مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: 151 ـ 160
(151)
    والذي يرشدك إلى كثرة الاحاديث الموضوعة الكاذبة ما يوجد في ترجمة شرذمة قليلة من أولئك الجمّ الغفير من الكذّابين ، من أنّه وضع عشرة آلاف حديث كما ذكروه في ترجمة أحمد بن عليّ الجويباريّ.
    فقد قام الباحث المتقدم الذكر بعد ما أورد من الأرقام في ترجمة اولئك الكذابين بإحصاء عدد الأحاديث التي وضعوها أو قلبوها فبلغت ما يقارب النصف مليون حديثاً.
    وهذه الأرقام راجعة إلى واحد وأربعين شخصاً (1).
    وقد الفّت في تمييز الأحاديث الموضوعة من الأحاديث الصحيحة كتب نذكر منها ما ألّفه أبو الفرج عبد الرحمان بن عليّ المعروف بابن الجوزيّ البغداديّ المتوفّى(597 هـ)الذي ذكر كلّ حديث موضوع.
    وقد تنبّأ الرسول صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم بما سيصيب سنتّه الشريفة ويصيب المسلمين فيما بعد على أيدي الكذّابين ، ووضّاعي الحديث وأعداء الإسلام ، وأخبر عن وجود من يقف في وجه هذا الخطر العظيم إذ قال : « يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين ، وانتحال الجاهلين ، كما ينفي الكير خبث الحديد » (2).
    وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله : « إنّ فينا أهل البيت في كلِّ خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين » (3).
    أليس كلّ هذا يستوجب، أن يربّي النبيّ الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم بعده من يتمتّع بالعصمة الكافية والعلم الواسع ليحفظ الدين من محاولات التحريف ، ويصون الشريعة من أيّ خيانة ودسّ؟
    1 ـ راجع الغدير 5 : 247 ـ 249 تحت عنوان ( قائمة الموضوعات والمقلوبات )
    2 ـ رجال الكشّيّ : 5.
    3 ـ الكافي 1 : 25.


(152)
خلاصةُ ما سبق
    لقد تبين مما تقدم أنّ الإمام الذي يخلّف النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم هو من يقوم مقامه في سدّ ما حدث بوفاته صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم من فراغ هائل بل فراغات كبرى في الحياة الإسلاميّة :
    فكما أنّ النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم كان يقوم إلى جانب مهمّة التبليغ للدين الإلهيّ بـ :
    1 ـ بيان معالم الشريعة وأحكامها حسب الحاجات المتجددة في حياة الاُمّة.
    2 ـ شرح معاني القرآن الكريم ، وتفسير آياته ، وبيان مقاصده وكشف القناع عن أسراره ورموزه وأبعاده حسب اقتضاء الظروف والنفوس.
    3 ـ هداية الاُمّة نحو التكامل الروحيّ والمعنويّ بتوحيد صفوف الاُمّة وجمع شملها ، وتعاهدها بالتربية والتزكية..
    4 ـ الدفاع عن حمى الشريعة ، بالرد على الشبهات ، والإجابة على الأسئلة العويصة وتبديد الشكوك التي يثيرها أعداء الإسلام.
    5 ـ صيانة الدين عن محاولات الدسّ والتحريف ، في مفاهيمه وشرائعه.
    أقول : كما أنّ وجود النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم كان يملأ هذه الفراغات الهائلة ، فإنّ فقدانه يوجب حدوثها، فلابدّ من إمام معصوم ليملأها كما كان النبيّ يملأها بحزمه وعلمه ، وقيادته وهدايته.
    فعلى الإمام ـ بما لديه من علم شامل بأبعاد الشريعة وجزئياتها ـ أن يعالج مشاكل الاُمّة المستحدثة ، ويفسّر لهم الكتاب العزيز ويكشف لهم ما لم يكشف من أبعاده ووجوهه ، ويعين الاُمّة على مواصلة طريق التكامل الذي بدأته بدعوة النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ويدافع عن حمى الشريعة برد الشبهات ، والإجابة الوافية على الأسئلة العويصة التي يثيرها الأعداء ، بهدف احراج المسلمين وزعزعتهم عن عقيدتهم ، ويصون الدين والعقيدة من أيّ تحريف ودسّ.
    وبالتالي، يقوم بكل ما يقوم به النبيّ من قيادة وهداية ، وتربية وتزكية.


