مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: 261 ـ 270
(261)
من حقوق أهل البيت ( عليهم السّلام )
3
وجوب مودَّتهم وحبِّهم
    قام الرسل بابلاغ رسالات اللّه سبحانه إلى الناس ، دون أن يبغوا أجراً منهم ، بل كان عملهم خالصاً لوجهه سبحانه ، لأنّ إبلاغ رسالاته كانت فريضة إلهية على عواتقهم ، فكيف يطلبون الأجر للعمل العبادي الذي لا يبعثهم إليه إلا طاعة أمره وطلب رضاه ، ولذلك كان شعارهم دوماً ، قولهم « وَما أسْأَلُكُمْ عَليهِ مِنْ أَجْرٍ إِن أَجْرِي إِلا على ربِّ العالَمِين » . (1)
    فقد ذكر سبحانه على لسان الأنبياء تلك الآية في سورة الشعراء ، ونقلها عن عديد من أنبيائه ، نظراء :
    نوح (2) ، هود (3) صالح (4) لوط (5) شعيب (6)
    وقد جاء هذا الشعار في سور أُخرى نقلها القرآن الكريم عن رسله وأنبيائه ، فقد كانوا يخاطبون أُمَمهم بقولهم :
1 ـ الشعراء : 109.
2 و 3 و 4 و 5 و 6 ـ الشعراء : 109 ، 127 ، 145 ، 164 ، 180.


(262)
     « وَ يا قَوْمِ ْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلى اللّهِ » . (1)
     « يا قَوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إنْ أجْرِيَ إِلا عَلى الّذي فطرني » . (2)
    فإذا كان هذا موقف الأنبياء من أُمَمهم ، فكيف يصح للنبي الخاتم ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) أن يطلب الأجر ؟! بل هو أولى بأن يكون عمله خالصاً للّه ، لأنّه خاتم الرسل وأفضلهم ، وقد كان يرفع ذلك الشعار أيام بعثته ، بأمر منه سبحانه و يتلو قوله تعالى : « قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُو إِلاذِكرى لِلْعالَمين » (3)
    هذه هي حقيقة قرآنية لا يمكن إنكارها ، ومع ذلك نرى انّه سبحانه يأمره في آية أُخرى بأن يطلب منهم مودة القربى أجراً للرسالة.
    ويقول : « قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا المَودَّةَ فِي القُربى » . (4)
    فكيف يمكن الجمع بين هذه الآية ، وما تقدم من الآية الخاصَّة بالنبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) والآيات الراجعة إلى سائر الأنبياء ، فانّهم عليهم السَّلام كانوا على نهج واحد ؟
    هذا هو السؤال المطروح في المقام.
    والإجابة عليه تتوقَّف على نقل ما ورد حول الموضوع في القرآن الكريم ، فنقول :
    الآيات التي وردت حول أجر النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) على أصناف أربعة :
    الأوّل : أمره سبحانه بأن يخاطبهم بأنّه لا يطلب منهم أجراً ، قال سبحانه : « قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُو َ إِلا ذِكرى لِلْعالَمين » . (5)
1 ـ هود : 29.
2 ـ هود : 51.
3 ـ الأنعام : 90.
4 ـ الشورى : 23.
5 ـ الأنعام : 90.


(263)
    الثاني : ما يشعر بأنّه طلب منهم أجراً يرجع نفعه إليهم دون النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) : فيقول سبحانه : « قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاعلى اللّهِ وهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد » . (1)
    الثالث : ما يُعرّف أجره ، بقوله : « قُلْ ما أَسْأَلُكُمْ عَلَيْه ِمِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شاء أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِهّ ِسَبيلاً » . (2) فكان اتخاذ السبيل إلى اللّه هو أجر الرسالة.
    الرابع : ما يجعل مودة القربى أجراً للرسالة ، ويقول : « قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا المَوَدَّةَ فِي القُربى » .
    فهذه العناوين الأربعة لابدّ أن ترجع إلى معنى واحد ، وهذا هو الذي نحاول أن نسلّط عليه الأضواء.
    الجواب : انّ لفظة الأجر يطلق على الأجر الدنيوي والأُخروي غير انّ المنفي في تلك الآيات بقرينة نفي طلبه عن الناس هو الأجر الدنيوي على الإطلاق ، ولذلك لم ينقل التاريخ أبداً أن يطلب نبي لدعوته شيئاً بل نقل خلافه.
    هذه هي قريش تقدَّمت إلى النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) وفي طليعتهم أبو الوليد ، فتقدم إلى النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) وقال : يابن أخي إن كنت إنّما تريد بما جئت به من هذا الأمر ، مالاًً ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تريد به شرفاً سوَّدناك علينا ، حتى لا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد به ملكاً ملّكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيّا تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك ، طلبنا لك الطبَّ ، وبذلنا فيه أموالنا حتي نُبرئك منه ، فانّه ربما غلب التابع علي الرجل حتى يداوى منه ، أو كما قال له
1 ـ سبأ : 47.
2 ـ الفرقان : 57.


