مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: 251 ـ 260
(251)
    الثالث : إذا كان المراد من الولي هو الزعيم ، يصحّ تخصيصه بالمؤمن المؤدّي للزكاة حال الصلاة ، وأمّا لو كان المراد بمعنى المحبّ والناصر و ما أشبههما يكون القيد زائداً ، أعني : إعطاء الزكاة في حال الصلاة ، فانّ شرط الحب هو إقامة الصلاة وأداء الزكاة ، وأمّا تأديتها في حال الركوع فليس من شرائط الحب والنصرة ، وهذا دليل على أنّ المراد فرد أو جماعة خاصة يوصفون بهذا الوصف لا كلّ المؤمنين.
    الرابع : انّ الآية التالية تفسر معنى الولاية ، يقول سبحانه : « ومَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُون » . (1)
    فانّ لفظة « الّذين آمنوا » في هذه الآية هو الوارد في الآية المتقدمة ، أعني : « وَالّذينَ آمَنُوا الّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاة » ، وعلى هذا يكون المراد من الولي أخذهم زعيماً وولياً بشهادة انّ حزب اللّه لا ينفك من زعيم يدبِّر أُمورهم.
    إلى هنا تبيّن انّ الإمعان في القرائن الحافَّة بالآية تفسّر معنى الولي وتعيَّن المعنى وتثبت انّ المقصود هو الزعيم ، لكن من نكات البلاغة في الآية انّه سبحانه صرح بولايته وولاية رسوله ومن جاء بعده وعلى ذلك صارت الولاية للثلاثة ، وكان اللازم عندئذٍ أن يقول إنّما أولياؤكم بصيغة الجمع لكنّه أتى بصيغة المفرد إشارة إلى نكتة ، وهي انّ الولاية بالأصالة للّه سبحانه وأمّا ولاية غيره فبإيهاب من اللّه سبحانه لهم ، ولذلك فرّد الكلمة ولم يجمعها ، لكن هذه الولاية لا تنفك من آثار ، وقد أُشير إلى تلك الآثار في آيات مختلفة ، وإليك بيانها :
    1. « أَطيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ » . (2)
    فانّ لزوم إطاعة اللّه والرسول وغيرهما من آثار ولايتهم وزعامتهم ، فالزعيم
1 ـ المائدة : 56.
2 ـ النساء : 59.


(252)
يجب أن يكون مطاعاً.
    2. « وَماكانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ » . (1)
    فينفذ قضاؤه سبحانه والَّذي هو من آثار الزعامة ، ونظيره قوله سبحانه : « إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ » . (2)
    3. « فَلْيَحْذَرِ الّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرهِ أنْ تُصيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَو يُصيبَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ » . (3) فحرمة مخالفة أمر اللّه ورسوله من توابع زعامتهم وولايتهم.
    فهذه الحقوق ثابتة للنبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) بنص القرآن الكريم ولمن بعده بحكم انّهم أولياء بعد النبي فانّ ثبوتها للنبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) لأجل ولايته فإذا كانت الولاية مستمرة بعده فيتمتع كلّ وليٍّ بهذه الحقوق.
    وبهذا تبيَّنت دلالة الآية على ولاية علي ( عليه السّلام ) وانّها حقّ من حقوق أهل البيت ( عليهم السّلام ) لصالح الإسلام والمسلمين.
    نعم بعض من لا تروقهم ولاية أهل البيت ( عليهم السّلام ) وزعامتهم حاولوا تضعيف دلالة الآية بشبهات واهية واضحة الرد ، وقد أجبنا عنها في بعض مسفوراتنا فلنكتف في المقام بهذا المقدار.
    غير انّا نركز على نكتة وهي انّ الصحابة الحضور لم يفهموا من الآية سوى الولاية ولذلك صبَّ شاعر عهد الرسالة حسان بن ثابت ما فهمه من الآية بصفاء ذهنه في قالب الشعر ، وقال :
1 ـ الأحزاب : 36.
2 ـ النساء : 105.
3 ـ النور : 63.


