مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: 311 ـ 320
(311)
الأُولى. ولنذكر نماذج ممّا أُثر عن النبيّ الأكرم ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) في مجال التفسير تيمّناً وتبرّكاً :
    1. لمّا نزل قوله سبحانه : « وَكُلُوا واشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَض ُمِنَ الْخَيْط ِالأَسْودِ مِنَ الْفَجْرِ » . (1) قال عديّ بن حاتم : إنّي وضعت خيطين من شعر أبيض وأسود ، فكنت أنظر فيهما ، فلا يتبين لي. فضحك رسول اللّه حتّى روَيت نواجذه ثمّ قال : « ذلك بياض النهار ، وسواد الليل » . (2)
    2. روى علي ( عليه السّلام ) في تفسير قوله سبحانه : « هَلْ جَزاءُ الإِحْسانِ إِلا الإِحْسانُ » . (3) قال سمعت رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) يقول : « إنّ اللّه عزّوجلّ قال : ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنّة » . (4) فالإيمان بتوحيد ذاته وصفاته وأفعاله عمل العبد ، قدّمه إلى بارئه ، فيجزيه بالجنّة. وفي الوقت نفسه كلاهما من جانبه سبحانه ، فهو الذي يوفق عبده للإيمان.
    3. ولمّا نزل قول اللّه سبحانه : « الّذينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون » (5) فقال أصحابه : وأيّنا لم يظلم نفسه ؟ ففسّر النبيّ الظلم بالشرك ، لقوله سبحانه : « انِّ الشِّركَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ » (6) (7) وهذا من قبيل تفسير القرآن بالقرآن. كيف واللّه سبحانه يصفه بأنّه تبيان لكلّ شيء ويقول : « نزّلنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيءٍ » (8) فهل يمكن أن يكون تبياناً لكلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه ؟
1 ـ البقرة : 187.
2 ـ مجمع البيان : 281/1 ، ط صيدا.
3 ـ الرحمن : 60.
4 ـ تفسير البرهان : 272/4.
5 ـ الأنعام : 82.
6 ـ لقمان : 13
7 ـ الإتقان : 214/4 ـ 215.
8 ـ النحل : 89.


(312)
    الوصيّ هو المفسر الثاني
    من سبر كتب التفسير والحديث يجد أنّ الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام هو المفسر الأكبر بعد النبي ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ، فعنه أخذ كثير من الصحابة. قال السيوطيّ : أمّا الخلفاء فأكثر ما روي عنه منهم عليّ بن أبي طالب ( عليه السّلام ) ، والرواية من الثلاثة نزرة جداً ، فأمّا عليّ ( عليه السّلام ) فروي عنه الكثير. وقد روى معمّر عن وهب بن عبد اللّه ، عن أبي الطفيل قال : شهدت عليّاً يخطب ، فيقول : « فواللّه لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب اللّه ، فواللّه ما من آية إلا وأنا أعلم أبليلٍ نزلت أم بنهار ، في سهل أم في جبل » .
    وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود ، قال : إنّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن ، وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن.
    وأخرج أيضاً من طريق أبي بكر بن عيّاش ، عن نصير بن سليمان الأحمسيّ ، عن أبيه ، عن عليّ ، قال : « واللّه ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أُنزلت ؟ وأين أُنزلت ؟ أنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ، ولساناً سؤولاً » . (1)
    يقول الذهبي في مكانة « عليّ » في التفسير : جمع علي رضي اللّه عنه إلى مهارته في القضاء والفتوى ، علمه بكتاب اللّه وفهمه لأسراره وخفيّمعانيه ، فكان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل ، ومعرفة التأويل ، فقد روي عن ابن عبّاس أنّه قال : ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ). (2)
1 ـ الإتقان : 204/4.
2 ـ التفسير والمفسّرون : 89/1 ـ 90.


