مظلوميّة الزهراء ( عليها السلام ) ::: 16 ـ 30
(16)
الاتية ، وسنستنتج من هذه الاحاديث في المطالب اللاحقة ، وفي الحوادث الواقعة ، وهي أحاديث ـ كما رأيتم ـ في المصادر المهمّة بأسانيد صحيحة ، ودلالاتها أيضاً لا تقبل أيّ مناقشة.
    ومن دلالات هذه الاحاديث : إنّ فاطمة سلام الله عليها معصومة ، بالاضافة إلى دلالة آية التطهير وغيرها من الادلة.
    مضافاً إلى أن غير واحد من حفّاظ القوم وكبار علمائهم قالوا بأفضليّة الزهراء سلام الله عليها من الشيخين ، بسبب هذه الاحاديث وحديث « فاطمة بضعة منّي » بالخصوص ، بل قال بعضهم بأفضليّتها من الخلفاء الاربعة كلّهم ، ولا مستند لهم إلا الاحاديث التي ذكرتها.
    ولاقرأ لكم عبارة المنّاوي وكلامه المشتمل على بعض الاقوال من كبار علماء القوم ، ففي فيض القدير في شرح حديث « فاطمة بضعة منّي » قال : استدل به السهيلي [ وهو حافظ كبير من علمائهم ، وهو صاحب شرح سيرة ابن هشام وغيره من الكتب ] على أن من سبّها كفر [ ولماذا ؟ لاحظوا ] لانّه يغضبه [ أي لانّ سبّها يغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ! إستدل به السهيلي على أن من سبّها كفر لانّه يغضبه ] وأنّها أفضل من الشيخين.
    وإذا كانت هذه اللام لام تعليل « لانّه يغضبه » ، والعلة إمّا


(17)
معمّمة وإمّا مخصّصة ، ولابد أنْ تكون هنا معمّمة ، يوجب الكفر ، لانّه أي السب يغضبها ، فيكون أذاها أيضاً موجباً للكفر ، لان الاذى ـ أذى الزهراء سلام الله عليها ـ يغضب رسول الله بلا إشكال.
    قال المنّاوي : قال ابن حجر : وفيه ـ أي في هذا الحديث ـ تحريم أذى من يتأذّى المصطفى بأذيّته ، فكلّ من وقع منه في حقّ فاطمة شيء فتأذّت به فالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يتأذّى به بشهادة هذا الخبر ، ولا شيء أعظم من إدخال الاذى عليها في ولدها ، ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة بالدنيا ولعذاب الاخرة أشد.
    ففي هذا الحديث تحريم أذى فاطمة ، وتحريم أذى فاطمة لانّها بضعة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بل هو موجب للكفر كما تقدّم.
    وقال المنّاوي : قال السبكي : الذي نختاره وندين الله به أنّ فاطمة أفضل من خديجة ثمّ عائشة.
    قال المنّاوي : قال شهاب الدين ابن حجر : ولوضوح ما قاله السبكي تبعه عليه المحققون.
    قال المنّاوي : وذكر العَلَم العراقي : إنّ فاطمة وأخاها إبراهيم


(18)
أفضل من الخلفاء الاربعة باتفاق (1).
    إذن ، لا يبقى خلاف بيننا وبينهم في أفضلية الزهراء من الشيخين ، وأن أذاها موجب للدخول في النار.
    ثمّ إنّ هذه الاحاديث ـ كما قرأنا وسمعتم وترون ـ أحاديث مطلقة ليس فيها أي قيد ، عندما يقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « إنّ الله يغضب لغضب فاطمة » لا يقول إنْ كانت القضية كذا ، لا يقول بشرط أن يكون كذا ، لا يقول إنْ كان غضبها بسبب كذا ، ليس في الحديث أيّ تقييد ، إن الله يغضب لغضب فاطمة ، هذا الغضب بأيّ سبب كان ، ومن أيّ أحد كان ، وفي أيّ زمان ، أو أيّ وقت كان. وعندما يقول : « يؤذيني ما آذاها » ، لا يقول رسول الله : يؤذيني ما آذاها إنْ كان كذا ، إنْ كان المؤذي فلاناً ، إن كان في وقت كذا ، ليس فيه أيّ قيد ، بل الحديث مطلق « يؤذيني ما آذاها ».
    ودلّت الاحاديث هذه على وجوب قبول قولها ، وحرمة تكذيبها ، وقد شهدت عائشة بأنّها سلام الله عليها أصدق الناس لهجةً ما عدا والدها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ورسول الله قال كلّ هذا وفَعَله مع علمه بما سيكون من بعده.
1 ـ فيض القدير في شرح الجامع الصغير 4 / 421.