(253)
فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكعٌ بخاتمك الميمون يا خير سيد فأنزل فيك اللّهُ خيرَ ولاية فدتك نفوس القوم يا خير راكع ويا خير شارٍ ثمّ يا خير بايعٌ وبيَّنها في محكمات الشرائع (1)
    والظاهر ممّا رواه المحدّثون انّ الأُمّة الإسلامية سيُسألون يوم القيامة عن ولاية علي ( عليه السّلام ) ، حيث ورد السؤال في تفسير قوله سبحانه : « وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْوَولُون » . (2)
    روى ابن شيرويه الديلمي في كتاب « الفردوس » في قافية الواو ، باسناده عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : « وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْوَولُون » عن ولاية علي بن أبي طالب. (3)
    ونقله ابن حجر عن الديلمي ، وقال : « وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْوَولُون » أي عن ولاية علي وأهل البيت ، لأنّ اللّه أمر نبيّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) أن يعرف الخلق أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلا المودة في القربى ، والمعنى انّهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) أم أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة. (4)
    الثاني (5) : من تلك المواقف هو يوم الغدير وهو أوضحها وآكدها وأعمّها وقد صدع بالولاية في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام في منصرفه من حجّة الوداع ، وقد قام في محتشد كبير بعدما خطب خطبة مفصَّلة وأخذ من الناس الشهادة على التوحيد والمعاد ورسالته وأعلن انّه فرط على الحوض ، ثمّ ذكر الثقلين وعرَّفهما ، بقوله : « الثقل الأكبر : كتاب اللّه ، والآخر الأصغر : عترتي ؛ وانّ اللطيف
1 ـ مناقب الخوارزمي : 178 ؛ كفاية الطالب للكنجي : 200 ؛ تذكرة ابن الجوزي : 25.
2 ـ الصّافات : 24.
3 ـ شواهد التنزيل : 106/2.
4 ـ الصواعق المحرقة : 149.
5 ـ مضى الأوّل : 247.


(254)
الخبير نبَّأني انّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » ، ثمّ قال : « أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ » قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : « إنّ اللّه مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه » ، ثمّ قال : « اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحب من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب » .
    ففي هذه الواقعة الفريدة من نوعها أعلن النبي ولاية علي ( عليه السّلام ) للحاضرين وأمرهم بإبلاغها للغائبين ، ونزل أمين الوحي بآية الإكمال ، أعني : قوله سبحانه : « الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي » . (1)
    فقال رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : « اللّه أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الربّ برسالتي ، والولاية لعلي من بعدي » .
    ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) و ممَّن هنَّأه في مقدّم الصحابة : الشيخان أبو بكر وعمر ، كلّ يقول :
    بَخٍّ بَخٍّ لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
    وقد تلقّى الصحابة الحضور انّ النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) أوجب ولايته على المؤمنين ، وقد أفرغ شاعر عهد الرسالة حسّان بن ثابت ما تلقّاه عن الرسول ، في قصيدته وقال :
فقال له قم يا عليّ فانّني فمن كنت مولاه فهذا وليّه رضيتك من بعدي إماماً وهادياً فكونوا له أنصار صدق موالياً
    قد ذكرنا مصادر الخطبة والأبيات عند البحث عن الإمامة فراجع.
1 ـ المائدة : 3.

(255)
من حقوق أهل البيت ( عليهم السّلام )
2
أهل البيت ( عليهم السّلام )
وضرورة إطاعتهم
    أمر سبحانه بإطاعة الرسول و أُولي الأمر ، وقال : « يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللّه والرَّسُول إِنْ كُنْتُمْ تُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخر ذلِكَ خَيرٌ وَأَحْسَنُ تَأْويلاً » . (1)
    تأمر الآية بإطاعة اللّه كما تأمر بإطاعة الرسول و أُولي الأمر لكن بتكرار الفعل ، أعني : « وأَطيعُوا الرَّسُول » وما هذا إلا لأنّ سنخ الإطاعتين مختلف ، فإطاعته سبحانه واجبة بالذات ، و إطاعة النبي و أُولي الأمر واجبة بإيجابه سبحانه.
    والمهم في الآية هو التعرُّف على المراد من أُولي الأمر ، فقد اختلف فيه المفسرون على أقوال ثلاثة :
    1. الأُمراء ، 2. العلماء ، 3. صنف خاص من الأُمّة ، وهم أئمّة
1 ـ النساء : 59.

