مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: 351 ـ 360
(351)
العلمية معشار ما عليه أئمّة أهل البيت صلوات اللّه عليهم ....
    وقد بلغت إحاطة أئمّة أهل البيت بالكتاب العزيز إلى حدّ يقول الإمام الباقر ( عليه السّلام ) : « إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأُمّة إلى يوم القيامة إلا أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله ، وجعل لكلّ شيء حداً وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه » . (1) ويقول الإمام الصادق ( عليه السّلام ) : « ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب اللّه عزّوجلّ ولكنّ لا تبلغه عقول الرجال » . (2)

    أسنادهم موصولة إلى النبيّ ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم )
    إنّ أئمّة أهل البيت ( عليهم السّلام ) لا يروون في مجال الفقه والتفسير والأخلاق والدعاء ، إلا ما وصل إليهم عن النبيّ الأكرم عن طريق آبائهم وأجدادهم ، وليس مرويّاتهم آراءهم الشخصيّة التي تنبع من عقليّتهم ، فمن قال بذلك وتصوّرهم مجتهدين مستنبطين ، فقد قاسهم بالآخرين ممّن يعتمدون على آرائهم الشخصيّة ، وهو في قياسه خاطئ فهم منذ نعومة أظفارهم إلى أن لبّوا دعوة ربّهم لم يختلفوا إلى أندية الدروس ، ولم يحضروا مجلس أحد من العلماء ، ولا تعلّموا شيئاً من غير آبائهم ، فما يذكرونه علوم ورثوها من رسول اللّه وراثة غيبيّة لا يعلم كنهه إلا اللّه سبحانه والراسخون في العلم.
    وهذا جابر الجعفي ، قال : قلت لأبي جعفر الباقر ( عليه السّلام ) : إذا حدثتني بحديث فاسنده لي ، فقال : « حدّثني أبي عن جدّي ، عن رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) عن جبرئيل عن اللّه تبارك وتعالى فكلّ ما أُحدثك بهذا الاسناد ، ثمّ قال : « لحديث واحد
1 ـ الكافي : 48/1 من كتاب فضل الأئمة.
2 ـ المصدر نفسه.


(352)
تأخذه من صادق عن صادق خير لك من الدنيا وما فيها » . (1)
    وروى حفص بن البختري. قال : قلت لأبي عبد اللّه الصادق ( عليه السّلام ) أسمع الحديث منك فلا أدري منك سماعه أو من أبيك ؟ فقال : « ما سمعته منّي فاروه عن أبي ، وما سمعته منّي فاروه عن رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) » . (2)
    فأئمّة المسلمين على حدّ قول القائل :
ووال أُناسا نقلهم و حديثهم روى جدّنا عن جبرئيل عن الباري
    ولقد عاتب الإمام الباقر ( عليه السّلام ) سلمة بن كهيل والحكم بن عيينة حيث كانا يتعاطيان الحديث من الناس ، ولا يهتمّان بأحاديث أهل البيت ، فقال لهما : « شرّقا وغرّبا ، فلا تجدان علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت » .
    تلك ـ واللّه ـ خسارة فادحة ، حيث إنّ جماعة من المحدّثين والفقهاء والمفسّرين دقّوا كلّ باب ولم يدقّوا باب أهل البيت إلاشيئاً لا يذكر ففسّروا كتاب اللّه بآرائهم وأفتوا في المسائل الشرعية بالمقاييس الظنية التي ليس عليها مسحة من الحقّ ، ولا لمسة من الصدق حتى حشوا تفاسيرهم بإسرائيليّات ومسيحيّات بثّها مسلمة أهل الكتاب ككعب الأحبار ووهب بن منبه وتميم الداري وأضرابهم بين المسلمين ، وأخذها عنهم المحدّثون والرواة والمفسّرون في القرون الأُولى ، زاعمين أنّها علوم ناجعة وقضايا صادقة ، فيها شفاء العليل ، ورواء الغليل والحال أنّك إذ فتّشت التفاسير المؤلّفة في القرون الغابرة لا تجد تفسيراً علمياً أو روائياً من أهل السنّة إلا وهو طافح بآرائهم الشخصية وأقوالهم التي لا قيمة لها في سوق العلم ، وقد استفحل أمر هؤلاء الرواة حتى اغترّ بهم بعض المفسّرين من الشيعة ، فذكروا
1 ـ وسائل الشيعة : 18 ، الباب8 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 67.
2 ـ المصدر نفسه ، الحديث 86.


