن نقول : لا نسلم أنه لا سبيل إلى تحصيل علة الحكم.
    قوله : اما أن يعلم بطريق علمي أو ظنى. قلنا : لم لا يجوز أن يكون علميا ؟ كما إذا نص الشارع على العلة ، سلمنا أنها لا تكون علمية ، فلم لا تكون ظنية ؟!.
    قوله : الظن لا حكم له الا عن امارة. قلنا : سلمنا ذلك ، والامارة قد تحصل بالطرق التي أشار إليها مثبتوا القياس ، كالدوران والسبر ، فانه مهما ثبت الحكم عند شيء ، وانتفى عند انتفائه ، كان ذلك امارة دالة على التعليل ،


(185)
وكذلك إذا ( عددت ) (1) أوصاف محل الوفا ، وأبطلت الا قسما واحدا ، غلب على الظن أنه علة الحكم ، وذلك كاف في حصول الظن أن الحكم معلل بتلك العلة.
    المسألة الرابعة : الجمع بين الاصل والفرع قد يكون بعدم الفارق ، و يسمى : تنقيح المناط. فان علمت المساواة من كل وجه ، جاز تعدية الحكم إلى المساوي ، وان علم الامتياز أو جوز ، لو تجز التعدية الا مع النص على ذلك ، لجواز اختصاص الحكم بتلك المزية ، وعدم ما يدل على التعدية.
    وقد يكون الجمع بعلة موجودة في الاصل والفرع ، فيغلب على الظن ثبوت الحكم في الفرع ، ولا يجوز تعدية الحكم ـ والحال هذه ـ بما ( سندل ) (2) عليه.
    فان نص الشارع على العلة ، وكان هناك شاهد حال يدل على سقوط اعتبار ما عدا تلك العلة في ثبوت الحكم ، جاز تعدية الحكم ، وكان ذلك برهانا.
    ولنفرض أمثلة توقف ( منها ) (3) على التحقيق :
    الاول : قوله عليه السلام ـ وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل ـ : « أينقص إذا جف ؟ فقيل : نعم ، ( فقال ) (4) : لا ، اذن » فقد علل التحريم بنقصانه عند الجفاف ، وشاهد الحال ( يقضى ) (5) أنه لا اعتبار بما عدا تلك العلة من
1 ـ في بعض النسخ : عدت.
2 ـ في نسخة : يستدل.
3 ـ في نسخة : بها
4 ـ في نسخة : قال.
5 ـ في نسخة : يقتضى


(186)
أوصاف الاصل ، فكأنه نص على أن كل ما نقص بعد الجفاف من الربويات ، لا يجوز بيعه مثلا بمثل.
    ويمكن التوقف هنا ، فان من المحتمل أن يكون النقصان موجبا للمنع من البيع في الرطب بالتمر خاصة ، لجواز اشتماله على ما يوجب اختصاص النهى. غاية ما في الباب أن ذلك لا يعلم ، لكن عدم العلم بالشيء لا يدل على انتفائه في نفس الامر.
    الثاني : انه إذا قال : وطأت عامدا في شهر رمضان ، فقال : عليك الكفارة أو قال : ملكت عشرين دينارا وحال عليها الحول ، فقال : عليك الزكاة ، علم أن الحكم متعلق بذلك ، ولا اعتبار بأوصاف السائل ، بل يحكم بأن كل من اتفق له ذلك ، ثبت له ذلك الحكم.
    الثالث : إذا حكم في واقعة وعلم بشاهد الحال أن الحكم فيها باعتبارها لا باعتبار محلها ، عدي الحكم ( لما روى ) (1) أن عليا عليه السلام قضى في دابة تنازعها اثنان ، وأقاما البينة : أنها لمن شهد له بالنتاج ، فلا يقصر الحكم على الدابة ، بل يعدى إلى كل ما حصل فيه هذا المعنى.
    المسألة الخامسة : ذهب ذاهب إلى أن الخبرين إذا تعارضا ، وكان القياس موافقا لما تضمنه أحدهما ، كان ذلك وجها يقتضي ترجيح ذلك الخبر على معارضة.
    ويمكن أن يحتج لذلك : بأن الحق في أحد الخبرين ، فلا يمكن العمل بهما ولا طرحهما ، فتعين أن يعمل بأحدهما ، وإذا كان التقدير تقدير التعارض ،
1 ـ في نسخة : كما روى.