(264)
حتى إذا فرغ عتبة ، ورسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) يستمع منه ، قال : أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم ، قال : فاسمع مني قال : أفعل ، فقال : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم * حم * تَنْزَيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحيم * كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرآناً عَرَبِياً لِقَومٍ يَعْلَمُونَ * بَشيراً وَنَذِيراً فَأعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُون * وَقالُوا قُلُوبُنا في أَكِنَّةٍ مَمّا تَدْعُونا إِلَيْه » . (1)
    ثمّ مضى رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) فيها يقروَها عليه. فلمّا سمعها منه عتبة ، أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليها يسمع منه ، ثمّ انتهى رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) إلى السجدة منها ، فسجد ثمّ قال : قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك. (2)
    هذا النصّ وغيره يعرب عن أنّ مدار الإثبات والنفي هو الأجر الدنيوي بعامة صوره ، وهذا أمر منفي جداً لا يليق لنبي أن يطلبه من الناس.
    قال الشيخ المفيد : إنّ أجر النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) في التقرُّب إلى اللّه تعالى هو الثواب الدائم ، وهو مستحق على اللّه تعالى في عدله وجوده وكرمه ، وليس المستحق على الأعمال يتعلَّق بالعباد ، لأنّ العمل يجب أن يكون للّه تعالى خالصاً ، وما كان للّه فالأجر فيه على اللّه تعالى دون غيره. (3)
    إذا عرفت ذلك ، فنقول :
    إنّ مودة ذي القربى وإن تجلّت بصورة الأجر حيث استثنيت من نفي الأجر ، لكنّه أجر صوري وليس أجراً واقعياً ، فالأجر الواقعي عبارة عمّا إذا عاد نفعه إلى النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ، ولكنّه في المقام يرجع إلى المحب قبل رجوعه إلى النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ، وذلك لأنّ مودة ذي القربى تجرّ المحب إلى أن ينهج سبيلهم في الحياة ، ويجعلهم أُسوة في
1 ـ فصّلت : 1 ـ 5.
2 ـ السيرة النبوية : 293/1 ـ 294.
3 ـ تصحيح الاعتقاد : 68.


(265)
دينه ودنياه ، ومن الواضح انّ الحبّ بهذا المعنى ينتهي لصالح المحب. قال الصادق ( عليه السّلام ) : « ما أحب اللّه عزّ وجلّ من عصاه » ثمّ تمثَّل ، فقال :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه لو كان حبك صادقاً لأطعته هذا محال في الفعال بديع انّ المحبّ لمن يحب مطيع (1)
    وسيوافيك انّ المراد من ذوي القربى ليس كلّ من ينتمي إلى النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) بنسب أو سبب ، بل طبقة خاصة من أهل بيته الذين عرفهم بأنّهم أحد الثقلين في قوله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وانّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » . (2)
    فإذا كان المراد من ذوي القربى هؤلاء الذين أنيط بهم أمر الهداية والسعادة فحبُّهم ومودَّتهم يرفع الإنسان من حضيض العصيان والتمرد إلى عزّ الطاعة.
    إنّ طلب المودة من الناس أشبه بقول طبيب لمريضه بعد ما فحصه وكتب وصفة : لا أُريد منك أجراً إلا العمل بهذه الوصفة ، فانّ عمل المريض بوصفة الطبيب وإن خرجت بهذه العبارة بصورة الأجر ، ولكنّه ليس أجراً واقعياً يعود نفعه إلى الطبيب بل يعود نفعه إلى نفس المريض الذي طلب منه الأجر.
    وعلى ذلك فلابدّ من حمل الاستثناء على الاستثناء المنقطع ، كأن يقول : قل لا أسألكم عليه أجراً ، وإنّما أسألكم مودة ذي القربى ، وليس الاستثناء المنقطع
1 ـ سفينة البحار : مادة حبَّب.
2 ـ أخرجه الحاكم في مستدركه : 148/3 ، وقال : هذا حديث صحيح الاسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه ؛ وأخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك معترفاً بصحته على شرط الشيخين أقول : هذا حديث متواتر وقد ألَّف غير واحد من المحقّقين رسائل حوله.


