مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: 111 ـ 120
(111)
    وهناك من حرّف الكلم عن مواضعه ، أو حرّفها المستنسخون في كتبهم :
    1. منهم محمد بن جرير الطبري ( المتوفّى عام 310 هـ ) حيث ذكر في تاريخه حديث بدء الدعوة كما نقلناه غير أنّه حرف الكلم في موضعين :
    أحدهما : قول النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : « على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي » وضع في مكانه قوله : « على أن يكون كذا وكذا » .
    ثانيهما : قول النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي » حيث حرّفه إلى قوله : إنّ هذا أخي وكذا وكذا.
    ونحن لا نتَّهم الطبري شخصاً بالتحريف ، ولكن يحتمل تطرق التحريف إلى تفسيره من جانب النُّسّاخ ، بشهادة سرد الواقعة في تاريخه برمّتها دون أدنى تحريف.
    2. منهم ابن كثير ( المتوفّى عام 774 هـ ) : فقد حرف الكلم عن مواضعه في تفسيره وتاريخه ولم يقتنع بالتحريف في مكان واحد. (1)
    ولا نستبعد أن يكون التحريف مستنداً إلى نفس المؤلف لأنَّ له مواقف معادية من أهل بيت النبوة ( عليهم السّلام ).
    ومما يثير الاستغراب أن تصدر تلك الهفوة من وزير المعارف المصرية « حسنين هيكل » الأسبق فقد أثبت في الطبعة الأُولى من كتابه « حياة محمد » قول النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : أيُّكم يؤازرني على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي ، ولم يذكر خطاب النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) لعلي ( عليه السّلام ) عند ما أعلن مؤازرته له وهو قوله : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي.
    ولكنّه ارتكب في الطبعات الأُخرى جناية كبيرة بحذفه كلتا الجملتين من
1 ـ انظر البداية والنهاية : 40/2 ، تفسير ابن كثير : 351/3.

(112)
رأس وكأنّ النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) لم يتفوه بها وكأنّ الكاتب لم يذكر إحدى الجملتين في الطبعة الأُولى ، وبذلك أسقط كتابه عن أيَّة قيمة علمية.
    فلو كان هذا هو الميزان في ضبط الحقائق لثبت أنّ كثيراً من فضائل آل البيت ( عليهم السّلام ) لعبت بها يد التحريف الجانية وما بقي ليس إلافلتات التاريخ.

    2. آية الولاية وخلافة علي
    لم تزل الشيعة عن بكرة أبيهم يستدلون على إمامة علي ( عليه السّلام ) وقيادته وزعامته بعد النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) بقوله سبحانه : « إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرََسُولُهُ وََالَّذِينََ آمَنوا الّذِينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُوَتُونَ الزَّكَاةَ وََهُمْ راكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرسُولَهَ وََالّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ » . (1)
    استدلت الشيعة بهذه الآية على أنّ عليّاً ( عليه السّلام ) وليّ المسلمين بعد رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ، قائلين بأنّ الآية تعد الولي ـ بعد اللّه ورسوله ـ الّذين يقيمون الصلاة و يوَتون الزكاة في حال الركوع ، وقد تضافرت الروايات بأنّ عليّاً ( عليه السّلام ) تصدّق بخاتمه وهو راكع فنزلت الآية في حقّه.
    أخرج الحفاظ وأئمّة الحديث عن أنس بن مالك و غيره أنّ سائلاً أتى المسجد و عليٌّ ( عليه السّلام ) راكعٌ فأشار بيده للسائل ، أي اخلع الخاتم من يدي. قال رسول اللّه : يا عمر وجبت. قال : بأبي أنت و أُمّي يا رسول اللّه ما وجبت ؟! قال : وجبت له الجنّة ، واللّه ما خلعه من يده حتّى خلعه اللّه من كلِّ ذنب ومن كلِّ خطيئة. قال : فما خرج أحدٌ من المسجد حتّى نزل جبرئيل بقوله عزّ وجلّ : « إنّما
1 ـ المائدة : 55 ـ 56.

