مبادئ الوصول إلى علم الاصول ::: 151 ـ 165
(151)
في : حمل المطلق على المقيد
    إن كان حكم المطلق مخالفا لحكم المقيد ، لم يحمل المطلق عليه (1).
    وإن ماثله : فإن اتحد السبب (2) ، حمل المطلق عليه.
التسوية من جميع الوجوه ، بل يقتضي التسوية في الحكم فقط ، وذلك حاصل بين هاهنا.
« غاية البادي : ص 78 »
1 ـ نحو قول الآمر لمن تجب طاعته : اشتر رقبة واعتق رقبة مؤمنة وفي هذا الوجه لا يحمل المطلق على المقيد إتفاقا.
إلا إذا دعت إلى ذلك ضرورة ، كما لو قال : اعتق رقبة ، ولا تتملك إلا رقبة مؤمنة ، فإن النص الثاني ناه عن تملك غير المؤمنة ، والاول موجب لعتق رقبة ، فيتعين أن يراد بها المؤمنة ، للتمكن من الامتثال.
« أصول الفقه للخضري : ص 212 بتصرف »
2 ـ كما لو قال مثلا : ـ في كفارة الظهار ـ : « اعتقوا رقبة » ، ثم قال : « اعتقوا رقبة مسلمة » ، وجب تقييد المطلق بالمسلمة ، لان الآتي بالمطلق ليس بآت بالمقيد ، والآتي بالمقيد آت بالمطلق ، فيكون أولى ، لانه جمع بين الدليلين ، وانما قلنا إن الآتي بالمقيدات بالمطلق ، لان المطلق جزء من المقيد ، والآتي بالكل لا محالة يكون آتيا بالجزء.
« غاية البادي : 79 ـ 80 »

(152)
    وإن اختلف ، لم يجب الحمل إلا بدليل منفصل (1).
    وقال بعض الشافعية : تقييد أحدهما يقتضي تقييد الآخر لفظا وهو خطأ (2) ، لانه لو قال الشارع : أو جبت أي رقبة كانت في الظهار ، لم يناف التقييد بالايمان في القتل (3).
1 ـ كما لو قال مثلا في كفارة الظهار : « اعتق رقبة » ، وفي كفارة القتل : « اعتق رقبة مؤمنة » ، فلا يحمل المطلق على المقيد.
2 ـ قالت الشافعية : كلام الله واحد ، فإذا نص على الايمان في كفارة القتل لزم في الظهار ، وليس بسديد ، فإنه إن أريد المعنى القائم به ، فهو وإن كان واحدا ، إلا أن تعلقاته تختلف باختلاف المتعلقات فلا يلزم من تعلقه بأحد المختلفين ، بالاطلاق أو التقييد أو العموم أو الخصوص أو غير ذلك ، تعلقه بالآخر بذلك ، وإلا لزم أن يكون أمره ونهيه بأحد المختلفات أمرا ونهيا بالجميع ، وهو محال ....
« منتهى الوصول : ص 100 بتصرف »
3 ـ فلان الشارع لو قال : في كفارة القتل أوجبت رقبة مؤمنة وفي كفارة الظهار أوجبت رقبة كيف كانت ، لم يكن بينهما تناقض ، وحينئذ تقييد احداهما لم يقتض تقييد الآخر.
احتجوا : بأن القرآن كالكلمة الواحدة ، ولذلك لما قيد الشهادة بالعدالة في موضع ، لم يحتج تقييدها في سائر المواضع.
والجواب : إن القرآن كالكلمة الواحدة في عدم التناقض فيه ، لا في كل شئ.
وإلا لوجب تقييد جميع العمومات والمطلقات بكل خاص ومقيد.
وأما تقييد الشهادة في سائر الصور فبالاجماع.
« غاية البادي : ص 81 »

