مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: 61 ـ 70
(61)
على أساس صحيح ، فتصرف القوى في العمران والزراعة وسائر مجالات المصالح الاقتصادية العامة ، كما أنّ العمل على خلاف هذه السنّة ، وهو رجوع المجتمع عن اللّه وعن الطهارة في القلب والعمل ، ينتج خلاف ذلك.
    وللمجتمع الخيار في التمسّك بأهداب أيّ من السُّنَّتين ، فالكلّ قضاء اللّه وتقديره.
    2. قال سبحانه : « وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُون » . (1)
    3. قال سبحانه : « إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » . (2)
    4. قال سبحانه : « ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَومٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » . (3)
    والتقرير في مورد هذه الآيات الثلاث مثله في الآية السابقة عليها.
    5. وقال سبحانه : « وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشديد » . (4)
    ترى أنّ الآية تتكفّل ببيان كلا طرفي السنّة الإلهية إيجاباً وسلباً ، وتُبيّن النتيجة المترتبة على كلّ واحد منهما. والكلّ قضاوَه وتقديره ، والخيار في سلوكهما للمجتمع.
    6. وقال سبحانه : « وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب » . (5)
1 ـ الأعراف : 96.
2 ـ الرعد : 11.
3 ـ الأنفال : 53.
4 ـ إبراهيم : 7.
5 ـ الطلاق : 2 ـ 3.


(62)
    7. وقال سبحانه : « يُثَبِّتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآخرةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظّالِمينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاء » . (1)
    فالمجتمع المؤمن باللّه وكتابه وسنّة رسوله إيماناً راسخاً يثبِّته اللّه سبحانه في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، كما أنّ الكافر باللّه سبحانه يُخذله اللّه سبحانه ولا يوفقه إلى شيء من مراتب معرفته وهدايته. ولأجل ذلك يُرتِّب على تلك الآية ، قوله : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَومَهُمْ دارَ الْبَوارِ * جهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وبِئسَ القَرار » . (2)
    8. وقال سبحانه : « وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرضَ يَرثُها عِبادِيَ الصّالِحُون » . (3)
    فالصالحون لأجل تحلِّيهم بالصلاح في العقيدة والعمل ، يغلبون الظالمين وتكون السيادة لهم ، والذلّة والخذلان لمخالفيهم.
    9. وقال سبحانه : « وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الّذي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » . (4)
    فالاستخلاف في الأرض نتيجة الإيمان باللّه ، والعمل الصالح ، وإقامة دينه على وجه التمام ، ويترتب عليه ـ وراء الاستخلاف ـ ما ذكر في الآية من التمكين وتبديل الخوف بالأمن.
1 ـ إبراهيم : 27.
2 ـ إبراهيم : 28 ـ 29.
3 ـ الأنبياء : 105.
4 ـ النور : 55.


(63)
    10. وقال سبحانه : « أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرينَ أَمْثالُها » . (1)
    والآيات الواردة حول الأمر بالسير في الأرض والاعتبار بما جرى على الأُمم السالفة لأجل عتوّهم وتكذيبهم رسل اللّه سبحانه ، كثيرة في القرآن الكريم تبيَّن سنّته السائدة في الأُمم جمعاء.
    11. وقال سبحانه : « قَدْخَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبِين » . (2)
    12. وقال سبحانه : « يا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيم » . (3)
    13. وقال سبحانه : « ما يُجادِلُ في آياتِ اللّهِ إِلا الّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البِلاد * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَومُ نُوحٍ وَالأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ * وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصحابُ النّار » . (4)
    والآية من أثبت الآيات لسنَّته تعالى في الذين كفروا ، فلا يصلح للمؤمن أن يُغرّه تقلّبهم في البلاد ، وعليه أن ينظر في عاقبة أمرهم كقوم نوح والأحزاب من بعدهم ، حتى يقف على أنّ للباطل جولة وللحقّ دولة ، وانّ مردّ الكافرين إلى الهلاك والدمار.
    14. وقال سبحانه : « وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ
1 ـ محمد : 10.
2 ـ آل عمران : 137.
3 ـ الأنفال : 29.
4 ـ غافر : 4 ـ 5.


