مظلوميّة الزهراء ( عليها السلام ) ::: 46 ـ 60
(46)
القضية أنقلها كما في المصادر المهمة المعتبرة :
    أوّلاً :
    لقد كانت فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأنّ رسول الله أعطى فاطمة فدكاً ، فكانت فدك عطية من رسول الله لفاطمة.
    وهذا الامر موجود في كتب الفريقين.
    أمّا من أهل السنة : فقد أخرج البزّار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لمّا نزلت الاية ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاطمة فأعطاها فدكاً.
    وهذا الحديث أيضاً مروي عن ابن عباس.
    تجدون هذا الحديث عن هؤلاء الكبار وأعاظم المحدّثين في الدر المنثور (1).
    ومن رواته أيضاً : الحاكم ، والطبراني ، وابن النجار ، والهيثمي ، والذهبي ، والسيوطي ، والمتقي وغيرهم.
    ومن رواته : ابن أبي حاتم ، حيث يروي هذا الخبر في تفسيره ، ذلك التفسير الذي نصّ ابن تيميّة في منهاج السنة على أنّه خال من الموضوعات (2) ، تفسير ابن أبي حاتم في نظر ابن تيميّة خال من
1 ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور 4 / 177.
2 ـ منهاج السنّة 7 / 13.


(47)
الموضوعات ، فهؤلاء عدّة من رواة هذا الخبر.
    وقد أقرّ بكون فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول الله ، وأنّ فدكاً كانت عطيةً منه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للزهراء البتول ، غير واحد من أعلام العلماء ، ونصّوا على هذا المطلب ، منهم : سعد الدين التفتازاني ، ومنهم ابن حجر المكي في الصواعق ، يقول صاحب الصواعق : إنّ أبا بكر انتزع من فاطمة فدكاً (1).
    فكانت فدك بيد الزهراء وانتزعها أبو بكر.
    فلماذا انتزعها ؟ وبأيّ وجه ؟ لنفرض أنّ أبا بكر كان جاهلاً بأنّ الرسول أعطاها وملّكها ووهبها فدكاً ، فهلاّ كان عليه أن يسألها قبل الانتزاع منها ؟
    وثانياً :
    لو كان أبو بكر جاهلاً بكون فدك ملكاً لها ، فهل كان يجوز له أنْ يطالبها بالبيّنة على كونها مالكة لفدك ؟ إنّ هذا خلاف القاعدة ، وعلى فرض أنّه كان له الحق في أنْ يطالبها البيّنة على كونها مالكة لفدك ، فقد شهد أمير المؤمنين سلام الله عليه ، ولماذا لم تقبل شهادة أمير المؤمنين ؟ قالوا : كان من اجتهاده عدم كفاية الشاهد الواحد وإنْ علم صدقه !
    لاحظوا كتبهم ، فهم عندما يريدون أن يدافعوا عن أبي بكر
1 ـ الصواعق المحرقة : 31.

(48)
يقولون : لعلّه كان من اجتهاده عدم قبول الشاهد الواحد وإن كان يعلم بصدق هذا الشاهد (1).
    نقول : لكنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل شهادة الواحد ـ وهو خزيمة ذو الشهادتين ـ وخبره موجود في كتب الفريقين ، بل إنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قضى بشاهد واحد فقط في قضية وكان الشاهد الواحد عبدالله بن عمر ، وهذا الخبر موجود في صحيح البخاري وإنّه في جامع الاصول لابن الاثير : قضى بشهادة واحد وهو عبدالله بن عمر (2).
    أكان علي في نظر أبي بكر أقل من عبدالله بن عمر في نظر النبي ؟
    وثالثاً :
    لو سلّمنا حصول الشك لابي بكر ، وفرضنا أنّ أبا بكر كان في شك من شهادة علي ، فهلاّ طلب من فاطمة أن تحلف ؟ فهلاّ طلب منها اليمين فتكون شهادة مع يمين ؟ وقد قضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بشاهد ويمين.
    راجعوا صحيح مسلم في كتاب الاقضية (3) ، وراجعوا صحيح أبي داود (4) بل القضاء بشاهد ويمين هو الذي نزل به جبريل على
1 ـ شرح المواقف 8 / 356.
2 ـ جامع الاصول 10/557.
3 ـ صحيح مسلم 5 / 128.
4 ـ صحيح أبي داود 3/419.