(187)
فلابد ( في ) (1) العمل بأحدهما من مرجح ، ( والقياس مما يصلح ) (2) أن يكون مرجحا ، لحصول الظن به فتعين العمل بما طابقه.
    لا يقال : أجمعنا على أن القياس مطرح في الشرع.
    لأنا نقول : بمعنى أنه ليس بدليل على الحكم ، لا بمعنى أنه لا يكون مرجحا لاحد الخبرين على الآخر ، وهذا لأن فائدة كونه مرجحا كونه ( دافعا ) (3) للعمل بالخبر المرجوح ، فيعود الراجح كالخبر السليم عن المعارض ، ويكون العمل به ، لا بذلك القياس ، وفي ذلك نظر.
    المسألة السادسة : قال شيخنا المفيد « ره » : « خبر الواحد القاطع للعذر هو الذي يقترن إليه دليل يفضى بالنظر فيه (4) الى العلم ، وربما يكون ذلك اجماعا أو شاهدا من عقل ، أو حاكما من قياس ».
    فان عنى بالقياس البرهان ، فلا اشكال ، وان عنى القياس الفقهي ، فموضع النظر ، لأن الخبر بتقدير أن لا يكون حجة ، فمع انضياف ذلك القياس الفقهي [ ان ] صار حجة : فاما لكونه خبرا ، وذلك نقض لما يذهب إليه من طرح العمل بالخبر ، وان كان بالقياس ، لزم منه اثبات حكم شرعى بالقياس الفقهي ، وهو باطل ، إذ لا فرق بين أن يثبت به الحكم أو الدلالة الدالة على الحكم.
    المسألة السابعة : القائلون بجواز التعبد بالقياس عقلا ، منهم من يقول : ورد التعبد به ، وهم الأكثر ، وأطبق أصحابنا على المنع من ذلك الا شاذا [ منهم ].
1 ـ في نسخة : من
2 ـ في نسخة : فالقياس ما يصلح
3 ـ في نسخة : رافعا
4 ـ اضاف في نسخة : دليل


(188)
    لنا وجوه :
    الاول : ان العمل بالقياس عمل بالظن ، والعمل بالظن غير جائز ، أما الاولى فظاهرة. و [ أما ] الثانية : فبقوله تعالى : « ولا تقف ما ليس لك به علم » (1) وبقوله « ان الظن لا يغني من الحق شيئا » (2) وبقوله : « وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون » (3).
    لا يقال : مع وجود الدلالة عليه ، لا يكون عملا بالمظنون ، بل بالمقطوع به ، كالعمل بالشاهدين والحكم ( بالارش ) (4) واستقبال القبلة.
    لأنا نقول : وجد المنع فوجب طرده ، فإذا خرج ما أشرتم إليه وجب تناوله لما بقي ، عملا بمقتضى الدليل ، وسنبطل ما يزعمون أنه دليل على العمل به ، فيبقى ما ذكرناه من الدليل سليما عن المعارض.
    الثاني : أجمعت الامامية على ترك العمل به ، ونقل عن أهل البيت عليهم السلام المنع منه متواترا نقلا ينقطع به العذر.
    الثالث : لو تعبدنا بالعمل به لوجدت الدلالة عليه ، لكن الدلالة مفقودة ، فالعمل به غير جائز.
    أما الملازمة : فلان التكليف يستدعي وجود دلالة ، والا لكان التكليف به ـ من دون دلالة [ عليه ] ـ تكليفا بما لا سبيل إلى العلم به ، وهو تكليف بالمحال.
    وأما بطلان [ اللازم ] : فبالإستقراء.
    الرابع : لو ورد التعبد به ، لاشتهر ذلك بين أهل الشرع ، لكن ذلك
1 ـ الاسراء / 36
2 ـ يونس / 36
3 ـ البقرة / 169
4 ـ في نسخة : بالاروش.


(189)
باطل.
    أما الملازمة : فلان الاستدلال به مما يعم ، والوقائع التي تستدرك بالقياس كثيرة عندهم ، والعادة قاضية بأن مثل ذلك مما يشتهر العلم به ، فلما لم يشتهر دل على بطلانه.
    لا يقال : قد اشتهر ذلك بين الصحابة حتى أن خصومكم ( تدعي ) (1) الاجماع عليه.
    لأنا نقول : لو كان كذلك لما اختص الخصم بعلمه دوننا ، لما ذكرناه من عموم البلوى به ، وزوال الاغراض الباعثة على اخفائه.
    [ و ] احتج بعض أصحابنا [ أيضا ] : بأن القول بورود التعبد به مع بطلان الحجج التي ذكرها الخصم مما لا يجتمعان ، والثابت بطلانها ، فلا يكون التعبد به ثابتا.
    بيان أنهما لا يجتمعان : أن القائل بكونه حجة يتمسك في ذلك بالوجوه التي يذكرونها ، فهو يقول : انها حق والمنكر له يبطلها ويمنع من كونه حجة فالقول بكونه حجة مع أن تلك الحجج باطلة ، قول ليس لاحد ، فيكون منفيا.
    لا يقال : نحن نجوز أن يكون غير ما ذكر دليلا على كون القياس حجة ، فلا يلزم من القول ببطلان هذه الحجج بطلان القياس.
    لأنا نقول : مع القول بكونه حجة وتجويز وجود حجة لم يذهب ذاهب إلى القول ببطلان هذه الحجج المذكورة.
    واحتج الجمهور على وقوع التعبد به بوجوه معقولة ومنقولة.
    أما المعقول : فقالوا : القياس يفيد الظن ، والعمل بالظن واجب. أما افادة الظن فظاهرة ، وأما [ أن ] العمل بالظن واجب ، فلما ثبت من أن التحرز
1 ـ في نسخة : يدعون.