(64)
أَهْدى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلا نُفُوراً * اسْتِكْباراً في الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئ وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيئ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّتَ الأوّلينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَحْويلاً » . (1)
    هذه نبذة من السنن الإلهيّة السائدة في الفرد والمجتمع. وفي وسع الباحث أن يتدبر في آيات الكتاب العزيز حتى يقف على المزيد من سننه تعالى وقوانينه ، ثمّ يرجع إلى تاريخ الأُمم وأحوالها فيُصدِّق قوله سبحانه : َ « فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَحْويلاً » .
    هذا كلّه حول القضاء والقدر بمعنى السنن الكونية ، وإليك البحث في المعنى الثاني.
    ب : القضاء والقدر التكوينيّان
    قد علمت أنّ وجود كلّ شيء رهن تقديره وتحديده أوّلاً ، ثمّ وصول الشيء حسب اجتماع أجزاء علته إلى حد ، يكون وجوده ضرورياً وعدمه ممتنعاً بحيث إذا نسب إلى علته يوصف بأنّه ضروري الوجود ، ولأجل ذلك ترى أنّ أئمّة أهل البيت ( عليهم السّلام ) يفسرون القدر بالهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء ، والقضاء بالإبرام وإقامة العين. (2)
    وعلى ذلك فلا يوجد في صفحة الوجود الإمكاني إلا في ظل هذين الأمرين ، ومن المعلوم انّ التقدير والقضاء بالمعنى السابق لا يتخذ ذريعة إلا في مورد فعل الإنسان حيث يتصور انّ وجوب وجوده ينافي الاختيار وبالتالي ينافي
1 ـ فاطر : 42 ـ 43.
2 ـ الكافي : 1/158.


(65)
العدل.
    لكن الإجابة عنه واضحة وهي انّ المقضيّ وجوده من أفعاله على قسمين :
    قسم فرض عليه صدوره عنه اضطراراً كالأعمال التي يقوم بها جهاز الهضم ، وهذا النوع من الفعل وإن كان ضروري الوجود خارجاً عن الاختيار ، لكنّه ليس ملاكاً للثواب والعقاب.
    وقسم منه قضي عليه أن يصدر عنه بالاختيار ، فاللّه سبحانه قدّر فعله وقضى عليه بالوجود لكن مسبوقاً باختياره.
    وبذلك يصبح القضاء والقدر موَكداً للاختيار لا ذريعة للجبر.
    ج : القضاء والقدر علمه السابق ومشيئته النافذة
    القضاء والقدر بهذا المعنى ليس شيئاً إلا تعلق علمه سبحانه بأفعال الإنسان ووقوعها في إطار مشيئته فربما يتخذ علمه السابق ومشيئته النافذة ذريعة للجبر ، وبالتالي نفياً للعدل ، وبما انّا أشبعنا الكلام في ذلك عند البحث في علمه السابق ومشيئته النافذة فلا نرجع إليه.


(66)
    الفصل السادس
العدل الإلهي
و
المصائب والبلايا
    المصائب والبلايا في حياة الإنسان من المسائل الشائكة التي شغلت بال المتكلمين والحكماء ، فراحوا يبحثون عنها في الأبواب الأربعة التالية :
    1. التوحيد في الخالقية.
    2. النظام الأحسن.
    3. حكمته سبحانه.
    4. عدله سبحانه.
    زعموا أنَّ وجود البلايا و المصائب تخلُّ بالتوحيد في الخالقيَّة لأنَّه خير محض فكيف صار مصدراً للشر المطلق ؟! ، ربما زلّت أقدام بعضهم إلى الثنوية ، وزعموا انّ خالق الخير غير خالق الشر وانّ هناك خالقين مختلفين.
    كما زعموا انّ المصائب والبلايا تخل بالنظام الأحسن الذي يجب أن يخلو عن كلّ شر.
    كما انّها أيضاً لا تلائم حكمته سبحانه فإذا كان حكيماً فما معنى قتل


