مبادئ الوصول إلى علم الاصول ::: 106 ـ 120
(106)
    فإن ظن جماعة فعل غيرهم له ، سقط عنهم ، وإلا فلا.
    ولو ظن كل طائفة قيام غيرهم به ، يسقط عن الجميع.

في : وجوب ما يتوقف عليه الواجب المطلق
    الواجب : قسمان (1) ، مطلق : كالصلاة ، ومقيد : كالزكاة.
    فالثاني : لا يستلزم وجوب ما يتوقف عليه من القيد.
    والاول : يستلزم وجوب ما لا يتم إلا به ، إذا كان مقدورا
منهم يستحقون العقاب.
كما يستحق الثواب ، كل من اشترك في فعله.
وأمثلة الواجب الكفائي كثيرة في الشريعة : منها تجهيز الميت والصلاة عليه ، ومنها إنقاذ الغريق ونحوه من التهلكة ، ومنها ازالة النجاسة عن المسجد ، ومنها الحرف والمهن والصناعات التي بها نظام معايش الناس. ومنها طلب الاجتهاد ، ومنها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
« أصول المظفر : 1 / 93 »
1 ـ أحدهما : ما يكون وجوبه مشروطا بأمر زائد على الامور المعتبرة في التكليف ، كالزكاة المتوقف وجوبها على حصول المال ، والحج المتوقف وجوبه على الاستطاعة.
وثانيهما : ما لا يكون كذلك ، وهو الواجب المطلق ، كالصلاة الواجبة في حال الطهارة والحدث ، إلا أن وقوعها مشروط بالطهارة. « هوامش المسلماوي : ص 20 »


(107)
    لان الامر ورد مطلقا ، فلو لم تجب المقدمة ، لكان الفعل واجبا ، حال عدمها (1) ، وهو تكليف ما لا يطاق.

في : أن الامر بالشيء يستلزم النهي عن ضده
    قد بينا : أن الامر يستلزم الوجوب ، ولا بد في الوجوب من المنع من الترك.
    فالامر : يستلزم النهي عن الترك ، وليس هو نفسه ، كما ذهب إليه من لا تحصيل له (2).
1 ـ مرجع الضمير : المقدمة.
2 ـ وهو القاضي أبو بكر في أحد قوليه.
قال القاضي إبو بكر في قوله الآخر : إن الامر بالشيء عين النهي عن ضده ، لان طلب السكون ، عين طلب ترك الحركة.
فهو طلب واحد ، بالنسبة إلى السكون أمر ، وبالنسبة إلى ترك الحركة نهي.
وأجيب عنه : بالمنع من الاتحاد. لان الحركة والسكون شيئان وجوديان وعدم أحدهما ليس هو وجود الآخر. « هوامش المسلماوي : ص 20 »


(108)
في : أنه إذا نسخ الوجوب بقي الجواز
    والدليل عليه : أن الوجوب ماهية مركبة ، من الاذن في الفعل ، والمنع من الترك.
    ورفع المركب ، لا يستلزم رفع جزئيه معا ، بل أحدهما لا بعينه.
    وإنما قلنا : ببقاء الجواز ، لوجود اللفظ الدال عليه ، وهو الامر.

في : امتناع التكليف بالمحال
    تكليف ما لا يطاق : قبيح بالضرورة (2) ، والله تعالى لا يفعل لحكمته ، فاستحال منه وقوع التكليف بالمحال.
1 ـ لان العقل يحكم : بأن القبيح إنما يفعل لاحد الشيئين ، إما للجهل إو لاجل الاحتياج إليه ، والله تعالى منزه عنها. لكونه عالما بالذات غنيا بالاطلاق.
« غاية البادي : ص 98 »

(109)
    ونزاع الاشعرية (1) في ذلك : باطل ، وقد بيناه في كتبنا الكلامية.
    ومن هذا الباب : تكليف المكره ، إن بلغ الاكراه إلى حد الالجاء (2) وإلا كان جائزا.