(153)
    ولمّا كانت هذه المسؤوليات لاينهض بها إلاّ الإمام اللاّئق بخلافة النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم القادر على سدّ الفراغ الكبير الذي يحدثه غياب النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ولا توجد هذه اللياقة بالتربية العاديّة المتعارفة بل لا بدّ من عناية ربانية واعداد إلهيّ.
    ولمّا كانت معرفة مثل هذا الإمام اللائق المعصوم متعذرةً على الاُمّة ، يتعين على اللّه سبحانه العارف بعباده ، المحيط بهم ، أن يعرّف الاُمّة بالإمام وينصبه لهم. ولا يترك الأمر إلى نظر الاُمّة ورأيها لتختار حسب ما ترى ، وتشاء.
    ثمّ إنّ الشيخ الرئيس (ابن سينا) أشار في بعض كلماته إلى فوائد تنصيب الإمام ، التي ترجع إلى بعض ما ذكرنا ، وإليك بعض نصوص كلماته : (ثمّ إنّ هذا الشخص الذي هو النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ، ليس ممّا يتكرر وجود مثله في كلّ وقت فإنّ المادة التي تقبل كمال مثله يقع في قليل من الأمزجة ، فيجب لا محالة، أن يكون النبيّ قددبّر لبقاء ما يسنّه ويشرّعه في اُمور المصالح الإنسانية تدبيراً عظيماً).
    إلى أن قال ـ في الفصل الخامس ـ : ثمّ يجب أن يفرض السانّ (أيّ الشارع) طاعة من يخلفه ، وأن لا يكون الاستخلاف إلاّ من جهته (أيّ من جهة السانِّ الشارع) أو بإجماع من أهل السابقة على من يصححون ، علانيةً ، عند الجمهور أنّه مستقل بالسياسة وأنّه أصيل العقل حاصل عنده الأخلاق الشريفة من الشجاعة والعفة وحسن التدبير ، وأنّه عارف بالشريعة حتّى لا أعرف منه تصحيحاً.
    إلى أن قال : ويسنّ عليهم أنّهم إذا افترقوا وتنازعوا للهوى والميل ، أو أجمعوا على غير من وجدوا الفضل فيه والاستحقاق فقد كفروا باللّه.
    والاستخلاف بالنصّ أصوب، فإنّ ذلك لا يؤدي إلى التشعّب والتشاغب والاختلاف) (1).
    1 ـ الشفاء 2 ( الفن الثالث عشر في الإلهيّات ـ المقالة العاشرة الفصل الثالث والخامس ـ في المبدأ والمعاد ) : 558 و 564 ( طبعة إيران ).

(154)
الطريق الثالث
3
الخلافة عند النبيّ
والصحابة والاُُمم السابقة
1 ـ تصوّر النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم عن مسألة القيادة بعده.
2 ـ تصوّر الصحابة عن الخلافة بعد النبيّ.
3 ـ صيغة القيادة و الخلافة عند الاُمم السالفة.
    لقد دلّت المحاسبات العقليّة والاجتماعيّة السابقة على لزوم تعين الإمام من جانب اللّه تعالى ، وأثبتت أنّ إيكال الأمر إلى نظر إلامّة وانتخابها وتعيينها خطأ فاضح ، يأباه العقل وترفضه المصالح العامّة وتعارضه المحاسبات الاجتماعيّة.
    هذا ويمكن الاستدلال أيضاً على لزوم نصب الإمام من جانب اللّه بعد وفاة النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم وعدم إيكال ذلك إلى رأي الاُمّة ، بالأدلّة النقلية والتاريخيّة وهي تشمل :
    1 ـ تصوّره صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم عن مسألة القيادة من بعده.
    2 ـ تصوّر الصحابة عن هذه المسألة.
    3/صيغة القيادة ـ لدى الامم السابقة ـ وسيرتهم في ذلك بعد غيبة أنبيائهم.
    وإليك فيما يلي بيان هذه الاُمور والأدلة بالتفصيل :


