مبادئ الوصول إلى علم الاصول ::: 226 ـ 240
(226)
    وهو : أن يكون الوصف الذي ليس بمناسب (2) ولا مستلزم له ، لا يتخلف الحكم عنه في جميع الصور المغايرة لمحل النزاع (3)
    ولا يدل على التعليل : لان الاطراد إنما يتم لو كان الوصف لا يوجد إلا ويوجد معه الحكم (4) ، وهذا يتوقف على
لا يقال : القوت كونه في البر صالح للعلية ، وفي الخضر غير صالح ، فنقول كون القوت من الذرة ، لا يكون من الثاني.
« غاية البادي : ص 222 جمعا بين المتن والهامش »
1 ـ وهو أن يثبت معه الحكم ، فيما عدا المتنازع فيه.
« هامش المصورة : ص 48 »
2 ـ أي : للحكم.
« هامش المصورة : ص 48 بتصرف »
3 ـ وعلم من الشارع عدم الالتفات إليه ، لان التفات الشارع يستلزم المناسبة ، واستدل على دلالته على العلية ، بأن إستقراء الشرع دل على الحاق النادر في كل آن بالغالب ، فإذا رأينا وصفا يقارن الحكم في جميع الصور المغايرة لمحل النزاع ، ثم رأينا ذلك الوصف حاصلا في محل النزاع ، وجب الحكم بثبوت ذلك الحكم فيه ، إلحاقا للنادر بالغالب.
ولذلك !! إذا رأينا فرس القاضي واقفا على باب الامير ، نحكم بكون القاضي عند الامير ، وما ذلك الا لمقارنة كون الفرس عند الباب ، وكون القاضي عند الامير ، في الصور المغايرة لهذه الصورة.
« غاية البادي : 223 »
4 ـ أي : في الاصل.
« هامش المصورة : ص 48 بتصرف »

(227)
وجود الحكم في الفرع.
    فلو أثبت وجود الحكم في الفرع ، يكون الوصف علة ، وثبتت عليته بالاطراد لزم الدور.
    وأيضا : فإن الطرد يوجد من دون العلية ، كالحد مع المحدود والجوهر مع العرض.
    ولان فتح هذا الباب يفضي إلى الهذيان ، كما نقول ـ في إزالة النجاسة بالخل ـ : مايع ، لا تبنى القطرة على جنسه فلا يجوز إزالة النجاسة به كالدهن.


(228)

(229)
    الفصل الحادى عشر
في : الترجيح
بين الاخبار
وفيه : مباحث


(230)
« في : تعارض الدليلين »
    لا يتعارض دليلان قطعيان :
    وهل يتعارض الظنيان ؟ جوزه قوم : لامكان أن يخبرنا إثنان عدلان بحكمين متنافيين ، ولا يترجح أحدهما على الآخر.
    ومنع منه آخرون : لانه لو تعارض دليلان ، على كون هذا الفعل مباحا أو محظورا ، فإن لم يعمل بهما أو عمل بهما لزم المحال ، وإن عمل بأحدهما على التعيين لزم الترجيح من غير مرجح ، أو لا على التعيين وهو باطل.
    لانا إذا خيرنا بين الفعل والترك ، فقد سوغنا له الترك ، فيكون ذلك ترجيحا لدليل الاباحة ، وقد تقدم بطلانه.
    والاول : عندي أقوى.
    والجواب عن الثاني : أن التخيير ليس إباحة ، لانه يجوز أن يقال له : إن أخذت بدليل الاباحة فقد أبحت لك ، وإن أخذت بدليل الحظر فقد حرمته عليك.
    كمن عليه درهمان ، فقال له صاحبهما : فقد تصدقت عليك بأحدهما إن قبلت ، وإن لم تقبل وأتيت بالدرهمين قبلتهما عن الدين.


(231)
    فإن من عليه الدين مخير ، إن شاء أتى بدرهم ، وإن شاء دفع درهمين عن الواجب.
    وكذا نقول في المسافر ـ إذا حضر في أحد الامكنة الاربعة (1) ، التي يستحب فيها التمام ـ فإنه مكلف بركعتين إن شاء الترخص ، وبأربع وجوبا إن لم يرده.
    إذا عرفت هذا !! فالتعادل إن وقع للمجتهد في عمل نفسه كان حكمه التخيير ، وإن وقع للمفتي كان حكمه أن يخير المستفتي ، وإن وقع للحاكم كان حكمه العمل بأحدهما ووجب عليه التعيين.