(153)
    الفصل الخامس
في : المجمل والمبين وفيه : مباحث


(154)
« في : بعض التعاريف »
    البيان : هو الذي دل على المراد ، بخطاب لا يستقل بنفسه في الدلالة على المراد (1).
    والمبين : يطلق على المستغني عن البيان (2) ، وعلى ما ورد عليه بيانه (3).
    والمجمل : ما أفاد شيئا معينا في نفسه (4) ، واللفظ
1 ـ انما قال : الذي دل عليه ، ولم يقل : خطاب دل ، ليشمل القول والفعل.
وقوله : بخطاب لا يستقل ، يتعلق الجار والمجرور بالمراد ، لا ب‍ « دل » وإلا لزم أن يكون البيان غير مستقل في الدلالة ، فيحتاج إلى بيان آخر.
وإنما قيد عدم الاستقلال بقوله : بنفسه ، لانه يعرض له الاستقلال بالبيان.
وقيده : بالدلالة على المعنى ، لانه لو كان عدم الاستقلال لا على هذه الجهة ، لا يسمى بيانا.
« غاية البادي : ص 82 »
2 ـ وهو ما كان مستقلا في الدلالة على المراد في الاصل ، نحو « قل هو الله أحد ».
« غاية البادي : ص 82 »
3 ـ وهو : ما لم يكن مستغنيا في الاصل ، لكن طرأ عليه البيان نحو « أقيموا الصلاة ».
« غاية البادي : ص 82 »
4 ـ مثل القرء.
« هامش المصورة : ص 28 »

(155)
لا يعينه (1).
    والتأويل : إحتمال يعضده دليل (2) ، يصير به أغلب على الظن ، من الذي دل الظاهر عليه (3).
    ثم المجمل : قد يكون لفظا ، باعتبار إرادة خلاف الظاهر منه ، كالعام المخصوص (4).
1 ـ قوله : واللفظ لا يعينه ، ليخرج ما كان متعينا عند المتكلم ، واللفظ يدل على التعيين ، فإنه ليس بمجمل.
« غاية البادي : ص 83 »
2 ـ قولنا : بدليل يعضده : احترازا عن التأويل من غير دليل ، فإنه ليس تأويلا صحيحا.
وقولنا : بدليل ، يعم القاطع والظني ، فعلى ذلك تبين أن التأويل لا يتطرق إلى النص ، ولا إلى المجمل ، وإنما يتطرق إلى الظاهر لا غير.
« غاية البادي : 85 »
3 ـ فإن قوله تعالى : « يد الله فوق أيديهم » يحتمل أن يكون المراد من اليد القدرة ، ويحتمل أن يكون الجارحة ، والاحتمال الاول مرجوح بالنسبة إلى اللفظ ، وهو مقوي بالدليل العقلي ، بحيث صار راجحا مع ذلك الدليل ، فهذا الاحتمال المرجوح من حيث اللفظ ، الراجح بدليل آخر عقلي أو سمعي ، هو التأويل.
« غاية البادي : 85 »
4 ـ أي : كالعام المخصوص بمجمل ، سواء كان متصلا أو منفصلا.
مثال المتصل قوله تعالى : « وأحل لكم ما وراء ذلكم إن تبتغوا بأموالكم محصنين » ، وقوله تعالى : « أحلت لكم بهميمة الانعام إلا ما يتلى عليكم » ، فإن الله تعالى قد خص العام الاول بصفة الاحصان ، والثاني بما استثني عنه ، وهما مجملان يحتاجان إلى البيان.


(156)
    أو لا (1) ، كالمتواطئ والمشترك.
    وقد يكون فعلا ، باعتبار عدم ما يدل على جهة وقوعه (2).

« في : ورود المجمل »
    يجوز ورود المجمل في كلام الله تعالى ، وكلام الرسول « ص » لامكانه في الحكمة ، ووقوعه فيهما.
ومثال المنفصل قوله تعالى : « اقتلوا المشركين » ، وقال الرسول : المراد بعضهم.
وأعلم : أن المصنف أطلق القول في ذلك ، وجعل كل العام المخصوص مجملا ، سواء خص بمجمل أو لا ، وفيه نظر.
« غاية البادي : ص 86 »
1 ـ وهو : الاسماء التي علم أن حقائقها غير مرادة ، ويكون له مجازان ، لم يكن أحدهما أولى من الثاني ، وهذا القسم لم يذكره المصننف صريحا بل إيماء ».
« غاية البادي : ص 86 »
2 ـ الفعل من حيث هو فعل ، لم يدل على جهة وقوعه ، من الوجوب والندب والاباحة ، ما لم يقترن به ما يدل عليها ، فالفعل إذا تجرد عن القرينة ، يكون مجملا محتاجا إلى أن يبين ، أنه على أي وجه وقع من وجوهه.
« غاية البادي : ص 86 ـ 87 »