(190)
من الضرر المظنون واجب كالمعلوم.
    وأما المنقول : ( فوجوه ) (1) :
    الاول : قالوا : أجمعت الصحابة على العمل بالقياس ، فيكون حجة.
    أما أن الصحابة عملت به ، فلان بعض الصحابة عمل به ، ولم يظهر من الباقين انكار [ ه ] ، وقد بينا أن مثل ذلك حجة ، فيما سلف.
    أما أن بعض الصحابة عمل به فمن وجهين :
    أحدهما : أن الصحابة اختلفوا في مسائل كثيرة ، وليس تمسكهم فيها بالنص ، فتعين أنهم عولوا على الاجتهاد
    الثاني : انهم استدلوا في كثير من المسائل بالقياس وأشاروا إلى التشبيه بين المسائل ، كما قال ابن عباس : « ألا يتق الله زيد يجعل ابن الابن ابنا ، و لا يجعل أب الاب أبا ». وما روي من قول عمر لأبي موسى : « وقس الأمور برأيك ». وما روى عنه أنه قضى في زوج ، وأم ، واخوة لام ، وأخوة لاب و أم أن للام : السدس ، وللزوج : النصف ، وللاخوة من الام : الثلث ، فقال الباقون : « هب أن أبانا كان حمارا ، ألسنا من أم واحدة ؟! » فشرك بينهم ، وغير ذلك من المسائل.
    وأما أن الباقين لم ينكروا ، فلانه لو حصل ذلك لظهر ، لأن القياس من الاصول التي لو وقعت فيها المناكرة لظهرت.
    وأما أن مثل ذلك اجماع ، فلان سكوتهم لا يحتمل الا الرضا به ، لما عرف من تحرج الصحابة في انكار الباطل والمنع من العمل به.
    الوجه الثاني : قوله عليه السلام لمعاذ وأبي موسى : « بم تقضيان ؟ قالا : إذا لم
1 ـ في نسخة : فلوجوه.

(191)
نجد الحكم ( في ) (1) الكتاب والسنة ، نقيس الأمر بالأمر ، فما كان أقرب إلى الحق عملنا به. فقال : أصبتما ». وقوله عليه السلام لابن مسعود : « اجتهد برأيك ».
    الوجه الثالث : نبه النبي صلى الله عليه وآله على القياس ، وذلك اذن في العمل به ، أما تنبيهه فبقوله لعمر ـ وقد سأله عن القبلة ـ : « لو تمضمضت بماء ثم مججته أكنت شاربه ؟! » وقوله صلى الله عليه وآله للخثعمية : « أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان يجزي ؟ فقالت : نعم ، فقال صلى الله عليه وآله : فدين الله أحق أن يقضى ».
    الوجه الرابع : قوله تعالى : « فاعتبروا يا أولى الابصار » (2) والاستدلال بهذه الآية ضعيف.
    والجواب عن الاول : قوله : العمل بالظن واجب. قلنا : متى ؟ إذا أمكن العلم ، أو [ إذا ] لم يمكن ، ونحن قادرون على تحصيل الاحكام من ظواهر النصوص المعلومة ، سلمنا أنه لا طريق الهيا الا بالقياس ، لكن لا نسلم وجوب العمل بالظن ، إذ لو وجب ذلك ، لوجب العمل بقول الشاهد الواحد ، لا بل كان يجب العمل بقول المدعى بمجرده إذا غلب على ظن الحاكم صدقه ، حتى يمعل بقول مدعى النبوة من دون المعجز.
    لا يقال : منعت الأدلة من العمل بما ذكرته.
    لأنا نقول : لو كان الظن وجها لوجوب العمل ، لاطرد ذلك ، كما أن رد الوديعة لما كان وجها موجبا لم يختلف وجوب الفعل الذي يقع عليه ، [ على ] أن الدلالة قد منعت من ذلك ، وهو قوله تعالى : « وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون » (3).
1 ـ في بعض النسخ : من.
2 ـ الحشر / 2.
3 ـ البقرة / 169.