في : أن التكليف بالفروع لا يتوقف على الايمان
    ذهبت الحنفية (3) إلى أن الكفار غير مخاطبين بفروع
1 ـ الاشاعرة والاشعرية : نسبة تمثل رواد مذهب كلامي ، في أصول الدين مؤسسه : أبو الحسن علي بن اسماعيل الاشعري ، في أواخر القرن الرابع الهجري. ومن جملة مبادئه : أن الباري عالم بعلم ، قادر بقدرة ، حي بحياة ، مريد بإرادة ، متكلم بكلام ، سميع بسمع ، بصير ببصر. ومن أبرز أقطابه : القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ، وأبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني ، وأبو إسحاق ابراهيم بن محمد الاسفراييني ، وأبو الحسن مقاتل بن سليمان الخراساني.
الملل والنحل : 1 / 127 ـ 145 ، والابانة عن اصول الدين : 1 / 1 ـ 17 ومقالات الاسلاميين : 1 / 1 ـ 688.
2 ـ وهو الذي لا يبقى معه قدرة واختيار للشخص.
« هوامش المسلماوي : ص 21 »
3 ـ الحنفية : نسبة تمثل رواد مدرسة فقهية ، في فروع الدين ، تعتمد الراي في استنباط أحكامها مؤسسها أبو حنيفة في مطلع النصف الثاني


(110)
العبادات (1).
    وهو خطأ : لقيام المقتضي (2) ، وهو الامر مع إنتفاء المانع ، إذ المانع عندهم هو الكفر لا غير ، وهو لا يصلح للمانعية.
    لان الكافر : يتمكن من الايمان (3) ، حتى يتمكن من الاتيان بالفروع.
    ولانه تعالى يعاقبهم على ذلك لقوله تعالى : « ما سلككم في سقر ، قالوا لم نك من المصلين » [ 74 / 42 ].
    احتجوا (4) : بأنه حال الكفر لا يصح منه ، وبعده يسقط
من القرن الثاني الهجري. ومن جملة أعلامها : أبو يوسف ، والشيباني كما وشاع مذهبهم خاصة : في الشرق الادنى ، وفي آسيا الوسطي ، والهند روضات الجنات : ص 732 ، المنجد : ص 168 وغيرهما من المصادر
1 ـ كالصلاة والزكاة سواء كان مأمورا به ، أو منهيا عنه.
وانما قيده بفروع العبادات ، لان الكفار مخاطبون باصول العبادات كالايمان بلا خلاف.
وإنما قلنا : سواء كان مأمورا به أو منهيا عنه ، لان بعضهم ذهب إلى أنهم مكلفون بالنواهي دون الاوامر ، بخلاف الحنفية ، فإنهم يقولون أنهم غير مكلفين مطلقا.
« هوامش المسلماوي : ص 21 »
2 ـ لوجوب هذه العبادات.
« هوامش المسلماوي : ص 22 »
3 ـ أي من إزالة المانع باختيار الايمان ، كالمحدث : فإنه يتمكن من الصلاة بإزالة المانع ، وهو الحدث.
« هوامش المسلماوي : ص 22 »
4 ـ أي الحنفية : على أن الكفار غير مخاطبين ...
« هوامش المسلماوي : ص 22 »

(111)
عنه (1).
    والجواب : أن المراد بالوجوب هنا (2) ، مؤاخذتهم على تركها في الآخرة ، مع استمرار كفرهم (3).

في : أن الامر يقتضي الاجزاء
    الحق !! ذلك.
    والمراد بالاجزاء : خروجه عن عهدة التكليف ، بفعل المأمور به على وجهه.
    لانه لولا ذلك : لكان الامر إما أن يتناول عين ما فعل فيلزم تحصيل الحاصل ، أو غيره ، فلا يكون المأتي به تمام ما أمر به ، والتقدير خلافه.
    وذهب أبو هاشم : إلى أنه لا يقتضيه (4) ، لان الحج الفاسد
1 ـ أي عن الكافر : جميع التكاليف السابقة ، بالاجماع.
« هوامش المسلماوي : ص 22 »
2 ـ أي في قولنا : أن الفروع واجبة على الكفار.
« هوامش المسلماوي : ص 22 »
3 ـ وعدم صحة الامتثال حال كفرهم ، لا ينافي الوجوب بالمعنى المذكور.
« هوامش المسلماوي : ص 22 بتصرف »
4 ـ مرجع الضمير : الاجزاء.


(112)
مأمور به ، ولا يجزئ.
    والجواب عنه : أنه مجز بالنسبة إلى الامر الوارد به (1). وغير مجز بالنسبة إلى الامر الاول.