(49)
النبي ، كما في كتاب الخلافة من كنز العمّال.
    وهنا يقول صاحب المواقف وشارحها : لعلّه لم ير الحكم بشاهد ويمين (1).
    نقول : فكان عليه حينئذ أنْ يحلف هو ، ولماذا لم يحلف والزهراء ما زالت مطالبة بملكها ؟
    وهذا كلّه بغضّ النظر عن عصمة الزهراء ، بغضّ النظر عن عصمة علي ( عليه السلام ) ، لو أردنا أن ننظر إلى القضيّة كقضيّة حقوقيّة يجب أن تطبق عليها القواعد المقررة في كتاب الاقضية.
    وأيضاً ، فقد شهد للزهراء ولداها الحسن والحسين ، وشهد للزهراء أيضاً أُم أيمن ، ورسول الله يشهد بأنّها من أهل الجنّة ، كما في ترجمتها من كتاب الطبقات لابن سعد وفي الاصابة لابن حجر (2).
    ثمّ نقول : سلّمنا ، إنّ فاطمة وأهل البيت غير معصومين ، وسلّمنا أنّ فدكاً لم تكن بيد الزهراء سلام الله عليها في حياة النبي ، فلا ريب أنّ الزهراء من جملة الصحابة الكرام ، أليس كذلك ؟! تنزّلنا عن كونها بضعة رسول الله ، تنزّلنا عن كونها معصومة ، لا
1 ـ شرح المواقف 8 / 356.
2 ـ الاصابة في معرفة الصحابة 4 / 432.


(50)
إشكال في أنّها من الصحابة ، وقد كان لاحد الصحابة قضية مشابهة تماماً لقضيّة الزهراء ، وقد رتّب أبو بكر الاثر على قول ذلك الصحابي وصدّقه في دعواه.
    هذا كلّه بعد التنزّل عن عصمتها ، عن شهادة علي والحسنين وأُم أيمن ، وبعد التنزّل عن كون فدك ملكاً لها في حياة النبي.
    استمعوا إلى القضية أنقلها لكم ، ثمّ لاحظوا تبريرات كبار العلماء لتلك القضية :
    أخرج الشيخان عن جابر بن عبدالله الانصاري : إنّه لمّا جاء أبا بكر مال البحرين ، وعنده جابر ، قال جابر لابي بكر : إنّ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لي : إذا أتى مال البحرين حثوت لك ثمّ حثوت لك ثمّ حثوت لك ، فقال أبو بكر لجابر : تقدّم فخذ بعددها.
    فنقول : رسول الله ليس في هذا العالم ، يدّعي جابر أنّ رسول الله قد وعده لو أتى مال البحرين لاعطيتك من ذلك المال كذا وكذا ، وتوفي رسول الله وجاء مال البحرين بعد رسول الله ، وأبو بكر خليفة رسول الله ، عندما وصل هذا المال أتاه جابر فقال له : إنّ رسول الله قال لي كذا ، ورتّب أبو بكر الاثر على قوله وصدّقه وأعطاه من ذلك المال كما أراد.
    هذه هي القضية ، وتأمّلوا فيها ، وهي موجودة في الصحيحين.


(51)
    فلاحظوا ما يقوله شرّاح البخاري ، كيف يجوز لابي بكر أنْ يصدّق كلام صحابي ودعواه على رسول الله ، وقد رحل رسول الله عن هذا العالم ، ثمّ أعطاه من مال المسلمين ، من بيت المال ، بقدر ما ادّعاه ، ولم يطلب منه بيّنة ، ولا يميناً !! لاحظوا ماذا يقولون !!
    يقول الكرماني في كتابه الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري وهو من أشهر شروح البخاري يقول : وأمّا تصديق أبي بكر جابراً في دعواه ، فلقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : « من كذب عَلَيّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار » ، فهو وعيد ، ولا يُظنّ بأنّ مثله ـ مثل جابر ـ يقدم على هذا (1).
    فإذا كنتم لا تظنّون بجابر أنْ يقدم على هذا الشيء ، ويكذب على رسول الله ، بل بالعكس ، تظنّون كونه صادقاً في دعواه ، فهلاّ ظننتم هذا الظن بحقّ الزهراء ـ بعد التنزّل عن كلّ ما هنالك كما كرّرنا ـ وقد فرضناها مجرّد صحابيّة كسائر الصحابة !
    ثمّ لاحظوا قول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري يقول : وفي هذا الحديث دليل على قبول خبر الواحد العدل من الصحابة ولو [ لو هذه وصلية ] جرّ ذلك نفعاً لنفسه (2).
1 ـ الكواكب الدراري في شرح البخاري 10 / 125.
2 ـ فتح الباري في شرح البخاري 4 / 375.


