مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: 41 ـ 50
(41)
ولأجل ذلك لما سألت أُمّ المؤمنين عائشة ، معاويةَ عن سبب تنصيب ولده يزيد خليفة على رقاب المسلمين فأجابها : إنّ أمر يزيد قضاء من القضاء وليس للعباد الخيرة من أمرهم. (1)
    وبهذا الجواب أيضاً أجاب معاويةُ عبدَ اللّه بن عمر ، عندما استفسر من معاوية عن تنصيبه يزيد ، بقوله : إنّي أُحذِّرك أن تشقّ عصا المسلمين وتسعى في تفريق ملئهم ، وأن تسفك دماءهم وإنّ أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء وليس للعباد خيرة من أمره. (2)
    وقد تسرّبت فكرة الجبر إلى أكثر الأوساط الإسلامية خصوصاً بين الشعراء وأصحاب الملاحم ، حيث راحوا يفسرون الوضع المزري الذي يعاني منه المسلمون بالقضاء والقدر. وسيوافيك أنّه لا صلة للقضاء والقدر بسلب الاختيار عن الإنسان.

    حرية الإرادة من منظارٍ قرآني
    إنّ الآيات القرآنية تصرّح باختيارية الإنسان وانّه فاعل مختار مسؤول عن عمله.
    1. يقول سبحانه : « إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً » . (3)
    فالشاكر يسلك السبيل الذي أراده اللّه سبحانه له ، فيصل إلى الهدف المنشود ، بخلاف الكفور ، فيسلك غير هذا السبيل.
1 ـ الإمامة والسياسة : 1/167.
2 ـ الإمامة والسياسة : 1/171.
3 ـ الإنسان : 3.


(42)
    2. « قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَديتُ فَبِما يُوحِي إِلَيّ رَبّي إنّهُ سَميعٌ قَريب » . (1)
    ترى أنّ الآية تنسب الضلالة إلى نفس الإنسان ، والهداية إلى وحيه سبحانه إليه ، مع أنّ الهداية والضلالة كلّها من اللّه سبحانه ، وما هذا إلا لأنّه سبحانه قد هيّأ كافّة وسائل الهداية للإنسان منذ أنْ خُلِقَ إلى أن يُدرج في أكفانه ، وهي عبارة عن تزويده بفطرة التوحيد وتعزيزها ببعث الأنبياء والمرسلين ، والعقل السليم ، إلى غير ذلك من أدوات الهداية ، فمن انتفع بها فقد اهتدى ، فصحّ أن يقال : إنّ الهداية من اللّه لأنّه زوّد الإنسان بوسائلها ، ومن لم ينتفع بها فقد ضلّ فصحّ أن يقال « إن ضللت فانّما أضلّ على نفسي » .
    وبهذا المضمون قوله سبحانه : « مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها » . (2)
    3. « وَقُل الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُر » . (3)
    ولا تجد في القرآن الكريم آية أكثر نصاعة في حرية الإنسان من هذه الآية ، وقد صبّ شهيدنا الثاني ( 909 ـ 966 هـ ) مضمون هذه الآية ضمن بيتين ، حيث قال :
لقد جاء في القرآن آية حكمة وتخُبر انّ الاختيار بأيدينا تدمّر آياتِ الضلال ومن يُجبر فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر

1 ـ سبأ : 50.
2 ـ الإسراء : 15.
3 ـ الكهف : 29.


(43)
    4. « قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكمْ بِحَفيظ » . (1)
    5. « ليهلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسميعٌ عَليم » . (2)
    6. « كُلُّ امرئ بِما كَسَبَ رَهِين » . (3)
    7. « إِنَّما تُجْزونَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُون » . (4)
    إلى غير ذلك من الآيات الدالَّة على أنّ الإنسان فاعل مسؤول عن أعماله ، حرّ في إرادته ، مختار فيما يكتسب.
    وعلى ضوء هذا فمن حاول أن ينسب الجبر إلى القرآن فقد خبط خبطَ عشواء.
    إنّ بعث الأنبياء و دعوة الناس إلى طريق الرشاد ، ونهيهم عن ارتكاب القبائح أوضح دليل على أنَّ الإنسان موجود قابل للإصلاح والتربية ، إذ لو كان مجبوراً على فعل المعاصي ، لكان بعث الأنبياء ودعوتهم أمراً سدى.
    نعم الدعوة إلى حرية الإنسان وكونه فاعلاً مختاراً لا تعني أبداً انقطاع صلة الإنسان باللّه سبحانه وإرادته. لأنّ تلك الفكرة كفكرة الجبر باطلة تورد الإنسان في مهاوي الشرك والثنويّة التي ليست بأقلَّ ضرر من القول بالجبر.
    فالتفويض بمعنى استقلال الإنسان في فعله وإرادته وكل ما يكتسب وخروجه عن سلطة اللّه سبحانه ، تفويض باطل كالقول بأنّه فاعل مجبور.