في : أن الاخلال هل يقتضي وجوب القضاء
    الحق !! إن الامر إن كان مقيدا بوقت ولم يفعل فيه ، لا يقتضي وجوب القضاء ، وإنما يجب القضاء بأمر جديد (2).
1 ـ مرجع الضمير : ثانيا ، كما في هامش المصورة : ص 16.
2 ـ والذي يدل على ذلك : هو أن الامر ، إذا كان معلقا بوقت دل على أن ايقاعه في ذلك الوقت مصلحة.
فمتى لم يفعل في ذلك الوقت ، فمن أين يعلم أنه مصلحة في وقت آخر ؟ ويحتاج في العلم بذلك إلى دليل آخر ؟
وعلى هذا قلنا : أن القضاء فرض ثان يحتاج إلى دليل آخر ، غير الدليل الذي دل على وجوب المقتضي.
وليس لاحد أن يقول : أن الامر يدل على وجوب المأمور به ، وأنه مصلحة ، وليس للاوقات تأثير في ذلك ، فينبغي أن يكون ايقاعه مصلحة أي وقت شاء.
وذلك : أنه لا يمتنع أن يكون للاوقات تأثير في كون الفعل مصلحة فيه ، حتى إذا فعل في غيره كان مفسدة.
والذي يكشف عن ذلك : أن صلاة الجمعة لا خلاف أنها مصلحة ،


(113)
    لان الامر الاول : لا يتناول ما عدا وقته ، فلا يدل عليه
    ولان أوامر الشرع : تارة يستعقب القضاء ، وتارة لا يستعقبه (1).
    فدل على أن مجرد الامر الاول ، غير كاف في القضاء.

الامر بالامر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء
    لان قوله « عليه السلام » : « مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع » (2) لا يقتضي الوجوب.
    والامر بالماهية الكلية ، ليس أمرا بشيء من جزئياتها ، لان الكلي مغاير للجزئي ، وغير مستلزم له.
وواجبة في وقت معين ، ومن لم يفعلها فإنها تسقط عنه ، لا يجوز له فعلها في وقت آخر.
« عدة الاصول : 1 / 81 »
1 ـ كصلاة الجنازة ، كما في هامش المصورة : ص 17.
2 ـ سنن ابن داود : ك 2 ب 26 ص 115 ، ومصادر أخر مذكورة في الوسائل : 1 / 171.


(114)
في : أن المعدوم غير مأمور
    الاشاعرة : خالفت سائر العقلاء في ذلك.
    والدليل عليه : أن الامر من غير مأمور عبث.
    وهو قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح.
    والنبي « عليه السلام » : غير آمر لنا حقيقة ، بل هو مخبر عن الله تعالى ، بأنه يأمر كل واحد بما جاء به ، حال وجوده.
    وكذلك الغافل غير مأمور : لان تكليف من لا يعلم الخطاب ـ حال التكليف ـ ، تكليف بما لا يطاق.
    ولقوله عليه السلام : « رفع القلم عن ثلاث ... » (1) ، الحديث.

في : ما يجب على المأمور
    يجب على المأمور قصد الطاعة : لقوله تعالى : « وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين » [ 98 / 6 ].
1 ـ الجامع الصغير : 2 / 24 ، وكشف الخفاء : 1 / 434.

(115)
    ولقوله عليه السلام : « إنما الاعمال بالنيات ... » (1).
    وهذا حكم واجب في كل عبادة ، سوى شيئين : النظر المعرف للوجوب ، وإرادة الطاعة (2).

في : وقت تعلق الامر
    المأمور : يصير مأمورا قبل الفعل ، لان القدرة شرط الامر وهي إنما تتحقق قبل الفعل ، لان الفعل حال وجوده واجب ، فلا قدرة عليه ، فلا يتعلق به أمر.
    وعند الاشاعرة : أنه مأمور حال الفعل ، لانه (3) حال القدرة. وقد بينا فساده في علم الكلام.
1 ـ صحيح البخاري : ك 1 ب 1 ص 4 ، ومصادر أخر مذكورة في مفتاح كنوز السنة : ص 512.
2 ـ فإن إيقاعه على وجه الطاعة غير ممكن ، لان فاعله لا يعرف وجوبه عليه ، ولا كونه مأمورا به ، إلا بعد اتيانه به.
وهذا يأتي على رأي الاشاعرة ، القائلين بوجوبه شرعا.
أما نحن والمعتزلة فلا ، لان وجوب النظر عندنا عقلي ، غير مستفاد من الامر.
« هوامش المسلماوي : ص 25 »
3 ـ مرجع الضمير : حال الفعل ، كما في هامش المصورة : ص 18.