(313)
    عثرة لا تقال
    إنّ الدكتور محمد حسين الذهبيّ جعل علي بن أبي طالب ـ بحسب كثرة من روى عنه ـ في الدرجة الثالثة ، وجعل عبد اللّه بن عبّاس في الدرجة الأُولى ، ثمّ ابن مسعود في الدرجة الثانية (1) والرجل بخس حقّ عليّ بخساً بيّناً ، فلو سلّمنا أنّ ما روي عن ابن عبّاس أكثر مما روي عن أمير المؤمنين ، فهل يمكن لنا أن ننكر اعتراف حبر الأُمّة بأنّه تخرّج على يد عليّ بن أبي طالب وأنّ ما أخذ من تفسير القرآن فإنّما أخذه عن عليّبن أبي طالب ( عليه السّلام ) ! كيف لا ، وقد لازم عليّاً قرابة ثلاثين سنة كما هو واضح لمن درس حياته ؟! قال ابن أبي الحديد : ومن العلم علم تفسير القرآن ، وعنه أُخذ ، ومنه فرِّع. وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحّة ذلك ، لأنّ أكثره عنه وعن عبد اللّه بن عبّاس. وقد علم الناس حال ابن عبّاس في ملازمته له ، وانقطاعه إليه ، وأنّه تلميذه وخرّيجه. وقيل له : أين علمك من علم ابن عمّك ؟ فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط. (2)
    ومن أراد أن يقف على نموذج من علم الإمام بالتفسير وأقسامه المختلفة ، فعليه الرجوع إلى الخطبة المرويّة عنه حول القرآن وأقسام تفسيره ، وقد رواها القمّي في أوّل كتابه ، وأدرجها البحرانيّ في تفسيره ، عند البحث عن مقدّمات التفسير ، وإليك مستهلّ الخطبة : (3)
     « ولقد علم المستحفظون من أُمّة محمّد أنّه قال : إنّي وأهل بيتي مطهّرون ، فلا
1 ـ المصدر نفسه.
2 ـ شرح نهج البلاغة : 19/1.
3 ـ تفسير عليّ بن إبراهيم : 5/1 ـ 10 ، والإمعان فيه يعرب عن دخول ما ليس من كلامه فيه ؛ ولاحظ تفسير البرهان : 32/1.


(314)
تسبقوهم فتضلّوا ، ولا تتخلَّفوا عنهم فتزلُّوا ، ولا تخالفوهم فتجهلوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم. هم أعلم الناس كباراً ، وأحلم الناس صغاراً ، فاتّبعوا الحقّ وأهله حيث كان ـ إلى أن قال ـ فالقرآن منه ناسخ ومنسوخ ، ومنه محكم ومتشابه ، ومنه خاصّ وعامٌّ ... » إلى آخر ما ذكر من أقسام ، وأعطى لكلّ قسم مثالاً من القرآن. والخطبة جديرة بالمطالعة ، وهي من خطبه الجليلة ، وربما نسبها الغافل إلى غيره وقد طبعت مع مقدمة قصيرة منسوبة إلى السيّد المرتضى قدَّس سرَّه باسم « المحكم والمتشابه » ، لكنّه من خطأ الناسخ والطابع.
    هذا وإنّ للذهبيّ عثرات كثيرة ، وزلاّت وافرة ، خصوصاً فيما يرجع إلى قضائه في حقّ الشيعة وكتبهم التفسيريّة ، فقد قصّر في أداء الواجب ، وبخس حقّهم ، ولنا مع الرجل موقف آخر نوَدّي فيه حقّ المقال إن شاء اللّه تعالى.
    ذكر الذهبيّ مشاهير المفسّرين من الصحابة ، وعدّ منهم ـ مضافاً إلى من عرفت أسماءهم ـ أُبيّ بن كعب كما ذكر من مشاهير التابعين : سعيد بن جبير ، مجاهد بن جبر ، عكرمة البربريّ ، عطاء بن رباح ، أبا العالية رفيع بن مهران ، محمّد بن كعب القرظيّ ، علقمة بن قيس ، مسروق بن الأجدع ، الأسود بن يزيد ، مرّة الهمدانيّ ، عامر الشعبيّ ، الحسن البصريّ ، وقتادة الدوسيّ.
    ولكنّه تنكّب عن مهيع الطريق ، فلم يعدّالحسن والحسين ممّن روي عنهما التفسير من الصحابة ، كما لم يعد الإمام زين العابدين ، ومحمّداً الباقر وجعفراً الصادق في التابعين الذين روي عنهم التفسير. وهب أنّه لم يستقص رواة التفسير من الصحابة حتّى يكون له عذر في ترك ذكر الإمامين الهُمامين السبطين الشريفين ، ولكنّه لماذا لم يذكر أئمّة المسلمين وسادة العارفين والصادقين ( عليهم السّلام ) الذين روي