(19)
    كان المطلب الاوّل في أنّ من آذى فاطمة فقد آذى رسول الله ، وهذا المطلب الثاني في أنّ من آذى عليّاً فقد آذى رسول الله ، وذاك قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « من آذى عليّاً فقد آذاني ».
    هذا الحديث تجدونه في : المسند ، وفي صحيح ابن حبّان ، وفي المستدرك ، وفي الاصابة ، وأُسد الغابة ، وأورده صاحب كنز العمّال عن ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني ، وله أيضاً مصادر أُخرى (1).
1 ـ مسند أحمد 3 / 483 ، المستدرك 3 / 122 ، مجمع الزوائد 9 / 129 ، أُسد الغابة والاصابة بترجمته عن عدّة من الائمة ، كنز العمال 11 / 601.

(20)

(21)

(22)
    أخرج مسلم في صحيحه عن علي ( عليه السلام ) قال : « والذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبرأ النَسَمة ، إنّه لعهد النبي الاُمّي إليّ [ وهل يكون التأكيد بأكثر من هذا ؟ ] أنْ لا يحبّني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق ».
    تجدون هذا الحديث بهذا اللفظ أو بمعناه عند : النسائي ، والترمذي ، وابن ماجة ، وفي مسند أحمد ، وفي المستدرك ، وفي كنز العمال عن عدة من كبار الائمّة (1).
    وفي مسند أحمد وصحيح الترمذي عن أُم سلمة : كان رسول الله يقول [ هذه الصيغة تدل على الاستمرار ] كان رسول الله يقول :
1 ـ مسند أحمد 1 / 84 ، 128 ، صحيح مسلم كتاب الايمان ، كنز العمال 13 / 120 رقم 36385.

(23)
« لا يحب عليّاً منافق ولا يبغضه مؤمن » (1).
    نستفيد من هذه الاحاديث في هذا المطلب : إنّ حبّ علي وحبّ المنافقين لا يجتمعان ، لو أنّ أحداً يعتقد حتّى بإمامة علي وولايته بعد رسول الله ، إلا أنّه لا يبغض المنافقين ، هذا الشخص هو أيضاً منافق ، وهو مطرود من الطرفين ، أي من المؤمنين ومن المنافقين ، لانّ المنافقين لا يعتقدون بولاية علي وهذا يعتقد ، ولانّ المؤمنين لا يحبّون المنافقين وهذا يحب.
    ولا يمكن الجمع بينهما بأيّ حال من الاحوال ، وبأيّ شكل من الاشكال.
1 ـ مسند أحمد 6 / 292.

(24)
    قال علي ( عليه السلام ) : « إنّه ممّا عهد إليّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّ الاُمّة ستغدر بي بعده ».
    قال الحاكم : صحيح الاسناد ، وقال الذهبي في تلخيصه : صحيح (1) ، وقد قرّروا أنّ كلّ حديث وافق الذهبي فيه الحاكم النيسابوري في التصحيح فهو بحكم الصحيحين.
    ومن رواة هذا الحديث أيضاً : ابن أبي شيبة ، والبزّار ، والدارقطني والخطيب البغدادي ، والبيهقي ، وغيرهم.
1 ـ المستدرك على الصحيحين 3 / 140 ، 142.