(256)
أهل البيت ( عليهم السّلام ).
    وبما انّه سبحانه أمر بإطاعة أُولي الأمر إطاعة مطلقة ، غير مقيَّدة بما إذا لم يأمروا بالمعصية يمكن استظهار أنّ أُولي الأمر المشار إليهم في الآية والذين وجبت طاعتهم على الإطلاق ، معصومون من المعصية والزلل ، كالنبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) حتى اقترنوا في لزوم الطاعة في الآية.
    وبعبارة أُخرى : انّه سبحانه أوجب طاعتهم بالإطلاق ، كما أوجب طاعته ، وطاعة رسوله ، ولا يجوز أن يوجب اللّه طاعة أحد على الإطلاق إلا من ثبتت عصمته ، وعلم أنّ باطنه كظاهره ، وأمن منه الغلط والأمر بالقبيح ، وليس ذلك بحاصل في الأُُمراء ، ولا العلماء سواهم ، جلّ اللّه عن أن يأمر بطاعة من يعصيه ، أو بالانقياد للمختلفين في القول والفعل ، لأنّه محال أن يطاع المختلفون ، كما أنّه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه. (1)
    وقد أوضحه الرازي في تفسيره ، وذهب إلى أنّ المقصود من أُولي الأمر هم المعصومون في الأُمّة ، وإن لم يخض في التفاصيل ، ولم يستعرض مصاديقهم ، لكنّه بيّن المراد منهم بصورة واضحة ، وقال :
    والدليل على ذلك انّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم والقطع ، لابدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللّه بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأً منهي عنه ، فهذا يُفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وانّه
1 ـ مجمع البيان : 100/3.

(257)
محال.
    فثبت انّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أنّ كلّ من أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم ، وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ ، فثبت قطعاً أنّ أُولي الأمر المذكور في هذه الآية لابدّ وأن يكون معصوماً. (1)
    وقد أوضح السيد الطباطبائي دلالة الآية على عصمة أُولي الأمر ببيان رائق وإليك نصّه ، قال : الآية تدل على افتراض طاعة أُولي الأمر هؤلاء ، ولم تقيّده بقيد ولا شرط ، وليس في الآيات القرآنية ما يقيّد الآية في مدلولها حتى يعود معنى قوله : « وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الأَمْر مِنْكُمْ » إلى مثل قولنا : وأطيعوا أُولي الأمر منكم فيما لم يأمروا بمعصية أو لم تعلموا بخطئهم ، فإن أمروكم بمعصية فلا طاعة عليكم ، وإن علمتم خطأهم فقوِّموهم بالردّ إلى الكتاب والسنّة وليس هذا معنى قوله : « وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الأَمْرِمِنْكُمْ » .
    مع أنّ اللّه سبحانه أبان ما هو أوضح من هذا القيد فيما هو دون هذه الطاعة المفترضة ، كقوله في الوالدين : « وَوَصَّيْنَا الإِنْسان بِوالِدَيهِ حُسناً وَإِنْ جاهَداكَ لتشرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما » . (2) فما باله لم يُظهر شيئاً من هذه القيود في آية تشتمل على أُس أساس الدين ، وإليها تنتهي عامة اعراق السعادة الإنسانية.
    على أنّ الآية جمع فيها بين الرسول و أُولي الأمر ، وذكر لهما معاً طاعة واحدة ، فقال : « وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم » ، ولا يجوز على الرسول أن يأمر
1 ـ التفسير الكبير : 144/10.
2 ـ العنكبوت : 8.