(113)
وليّكم اللّهُ و رسوله و الّذين آمنوا الّذين يُقيمون الصَّلاة و يُوَتون الزَّكاة و هُمْ راكعون » . فأنشأ حسّان بن ثابت يقول :
أبا حسن تفديك نفسي و مهجتي أيذهب مدحي والمحبّين ضايعاً ؟! فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكعٌ بخاتمك الميمون يا خير سيّدٍ فأنزل فيك اللّه خير ولاية وقد وكلّ بطيءٍ في الهدى ومسارع وما المدح في ذات الإله بضائع فدتك نفوس القوم يا خير راكع و يا خير شارٍ ثمّ يا خير بائع وبيَّنها في محكمات الشرائع (1)
    وقد أخرجه ابن جرير الطبري (2) والحافظ أبوبكر الجصاص الرازي في أحكام القرآن (3) والحاكم النيسابوري ( المتوفّى 504 هـ ) (4) والحافظ أبو الحسن الواحدي النيسابوري ( المتوفّى 468 هـ ) (5) وجار اللّه الزمخشري ( المتوفّى 538 هـ ) إلى غير ذلك من أئمّة الحفاظ وكبار المحدثين ربما ناهز عددهم السبعين ، وهم بين محدّث ومفسّر و مؤرخ ويطول بنا الكلام لو قمنا بذكر أسمائهم ونصوصهم ، وكفانا في ذلك مؤلّفات مشايخنا في ذلك المضمار. (6)
1 ـ بلوغ المرام للبحراني : 106 ، نقلاً عن الحافظ أبي نعيم الإصفهاني في كتابه الموسوم ب ـ « نزول القرآن في أميرالمؤمنين ( عليه السّلام ) » .
2 ـ تفسير الطبري : 186/6.
3 ـ أحكام القرآن : 2/542 ورواه من عدّة طرق.
4 ـ معرفة أُصول الحديث : 102.
5 ـ أسباب النزول : 148.
6 ـ لاحظ المراجعات للسيد شرف الدين العاملي ، المراجعة الأربعون ، ص 162 ـ 168 والغدير : 162/3 ، وقد رواه من مصادر كثيرة.


(114)
    و لا يمكن لنا إنكار هذه الروايات المتضافرة لو لم تكن متواترة ، فانّ اجتماعهم على الكذب أو على السهو و الاشتباه أمر مستحيل.
    والمراد من الولي في الآية المباركة هو الأولى بالتصرف كما في قولنا : فلان وليّ القاصر ، وقول الرسول ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) « أيّما امرأة نُكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل » وقد صرّح اللغويّون ومنهم الجوهري في صحاحه بأنّ كلّ من ولي أمر أحد فهو وليّه ، فيكون المراد : انّ الّذي يلي أُموركم فيكون أولى بها منكم إنّما هو اللّه عزّوجلّ ورسوله ومن اجتمعت فيه هذه الصفات : الإيمان وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة في حال الركوع. ولم يجتمع يوم ذاك إلا في الإمام علي ( عليه السّلام ) حسب النصوص المتضافرة.
    وفي حقّه نزلت هذه الآية.
    والدليل على أنّ المراد من الولي هو الأولى بالتصرّف أنّه سبحانه أثبت في الآية الولاية لنفسه ولنبيّه ولوليّه على نسق واحد ، وولاية اللّه عزّوجلّ عامة فولاية النبي والولي مثلها وعلى غرارها. غير انّ ولاية اللّه ، ولاية ذاتية وولاية الرسول والولي مكتسبة معطاة ، فهما يليان أُمور الأُمّة بإذنه سبحانه.
    ولو كانت الولاية المنسوبة إلى اللّه تعالى في الآية غير الولاية المنسوبة إلى الّذين آمنوا » لكان الأنسب أن تفرّد ولاية أُخرى للمؤمنين بالذِّكر ، دفعاً للالتباس ، كما نرى نظيرها في الآيات التالية :
    قال تعالى : « قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤمِنُ باللّهِ ويُؤمِنُ للمُوَمِنِين » . (1)
    نرى أنّه سبحانه كرر لفظ الإيمان ، و عدّاه في أحدهما بالباء ، وفي الآخر
1 ـ التوبة : 61.

(115)
باللاّم لاختلاف في حقيقة إيمانه باللّه ، وللمؤمنين حيث إنّ إيمانه باللّه سبحانه إيمان جدّي وتصديق واقعي ، بخلاف تصديقه للمؤمنين المخبرين بقضايا متضادة حيث لا يمكن تصديق الجميع تصديقاً جدّياً ، والذي يمكن هو تصديقهم بالسماع وعدم الرفض و الرد ، ثمّ التحقيق في الأمر ، وترتيب الأثر على الواقع المحقّق.
    وممّا يكشف عن وحدة الولاية في الآية المبحوثة انّه سبحانه أتى بلفظ « وليكم » بالإفراد ، ونسبه إلى نفسه وإلى رسوله وإلى الّذين آمنوا ، ولم يقل : « إنّما أولياؤكم » ، وما هذا إلا لأنّ الولاية في الآية بمعنى واحد وهو : الأولى بالتصرف ، غير أنّ الأولوية في جانبه سبحانه بالأصالة وفي غيره بالتبعية.
    وعلى ضوء ذلك يُعلم أنّ القصر والحصر المستفاد من قوله : « إنّما » لقصر الإفراد ، وكأنّ المخاطبين يظنون أنّ الولاية عامّة للمذكورين في الأُمة وغيرهم ، فأُفرد المذكورون للقصر ، وأنّ الأولياء هؤلاء لا غيرهم.
    ثمّيقع الكلام في تبيين هؤلاء الّذين وصفهم اللّه سبحانه بالولاية وهم ثلاثة :
    1. اللّه جلّ جلاله.
    2. و رسوله الكريم ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ).
    وهما غنيان عن البيان.
    3. فبما أنّه كان مبهماً بيّنه بذكر صفاته وخصوصياته الأربع :
    1. « الّذين آمنوا » .
    2. « الّذين يقيمون الصلاة » .
    3. « و يوَتون الزكاة » .