(116)
في : النهي
    الخلاف في أن النهي يقتضي التحريم ، كالخلاف في أن الامر يقتضي الوجوب.
    والحق !! أنه يقتضيه (1).
    لقوله تعالى : « وما نهاكم عنه فانتهوا » ، [ 59 / 8 ] ووجوب الانتهاء يستدعي تحريم المنهي عنه ، وفي اقتضائه التكرار كما قلنا في الامر.
    وهل يجوز أن يكون الشيء الواحد : مأمورا به منهيا عنه ؟ كالصلاة في الدار المغصوبة.
    الوجه : عدم الجواز ، لان كونه مأمورا به يستلزم نفي الحرج ، وكونه منهيا عنه يستلزم ثبوت الحرج.
    والجمع بينهما محال : فإن شغل الحيز ، جزء من ماهية الصلاة ، وهو منهي عنه.
    والامر بالصلاة أمر بأجزائها.
    فيلزم الامر بذلك : الشغل والنهي عنه ، وهو محال.
1 ـ مرجع الضمير : التحريم.

(117)
في : أن النهي هل يتقضي الفساد
    الحق !! أنه يقتضي الفساد ، في العبادات لا في المعاملات
    أما الأول : فلانه لم يأت بالمأمور به ، فيبقى في عهدة التكليف
    وأما الثاني : فلامكان النهي عن البيع (1) ، مع وقوع الملك به ، كما في وقت النداء (2).
    ولا ينتقض بالعبادات : لان الفساد هناك معناه عدم الاجزاء (3) ،
1 ـ والدليل على أن النهي لا يدل على الفساد في المعاملات : إن الدلالة اما لفظية وإما معنوية ، وكلتاهما منتفيتان ، أما الاولى : فلان النهي لا يدل من حيث اللفظ ، إلا على المنع من الفعل ، منعا مانعا من النقيض ، وهذا المفهوم غير مفهوم الفساد ، وأما الثانية : فلان المراد من الدلالة أن يكون لمسمى اللفظ لازم ، يلزم من فهمه فهم ذلك اللازم وليس مفهوم الفساد لازما لمسمى النهي.
« غاية البادي : ص 120 ـ 121 »
2 ـ أي وقت نداء الجمعة : فإن البيع هذا الوقت منهي عنه ، لقوله تعالى : « إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع »
« هوامش المسلماوي : ص 26 »
3 ـ أي عدم موافقتها لامر الشارع.
« المصدر السابق نفسه »

(118)
    وهنا !! معناه عدم ترتب حكمه (1) عليه (2) ، ومع اختلاف التفسير لا يتم النقض.
    واعلم : أن النهي كما لا يدل على الفساد في التصرفات ، كذا لا يدل على الصحة (3).
1 ـ مرجع الضمير : الفساد ، كما في هامش المصورة ص 19.
2 ـ ومن أحكام الفساد : انه لا يجوز التصرف في المبيع بالبيع الفاسد
« هامش المصورة : ص 19 »
3 ـ اعلم : أن النهي كما لا يدل على الفساد في المعاملات ، كذلك لا يدل على الصحة ، بعين المذكورة ، وإن استفيد الصحة ، استفيد من دليل خارجي.
« غاية البادي : ص 121 »

(119)
    الفصل الرابع
في : العموم والخصوص
وفيه : مباحث


(120)
في : العام والخاص
    العام : هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له (1) ، بحسب وضع واحد (2).
    والمطلق : هو اللفظ الدال على الحقيقة ، من حيث هي هي من غير أن يكون فيه دلالة ، على شيء من القيود (3).
    وصيغ العموم : كل (4) .. وأي (5) ؟ ..
1 ـ كما قال أبو الحسين ، نقلا عن منتهى الوصول : ص 74.
2 ـ احترز عن المشتركة : فإنه بحسب الوضع الواحد ، لا يكون مستغرقا لمفهوماته ، فلا يكون عاما
« هوامش المسلماوي : ص 27 »
3 ـ من الوحدة والتكرار.
« المصدر السابق نفسه »
4 ـ لفظ كل : إذا دخلت في الكلام ، فإنها تفيد الاستغراق ، سواء دخلت للتأكيد أم لغير ذلك.
أما ما يدخل للتأكيد ، نحو قول القائل : رأيت الرجال كلهم ، فإن ذلك يفيد الاستغراق.
وما يدخل لغير التأكيد ، نحو قول القائل : كل رجل جاءني اكرمته ، وكل عبد لي فهو حر.
وعلى هذا قوله تعالى : « كل ما القي فيها فوج سألهم خزنتها ... »
« العدة : 1 / 105 بتصرف »
5 ـ فإنها تستغرق ما يعقل وما لا يعقل ، وهي أعم من اللفظتين معا.
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ::: فهرس