(258)
بمعصية أو يغلط في حكم ، فلو جاز شيء من ذلك على أُولي الأمر ، لم يسع إلا أن يذكر القيد الوارد عليهم فلا مناص من أخذ الآية مطلقة من غير أن تقيّد ، ولازمه اعتبار العصمة في جانب أُولي الأمر ، كما اعتبر في جانب رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) من غير فرق. (1)
    وبذلك تبيَّن أنّ تفسير أُولي الأمر بالخلفاء الراشدين أو أُمراء السرايا أو العلماء أمر غير صحيح ، لأنّ الآية دلَّت على عصمتهم ولا عصمة لهؤلاء ، فلابدّ في التعرُّف عليهم من الرجوع إلى السنَّة التي ذكرت سماتهم ولا سيما حديث الثقلين حيث قورنت فيه العترة بالكتاب ، فإذا كان الكتاب مصوناً من الخطأ ، فالعترة مثله أخذاً بالمقارنة.
    ونظيره حديث السفينة : « مَثَل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق » . (2)
    إلى غير ذلك من الأحاديث التي تنصُّ على عصمة العترة الطاهرة ، فإذاً هذه الأحاديث تشكّل قرينة منفصلة على أنّ المراد من أُولي الأمر هم العترة أحد الثقلين.
    بل يمكن كشف الحقيقة من خلال الإمعان في آية التطهير ، وقد عرفت دلالتها على عصمة أهل البيت الذين عيَّنهم الرسول بطرق مختلفة.
    وعلى ضوء ذلك فآية التطهير ، وحديث الثقلين ، وحديث السفينة إلى غيرها من الأحاديث الواردة في فضائل العترة الطاهرة كلّها تدل على عصمتهم.
    هذا من جانب ومن جانب آخر دلَّت آية الإطاعة على عصمة أُولي الأمر ،
1 ـ الميزان : 391/4.
2 ـ الحاكم : المستدرك : 151/3 أخرجه مسنداً إلى أبي ذر.


(259)
فبضم القرائن الآنفة الذكر إلى هذه الآية يتضح المراد من أُولي الأمر الذين أمر اللّه سبحانه بطاعتهم وقرن طاعتهم بطاعة الرسول.
    وأمّا الرواية عن النبيّ : فقد روى ابن شهراشوب عن تفسير مجاهد انّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) حين خلّفه رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) في المدينة ، فقال : « يا رسول اللّه ، أتخلّفني بين النساء والصبيان ؟ » فقال ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : « يا علي ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنّه لا نبيّ بعدي ، حين قال له : « اخلفني في قومي وأصلح » ، فقال : أبلى واللّه ؛ « وأُولي الأمر منكم » قال : علي بن أبيطالب ولاّه اللّه أمر الأُمَّة بعد محمّد حين خلّفه رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) بالمدينة فأمر اللّه العباد بطاعته و ترك خلافه » . (1)
    وأمّا ما رُوي عن أئمّة أهل البيت ( عليهم السّلام ) حول الآية فحدث عنها ولا حرج ، فلنقتصر في المقام على رواية واحدة نقلها الصدوق باسناده عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، قال :
    لمّا أنزل اللّه عزّ وجلّ على نبيّه محمد ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : « يا أيّها الّذين آمنوا أَطيعوا اللّه وأَطيعُوا الرسول وأُولي الأَمْر منكم » قلت : يا رسول اللّه ، عرفنا اللّه ورسوله ، فمن أولو الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك ؟ فقال ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : « هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي ، أوّلهم علي بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسن بن علي ، ثمّ سَمِيِّ محمّد و
1 ـ المناقب لإبن شهراشوب : 3/ 15 ، ط المطبعة العلميّة.

(260)
كنيتي ، حجة اللّه في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي ، ذاك الذي يفتح اللّه تعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيه على القول بإمامته إلا من امتحن اللّه قلبه للإيمان » .
    قال جابر : فقلت له : يا رسول اللّه فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقال ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : « اي والذي بعثني بالنبوة إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب.
    يا جابر هذا من مكنون سر اللّه ومخزون علم اللّه ، فاكتمه إلا عن أهله » . (1)
1 ـ البرهان في تفسير القرآن : 381/1.
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: فهرس