(67)
النفوس بالنوازل والحوادث.
    وأخيراً انّها تضاد عدله سبحانه.
    وعلى كلّ تقدير فبما انّ هذه المسألة من المسائل العويصة لها صلة بالأبواب الأربعة المذكورة سالفاً ، ووقعت محطَّ اهتمام الحكماء الإسلاميين ، وبما انّ البحوث المذكورة في هذا القسم من الكتاب تتمحور حول عدله سبحانه فنحن نتناول هذه المسألة من تلك الزاوية فقط. ولأجل إيضاح الإشكال نأتي بما يلي :
    إنّ البحث في المقام يدور حول محاور ثلاثة :
    الأوّل : البلايا والمصائب كالزلازل والسيول والأعاصير.
    الثاني : اختلاف الناس في المواهب العقلية والاستعدادات.
    الثالث : الفواصل الطبقية الهائلة بين الناس.
    هذه الأُمور وأمثالها وقعت ذريعة لنفي عدله سبحانه ، فلنتناول كلّ واحد من هذه المحاور بالبحث.
    الأوّل : البلايا والمصائب والعدل الإلهي
    إنّ من يظن انّ البلايا والمصائب تخالف عدله فإنّما ينظر إليها من منظار ضيّق محدود ، فلو نظر إليها في إطار النظام الكوني العام ، لأذعن انّها خير برمّتها ، أو انّها خير يلازم شراً قليلاً ، وتكون المسألة كما يصفه الشاعر في البيت التالي :
ما ليس موزوناً لبعض من نغم ففي نظام الكلِّ كل منتظم
    إنّ من ينظر إلى هذه الظواهر من منظار خاص ويتجاهل غير نفسه في العالم ، ففي نظره تتجلى هذه الحوادث أمامه شرّاًً وبليّة ، وأمّا إذا نظر إليها من منظار خارج عن إطار الإنانية والمصالح الشخصية الضيِّقة ، تنقلب هذه الحوادث


(68)
عنده إلى الخير والصلاح ، وتكتسي ثوبَ العدل ، ولبيان ذلك نضرب مثالاً :
    إنّ الإنسان يرى أنّ الطوفان الجارف يكتسح مزرعته والسيل العارم يهدم منزله ، والزلزلة الشديدة تقتلع بنيانه ، ولأجل ذلك يصفها بالبلاء ، دون أن يرى ما تنطوي عليه هذه الحوادث
    والظواهر من نتائج إيجابية في مجالات أُخرى من الحياة البشرية.
    وما أشبه حال هذا الإنسان في مثل هذه الرؤية المحدودة بعابر يرى جرَّافة تحفر الأرض وتهدم بناءً وتثير الغبار والتراب في الهواء ، فيقضي من فوره بأنّه ضارّ و سيءّ ، ولكن المسكين لا يدري بأنّ ذلك يتم تمهيداً لبناء مستشفى كبير يستقبل المرضى ويعالج المصابين ويهيّئ للمحتاجين للعلاج ، وسائل المعالجة والتمريض ولو وقف على تلك الأهداف النبيلة لقضى بغير ما قضى ، ولوصف ذلك التهديم بأنّه خير.
    إذا علمت ذلك ، فنحن نذكر مثالاً من نفس ما نحن بصدده.
    إذا هبّت عاصفة هوجاء على السواحل ، فبما أنها تقطع الأشجار وتدمّر المنازل القريبة من الساحل ، حينها توصف بالشرِّ والبلية ، ولكنّها من جهة أُخرى خير محض حيث توجب حركة السفن الشراعية المتوقفة في عرض البحر بسبب سكون الرياح وبذلك تنقذ حياة المئات من ركّابها اليائسين من النجاة.
    إنّ هذه العاصفة وإن كان يُكمن فيها الشر لكنها في نفس الوقت وسيلة فعّالة في عملية تلقيح الأزهار ، وإثارة السحب للمطر ، وتبيد الأدخنة الضارة المتصاعدة من فوهات المصانع والمعامل ، إلى غير ذلك من الآثار المفيدة لهبوب الرياح التي تتضاءل عندها بعض الآثار السيئة.
    إنّ السبب لوصف بعض الحوادث بالشرور والبلايا هو ضيق علم الإنسان