(353)
جملة من الإسرائيليات في ثنايا تفاسيرهم ، وما ذلك إلا لأنّ تلك الأفكار كانت رائجة إلى حدّ كان يعدّ الجهل بها ، وعدم نقلها قصوراً في التفسير وقلّة اطلاع فيه ، ولأجل ذلك لم يجد شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي بداً من نقل آراء هؤلاء في تفسيره « التبيان » ، وتبعه أمين الإسلام في تفسير « مجمع البيان » ، ولكن لم يكن ذكرهم لآراء هؤلاء لأجل الاعتماد عليهم والركون إليهم ، وإنّما ألجأتهم إليه الضرورة الزمنيّة والسياسة العلمية السائدة على الأوساط آنذاك.
    إذا وقفت على أئمّة التفسير وأساتذته ، فهلمّ معي ندرس حياة شيعتهم ممّن خدموا القرآن في عصرهم ، وبعدهم وهم الذين تربّوا في حجورهم ، وارتووا من نمير علمهم الصافي ، وتمسّكوا بأهداب معارفهم ، وقد خدموا القرآن بمختلف أشكال الخدمة ، نشير إليها على وجه الإجمال ، ونحيل التفصيل إلى آونة أُخرى.

    1. الشيعة وتفسير غريب القرآن
    ارتحل النبيّ الأكرم ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) ، ، فعكف المسلمون على دراسة القرآن ، ولكن أوّل ما فوجئوا به كان هو قصور باع لفيف منهم عن معرفة معاني بعض ألفاظه ، فما هذا إلا لأنّ في القرآن ما قد ورد بغير لغة أهل الحجاز. انّ القرآن وإن نزل بلغة أهل الحجاز بشكل عام ، لكن ربّما وردت فيه ألفاظ ذائعة بين القبائل الأُخرى ، وقد عقد السيوطي باباً فيما ورد في القرآن بغير لغة أهل الحجاز (1) ، وأظنّ أنّه قد أفرط في هذا الباب ، ولكنّه لا يمكن إنكار هذا الأصل في القرآن الكريم من أساسه ، وممّا يشهد بذلك ( مفاجأة المسلمين بغريب القرآن ) ما رواه القرطبي في تفسيره فقال :
1 ـ الإتقان : 69/2 ـ 104.

(354)
عن عمر أنّه قال على المنبر : ما تقولون في قوله تعالى : « أَوْ يَأخُذَهُمْ عَلى تَخوّفٍ » (1) فسكتوا ، فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا. التخوّف : التنقص ، قال : فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال : نعم. قال : شاعرنا ـ زهير ـ أبو كبير الهذلي يصف ناقة تنقّص السير سنامها بعد تمكِه واكتنازه :
تَخَوَّفَ الرحلُ مِنها تامكاً قَرداً كَما تخوّفَ عُود النبعة السفن (2)
    فقال عمر : أيّها الناس عليكم بديوانكم لا يضلّ ، قالوا : وما ديواننا ؟ قال : شعر الجاهلية ، فانّ فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم.
    روى أبو الصلت الثقفي أنّ عمر بن الخطاب : قرأ قول اللّه : « وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلّهُ يَجْعَل صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » (3) بنصب الراء وقرأها بعض من عنده من أصحاب رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم ) بخفض الراء ، فقال : أبغوني رجلاً من كنانة ، و اجعلوه راعياً وليكن مدلجياً ، فأتوه به ، فقال له عمر : يا فتى! ما الحرجة فيكم ؟ فقال : الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار الّتي لا تصل إليها راعية ولا وحشيّة ولا شيء ، فقال عمر : كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير. (4)
    روى عبد اللّه بن عمر قال : قرأ عمر بن الخطاب هذه الآية : « ما جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج » ، ثمّ قال : ادعوا لي رجلاً من بني مدلج ، قال عمر : ما الحرج فيكم ؟ قال : الضيق. (5)
    وكم لهذه القصص من نظائر في التاريخ ، وهذا هو نافع بن الأزرق ، لمّا رأى
1 ـ النحل : 47.
2 ـ التفسير ( للقرطبي ) : 110/10 ، تَمَكَ السنام : طال وارتفع ، القرد : المتراكم بعض لحمه فوق بعض ، النبعة : شجرة من أشجار الجبال ، يتخذ منها القسي ، السفن : القشر.
3 ـ الأنعام : 125.
4 ـ الدر المنثور : 45/3.
5 ـ كنز العمال : 257/1.