(25)

(26)
    أخرج أبو يعلى والبزّار ـ بسند صحّحه : الحاكم ، والذهبي ، وابن حبّان ، وغيرهم ـ عن علي ( عليه السلام ) قال : « بينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة ، إذ أتينا على حديقة ، فقلت : يا رسول الله ما أحسنها من حديقة ! فقال : إنّ لك في الجنّة أحسن منها ، ثمّ مررنا بأُخرى فقلت : يا رسول الله ما أحسنها من حديقة ! قال : لك في الجنّة أحسن منها ، حتّى مررنا بسبع حدائق ، كلّ ذلك أقول ما أحسنها ويقول : لك في الجنّة أحسن منها ، فلمّا خلا لي الطريق اعتنقني ثمّ أجهش باكياً ، قلت : يا رسول الله ما يبكيك ؟ قال : ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي ، قال : قلت يا رسول الله في سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك ».


(27)
    هذا اللفظ في : مجمع الزوائد عن : أبي يعلى والبزّار (1) ، ونفس السند موجود في المستدرك وقد صحّحه الحاكم ) والذهبي (2) ، فيكون سنده صحيحاً يقيناً ، لكن اللفظ في المستدرك مختصر وذيله غير مذكور ، والله أعلم ممّن هذا التصرف ، هل من الحاكم أو من الناسخين أو من الناشرين ؟ فراجعوا ، السند نفس السند عند أبي يعلى وعند البزّار وعند الحاكم ، والحاكم يصحّحه والذهبي يوافقه ، إلا أنّ الحديث في المستدرك أبتر مقطوع الذيل ، لانّه إلى حدّ « إنّ لك في الجنّة أحسن منها » لا أكثر.
    وهناك أحاديث أيضاً صريحة في أنّ « الاقوام » المراد منهم في هذا الحديث « هم قريش » ، وفي المطلب السادس أيضاً بعض الاحاديث تدلّ على ذلك ، فلاحظوا.
1 ـ مجمع الزوائد 9 / 118.
2 ـ المستدرك على الصحيحين 3 / 139.


(28)
    عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : « يهلك أُمّتي هذا الحي من قريش » ، قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : « لو أنّ الناس اعتزلوهم ».
    وعن أبي هريرة أيضاً قال : سمعت الصادق المصدوق يقول : « هلاك أُمّتي على يدي غلمة من قريش » ، فقالوا : مروان غلمة ؟ قال أبو هريرة : إن شئت أنْ أُسمّيه ، بني فلان ، بني فلان.
    والحديثان في الصحيحين (1).
1 ـ وأخرجه أحمد 2 / 324 ، 288 ، 299 ، 520.

(29)

(30)
    وهذا المطلب مهم جدّاً ، فالغدر الذي كان ، والضغائن التي بدت ـ التي سبق وأنْ أخبر عنها رسول الله ـ لم يروَ منها في الكتب إلا القليل ، والسبب واضح ، لانّهم منعوا من تدوين الحديث ، وعندما دُوّن ، فقد دوّن على يد بني أُميّة وفي عهدهم ، وهذا حال السنّة ، أي السنّة عند أهل السنّة.
    ثمّ إنّ من كان عنده شيء من تلك الاُمور التي أشار إليها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يروه ، وإذا رواه لم ينقلوه ولم يكتبوه ومنعوا من نشره ، ومن نقله إلى الاخرين ، حتّى أنّ من كان عنده كتاب فيه شيء من تلك القضايا ، أخذوه منه ، أو أخفاه ولم يظهره لاحد ، أذكر لكم موارد من هذا القبيل :
    قال ابن عدي في آخر ترجمة عبد الرزاق بن همّام الصنعاني
مظلوميّة الزهراء ( عليها السلام ) ::: فهرس