(266)
أمراً غريباً في القرآن بل له نظائر مثل قوله : « لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلا سَلاماً » . (1) ?
    وعلى ذلك جرى شيخ الشيعة المفيد في تفسير الآية ، حيث طرح السؤال ، وقال :
    فإن قال قائل : فما معنى قوله : « قُلْ لا أَسألكم عليهِ أَجْراً إِلا المَودَّة فِي القُربى » أو ليس هذا يفيد انّه قد سألهم مودة القربى لأجره على الأداء ؟
    قيل له : ليس الأمر على ما ظننت لما قدمنا من حجّة العقل والقرآن ، والاستثناء في هذا المكان ليس هو من الجملة لكنّه استثناء منقطع ، ومعناه قل لا أسألكم عليه أجراً لكنّي ألزمكم المودة في القربى و اسألكموها ، فيكون قوله : « قُلْ لا أسْألكُمْ عليهِ أَجراً » كلاماً تاماً ، قد استوفى معناه ، ويكون قوله : « إِلا المودة في القُربى » كلاماً مبتدأً ، فائدته لكن المودة في القربى سألتكموها ، وهذا كقوله : « فَسَجَدَ المَلائِكةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلا إِبْلِيس » . (2) والمعنى فيه لكن إبليس ، وليس باستثناء من جملة. (3)
    وعلى ضوء ذلك يظهر معنى قوله سبحانه : « ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ » . (4)
    وقد تبَّين انّ حبّ الأولياء والصالحين لصالح المحب قبل أن يكون لصالحهم.
    كما تبيَّن معنى قوله سبحانه في شأن ذلك الأجر : « ما أَسأَلكُمْ عليه مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلاً » . (5)
1 ـ مريم : 62.
2 ـ الحجر : 30 ـ 31.
3 ـ تصحيح الاعتقاد : 68.
4 ـ سبأ : 47.
5 ـ الفرقان : 57.


(267)
    فانّ اتخاذ السبيل لا يخلو من أحد احتمالين :
    1. مودَّة القربى والتفاني في حبهم الذي سينتهي إلى العمل بالشريعة الموجب لنيل السعادة.
    2. نفس العمل بالشريعة الذي يصل إليها الإنسان عن طريق حبهم ومودتهم.
    وبذلك ترجع الآيات الثلاث إلى معنى واحد من دون أن يكون بينهما أي تناف واختلاف.
    وقد جاء الجمع بين مفاد الآيات الثلاث في دعاء الندبة الذي يشهد علو مضامينه على صدقه ، حيث جاء فيه :
     « ثمّ جعلت أجر محمّد ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) مودّتهم في كتابك ، فقلت « لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى » ، و قلت : « ما سألتكم من أجر فهو لكم » ، وقلت : « ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلاً ) ، فكانوا هم السبيل إليك ، والمسلك إلى رضوانك » .
    وإلى ذلك يشير شاعر أهل البيت ويقول :
موالاتهم فرض ، وحبهم هدى وطاعتهم ودٌّ ، و ودُّهم تقوا
    وأمّا القربى فهو على وزن البشرى والزلفى بمعنى القرابة ، يقول الزمخشري : القربى مصدر كالزلفى والبشرى ، بمعنى القرابة والمراد في الآية « أهل القربى » . (1)
    وقد استعمل القرآن الكريم لفظة القربى في عامة الموارد بالمضاف ، فتارة
1 ـ الكشاف : 81/3 في تفسير الآية.