(192)
    وأما الجواب عن المنقول فنقول : لا نسلم أن الصحابة عملت به ، قوله : عمل بعض ولم ينكر الباقون ، قلنا : لا نسلم أن بعضا عمل ، قوله : اختلاف الصحابة مع استبعاد أن يكون مستندهم [ النص دليل على العمل. قلنا : لم لا يجوز أن يكون مستندهم ] النصوص ؟! والاستبعاد الذي ذكر تموه لا يفيد اليقين قوله : استدلوا على كثير من المسائل بالقياس. قلنا : هذا منقول بطريق الآحاد فلا يثمر العلم ، سلمنا [ صحة ] نقلها ، لكن لا نسلم أنهم استندوا في ذلك إلى القياس ، وان كان معنى القياس فيه موجودا.
    أما ( قصة ) (1) ابن عباس فانه يحتمل أنه رأى ابن الابن يسمى ابنا ، و كذلك أب الاب يسمى أبا ، ( فألزمه ) (2) التسوية ظنا أنه انما عمل ( في ) (3) أحدهما بوقوع الاسم عليه ، والاخر مثله في تناول اللفظ ، وليس ذلك قياسا.
    [ وأما ] قول عمر : « قس الأمور برأيك » فغاية ما أمره بالمقايسة ، فجائز أن يكون أراد التسوية في مدلولات الالفاظ.
    وأما ( الشركة ) (4) : فلا نسلم أن الاخوة للاب والام استدلوا بالقياس ، بل بطريق أن ولد الام يستحقون الثلث ، ومن كان من ولد الاب والام فهو من ولد الام.
    قوله : لو انكر الباقون لظهر. قلنا : أولا لا نسلم أن السكوت دليل الرضا فانه يحتمل وجوها كثيرة غير ذلك ، وقد ذكر [ نا ] ذلك في باب الاجماع ، سلمنا أنه يدل على الرضا ، لكن لا نسلم أنهم سكتوا ، ولم لا يجوز أن يكونوا
1 ـ في نسخة : قضية.
2 ـ في نسخة : لزمه.
3 ـ في نسخة : من ، وفي أخرى : بأحدهما.
4 ـ في نسخة : المشتركة.


(193)
أنكروا ذلك ، قوله : لو كان لنقل. قلنا : لا نسلم ذلك ، سلمنا [ ه ] لكن لا نسلم أنه يجب استمرار النقل حتى يتصل بنا ، ثم نقول : يجب أن ينقل ذلك متواترا أو آحادا ، الاول ممنوع ، والثاني مسلم ، وقد نقل الانكار في مواضع :
    منها : ما روي عن أبى بكر أنه قال : « أي سماء تظلني ؟! وأي أرض تقلني ؟! إذا قلت في كتاب الله برأيي ».
    وعن عمر أنه قال : « فان جاءك ما ليس في الكتاب والسنة ، فاقض بما أجمع عليه أهل العلم ، فان لم تجد فلا عليك أن لا تقضي ».
    وعن ابن عباس : « تتخذ الناس رؤساء جهالا يقيسون الأمور برأيهم ».
    وقال : إذا قلتم في دين الله بالقياس أحللتم كثيرا مما حرم الله ، وحرمتم كثيرا مما أحل الله ».
    والجواب عن خبر أبي موسى ومعاذ أن نقول : هو خبر واحد ، لا يجوز العمل به في مسألة علمية ، ثم هو مطعون فيه بوجوه : منها : أنه مرسل ، ومنها : أن بعض المحدثين روى أنه لما قال « اجتهد » قال رسول الله صلى الله عليه وآله « اكتب [ كتابا ] إلى ، أكتب اليك ».
    ثم نقول : لا نسلم أن قوله : « [ أجتهد ] برأيي » (1) اشارة إلى القياس ، بل كما يحتمل ذلك ، يحتمل أنه أراد الاجتهاد في العمل بدلالة الاصل ، ( وبدلالة ) (2) الاحتياط ، وغير ذلك من وجوه الاجتهاد ، ومع الاحتمال يجب التوقف.
    والجواب عن تنبيه النبي صلى الله عليه وآله على القياس أن نقول : هي أخبار آحاد لا توجب العمل في مسألة علمية ، على أنا نطالب بصحتها ، ولو سلمناها [ لما ]
1 ـ في نسخة : اجتهد برأيك.
2 ـ في بعض النسخ : ودلالة.


(194)
كان ذلك أمرا بالقياس ، لأن التشبيه لا يقتضي تعدي الحكم ، كما لو قال : عبدى ( سالم ) حر لأنه حبشي ، لم يغلب على الظن أنه يريد عتق كل حبشي له.
    وأما الآية : فبعيدة عن الدلالة على مرادهم ، لأن ظاهرها الأمر بالاتعاظ فأين ذلك من قياس الفرع على الاصل ؟!.


(195)
معارج الاصول ::: فهرس