    لا جبر ولا تفويض :
    وقد أكّد أئمّة أهل البيت ( عليهم السّلام ) على وهن تلك الفكرتين.
1 ـ الأنعام : 104.
2 ـ الأنفال : 42.
3 ـ الطور : 21.
4 ـ النور : 16.


(44)
    قال الإمام الصادق ( عليه السّلام ) : « إنّ اللّه أكرم من أن يكلّف الناس ما لا يطيقون ، واللّه أعزّ من أن يكون في سلطانه ما لا يريد » . (1)
    وفي حديث آخر عن الإمام الصادق ( عليه السّلام ) فسّر حرية الإنسان بهذا النحو : « وجود السبيل إلى إتيان ما أُمروا وترك ما نهوا عنه » . (2)
    نعم التركيز على بطلان الجبر أكثر في الروايات من التصريح ببطلان التفويض.
    قال الإمام الصادق ( عليه السّلام ) : « اللّه أعدل من أن يجبر عبداً على فعل ثمّ يعذّبه عليه » . (3)
    وسأل الحسن بن علي الوشاء الإمام الرضا ( عليه السّلام ) : هل اللّه أجبر العباد على المعاصي ؟ فقال ( عليه السّلام ) : « اللّه أعدل وأحكم من ذلك » . (4)
    نعم موضوع الاختيار عبارة عن الأفعال التي يقوم بها الإنسان ، وأمّا الأُمور الخارجة عن حيطة الثواب والعقاب التي ربّما يبتلى بها الإنسان من حيث لم يشأ كالبلايا والمصائب والزلازل والسيول المخرّبة والأعاصير ، إلى غير ذلك فهي خارجة عن اختيار الإنسان ، فليس هو بالنسبة إليها لا فاعلاً جبرياً ولا فاعلاً بالاختيار.
    هذه هي نظرة القرآن الكريم في أفعال الإنسان ، غير انّ هناك شبهات تذرَّعت بها بعض الفرق الإسلامية وحاولوا بذلك سلب الاختيار عنه ظناً منهم أنّهم بذلك يحسنون صنعاً.
1 ـ البحار : 5/41.
2 ـ البحار : 5/12.
3 ـ التوحيد للصدوق : 360 ، الحديث 6 ، باب نفي الجبر والتفويض.
4 ـ نفس المصدر : 363 ، الحديث 10.


(45)
    الفصل الخامس
شبهات وحلول
    دلّت البراهين العقلية كالنصوص القرآنية على أنّه سبحانه قائم بالقسط في جميع شؤونه ، بيد انّ ثمة شبهات أُثيرت حول الموضوع تنشد لنفسها حلولاً.
    الشبهة الأُولى : خلق الأعمال
    إنّ التوحيد الأفعالي يرشدنا إلى أنّ ما في الكون مخلوق للّه سبحانه ، دون فرق بين الجواهر والأعراض ، وبين الإنسان وأعماله ، وهذا صريح الآيات التالية :
    1. « قُلِ اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ القَهّار » . (1)
    2. « ذلِكُمُ اللّهُ ربُّكُمْْ خالِقُ كُلّ شَيءٍ لا إلهَ إِلا هُوَ ... » . (2)
    3. « يا أَيُّهَا النّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللّه » . (3)
    فإذا لم يكن في صحيفة الوجود إلا خالق واحد لا شريك له في الخلق ، فكلّ
1 ـ الرعد : 16.
2 ـ المؤمن : 62.
3 ـ فاطر : 3.