(315)
عنهم العلوم في مجالات شتّى ، وفي التفسير خاصّة ، حتى نقل الناس عن أحدهم ، وهو الإمام جعفر الصادق عليه السَّلام من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر ذكره في البلدان.
    هذا هو الرازيّ يقول في تفسيره سورة الكوثر : « ثمّ انظر كم كان فيهم ( أولاد الرسول ) من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق ، والكاظم والرضا عليهم السَّلام والنفس الزكيّة و أمثالهم » . (1)
    هذا هو الحسن البصريّ الذي أثنى عليه الذهبيّ ثناءً جزيلاً يكتب إلى السبط الأكبر ـ الذي أهمل ذكره ـ قائلاً : « فإنّكم معشر بني هاشم ، الفلك الجاريّة في اللجج الغامرة ، والأعلام النيّرة الشاهرة ، أو كسفينة نوح التي نزلها المؤمنون ، ونجا فيها المسلمون » . (2)
    أو ليس عدم الإشادة بذكره وذكر أخيه بخساً لحقّهم ؟! وإن كان الأئمّة الطاهرون الذين أسميناهم ، والذين من بعدهم أعرف من أن يُعرفوا ، وهم روّاد العلم وقادته ، إليهم تنسب كلّ فضيلة غالية ، سواء أتى على ذكرهم الذهبيّ أم لم يأتِ.
من تلقَ منهم تلقَ كهلاً أو فتىً علم الهدى ، بحر الندى المورودا
    ولأجل ذلك نذكر في مقدم المقال أئمّة الشيعة ، وهم أئمّة المسلمين جميعاً ، وننقل عن كلّ واحد نزراً يسيراً في مجال التفسير ، ومن أراد الاستيعاب في المقام ، فعليه الرجوع إلى كتب التفسير ، بالأثر ، ليجد فيها بُغيته كما يقف بالرجوع إليها على
1 ـ مفاتيح الغيب : 498/8 ، الطبعة المصرية في ثمانية أجزاء.
2 ـ تحف العقول : 166 ، طبع بيروت.


(316)
مدى تقصير القوم ـ الذهبيّ وأساتذته ـ في غابر القرون (1) عن الرجوع إليهم ، والإشادة بذكرهم والاستضاءة بأنوارهم.
    على أنّنا نختار من المأثورات الكثيرة عنهم في مجال التفسير ما يدور على أحد المحاور الثلاثة : إمّا أن يكون تفسيراً للآية بأُختها ، أو تفسيراً لغويّاً وبيانيّاً ، أو استدلالاً بالآية على مبدأ اعتقاديّ ، وإن كانت ألوان التفسير في رواياتهم متشعّبة.

    نماذج ممّا روي عن أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) في مجال التفسير
    كان ( عليه السّلام ) يستخرج محاسن المعاني عن الآيات ممّا يبهر العيون ويحيّر العقول قال صلوات اللّه عليه بعد رحلة الرسول :
    1. « كان في الأرض أمانان من عذاب اللّه ، وقد رفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسّكوا به ، أمّا الأمان الذي رفع فهو رسول اللّه ، وأمّا الأمان الباقي فهو الاستغفار ، قال اللّه تعالى : « وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللّهَ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ » » . (2)
    2. ومن محاسن الاستخراج ولطائف الاستنباط قضاوَه في أقلّ الحملِ ، وفهمه من كتاب اللّه سبحانه ما يلي :
     « أخرج الحافظان أبو حاتم والبيهقيّ عن أبي حرب بن أبي الأسود الدوَلي : أنّعمر بن الخطاب رفعت إليه امرأة ولدت لستّة أشهر فهمّ برجمها. فبلغ ذلك
1 ـ كالحافظ شمس الدين الداوديّ في طبقات المفسّرين ، وعادل نويهض في معجم المفسّرين ، وأخيراً الذهبيّ في التفسير والمفسّرون.
2 ـ نهج البلاغة : قسم الحكم ، الحكمة رقم 88.