« في : العمل عند وقوع التعادل »
    إذا وقع التعادل وجب الترجيح (2) ، وقيل : بالتخيير أو التوقف.
1 ـ المواطن الاربعة : مكة ، والمدينة ، والمسجد الجامع بالكوفة ، وحائر الحسين « ع » ، وهو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرفه السلام.
« جمعا بين شرايع الاسلام : 1 / 135 ، ومجمع البحرين : 3 / 280 »
2 ـ المراد بالتعادل هنا : توارد دليلين متنافيي الحكم على شيء واحد ، والتعادل الذي تقدم ذكره : توارد دليلين متساويين في الدلالة ،


(232)
    لنا : أنه لو لم يعمل بالراجح لعمل بالمرجوح ، وهو خلاف المعقول (1) ، ولان الاجماع من الصحابة وقع على ترجيح بعض الاخبار على البعض (2).
    ومن المرجحات : كثرة الادلة ، كترجيح أحد الخبرين على الآخر بكثرة الرواة ، لان الظن أقوى ، لان تطرق تعمد الكذب إلى الجماعة أبعد من الواحد.
    وأيضا : فإن مخالفة الدليل على خلاف الاصل ، فمخالفة الدليلين أشد محذورا من مخالفة دليل واحد.
    وإذا أمكن العمل بكل واحد من الدليلين المتعارضين ، من وجه دون وجه ، كان أولى من إبطال أحدهما بالكلية.
متنافيي الحكم على شيء واحد.
« غاية البادي : ص 226 ـ 227 »
1 ـ وأيضا !! إذا وقع التعارض ثم ترجيح أحدهما ، كان العمل به متعينا عرفا فيجب شرعا ، لقوله « عليه السلام » : « ما رواه المسلمون حسنا فهو حسن عند الله تعالى ».
« غاية البادي : ص 227 »
2 ـ فانهم قدموا خبر عائشة في إلتقاء الختانين على قول الانصار « لا ماء إلا من الماء » ، وقدموا خبر من روى من أزواجه أنه « ص » كان يصبح جنبا على ما رواه أبو هريرة ، أنه قال « من أصبح جنبا فلا صوم له » ، ...
« غاية البادي : ص 227 »

(233)
في : حكم الادلة المتعارضة
    إذا تعارض دليلان (1) : فإن كانا عامين أو خاصين وكانا معلومين كان المتأخر ناسخا إن قبل المدلول النسخ ، وإلا تساقطا ووجب الرجوع إلى غيرهما ، وكذا لو لم يعلم التأريخ.
    ولو كانا مظنونين ، كان المتأخر ناسخا.
    ولو تقارنا أو لم يعلم التأريخ وجب الترجيح ، فإن تساويا ثبت التخيير.
    وإن كان أحدهما معلوما دون الآخر ، فإن كان المعلوم
1 ـ إذا تعارض دليلان : إما أن يكون كل واحد منهما عاما أو خاصا ، وعلى التقديرين إما أن يكون العموم والخصوص مطلقا أو من وجه دون آخر. وعلى التقادير إما أن يكون معلوما أو مظنونا ، وهذه ستة في ستة تصير ستة وثلاثين.
وعلى التقادير : إما أن يعلم تقدم أحدهما على الآخر أو يعلم مقارنتهما أو لا يعلم شيء منهما ، وهذه ثلاثة إذا ضربت في ستة وثلاثين ، تصير مائة وثمانية ، هذا بحسب الحصر العقلي.
وأما أحكامهما : فإن كانا معلومين متساويين في العموم والخصوص ...
« غاية البادي : ص 230 »

(234)
متأخرا كان ناسخا ، وإلا تعين العمل بالمعلوم.
    وإن كان أحدهما أعم من الآخر مطلقا وكانا معلومين أو مظنونين ، كان الخاص المتأخر ناسخا للعام المتقدم ، والعام المتأخر ناسخا للخاص المتقدم عند الحنفية ، وعند الشافعية يبنى العام على الخاص (1).
    وإن وردا معا ، خص العام بالخاص إجماعا ، وإن كان أحدهما معلوما والآخر مظنونا ، قدم المعلوم ، إلا إذا اقترنا وكان المظنون هو الخاص ، فإنه يخصص العام عند جماعة ، وقد تقدم.