(355)
عبد اللّه بن عباس جالساً بفناء الكعبة ، وقد اكتنفه الناس ويسألونه عن تفسير القرآن ، فقال لنجدة بن عويمر (1) الحروري : قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له به ، فقاما إليه فقالا : إنّا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب اللّه فتفسّرها لنا وتأتينا بمصادقة من كلام العرب ، فانّ اللّه تعالى أنزل القرآن بلسانٍ عربي مبين ، فقال ابن عباس : سلاني عمّا بدا لكم ، فقال نافع : أخبرني عن قول اللّه تعالى : « عَنِ الْيَمينِ وَعَنِ الشِّمال عِزين » (2) قال : العزون : الحلَق الرقاق ، فقال : هل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم. أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول :
فجاءُوا يُهْرَعُونَ إليه حتى يكونُوا حولَ منبِرْهَ عِزينا
    ثمّ سألاه عن أشياء كثيرة عن لغات القرآن الغريبة ففسّرها مستشهداً بالشعر الجاهلي ، ربّما تبلغ الأسئلة والأجوبة إلى مائتين ، ولو صحّت تلك الرواية لدلّت قبل كلّ شيء على نبوغ ابن عباس في الأدب العربي ، وإلمامه بشعر العرب الجاهلي حيث استشهد على كلّ لغة فسّرها بشعر منهم ، وقد جاءت الأسئلة والأجوبة في الاتقان. (3)
    وهذه الأحاديث والأخبار تعرب عن أنّ الخطوة الأُولى لتفسير القرآن الكريم كانت تفسير غريبه وتبيين ألفاظه التي ربّما تشكل على البعض ، ولعلّ ذلك كان الحافز القوي للفيف من جهابذة الأُمّة ، حيث استثمروا تلك الخطوة وبلغوا الغاية فيه من غير فرق بين السنّة والشيعة ، ونحن نذكر في هذا المجال ما ألّفه علماء الشيعة وأُدباوَهم بعد ابن عباس ، ونكتفي من الكثير بمشاهيرهم الذين كان لهم دوي في الأوساط اللغوية والأدبية ، ونترك من لم يكن له ذلك الشأن ، فليكن ذلك
1 ـ الرجلان من رؤوس الخوارج ، توفي نافع عام ( 65 هـ ) وتوفي نجدة عام ( 69 هـ ).
2 ـ المعارج : 37.
3 ـ الإتقان : 2/55 ـ 88.


(356)
عذراً لمن يقف على مؤلّفات لهم في غريب القرآن ، ولم نذكرها في تلك القائمة.
    1. غريب القرآن ، لأبان بن تغلب بن رباح البكري ( المتوفّى 141 هـ ) من أصحاب علي بن الحسين والباقر والصادق ( عليهم السّلام ) ، وكانت له منزلة عندهم ، وقد نصّبه أبو جعفر الباقر ( عليه السّلام ) للافتاء ، وقال : « اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فانّي أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك » ، وقال أبو عبد اللّه ( عليه السّلام ) لمّا أتاه نعيه : « واللّه أوجع قلبي موت أبان » . وقال النجاشي : عظيم المنزلة في أصحابنا ، وكان قارئاً من وجوه القرّاء فقيهاً لغوياً ، سمع من العرب وحكى عنهم ، وكان أبان رحمه اللّه مقدّماً في كلّ فن من العلم ، في القرآن والفقه والحديث والأدب واللغة والنحو. وله كتب منها تفسير غريب القرآن وكتاب الفضائل ، ولأبان قراءة مفردة مشهورة عند القرّاء. مات أبان في حياة الإمام الصادق سنة ( 141 هـ ). (1)
    2. غريب القرآن : لمحمد بن السائب الكلبي ( المتوفّى 146 هـ ) وهو من أصحاب الإمام الصادق ( عليه السّلام ) ووالد هشام بن محمد بن السائب الكلبي العالم المشهور والنسّابة المعروف. (2)
    3. غريب القرآن : لأبي روق (3) عطيّة بن الحارث الهمداني الكوفي التابعي. قال ابن عقدة : كان ممّن يقول بولاية أهل البيت ( عليهم السّلام ). (4)
1 ـ رجال النجاشي : 73/1 برقم 6 ؛ بغية الوعاة : 76 ؛ تهذيب التهذيب : 93/1 ؛ الطبقات الكبرى : 36/6 ؛ ميزان الاعتدال : 5/1 وغيرهم من أصحاب المعاجم.
2 ـ رجال النجاشي : 78/1 ؛ تنقيح المقال : 119/3.
3 ـ كذا في رجال النجاشي ، وفي فهرست الشيخ « أبي ورق » ، والصحيح هو الأوّل ذكره ابن النديم أيضاً : ص 57.
4 ـ رجال النجاشي : 78/1 ؛ الطبقات الكبرى : 368/6 ؛ خلاصة الأقوال : 131 ؛ معجم الأُدباء : 107/1 برقم 2.