(46)
ما يصدر من الإنسان فهو مخلوق له وهو خالقه ، وهذا ما يعبّر عنه بالتوحيد في الخالقية.
    ويستنتج منه أمران :
    أ : إذا كان فعل الإنسان مخلوقاً للّه سبحانه لا للإنسان فيكون مجبوراً في فعله لا مختاراً.
    ب : إذا كان فعل العبد حسنُه وسيِّئه فعلاً للّه سبحانه ومخلوقاً له ، فتكون الموَاخذة على أفعال العبد خلاف العدل والقسط ، لأنّ الخالق هو اللّه سبحانه والمَُجزيّ هوالعبد ، مع أنّه لا دور له في فعله.
    أقول : إنّما رتَّبوه على التوحيد في الخالقية يخالف الفطرة أوّلاً ، فانّها تشهد على حرية الإنسان في أفعاله ، ويخالف أهداف الأنبياء ثانياً. فإذا كان الإنسان مجبوراً فيما يفعل ويترك ، كان بعث الأنبياء ودعوتهم إلى الطريق المستقيم أمراً لغواً ، غير موَثر في هداية الإنسان ، بل تعدُّ عامة القوانين الجزائية في الإسلام أمراً لغواً وظلماً في حقّ المرتكب ، لأنّه لم يقترف المعاصي والسيئات عن اختيار ، بل عن جبر وسوق من اللّه سبحانه إيّاه إلى العمل ، وهو تعالى هو الفاعل الخالق لأعمالهم ، لا العبدُ فيكون تعذيبه مصداقاً لقول الشاعر :
غيري جنى وأنا المعاقب فيكم فكأنّني سبّابة المتندِّم
    لكنّ الأشاعرة مخطئون في تفسير التوحيد في الخالقية أو التوحيد الأفعالي الذي هو من المعارف الإسلامية التي صدع بها القرآن الكريم.
    انّ التوحيد في الخالقية يُفسر بأحد تفسيرين :
    أ : أن َّ كل ما في الكون من الظواهر الطبيعية والفلكية وغيرهما مخلوق للّه


(47)
سبحانه مباشرة ، وبلا تسبيب سبب وتهيئة مقدمة وليس في صحيفة الكون إلا علة واحدة تقوم بجميع الأفعال ، وتنوب مناب العلل الطبيعية في كافة الموارد.
    ب : إنَّ صحيفة الكون قائمة بوجوده سبحانه ومنتهية إليه ، غير انّه سبحانه خلق الأشياء من خلال نظام الأسباب والمسببات ، والعلل والمعلولات ، على وجه يكون للسبب والعلة دور في تحقّق المسبب والمعلول وإن كان ذلك بإذنه سبحانه.
    وعلى ضوء ذلك فللعالم خالق واحد أصيل ، وعلّة واحدة قائمة بنفسها ، لكن تتوسط بينها وبين الظواهر الطبيعية والفلكية علل وأسباب موَثرة في معاليلها ، قائمة بذاته سبحانه ، موَثرة بأمره ، والجميع من سنن اللّه تبارك وتعالى.
    أمّا التفسير الأوّل : فهو خيرة الأشاعرة الذين ينكرون العلل والأسباب الطبيعيَّة ولا يعترفون إلا بعلة واحدة ، وهي قائمة مقام عامة العلل المتصورة للطوائف الأُخرى ، ولكن هذا التفسير ـ وإن كان لأجل الغلو في التوحيد ـ يخالف نصوص القرآن الكريم ، فانّ الوحي الإلهي يذعن بعلل طبيعية موَثرة في معاليلها ، وإليك بعضَ ما يدل على ذلك الأصل :
    1. « وَتَرئ الأرضَ هامِدَةً فَإذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ » . (1)
    فالآية صريحة في تأثير الماء في اهتزاز الأرض وربوّها ، ثمّ إنباتها كلّ زوج بهيج ، فالأرض الهامدة كالجماد ، والذي يخرجها من هذه الحالة هو الماء ، يقول سبحانه : « فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت » فالاهتزاز والرباء والإنبات أثر الماء ولكن بإذنه سبحانه.
1 ـ الحج : 5.

(48)
وجاء نفس المضمون في الآية التالية : « وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوجٍ كَريم » . (1)
    والبيان نفس البيان فلا نطيل.
    2. « مَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّّ سُنْبُلَةٍ مِائةُ حَبّةٍ وَاللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ » . (2)
    ترى أنّه سبحانه ينسب الإنبات إلى الحبة ، ويقول « كمثل حبة أنبتت سبع سنابل » وهو ظاهر في تأثير الحبة في ظهور السنابل ، وفي كلّ سنبلة مائة حبة ، وإن كان ذلك التأثير بأمره سبحانه ، حيث إنَّ الكلّ سُنَّة من سننه.
    3. « اللّهُ الّذي يُرسِلُ الرياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كيفَ يَشاءُ ويَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرى الوَدْقَ يخْرُجُ مِنْ خِلإلِه فَإذا أصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ » . (3)
    والآية صريحة في أنّ هناك عللاً طبيعيَّة موَثرة في معاليلها التي منها إثارة الرياح السحاب ، فهي فعل الرياح ، كما هو صريح قوله « فتثير سحاباً » .
    ثمّ إنّه سبحانه يستخدم السحاب المنثورة فيبسطها في السماء ، ويجعلها كسفاً ، أي قطعاً متفرقة ، فعند ذلك يخرج الودق من خلاله.
    وعلى كلّ حال فالآية صريحة في وجود الصلة بين إرسال الرياح ، و إثارة السحاب ، وانبساطها في السماء ، وصيرورتها كسفاً التي تسفر عن خروج الودق من خلال السحاب ، كلّ ذلك مظاهر طبيعية وظواهر كونية يوَثر كل في الآخر
1 ـ لقمان : 10.
2 ـ البقره : 261.
3 ـ الروم : 48.