« في : ترجيح الاخبار »
    الخبر الذي رواته أكثر ، أو أعلى إسنادا ، أو كان رواته
1 ـ وإما أن يكون أحدهما أعم من الآخر من وجه دون وجه ، كقوله « ص » : « من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها » مع نهيه عن الصلاة في غير الاوقات الخمسة.
فإن الاول عام في الاوقات خاص في صلاة القضاء ، والثاني عام في الصلاة خاص في الاوقات ، ولم يذكره المصنف.
« غاية البادي : ص 231 ـ 232 »

(235)
أعلم أو أزكى أو أزهد أو أشهر ، راجح (1).
    والفقيه أرجح من غيره ، والافقه أرجح.
    والعالم بالعربية أرجح ، والاعلم بها أرجح من العالم.
    وصاحب الواقعة أرجح (2).
    والاكثر مجالسة للعلماء أرجح ، والمعلوم عدالته بالاختبار أرجح من المزكى ، والمزكى بالاعلم أولى.
    والاشد ضبطا أرجح ، والجازم أرجح من الظان.
    والمشهور بالرياسة أرجح من غيره (3).
    والمتحمل وقت البلوغ أرجح.
1 ـ رجح الشيخ « ره » : بالضابط والاضبط والعالم والاعلم ، محتجا بأن الطائفة قدمت ما رواه محمد بن مسلم وبريد بن معاوية والفضيل ابن يسار ونظائرهم ، على من ليس له حالهم.
« المعارج : ص 90 »
2 ـ ولذلك قدم الصحابة خبر عائشة في إيجاب الغسل بالتقاء الختانين على خبر غيرها « إنما الماء من الماء ».
« غاية البادي : ص 234 »
3 ـ سواء كانت شهرته بمنصبه أو بنسبه ، لاحترازه عما يوجب نقص منزلته المشهورة ، يكون أكثر.
ولذلك !! كان علي « ع » يحلف الرواي ، ويقبل رواية أبي بكر بلا يمين.
وكذلك مشهور الاسم مقدم.
وكذلك إذا كان في رواة أحد الخبرين ، من يلتبس اسمه باسم بعض الضعفاء ، بخلاف الآخر يكون مرجوحا.
« غاية البادي : 233 »

(236)
    وذكر السبب أولى.
    وراوي اللفظ أرجح من راوي المعنى ، والمعتضد بحديث غيره أرجح. والمدني أرجح من المكي ، لقلة المكي بعد المدني.
    والوارد بعد ظهور النبي « عليه السلام » أرجح (1).
    وذو السبب أولى.
    والفصيح أولى من الركيك ، ولا يترجح الافصح على الفصيح (2).
    والخاص متقدم.
    والدال بالوضع الشرعي أو العرفي أولى من اللغوي.
    والحقيقة أولى من المجاز ، والدال بوجهين أولى من الدال بوجه واحد (3).
1 ـ الخبر الذي يرد بعد استظهار النبي وقوة شوكته ، مقدم على غيرها ، لان احتمال وقوع مقابله قبل قوة الشوكة اكثر من إحتمال وقوعه بعد وقوع الشوكة ، فكان تأخيره أغلب.
« غاية البادي : ص 235 »
2 ـ راوي اللفظ الفصيح يقدم على راوي اللفظ الركيك ، لان من الناس من رد الركيك ، لكونه ـ صلى الله عليه وآله ـ أفصح العرب ، فالاكثر أن يكون مرجوحا.
ولا يقدم الافصح على الفصيح ، لانه كما يوجد في كلامه الافصح ، كذلك يوجد في كلامه الفصيح.
« غاية البادي : ص 232 »
3 ـ أو يكونان مجازين ، لكن مصحح التجوز ـ أعني العلاقة ـ