(357)
    4. غريب القرآن : لعبد الرحمن بن محمد الأزدي الكوفي ، جمعه من كتاب أبان و محمد بن السائب الكلبي ، وأبي روق عطية بن الحارث ، فجعله كتاباً واحداً
    فبيّن ما اختلفوا فيه وما اتّفقوا عليه ، فتارة يجيء كتاب أبان مفرداً ، وتارة يجيء مشتركاً. (1)
    ويظهر من سند الشيخ الطوسي إليه في الفهرست أنّه ممّن صحب أبان بن تغلب ، وينقل عنه ابن عقدة المتوفّى عام ( 333 هـ ) بواسطة حفيده ( أبو أحمد بن الحسين بن عبد الرحمن الأزدي ) ، فالرجل من علماء القرن الثاني.
    5. غريب القرآن : للشيخ أبي جعفر أحمد بن محمد الطبري الآملي الوزير الشيعي المتوفّى عام ( 313 هـ ). (2)
    6. غريب القرآن : للشيخ أبي الحسن علي بن محمد العدوي الشمشاطي النحوي المعاصر لابن النديم الذي ألّف فهرسته عام ( 377 هـ ). قال النجاشي : « كان شيخنا بالجزيرة ، وفاضل أهل زمانه وأديبهم ، له كتب كثيرة منها كتاب « الأنوار والثمار » . قال لي سلامة بن ذكاء : إنّ هذا الكتاب ألفان وخمسمائة ورقة يشتمل على ذكر ما قيل في الأنوار والثمار من الشعر » . ثمّ عدّ كتبه ، ومنها كتاب غريب القرآن إلى أن قال : قال سلامة : وكتاب مختصر الطبري ، حيث حذف الأسانيد والتكرار ، وزاد عليه من سنة ثلاث وثلاثمائة إلى وقته فجاء نحو ثلاثة آلاف ورقة ، وتمّم كتاب « الموصل » لأبي زكريا زيد بن محمد ، وكان فيه إلى سنة
1 ـ فهرست الطوسي : 641 ؛ رجال النجاشي : 78/1. وفي الثاني « الحارث » مكان « الحرث » كما عرفت الاختلاف في « روق » و « ورق » .
2 ـ فهرست ابن النديم : 58.


(358)
( 321 هـ ) ، فعمل فيه من أوّل سنة ( 322 هـ ) إلى وقته ، وذكر النجاشي فهرس كتبه ، منها غريب القرآن. (1)
    7. غريب القرآن : للشيخ فخر الدين الطريحي المتوفّى عام ( 1085 هـ ) ، وقد طبع في النجف الأشرف في جزء واحد عام ( 1372 هـ ) ، وأسماه المؤلّف بـ « نزهة الخاطر وسرور الناظر وتحفة الحاضر » .
    8. مجمع البحرين ومطلع النيرين : وهو في غريب القرآن والحديث ولغتهما للشيخ الطريحي أيضاً ، وهو كتاب كبير معجم للغاتهما ، طبع في ستة أجزاء.
    9. البيان في شرح غريب القرآن : للشيخ قاسم بن حسن آل محيي الدين طبع بالنجف عام ( 1374 هـ ) ، بإشراف وتصحيح مرتضى الحكمي.
    10. غريب القرآن : للسيد محمد مهدي بن السيد الحسن الموسوي الخرسان يقع في جزءين. (2)
    هذه عشرة كاملة نكتفي بها ، وهناك كتب أُلّفت في توضيح مفردات القرآن بغير اللغة العربية ، فمن أراد فليرجع إلى الفهارس.
    فإذا كانت هذه الكتب تهدف إلى تفسير غريب القرآن وتبيين مفرداته ، فهناك كتب تهدف إلى تفسير غريب جمله التي جاءت في القرآن بصورة المجاز أو الكناية أو الاستعارة على الفرق الواضح بينها ، وإليك بعض ما أُلّف في ذلك المجال :
    1. مجاز القرآن : لشيخ النحاة الفرّاء يحيى بن زياد بن عبد اللّه الديلمي
1 ـ رجال النجاشي : 2/93 برقم 687 ، وترجمة الياقوت في معجم الأُدباء : 240/14 برقم 39.
2 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة : 50/16 برقم 308.