(52)
    فالحديث يدلّ على قبول خبره ، لان أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهداً على صحة دعواه ، وهلاّ فعل هكذا مع الزهراء التي أخبرت بأنّ رسول الله نحلني فدكاً ، أعطاني فدكاً ، ملّكني فدكاً !!
    ويقول العيني في كتاب عمدة القاري في شرح صحيح البخاري قلت : إنّما لم يلتمس شاهداً منه ـ أي من جابر ـ لانّه عدل بالكتاب والسنّة ، أمّا الكتاب فقوله تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) وقوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) ، فمثل جابر إنْ لم يكن من خير أُمّة فمن يكون ؟ وأمّا السنّة فلقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : « من كذب عَلَيّ متعمداً ....
    لاحظوا بقية كلامه يقول : ولا يظن بمسلم فضلاً عن صحابي أنْ يكذب على رسول الله متعمّداً (1).
    فكيف نظن بجابر هكذا ؟ فكان يجوز لابي بكر أنْ يصدّق جابراً في دعواه ، فلِمَ لم يصدق الزهراء في دعواها ؟ وهل كانت أقل من جابر ؟ ألم تكن من خير أُمّة أُخرجت للناس ؟ أيظن بها أن تتعمّد الكذب على رسول الله ؟ وأنت تقول : لا يظن بمسلم فضلاً عن صحابي أنْ يكذب متعمّداً على رسول الله ؟
    أقول :
    ما الفرق بين قضية جابر وقضية الصدّيقة الطاهرة
1 ـ عمدة القاري في شرح البخاري 12 / 121.

(53)
سلام الله عليها ، بعد التنزّل عن كلّ ما هنالك ، وفرضها واحداً أو واحدة من الصحابة فقط ؟ ما الفرق ؟ لماذا يعطى جابر ؟ ولماذا يكون الخبر الواحد هناك حجة ؟ ولماذا لا يكذَّب جابر بل يصدّق ويترتّب الاثر على قوله بلا بيّنة ولا يمين ولا ولا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟
    إذن ، هناك شيء آخر ...
    إذن ، من وراء القضيّة ـ قضيّة الزهراء ـ شيء آخر ...
    فرجعت فاطمة خائبة إلى بيتها ...
    ثمّ جاءت مرّةً أُخرى لتطالب بفدك وغير فدك من باب الارث من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لانّ فدكاً أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب بالاجماع ، وكلّ ما يكون كذا فهو ملك لرسول الله بالاجماع ، وكلّ ما يتركه المسلم من ملك أو من حق فإنّه لوارثه من بعده بالاجماع ، والزهراء أقرب الناس إلى رسول الله في الارث بالاجماع.
    هذه مقدمات أربع ، وكلّها مترتبة متسلسلة.
    أخرج البخاري ومسلم عن عائشة ـ واللفظ للاوّل ـ إنّ فاطمة ( عليها السلام ) بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي عن خمس خيبر ،