(237)
    والمعلل أولى ، والمؤكد أولى ، وما فيه تهديد أولى.
    والناقل عن حكم الاصل راجح على المقرر ، وقيل : بالعكس (1).
    والمشتمل على الحظر راجح عند الكرخي على المشتمل على الاباحة ، ومستويان عند أبي هاشم (2).
في أحدهما أشهر وأقوى وأظهر منه في الآخر ، فيجب ترجيح الاقوى والاشهر والاظهر.
« معالم الدين : ص 245 بتصرف »
1 ـ إذا كان أحد الخبرين مخالفا لحكم الاصل والآخر موافقا ، كان المخالف راجحا ، وهو قول جمهور الاصوليين ، لان الشارع إنما يحتاج إليه ، ليعرفنا ما لم تستقل عقولنا بإدراكه ، لا ما كان لعقولنا دلالة عليه.
وقيل : بل كان الموافق راجحا لكونه معتضدا بالاصل.
« غاية البادي : ص 234 »
2 ـ إذا كان حكم أحد الخبرين الحظر ، وحكم الآخر الاباحة ، فعند الكرخي واحمد بن حنبل والرازي من أصحاب أبي حنيفة يقدم دليل الحظر ، وعند أبي هاشم وعيسى ابن أبان تساويا وتساقطا.
لنا : إن الاخذ بدليل الاباحة ، لا يؤمن معه الوقوع في المآثم ، فيكون مرجوحا. ولذلك !! إذا تولد حيوان ، بين ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل ، قدم التحريم.
وكذا إذا طلق إنسان بعض نسائه بعينها ثم نسيها ، حرم عليه وطئ الجميع.
وإليه الاشارة بقوله « ص » : « ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال ».


(238)
    والمثبت للطلاق والعتاق ، مقدم على النافي عند الكرخي لموافقته الاصل ومستويان عند آخرين (4).
    والنافي للحد راجح على المثبت (5).
    والذي عمل به بعض العلماء ، أرجح من الذي تركه ، إذا كان بحيث لا يخفى عليه.
وقال « ع » : « دع ما يريبك إلى ما لا يربيك ».
« غاية البادي : ص 234 ـ 235 »
4 ـ وقيل : هما متساويان متساقطان ، لان المثبت وإن كان موافقا لذلك الاصل ، لكن النافي أيضا موافق الدليل ، المقتضي لصحة النكاح ، وإثبات ملك اليمين ، وهذا حسن.
« غاية البادي : ص 235 »
5 ـ لنا : أن النافي إن لم يفد الجزم ، فلا أقل من إفادة الشبهة ، ومع حصول الشبهة يسقط الحد ، لقوله « ص » : « إدرؤا الحدود بالشبهات ».
« غاية البادي : ص 236 »

(239)
    الفصل الثاني عشر
في : الاجتهاد وتوابعه
وفيه : مباحث


(240)
« في : الاجتهاد »
    الاجتهاد : هو استفراغ الوسع في النظر ، فيما هو من المسائل الظنية الشرعية ، على وجه لا زيادة فيه :
    ولا يصح في حق النبي « عليه السلام » ـ وبه قال الجبائيان ـ.
    لقوله تعالى : « وما ينطق عن الهوى » [ 53 / 4 ].
    ولان الاجتهاد أنما يفيد الظن ، وهو « عليه السلام » قادر على تلقيه من الوحي.
    وأنه كان يتوقف في كثير من الاحكام حتى يرد الوحي (1) ولو ساغ له الاجتهاد لصار إليه ، لانه أكثر ثوابا.
    ولانه لو جاز له ، لجاز لجبريل (2) « عليه السلام » (3) ،
1 ـ كما في مسألة الظهار واللعان.
« غاية البادي : ص 238 »
2 ـ جبريل أو جبرائيل : إسم ملك من ملائكة الله المقربين ، وهو روح القدس الذي يرسله الله إلى رسله لتبليغ رسالاتهم.
وقيل : جبر في اللغة السريانية هو العبد ، وإيل هو الله ، فمعنى جبريل عبد الله. « جمعا بين قاموس الالفاظ والاعلام القرآنية : ص 61 ، ومجمع البيان : 1 / 166 باختصار »
3 ـ بجامع كونهما مبلغين ، لكنه لم يجز ، إذ لو جاز لم يحصل لنا العلم ، بأن هذا الشرع من عند الله ، لجواز أن يكون من إجتهاده.
« غاية البادي : ص 238 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ::: فهرس