(268)
بلفظة ذي ، قال سبحانه : « وِبالوالدَيْنِ إِحْساناً وذِي القُربى واليَتامى » . (1)
    وأُخرى بلفظة ذوي ، قال سبحانه : « وَآتى المالَ عَلى حُبِّهِ ذَوي القُربى وَاليَتامى » . (2)
    وثالثة : بلفظة « أُولي » ، قال سبحانه : « ما كانَ لِلنَّبيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوكانُوا أُولِي قُربى » . (3)
    و قد جاءت مرَّة واحدة دون إضافة وهي نفس الآية المباركة ، فلأجل ذلك يلزم تقدير شيء مثل لفظة « أهل » كما قدَّره الزمخشري أو لفظاً غير ذلك مثل كلمة « ذي » أو « ذوي » أو « ذوي قربى » .
    إلى هنا تمَّت الإجابة عن السؤال الأوّل حول الآية.
    السؤال الثاني (4)
    دلَّت الآية الكريمة على أنّ النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) فرض مودة ذي القربى ، على المسلمين ولكن يبقى هنا سؤال وهو انّ الآية تحتمل وجهين :
    أ : أن يكون المراد مودَّة ذوي القربى من أقرباء النبي وأهل بيته.
    ب : أن يكون المراد ودّ كلّ مسلم أقربائه وعشيرته ومن يمتُّ إليه بصلة ، وليس في الآية ما يدل على المعنى الأوّل.
    أقول : إنّ ذي القربى كما علمت بمعنى صاحب القرابة والوشيجة النسبية ، و يتعيَّن مورده بتعينُّ المنسوب إليه ، وهو يختلف حسب اختلاف موارد الاستعمال ،
1 ـ البقرة : 83.
2 ـ البقرة : 177.
3 ـ التوبة : 113.
4 ـ مضيالسؤال الأوّل : 260.


(269)
ويستعان في تعيينه بالقرائن الموجودة في الكلام ، وهي :
    الأشخاص المذكورون في الآية أو ما دلَّ عليه سياق الكلام.
    فتارة يراد منه الأقرباء دون شخص خاص ، مثل قوله سبحانه : « ما كانَ لِلنَّبي وَالّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَلَو كانُوا أُولي قُربى » . (1)
    وقوله سبحانه : « وَإِذا قُلْتُمْ فاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُربى » . (2)
    فانّ ذكر النبي والذين آمنوا معه آية على أنّ المراد قريب كلّ إنسان ، كما أنّ جملة « فإذا قلتم فاعدلوا » آية أنّ المراد كل إنسان قريب إليه.
    وأمّا قوله سبحانه : « قُلْ لا أَسأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا المَوَدَةَ فِي القُربى )فالفعل المتقدّم عليه يعني « لا أسألكم » آية انّ المراد أقرباء السائل ، مثل قوله سبحانه : « ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرى فَلِلّهِ وللرَّسُولِ وَلِذِي القُربى » . (3)
    فانّ لفظة « على رَسُولِهِ » آية أنّ المراد أقرباء الرسول.
    وعلى ذلك فلابدّ من الرجوع إلى القرائن الحافَّة بالآية وتعيين المراد منه ، وبذلك ظهر أنّ المراد هو أقرباء الرسول.
    يقول الإمام أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) ناقداً انتخاب الخليفة الأوّل في السقيفة لأجل انتمائه إلى النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) بالقرابة :
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيرك أولى بالنبي وأقرب (4)

1 ـ التوبة : 113.
2 ـ الأنعام : 152.
3 ـ الحشر : 7.
4 ـ شرح ابن أبي الحديد : 18/416.


(270)
السؤال الثالث
    إنّ سورة الشورى سورة مكية ، فلو كان المراد من ذوي القربى هو عترته الطاهرة ، أعني : عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السّلام ) فلم يكن يومذاك بعض هؤلاء كالحسن والحسين عليهما السَّلام ؟
    والجواب : إنّ الميزان في تمييز المكي عن المدني ، أمران ، وكلاهما يدلاّن على أنّ الآية نزلت في المدينة المنورة.
    الأمر الأوّل : دراسة مضمون الآيات
    فقد كانت مكافحة الوثنية والدعوة إلى التوحيد والمعاد هي مهمة النبي قبل الهجرة ، ولم يكن المجتمع المكّي مؤهلاً لبيان الأحكام والفروع أو مجادلة أهل الكتاب من اليهود و النصارى ، ولذلك تدور أغلب الآيات المكّية حول المعارف والعقائد والعبرة بقصص الماضين ، و ما يقرب من ذلك.
    ولمّا استتب له الأمر في المدينة المنورة واعتنق أغلب سكّانها الإسلام حينها سنحت الفرصة لنشر الإسلام وتعاليمه ولمناظرة اليهود والنصارى حيث كانوا يثيرون شبهاً ويجادلون النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) فنزلت آيات حول اليهود والنصارى في السور الطوال.
    فلو كان هذا هو الميزان بغية تميّز المكّي عن المدني ، فالآية مدنية قطعاً دون ريب لعدم وجود أيَّة مناسبة لسؤال الأجر أو طلب مودة القربى من أُناس لم يؤمنوا به بل حشَّدوا قواهم لقتله ، بخلاف البيئة الثانية فقد كانت تقتضي ذلك حيث التفَّ حوله رجال من الأوس والخزرج وطوائف كثيرة من الجزيرة العربية.
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: فهرس