(116)
    و لا شكّ أنّ هذه السمات ، سمات عامة لا تميّز الولي عن غيره.
    فالمقام بحاجة إلى مزيد توضيح يجسّد الولي ويحصره في شخص خاص لا يشمل غيره ، ولأجل ذلك قيّده بالسمة الرابعة أعني قوله : « وهم راكعون » .
    وهي جملة حاليّة لفاعل « يوَتون » ، وهو العامل فيها. وعند ذلك انحصر في شخص خاص على ما ورد في الروايات المتضافرة.
    هذا هو منطق الشيعة في تفسير الآية لا تتجاوز في تفسيرها عن ظاهرها قيد أنملة.

    بلاغ رسمي في غديرخُم
    تقدّم أنَّ النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) قد فوَّض في كلامه أمر الخلافة إلى اللّه سبحانه ، فقد كان يترصد أمره سبحانه في ذلك المجال حتى وافاه الوحي ، وخاطبه بقوله سبحانه : « يا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي القَومَ الكافِرين » . (1)
    نزلت الآية الشريفة يوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة حجة الوداع في العام العاشر من الهجرة ، لما بلغ النبي الأعظم غدير خم فأتاه جبرئيل بها ، فقال : يا محمد إنّ اللّه يقرئك السلام ويقول لك : « يا أيّها الرَّسُول بَلِّغ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّك » وكان أوائل القوم قريبين من الجحفة ، فأمرُه أن يرد من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ، وأن يقيم عليّاً ( عليه السّلام ) علماً للناس ويبلغهم ما أنزل اللّه فيه وأخبره بأنّ اللّه عزّوجلّ قد عصمه من الناس.
1 ـ المائدة : 67.

(117)
    وقد اتّفقت الشيعة الإمامية على نزول الآية في يوم غدير خم ، وافقهم على ذلك لفيف من المحدّثين والمؤرِّخين ، فقد ذكر الواقعة الطبري في تفسيره ، كما رواها السيوطي في الدر المنثور عن جماعة من الحفاظ ، منهم :
    1. الحافظ ابن أبي حاتم أبو محمد الحنظلي الرازي ( المتوفّى 327 هـ ).
    2. الحافظ أبو عبد اللّه المحاملي ( المتوفّى 330 هـ ).
    3. الحافظ أبو بكر الفارسي الشيرازي ( المتوفّىّ 407 هـ ).
    4. الحافظ ابن مردويه ( المتوفّى 716 هـ )
    وغيرهم من أعلام الحديث والتاريخ ، وقد جمع المحقّق الأميني أسماء من روى نزول هذه الآية في يوم غدير خم من أصحاب السنّة فبلغ 30 رجلاً. (1)
    وعلى كلّ حال فقد قام النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) بتحقيق البلاغ في يوم غدير خم ، فخطب خطبة ، وقال : « أيّها الناس ، إنّي أوشك أن أُدعى فأُجِبْتُ ، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟ »
    قالوا : نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت ، وجهدت ، فجزاك اللّه خيراً.
    قال : « ألستم تشهدون أن لا إله إلا ّاللّه ، وأنّ محمّداً عبده و رسوله ، وأنّ جنته حق ، وناره حق ، وأنّ الموت حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ اللّه يبعث من في القبور ؟ »
    قالوا : بلى نشهد بذلك.
    قال : « اللّهمّ اشهد » ، ثمّ قال : أيّها الناس ، ألا تسمعون ؟
    قالوا : نعم.
1 ـ الغدير : 214/1 ـ 223.