(359)
الكوفي الذي توفّى في طريق مكّة عام ( 207 هـ ). (1)
    2. المجاز من القرآن : لمحمّد بن جعفر أبو الفتح الهمداني ، المعروف بـ « المراغي » . يقول النجاشي : كان وجيهاً في النحو واللغة ببغداد ، حسن الحفظ ، صحيح الرواية فيما نعلمه ، ثمّ ذكر كتبه وقال : كتاب ذكر المجاز من القرآن. (2)
    3. مجازات القرآن : للشريف الرضي وهو أحسن ما أُلّف في هذا المجال ، وأسماه « تلخيص البيان في مجازات القرآن » ، وقد طبع مرّات أحسنها ما قام بطبعه موَتمر الذكرى الألفيّة للسيد الشريف الرضي عام ( 1406 ) ، وهو من أنفس الكتب.
    هؤلاء مشاهير المؤلّفين في غريب القرآن ولغته ومجازاته ، وهناك عدّة أُخرى جالوا في هذا الميدان ، لكن لا على وجه الاستقلال ، بل أدرجوه في التفسير. فهذا هو الشيخ الطوسي يبيّن مفردات القرآن واشتقاقاتها بوجه دقيق في تبيانه ، كما أنّ أمين الإسلام الطبرسي قام بهذه المهمّة في تفسيره « مجمع البيان » ، ولو قام الباحث باستخراج ما ذكره هذان العلمان في مجال مفردات الكتاب العزيز لجاء كتاباً حافلاً.
    وفي الختام ننبّه على نكتة ، وهو أنّ التفسير اللغوي للقرآن صار أمراً رائجاً في عصرنا هذا واشتهر باسم التفسير البياني ، ومن المصرّين على هذا النمط من التفسير أمين الخولي المصري ، والكاتبة المصرية عائشة بنت الشاطئ ، وقد انتشرت منهما في ذلك المجال كتب ، وقاما بتفسير القرآن بالرجوع إلى نفس القرآن الكريم ، والتفتيش عن موارد استعمالها في جميع الآيات ، وهذا النمط من التفسير يعالج
1 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة : 351/17 برقم 1567.
2 ـ رجال النجاشي : 319/2 برقم 1054.


(360)
جانباً واحداً من مهمّة التفسير ، وهناك جوانب أُخرى لا يستغني الباحث عنها إلا بالتمسّك بصحيح الأثر وغيره.

    2. الشيعة والتفسير الموضوعي بأقسامه
    إنّ نزول القرآن نجوماً ، وتوزع الآيات الراجعة إلى أكثر الموضوعات في سور القرآن يقتضي نمطاً آخر من التفسير غير تفسير القرآن سورة فسورة وآية فآية ، وهذا النمط عبارة عن تفسيره حسب الموضوع بجمع آيات كلّ موضوع في محلّ واحد وتفسير مجموعتها مرّة واحدة ، مثلاً المفسّر الذي يحاول التعمق في الحديث عن السماء والأرض ، أو عن المعاد ، أو قصص الأنبياء ، أو في أفعال الإنسان من جهة الجبر والاختيار ، لابدّ أن يتبع هذا النمط الذي ذكرناه ليتمكّن من جمع أطراف الموضوع جمعاً كاملاً وشاملاً.
    إنّ من جملة الأسباب التي دعت إلى ظهور عقائد مختلفة بين المسلمين ، وتشبّث صاحب كلّ مذهب بآيات القرآن ، هو أنّهم اهتمّوا بقسم خاص من آيات الموضوع دون الأخذ بكلّ ما يرجع إليه ، ولو أنّهم اهتموا في كلّ مسألة من المسائل الاعتقادية بمجموع الآيات لدروَوا عن أنفسهم الوقوع في المهاوي السحيقة.
    ومن باب المثال نذكر أصحاب عقيدة الجبر في أفعال الإنسان ، أو مذهب التفويض فيها ، فانّهم ابتلوا بما ذكرناه ، وخبطوا خبطة عشواء في فهم المقاصد الإلهيّة وتفسيرها. إنّ الرجوع إلى الفهارس ومعاجم الكتب خصوصاً فيما ألّف في أحوال رجال كانوا يعيشون في القرون الأُولى الإسلامية إلى رابعة القرون وخامستها يكشف عن أنّ هناك لفيفاً من علماء الشيعة وفطاحلهم اهتموا بهذا النمط من
مفاهيم القرآن ـ جلد العاشر ::: فهرس