(69)
وضآلته ولو وقف على أسرارها التي ربما تظهر بعد سنين لرجع عن قضائه ، ويُرتّل قوله سبحانه : « رَبّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ » . (1) ولأذعن بقوله سبحانه : « وما أُوتِيتُم مِنَ العِلْمِ إِلا قَليلاً » . (2)

    الآثار التربوية للبلايا والمصائب
    إنّ للبلايا والمصائب آثاراً تربوية تُضفي على العمل وصفَ الخير الكثير في مقابل الشر القليل ، وهذه الآثار عبارة عمّا يلي :

    أ : تفجير الطاقات :
    إنّ البلايا والمصائب خير وسيلة لتفجير الطاقات وتقدم العلوم ورقي الحياة ، فانّ الحضارات لم تزدهر إلا في أجواء الحروب والصراعات والمنافسات ، ففي مثل هذه الظروف تتفتح القابليات إلى جبران ما فات وتتميم ما نقص. فإذا لم يتعرض الإنسان إلى ضروب من المحن فانّ طاقاته تبقى كامنة ، وإنّما تتفتح في خضمِّ المصائب والشدائد. وإلى هذه الحقيقة يشير قوله سبحانه : « فََعَسى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً » (3)

    ب : المصائب والبلايا جرس إنذار
    كلّ ما ازداد الإنسان توغّلاً في اللذائذ والنعم ازداد ابتعاداً عن الجوانب المعنوية ، وهذه حقيقة يلمسها كلّ إنسان في حياته فلابدّ من انتباه الإنسان من
1 ـ آل عمران : 191.
2 ـ الإسراء : 85.
3 ـ النساء : 19.


(70)
الغفلة ، من خلال جرس إنذار يذكّر ويوقظ فطرته وينبّهه من غفلته ، وليس هو إلا بعض الحوادث التي تقطع وتيرة الحياة الرغيدة ، حتى يتخلّى عن غروره و يخفّف من حدة طغيانه ، وإلى هذا الجانب يشير قوله سبحانه : « إنَّ الإِنْسانَ ليََطْغَى * أنْ رآهُ اسْتَغْنَى » . (1)
    وبذلك يعلّل قوله سبحانه نزول الحوادث ، ويقول : « وَما أَرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيّ إِلا أَخَذْنا أَهْلَها بِالبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرََّّّعُونَ » . (2)
    إلى غير ذلك من الآيات التي تشير إلى أن الهدف من وراء نزول البلايا هو تخلّي الإنسان عن غروره.

    ج : تقاعس الإنسان عن تحمل مسؤوليته
    إنّ ما يسمّيه الإنسان بالبلايا والشرور لم يكتب عليها الشرُّ على وجه الإطلاق بل تتَّبع الظروف ، فالسيل الجارف يُعد شراً في البلاد المتخلِّفة عن ركب الحضارة ، وأمّا في البلاد المتقدمة فيعد خيراً ، لأنّها تقوم بمشاريع بناء السدود بغية جمع مياه تلك السيول واستثمارها في انتاج الطاقة الكهربائية ، ولذلك قلنا إنّه لم يكتب على السيل أنَّه شرٌّ أو خير وانّما هو يتَّبع همة الإنسان وقيامه بمسؤوليته في إعمار البلاد.
    وهكذا الزلازل الأرضية فقد تُسبّب أضراراً فادحة في البلاد النائية المتخلّفة وتوَدّي إلى إزهاق أرواح كثيرة ، وهذا بخلاف البلاد المتطورة فقد اتخذت التدابير اللازمة للوقاية من دمار الزلازل من خلال تشييد المدن والقرى على دعائم متينة
1 ـ العلق : 6 ـ 7.
2 ـ الأعراف : 94.
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: فهرس