(317)
عليّاً ، فقال : « ليس عليها رجم » فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه ، فسأله ، فقال : قال اللّه تعالى : « وَالوالداتُ يُرْضِعْنَ أَولادَهُنَّ حَولَيْنِ كامِلَيْن » وقال : « وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً » فستة أشهر حمله ، وفصاله في حولين ، وذلك ثلاثون شهراً فخلّى عنها ، فقال عمر : اللّهمّ لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب. (1)
    3. سأل يهوديّ عليّاً ( عليه السّلام ) عن مدّة لبث أصحاب الكهف ، فقال : « وَلَبِثُوا في كَهْفِهِمْ ثَلاثمائة سِنينَ وَازْدادُوا تِسعاً » . فقال اليهودي : إنّا نجد في كتابنا : ثلاثمائة ، فقال ( عليه السّلام ) : « ذاك بسنيّ الشمس ، وهذا بسنيّ القمر » . (2)
    وبذلك بيّن الإمام وجه عدول الآية عن التعبير الرائج في أمثال المقام إلى ما ورد فيها ، فإنّ التعبير الرائج فيها هو فلبثوا في كهفهم ثلاثمائة وتسع سنين ، ولكنّه عبّر عنه بقوله : « وازدادُوا تِسْعاً » ، وما هذا إلا للإشارة إلى أنّ التعبيرين كليهما صحيحان ، واحد منهما بالسنوات الشمسيّة ، والآخر بالقمريّة.
    وكم لعليّ ( عليه السّلام ) من هذه المواقف في استخراج حكم الوقائع من كتاب اللّه وسنّة نبيّه ، وكم له من حلّ للمعضلات من الأُمور عن طريق تفسير الكتاب ، وبما أنّها مبثوثة في الكتب ، مشهورة بين المحدّثين والمفسّرين اكتفينا بهذه النماذج.

    الحسن بن علي ( عليه السّلام ) والتفسير
    الحسن بن علي هو السبط الأكبر ، وريحانة رسول اللّه ، ووارث علم أبيه ، وحامل راية الإمامة بعده ، بتنصيص من الرسول والوالد ، وقد أُثر عنه في مجال
1 ـ السنن الكبرى : 442/7 ؛ ولاحظ تفسير الرازي : 44/7 ، الطبعة المصريّة القديمة.
2 ـ بحارالأنوار : 352/58.


(318)
التفسير ما تعلو عليه القوّة والجدارة ، رغم ما منيت به آثاره من إعراض وإنكار. وإليك نماذج من آرائه في القرآن وتفسيره :
     « إنّ هذا القرآن فيه مصابيح النور ، وشفاء الصدور ، فليجلُ جالٍ بضوئه ، وليلجم الصفة قلبه ، فإنّ التفكير حياة القلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور » . (1)
     « ما بقي من الدنيا بقيّة غير هذا القرآن ، فاتخذوه إماماً يدلّكم على هُداكم ، وإنّ أحقّ الناس من عمل به ، وإن لم يحفظه ، وأبعدهم من لم يعمل به ، وإن كان يقرأه » . (2)
     « إنّ هذا القرآن يجيء يوم القيامة قائداً وسائقاً : يقود قوماً إلى الجنّة ، أحلّوا حلاله ، وحرّموا حرامه ، وآمنوا بمتشابهه ؛ ويسوق قوماً إلى النار ، ضيّعوا حدوده وأحكامه ، واستحلّوا محارمه » . (3)
     « من قال في القرآن برأيه ، فأصاب ، فقد أخطأ » . (4)
    وإليك نماذج ممّا روي عنه في مجال التفسير :
    1. سئل ( عليه السّلام ) عن معنى الشاهد والمشهود ، في قوله سبحانه : « وشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ » (5) فقال : أمّا الشاهد فمحمّد ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ، وأمّا المشهود فيوم القيامة ، أما سمعته يقول : « إِنّا أرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ... » (6). وقال تعالى : « ذلِكَ يَومٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَومٌ مَشْهُود » (7). (8) وهذا كما ترى تفسير للقرآن بالقرآن ، وكم له من نظائر في أحاديث أئمّة أهل البيت ( عليهم السّلام ).
1 ـ كشف الغمة : 195/2.
2 ـ إرشاد القلوب : 81.
3 و 4 ـ نفس المصدر.
5 ـ البروج : 3.
6 ـ الأحزاب : 45.
7 ـ هود : 103.
8 ـ بحار الأنوار : 13/1.