(49)
بإذن اللّه سبحانه ، والجميع من سننه الكونية والاعتراف بها اعتراف بقدرته وعلمه وحكمته وانّ الجميع من جنوده سبحانه الخاضعة لإرادته.
    ومع هذه التصريحات كيف يمكن تفسير التوحيد في الخالقية بالمعنى الأوّل ، ورفض كلّ تفسير ضمني وتبعي لغيره سبحانه ؟!
    والذي يدل على ذلك انّه سبحانه ينسب عمل الإنسان إليه ، ويقول :
     « وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمْؤمِنُون » . (1)
     « أَطيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبطِلُوا أَعمالكم » . (2)
     « وَأَنْ لَيْس لِلإنْسانِ إِلا ما سَعى * وأنّ سَعْيَهُسَوفَ يُرى » . (3)
    ففي هذه الآيات ينسب عمل الإنسان إليه ويرى أنّ له دوراً في مصيره ، ويرى أنّه ليس لكلّ إنسان إلا سعيه وجهده.
    وثمة آيات تنسب الخلق إلى غيره سبحانه ، لكن لا على وجه ينافي التوحيد في الخالقية ، حيث يقول :
     « وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْر بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبرىَُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْني وَإِذْ تُخْرجُُ المَوتى بِإِذْني » . (4)
     « أنّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طيراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىَُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وأحي المَوتى بِإِذْنِ اللّه » . (5)
    وأي تصريح أوضح من خطابه الموجّه إلى المسيح ، بقوله : « وَإِذْ تَخْلق مِنَ
1 ـ التوبة : 105.
2 ـ محمّد : 33.
3 ـ النجم : 39 ـ 40.
4 ـ المائدة : 110.
5 ـ آل عمران : 49.


(50)
الطّين كهَيئة الطَّير » .
    فمقتضى الجمع بين الآيات التي تحصر الخالقية في اللّه سبحانه ولا ترى خالقاً غيره ، والآيات التي تعترف بتأثير العلل بعضها في بعض ، وتنسب الخلقة إلى غيره سبحانه إيضاً ، هو القول بأنّ المقصود من حصر الخالقية في اللّه هو الخالقية النابعة من ذات الخالق غير المعتمد على شيء.
    وأمّا الخالقية التبعية والظلية والتأثير الحرفي فهي قائمة بالعلل والأسباب التي أوجدها سبحانه و صيَّرها على نظام العلل والمعاليل والمسببات ، ولا منافاة بين ذلك الحصر ونفيه عن الغير ، وإثباته للآخرين ، لأنّ المحصور فيه سبحانه هو الخالقية التي يستقل الفاعل في خلقه عن غيره ، والمثبت لغيره هو القيام بالتأثير والخالقية التي أذن به سبحانه حيث إنَّ قيام الجميع من العلل والمعاليل به سبحانه.
    وبذلك يظهر أمران :
    الأوّل : انّ الاعتراف بالتوحيد في الخالقية الذي هو أصل من الأُصول لا يخالف الاعتراف بنظام العلل والمعاليل في الطبيعيات والفلكيات بل في عالم المجردات ، فانّه سبحانه خلق لكلّ شيء سبباً وجعل لها قدراً وقضاءً.
    الثاني : انّ الاعتراف بالتوحيد في الخالقية لا يلازم الجبر وسلب المسؤولية عن الإنسان على وجه يكون كالريشة في مهبِّ الرياح ، بل له وجود بإيجاد اللّه سبحانه وقدره وإرادته وبأمر منه سبحانه.

    الشبهة الثانية : علمه سبحانه وإرادته السابقة
    قد وقع تعلَّق علمه سبحانه بكلّ ما وقع ويقع ، ذريعة للقول بالجبر ،
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: فهرس