(157)
« في : أشياء ليست مجملة وظن أنها كذلك »
    فمنها : التحليل والتحريم المضافان إلى الاعيان ، خلافا للكرخي (1) ، لافادتهما المعنى المطلوب من تلك الذات (2).
    ومنها : قوله تعالى : « وامسحوا برؤوسكم » [ 5 / 7 ] ، خلافا لبعض الحنفية.
    لان الباء : إما للتبعيض ، وإما للقدر المشترك بين الجميع والبعض ، ومعهما لا إجمال (3).
1 ـ عبيد الله بن الحسين الكرخي ، أبو الحسن : فقيه ، انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق. مولده في الكرخ سنة 260 ه‍ ، ووفاته ببغداد سنة 340 ه‍. له « رسالة في الاصول التي عليها مدار فروع الحنفية ـ ط » و « شرح الجامع الصغير » و « شرح الجامع الكبير ».
« أعلام الزركلي : 4 / 347 بتصرف »
2 ـ ذهب أبو عبد الله البصري وحكاه أبو الحسن الكرخي !! إلى أن قوله : « حرمت عليكم الميتة » ، وما أشبههما من الآيات التي علق التحريم فيها بالاعيان ، مجمل.
وذهب أبو على وأبو هاشم ، إلى أن ذلك مفهوم من ظاهره ، وليس بمجمل.
« العدة : 2 / 8 »
3 ـ والذي نقوله في هذه الآية : ان الباء تفيد التبعيض على ما بيناه


(158)
    ومنها : الفعل المنفي : خلافا لابي عبد الله البصري ، لان الاضمار لابد منه ، وإضمار الصحة أولى ، لانه أقرب مجاز إلى الحقيقة (1).
    ومنها : آية السرقة ، ليست مجملة في اليد ولا القطع ، لان اليد الموضوعة للعضو ، من المنكب ، واستعماله في البعض
فيما مضى ، من أنها إنما تدخل للالصاق إذا كان الفعل لا يتعدى إلى المفعول به بنفسه ، فيحتاج إلى إدخال الباء ليلصق الفعل به.
فأما إذا كان الفعل مما يتعدى بنفسه ، فلا يجوز أن يكون دخولها لذلك.
فإذا ثبت ذلك ، فقوله فامسحوا برؤوسكم ، يتعدى بنفسه ، لانه يحسن أن يقول : امسحوا رؤوسكم ، فيجب أن يكون دخولها لفايدة اخرى وهي التبعيض.
إلا أن ذلك البعض ، لما لم يكن معينا ، كان مخيرا بين أي بعض شاء ، فإن علم بدليل أنه أريد منه موضع معين لا يجوز غيره وقف ذلك على البيان ، وصارت الآية مجملة من هذا الوجه.
« العدة : 2 / 9 »
1 ـ أقول : اختلفوا في قوله « ع » : لا صلاة إلا بطهور ، ولا صيام لمن لم يبيت الصيام ، ولا صلاة الا بفاتحة الكتاب ، ونحو ذلك.
فقال القاضي أبو بكر وأبو عبد الله البصري : أن ذلك مجمل ، لان حرف النفي دخل على هذه الحقايق مع تحققها ، فلابد من إضمار حكم من الاحكام ، كالصحة والكمال ، إذ في إضمار كل أحكامها مخالفة الدليل اكثر ، فيجب الامتناع عنه ، والبعض ليس اولى من البعض ، فثبت الاجمال.