(54)
فقال أبو بكر : إنّ رسول الله قال : « لا نورّث ما تركنا صدقة » ، إنّما يأكل آل محمّد في هذا المال ، وإنّي والله لا أُغيّر شيئاً من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ، ولاعملنّ فيها بما عمل به رسول الله. فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته ، فلم تكلّمه حتّى توفّيت ، وعاشت بعد النبي ستّة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة (1).
    وقضية مطالبة الزهراء بفدك وغير فدك من باب الارث قضية كتبت فيها الكتب الكثيرة منذ قديم الايّام ، وخطبتها سلام الله عليها في هذه القضية خطبة خالدة تذكر على مدى الايّام ، وهنا أيضاً نسأل ونتسائل فنقول :
    كيف يكون إخبار أبي سعيد وابن عباس وشهادة علي والحسنين وغيرهم في أن رسول الله أعطى فدكاً للزهراء ، هذه الاخبارات والشهادات كلها غير مقبولة ، ويكون خبر أبي بكر وحده في أنّ الانبياء لا يورّثون مقبولاً ؟ لاحظوا آراء العلماء في هذه القضيّة ، فلقد اختلفت آراؤهم واضطربت كلماتهم اضطراباً
1 ـ صحيح البخاري باب غزوة خيبر ، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير.

(55)
فاحشاً ، وكان أوجه حلّ للقضيّة أنْ يقال بأنّ الخبر متواتر ، ولم يكن أبو بكر لوحده الراوي لهذا الخبر ، وإنّما أبو بكر أحد الرواة من الصحابة ، وهنا نقاط :
    النقطة الاُولى :
    كيف لم يسمع هذا الحديث أحد من رسول الله ؟ ولم ينقله أحد ؟ وحتّى أبو بكر لم يُسمع منه هذا الخبر والاخبار به عن رسول الله إلى تلك الساعة ؟
    النقطة الثانية :
    كيف لم يسمع أهل بيته هذا الحديث ؟ وحتّى ورثته لم يسمعوا هذا الحديث ؟ ولذا أرسلت زوجاته عثمان إلى أبي بكر يطالبن بسهمهنّ من الارث ! هلاّ قال لهنّ عثمان ـ في الاقل ـ إنّ رسول الله قال كذا ؟ ولماذا مشى إلى أبي بكر وبلّغه طلب الزوجات ؟
    وهنا كلمة لطيفة للفخر الرازي سجّلتها ، هذه الكلمة في تفسيره يقول : إنّ المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلا فاطمة وعلي والعباس ، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الدين ، وأمّا أبو بكر فإنّه ما كان محتاجاً إلى معرفة هذه المسألة ، لانّه ما كان ممّن يخطر بباله أنّه يورّث من الرسول ، فكيف يليق بالرسول أن يبلّغ هذه المسألة إلى من لا حاجة له إليها ، ولا يبلّغها


(56)
إلى من له إلى معرفتها أشدّ الحاجة ؟ (1).
    النقطة الثالثة :
    إنّه لو تنزّلنا عن كلّ ذلك ، فإنّ دعوى تواتر الخبر كاذبة ، لانّهم ينصّون على انفراد أبي بكر بهذا الخبر ، وقد ذكروا ذلك في مباحث حجّية خبر الواحد ، ومثّلوا بهذا الخبر من جملة ما مثّلوا ، وإن كنتم في شك من ذلك فارجعوا إلى : مختصر ابن الحاجب (2) ، والمحصول في علم الاصول (3) للفخر الرازي ، والمستصفى في علم الاصول (4) للغزّالي ، والاحكام في أصول الاحكام (5) للامدي ، وكشف الاسرار في شرح اصول البزدوي (6) للبخاري ، وغير هذه الكتب.
    مضافاً إلى هذا ، هناك في الاحاديث أيضاً شواهد على انفراد أبي بكر بهذا الحديث ، فراجعوا مثلاً : كتاب كنز العمال (7).
    وحتّى المتكلّمون أيضاً يقرّون بانفراد أبي بكر بهذا الحديث ،
1 ـ التفسير الكبير 9/210.
2 ـ المختصر في علم الاصول 2 / 59 بشرح العضد.
3 ـ المحصول في علم الاصول 2 / 85.
4 ـ المستصفى في علم الاصول 2 / 121.
5 ـ الاحكام في أصول الاحكام 2 / 75 و 348.
6 ـ كشف الاسرار 2 / 688.
7 ـ كنز العمال 12 / 605 ح 14071.