(118)
    قال : « فإنّي فرط على الحوض ، فانظروني كيف تخلّفوني في الثقلين » .
    فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول اللّه ؟
    قال : « الثقل الأكبر ، كتاب اللّه ، والآخر الأصغر عترتي ، وإنّ اللطيف الخبير نبَّأني انَّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا » .
    ثمّ أخذ بيد علي فرفعها ، حتى رؤي بياض آباطهما ، وعرفه القوم أجمعون ، فقال : « أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ » .
    قالوا : اللّه ورسوله أعلم.
    قال : « إنّ اللّه مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم.فمن كنت مولاه ، فعليّ مولاه » ـ يقولها ثلاث مرات ـ
    ثمّ قال : « اللّهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وابغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب » .
    ثمّ لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي اللّه بقوله :
     « ألْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي » الآية ، فقال رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : « اللّه أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي ، والولاية لعليّ من بعدي » .
    ثمّ أخذ الناس يهنِّئون علياً ، وممن هنّأه في مقدم الصحابة الشيخان أبو بكر وعمر ، كلّيقول : بخ بخ ، لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي و مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
    وقال حسان : ائذن لي يا رسول اللّه أن أقول في عليٍّ أبياتاً ، فقال : قل على


(119)
بركة اللّه ، فقام حسان ، فقال :
يناديهم يوم الغدير نبيهم فقال فمن مولاكم ونبيكم إلهك مولانا وأنت نبيّنا فقال له قم يا عليُّ فإنّني فمن كنت مولاه فهذا وليُّه هناك دعا اللّهمّ وال وليّه بخمٍّ واسمع بالرسول منادياً فقالوا ولم يُبدوا هناك التعاميا ولم تلق منا في الولاية عاصياً رضيتك من بعدي إماماً وهادياً فكونوا له أتباع صدق مواليا وكن للذي عادى عليّاً معادياً
    فلمّا سمع النبي أبياته ، قال : « لا تزال يا حسّان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك » . (1)
    إنّ النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) وإن أشار إلى ولاية الإمام علي بن أبي طالب بعد رحيله ، فتارة في بدء الدعوة ، و أُخرى في غزوة تبوك (2) ، غير انّما ذكره متقدماً على حديث الغدير لم يكن بياناً رسمياً لعامة الأُمة بل كانت بلاغات مقطعية ، وأمّا في ذلك اليوم فقد قام بإبلاغ المحتشد العظيم على نحو أخذ منهم الإقرار والاعتراف بولاية علي ( عليه السّلام ).
    وبذلك أكمل دعائم دينه وأتم نعمة اللّه عليهم كما سيوافيك.
    وأمّا تواتر الحديث فحدّث عنه ولا حرج ، فقد رواه من الصحابة ما يربو على 120 صحابياً وأمّا من التابعين ما يقارب 84 تابعياً ، وأمّا العلماء الذين نقلوه عبر القرون فيزيد على 360 عالماً ، تجد نصوصهم وأسماءهم وأسماء كتبهم
1 ـ الغدير : 34/2 ـ 42.
2 ـ حديث المنزلة : أنت بمنزلة هارونَ من موسى إلا أنَّه لا نبيَّ بعدي.


(120)
بتفصيل في كتاب الغدير. (1)
    ولا أظن انّ ذا مسكة ومن له إلمام بعلم الحديث وقراءة الصحاح والمسانيد ينكر صحة حديث الغدير أو تضافره بل تواتره ، ولو أنكره فإنّما أنكره بلسانه لا بجنانه وقلبه اللّهمّ إلا إذا كان غير ملم بعلم الحديث.
    وإنّما المهم دلالة الحديث على ولاية الإمام وإمامته.
    وقد استخدم النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) لفظة « مولى » وقال : « من كنت مولاه » فهي بمعنى أولى ، كما في قوله سبحانه : « فَالْيَوْمَ لا يُوَْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَولاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ » . (2)
    والمعنى أولى بكم النار كما فسره غير واحد من المفسرين ، وهناك قرائن تؤيد على أنّ المقصود من المولى هو الأولى. الوارد في قوله سبحانه : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » . (3)
    وهناك قرائن لفظية محفوفة بالحديث وقرائن حالية تثبت انّ المراد من المولى هو الأولى الوارد في الآية المتقدمة ، وإليك تلك القرائن :
    القرينة الأُولى : قوله ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) في صدر الحديث : « أَلَسْتُ أولى بِكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ » وهو دليل على أنّ المراد من قوله : « فمن كنت مولاه » هو الأولى وذلك لأنّه رتب الثاني على الأوّل.
    القرينة الثانية : دعاؤه في صدر الحديث : « اللّهم وال من والاه ، و عاد من عاداه » فلو أُريد منه غير الأولى بالتصرّف فما معنى هذا التطويل ؟ فانّه لا يلتئم
1 ـ الغدير : 73/1 ـ 152 ، تحت عنوان « طبقات الرواة من العلماء » .
2 ـ الحديد : 15.
3 ـ الأحزاب : 6.
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: فهرس