(159)
على سبيل المجاز ، وأما القطع فهو الابانة (1).
ومنع ذلك الباقون : وهو الحق !!
وبيانه يتوقف على مقدمة : وهي أن اللفظ إذا ورد من الشارع ، وجب حمله على الحقيقة الشرعية ، فإن لم يكن فعلى حقيقته العرفية ، فإن لم يكن فعلى حقيقته اللغوية.
فإن كثرت الحقايق ، يحمل على حقيقة ضمت إليها قرينة من القرائن ، وإن لم يكن قرينة ثبت الاجمال.
وكذلك : إذا تعذر حمله على الحقيقة ، ويكون له مجازات ، يحمل على أقرب مجاز إلى تلك الحقيقة.
فإن تساوت المجازات ، ثبت الاجمال.
إذا ثبتت هذه المقدمة فنقول : وجب حمل هذه الالفاظ على حقايقها الشرعية.
ولو سلم تعذر ذلك : يحمل على نفي الفائدة ، إذ هو المعهود من عرف اللغة ، كما يقال : لا علم إلا ما نفع ، ولا كلام إلا ما أفاد.
ولو سلم أيضا نفي ذلك : يحمل على أقرب مجاز إلى الحقيقة ، وهي نفي الصحة لان نفي الصحة أشبه شيء بنفي الحقيقة ، وعلى هذه التقادير لا إجمال.
« غاية البادي : ص 90 ـ 91 »
1 ـ أقول : اختلفوا في قوله تعالى : « والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ».
فقال بعضهم : إنها مجملة من جهة اليد والقطع.
أما اليد : فلانها تطلق إلى المنكب وإلى المرفق وإلى الكوع ، وليس أحد الاحتمالات أولى من الآخر ، فتكون مجملة.
وأما في القطع : فلان القطع يطلق على البينونة وعلى السف ،


(160)
    ومنها قوله « عليه السلام » : « رفع عن امتي الخطأ والنسيان » (1) لان المراد منه رفع المؤاخذة (2).
كما يقال برئ القلم فقطع يده.
وقال آخرون : إنها ليست مجملة.
أما اليد : فإنها وإن اطلقت على ما ذكروه ، لكنها حقيقة إلى المنكب ، مجار فيما دونه ، ولذلك يصح أن يقال لما دون المنكب بعض اليد ، فيكون ظاهرا في جملة اليد ، فلا يكون مجملا.
وأما القطع : فهو حقيقة للابانة ، والسف إبانة لكن إبانة ذلك الجزء المخصوص ، وقولهم فلان قطع اليد في الشق ، مجاز في اليد ، إطلاق الكل على الجزء ، والقطع مستعمل في حقيقته ، هكذا قيل.
« غاية البادي : ص 92 »
1 ـ الجامع الصغير : 2 / 24 ، وكشف الخفاء : 1 / 433.
2 ـ قال بعضهم : إن قوله « عليه السلام » : « رفع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » ، مجمل ، لان الخطأ ليس بمرفوع عنهم قطعا ، فوجب أن يكون المرفوع حكما من الاحكام.
والجواب : أن المراد رفع المؤاخذة ، لان السيد إذا قال لعبده ، رفعت عنك الخطأ ، ينصرف عرفا إلى رفع المؤاخذة.
فكذلك إذا قال الرسول « ع » ينصرف إلى رفع المؤاخذة في الاحكام الشرعية ، بحسب العرف.
« غاية البادي : ص 93 »

(161)
في : تأخير البيان
    قد وقع الاجماع : على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق.
    وأما تأخيره عن وقت الخطاب : فقد منع أبو الحسين من تأخير البيان ، فيما له ظاهر وقد استعمل في خلافه (1) ، وزعم أن البيان الاجمالي كاف فيه ، وجوز تأخير البيان ، فيما ليس له ظاهر ، إلى وقت الحاجة.
    والاشاعرة : جوزوا التأخير مطلقا (2).
    احتج أبو الحسين : بأن القصد من الخطاب الافهام ، وإلا كان عبثا.
    فإن كان المراد إفهام ظاهره مع عدم إرادته ، كان إغراء بالجهل.
    وإن كان غير ظاهره مع عدم بيانه ، لزم تكليف ما لا يطاق.
    أحتجت الاشاعرة : بأن الله تعالى كلف بني إسرائيل
1 ـ كالعام في الخصوص ، والنكرة إذا أريد بها معين ، والاسماء الشرعية.
« المعارج : ص 57 »
2 ـ أي : فيما له ظاهر أم لا.
« هامش المصورة : ص 29 »