(57)
فراجعوا : شرح المواقف ، (1) وشرح المقاصد (2) ، بل أقول في :
    النقطة الرابعة :
    إنّ أبا بكر أيضاً ليس من رواة هذا الحديث ، لا أنّه منفرد به ، بل إنّ هذا الحديث موضوع ، وضعه بعض الناس دفاعاً عن أبي بكر ، وأبو بكر في تلك القضيّة لم يكن عنده جواب ، حتّى بهذا الحديث لم يستدل ، وهذا ما يقوله الحافظ عبدالرحمن بن يوسف ابن خراش ، إنّه يقول : هذا الحديث باطل ، وضعه مالك بن أوس بن الحدثان ».
    وهو الراوي للقصّة ، فلقد ذكر الحافظ ابن عدي بترجمة الحافظ ابن خراش المتوفى سنة 283 هـ الذي ألّف جزئين في مثالب الشيخين قال : سمعت عبدان يقول : قلت لابن خراش : حديث ما تركنا صدقة ؟ قال : باطل ، أتّهم مالك بن أوس بالكذب (3).
    فكيف يريدون رفع اليد عن محكمات القرآن الحكيم بخبر موضوع يحكم ببطلانه هذا الحافظ الكبير ، الذي لاجل هذا الحكم بالنسبة إلى هذا الحديث ، ولاجل تأليفه جزئين في مثالب
1 ـ شرح المواقف 8 / 355.
2 ـ شرح المقاصد 5 / 278.
3 ـ الكامل في الضعفاء 5 / 518.


(58)
الشيخين ، رموه بالرفض ، ومع ذلك كلّ كتبهم مملوءة بأقواله وآرائه في الحديث والرجال.
    لاحظوا كيف يتهجّم عليه الذهبي يقول : هذا والله الشيخ المعثّر الذي ضلّ سعيه ، فإنّه كان حافظ زمانه ، وله الرحلة الواسعة والاطلاع الكثير والاحاطة ، وبعد هذا فما انتفع بعلمه [ وكأنّ الانتفاع بالعلم يكون فيما إذا كان ما يقوله في صالح القوم !! ] فلا عتب على حمير الرافضة وحوافر جزّين ومشغرى » (1).
    هذه بلاد في جبل عامل في جنوب لبنان من المناطق الشيعية البحتة ، فلا عتب على حمير الرفضة أو الرافضة وحوافر جزّين ومشغرى !!
    فظهر أن هذه القضية ـ قضية غصب فدك وتكذيب الزهراء وأهل البيت ـ من جملة القضايا التي أخبر عنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وإنّ الفؤاد ليقطر دماً عندما يكتب الانسان الحرّ الابي مثل هذه القضايا أو يقرؤها أو يرويها ، ولكن أُريد أنْ اُسيطر على أعصابي ، وأقرأ لكم القضايا بقدر ما توصّلت إليه ، لتكونوا على بصيرة أو لتزدادوا بصيرة.
1 ـ تذكرة الحفّاظ 2 / 684 ، وانظر : سير أعلام النبلاء 13 / 509 ، ميزان الاعتدال 2/600.

(59)

(60)
    المسألة الثانية
إحراق بيتها ( عليها السلام )

    وقد ذكرنا أنّ القوم قد منعوا من نقل القضايا والحوادث ، وجزئيّات الاُمور ، وتفاصيل الوقائع ، أتتوقّعون أن ينقل لكم البخاري أنّ فلاناً وفلاناً وفلاناً أحرقوا دار الزهراء بأيديهما ؟! بهذا اللفظ تريدون ؟! لقد وجدتم البخاري ومسلماً وغيرهما يحرّفون الاحاديث التي ليس لها من الحسّاسيّة والاهميّة ولا عشر معشار ما لهذه المسألة.
    إنّ إحراق بيت الزهراء من الاُمور المسلّمة القطعيّة في أحاديثنا وكتبنا ، وعليه إجماع علمائنا ورواتنا ومؤلّفينا ، ومن أنكر هذا أو شكّ فيه أو شكّك فيه فسيخرج عن دائرة علمائنا ، وسيخرج عن دائرة أبناء طائفتنا كائناً من كان.
    أمّا في كتب أهل السنّة ، فقد جاءت القضيّة على أشكال ، وأنا
مظلوميّة الزهراء ( عليها السلام ) ::: فهرس