(319)
    2. وسئل عن تفسير قوله تعالى : « ... آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً » قال : هي العلم والعبادة في الدنيا ، والجنّة في الآخرة » . (1) فقد نبّه الإمام في كلامه هذا إلى ما يغفل عنه أكثر العامة ، إذ أيّة حسنة أعلى من العلم والمعرفة ، وعبادته سبحانه في الدنيا ؟ وثمرة المعرفة هي الطاعة والعبادة.
    3. كان الحسن بن عليّ إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه ، وقال : « إنّ اللّه جميل ، ويحبّ الجمال ، فأتجمّل لربّي ، وقرأ : « يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ » » (2). (3) فالصلاة وفود العبد إلى اللّه سبحانه ، فيليق بالوافد أن يحضر بأجمل الحالات ، وأحسن الأوضاع ، لأنّ الموفود إليه مالك الملك والملكوت.

    الإمام السبط الشهيد ( عليه السّلام ) والتفسير
    الإمام السبط الشهيد ريحانة رسول اللّه ، وسبطه الأصغر ، وهو من أهل بيت النبوّة بنصّ من النبيّالأكرم ، وقد استشهد عام 61 هـ في أرض الطفّ بيد الجور والعدوان. وقد عاصر الإمام خلافة معاوية عشر سنين ، وكانت سياسة ذلك الداهية هي سياسة القمع والإرهاب فلم ينتشر من الإمام إلا بعض خطبه ورسائله ، وكلماته الحكيمة. ومع ذلك ففي هذا النزر اليسير الذي أفلت من يد الأيّام ، الحجة البالغة والبرهان اللائح على أنّه وارث علم النبيّ وعلم أبيه ، كيف وهو من الثقلين اللّذين أمر النبيّ بالتمسّك بهما ؟ وإليك نماذج ممّا أُثر عنه في مجال التفسير :
    1. كتب أهل البصرة إليه يسألونه عن « الصمد » فكتب إليهم : « بسم اللّه
1 ـ الاثنا عشرية ( الحسيني ) : 53.
2 ـ الأعراف : 31.
3 ـ تفسير الصافي : 189/2 ، ط بيروت.


(320)
الرّحمن الرّحيم ، أمّا بعد ؛ فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا فيه بغير علم ، فقد سمعت جدّي رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) يقول : من قال في القرآن بغير علم ، فليتبوّأ مقعده من النار ، وإنّ اللّه سبحانه قد فسّر الصمد ، فقال : « اللّه أَحَدٌ * اللّهُ الصَّمَدُ » ثمّ فسره فقال : « لمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ » . لم يلد : لم يخرج منه شيء كثيف كالولد ، وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ، ولا شيء لطيف كالنفس ، ولا يتشعّب منه البدوات كالسنة ، والنوم ، والخطرة ، والهمّ ، والحزن ، والبهجة ، والضحك ، والبكاء ، والخوف ، والرجاء ، والرغبة ، والسأمة ، والجوع ، والشبع ، تعالى أن يخرج منه شيء ، وأن يتولّد منه شيء كثيف أو لطيف ... بل هو اللّه الصمد الذي لا من شيء ، ولا في شيء ، ولا على شيء. مبدع الأشياء وخالقها ، ومنشئ الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته ، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه ، فذلكم اللّه الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال » . (1)
    2. سأله رجل عن معنى قوله سبحانه : « يَومَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ » (2) فقال ( عليه السّلام ) : « إمام دعا إلى اللّه فأجابوه إليه ، وإمام دعا إلى الضلالة فأجابوه إليها. هؤلاء في الجنة ، وهؤلاء في النار. وهو قول اللّه عزّوجلّ : « فَريقٌ فِي الجَنّةِ وَفَريقٌ في السَّعير » (3) (4)
    3. سأله نضر بن مالك ، وقال : يا أبا عبد اللّه حدِّثني عن قول اللّه عزّوجلّ : « هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ » (5) فقال ( عليه السّلام ) : « نحن و بنو أُمية اختصمنا
1 ـ توحيد الصدوق : 56.
2 ـ الإسراء : 71.
3 ـ الشورى : 7.
4 ـ بلاغة الحسين : 87.
5 ـ الحج : 19.
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: فهرس