(162)
ذبح بقرة معينة.
    لقوله تعالى : « قالوا : ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ؟ » [ 2 / 69 ] (1) ، ثم إنه تعالى ما بينها حتى سألوا.
    ولقوله تعالى : « فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ، ثم إن علينا بيانه » [ 75 / 19 ]. وثم للتراخي (2).
    والجواب : أنهما دلتا على تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو غير جائز إجماعا ، فلابد من التأويل (3).
1 ـ هكذا في المطبوعة ، وفي المصورة : ص 30 « لقوله : انها بقرة ، ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ؟ ».
2 ـ هاتان حجتان للاشاعرة على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب
« غاية البادي : ص 95 »
3 ـ الجواب : ان الآيتين كما دلتا بظاهرهما على تأخير البيان عن وقت الخطاب ، كذلك دلتا على تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولما كان هذا باطلا بالاجماع ، فكذلك ذاك.
    أما الاولى : فلان وقت خطابهم بذبح بقرة ، كانوا محتاجين إلى الذبح ولذلك سألوا سؤالا بعد سؤال.
    وأما الثانية : فلان الضمير ان عاد إلى بعض القرآن ، فلا دلالة فيها على محل النزاع ، وان عاد إلى الجميع ، دل على جواز التأخير عن وقت الحاجة أيضا ، ودل أيضا على احتياج جميع القرآن إلى البيان ، وذلك لم يقل به أحد.
    إذا ثبت ذلك : فلابد من تأويل الآيتين.
    أما الاولى فنقول : ان المأمور به في الحالة الاولى بقرة غير معينة ،


(163)
« في : جواز سماع المكلف العام من غير سماع ما يخصصه »
    يجوز أن يسمع المكلف العام من غير أن يسمع ما يخصصه خلافا لابي علي ، ولابي الهذيل (1).
    لانه : يجوز في المخصوص بدليل العقل ، وإن لم يعلم السامع في العقل ما يدل عليه عندهما.
    فكذا هنا ، وقد سمعوا « ... اقتلوا المشركين » [ 9 / 6 ] ،
ولذلك أتى بلفظة بقرة منونة ، وما كانوا محتاجين إلى البيان ، بل أي بقرة ذبحوها وقع الامتثال للامر. ثم لما سألوا ، نسخ الله تعالى تلك ، وأوجب بقرة معينة بالصفات المذكورة. وهكذا مروي عن ابن عباس ، فإنه قال : لو ذبحوا أي بقرة أرادوا لاجزأت ، لكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم.
    وأما الثانية فنقول : لا نسلم أن لفظة ثم للتراخي في الجمل ، بل في المفردات سلمناه ، لكن لا نسلم أن المراد تأخير مطلق البيان ، سواء كان تفصيليا أو إجماليا ، ولم لا يكون المراد من البيان ، البيان التفصيلي ، وذلك لا ننكره نحن.
« غاية البادي : ص 96 ـ 97 »
1 ـ محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبيدي مولى عبد القيس ، من أئمة المعتزلة ، ولد في البصرة سنة 135 ، واشتهر بعلم الكلام ، وكان حسن الجدل قوي الحجة ، سريع الخاطر. كف بصره في آخر عمره


(164)
ولم يسمعوا « سنوا بهم سنة أهل الكتاب » (1) ، إلا بعد حين (2).
وتوفي بسامرا ، له كتب كثيرة ، منها كتاب سماه « ميلاس » على اسم يهودي اسلم على يده ، توفي عام 235 ه‍.
« الاعلام : 7 / 355 باختصار »
1 ـ المنتقى لابن تيمية : 2 / 836.
2 ـ استدل المصنف على الجواز بوجهين :
الاول : إن الخصم يسلم جواز ذلك ، إذا كان المخصص هو العقل ، مع أنه يجوز ألا يخطر ببال المكلف المخصص ذلك الوقت ، فيجوز في المخصص بالنقل قياسا عليه ، والجامع تمكن المكلف من معرفة المراد في الصورتين.
والثاني : بالوقوع ، فإن الله تعالى قال « اقتلوا المشركين » ، ولم يسمع المخصص الا في زمان عمر وهو قوله « ص » ، « سنوا بهم سنة الكتاب ».
« غاية البادي : ص 97 ـ 98 »

(165)
    الفصل السادس
في : الافعال
وفيه : مباحث

مبادئ الوصول إلى علم الاصول ::: فهرس