(155)
1 ـ تصوّر النبيّ الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم عن القيادة بعده :
    لاريب أنّ من أهمّ الأدلة على لزوم نصب الإمام والقائد بعد النبيّ هو تصوّر النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم نفسه عن هذه المسألة ، فماذا كان هذا التصوّر ؟
    هل كان النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم يعتقد بلزوم نصب الإمام والقائد من جانب اللّه ؟ أم كان يعتقد ترك ذلك إلى نظر الاُمّة وإرادتها وإختيارها ؟ أم كان يعتبر ذلك من شؤونه واختصاصاته على الأقل ؟؟
    إنّ الكلمات المأثورة عن الرسول الأكرم وموقفه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم من قضية القيادة بعده ، تدلّ على أنّ النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم كان يعتبر أمر القيادة وتعيين القائد مسألةً إلهيّةً وحقاً إلهيّاً .. فاللّه سبحانه هو الذي له أن يعين القائد وينصب الخليفة الذي يخلِّف النبيّ بعد وفاته. ولا نجد في كلّ ما نقل عن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ما يدل على إرجاع الأمر إلى اختيار الاُمّة ونظرها ، أو إلى اراء أهل الحلّ والعقد واجتماعهم ، أو غير ذلك من صور الانتخاب والتعيين غير الإلهيّ.
    إنّ الأدلة والشواهد النقليّة تشهد برمتها بأنّ النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ذكر للاُمّة مراراً بأنّ تعيين الأمير من بعده أمر إلهيّ ، وليس له في ذلك شيء ، فلا يمكنه أن يقطع لأحد عهداً بأن يستخلفه من بعده ، دون أن يأذن اللّه تعالى له في ذلك أو يأتيه منه سبحانه أمر ووحي.
    وفيمايأتي نذكر شاهدين تأريخيين على ذلك ، والشاهد الأوّل أكثر صراحة في ما ذكرناه :
    1 ـ لمّا عرض الرسول صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم نفسه على بني عامر الذين جاؤوا إلى مكة في موسم الحجِّ ودعاهم إلى الإسلام قال له كبيرهم : (أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثمّ أظهرك اللّه على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟).
    فقال النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « الأمر إلى اللّه يضعه حيث يشاء » (1).
    1 ـ السيرة النبويّة لابن هشام 2 : 424 ـ 425.

(156)
    2 ـ لما بعث النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم سليط بن عمرو العامريّ إلى ملك اليمامة (هوذة بن عليّ الحنفيّ )الذي كان نصرانياً ، يدعوه إلى الإسلام وقد كتب معه كتاباً ، فقدم على هوذة ، فأنزله وحباه وكتب إلى النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم يقول فيه : (ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله وأنا شاعر قومي ، وخطيبهم ، والعرب تهاب مكاني فاجعل لي بعض الأمر أتبعك).
    فقدم سليط على النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم وأخبره بما قال هوذة ، وقرأ كتابه فقال النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « لو سألني سيابةً من الأرض ما فعلت .. باد وباد ما في يده » (1).
    ونقل ابن الأثير على نحو آخر فقال : أرسل هوذة إلى النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم وفداً يقول له :
    (إن جعل له الأمر من بعده أسلم وصار إليه ونصره ، وإلاّ قصد حربه).
    فقال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « فمات بعده قليل لا ولا كرامة .. اللهمّ اكفنيه » (2).
    إنّ هذين النموذجين التاريخيين الذين لم تمسّهما أيدي التحريف والتغيير يدلان بوضوح كامل على تصوّر النبيّ الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم عن مسألة الخلافة والقيادة من بعده ، فهما يدلاّن على أن هذه المسألة كانت إذا طرحت على النبيّ ، وسئل عمّن سيخلّفه في أمر قيادة الأمّة كان يتجنب إرجاعها إلى نفسه ، أو إلى نظر الاُمّة ، بل يرجع أمرها إلى اللّه تعالى. أو يتوقّف في إبداء النظر فيه على الأقل.
    على أنّ مسألة انتخاب الخليفة القائد بعد النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم لو كانت من شؤون الاُمّة وصلاحياتها وجب أن يصرح النبيّ بذلك أو يشير إلى أصل الموضوع ولو بالإجمال.
    بل وجب أن يبيّن للاُمّة الطريقة الصحيحة للانتخاب ، ويذكر لهم الشروط والضوابط اللازمة في الناخب ، والمنتخب ، لكي يتحقق هذا الأمر بوجه صحيح، بينما نجد النبيّ لا يتعرض لهذا الأمر أبداً ، ولم يؤثر عنه أيّ نقل ، وإرشاد وتعليم في هذا المجال ، رغم أهميّة الموضوع وخطورته البالغة ، مع أنّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم قد تعرّض لاُمور أسهل وأبسط
    1 ـ طبقات ابن سعد الكبرى 1 : 262.
    2 ـ الكامل في التاريخ لابن الأثير 2 : 146.


(157)
من ذلك فهل مسألة القيادة ، والإدارة والإمرة ـ وخصوصاً في تلك الظروف العصيبة وبالنسبة إلى تلك الاُمّة الناشئة ـ أقلّ شأناً ، وأهميّةً من المستحبّات والمكروهات التي ورد فيها الكثير الكثير من الأحاديث النبويّة ؟

2 ـ تصوّر الصحابة عن الخلافة بعد النبيّ
    إنّ المتتبع في تاريخ الصحابة والخلفاء والذين تعاقبوا على مسند الحكومة بعد النبيّ، يرى بوضوح أنّ الطريقة التي اتبعها أولئك الصحابة ، والخلفاء كانت هي الطريقة الانتصابيّة لا الانتخابيّة الشعبيّة.
    فالخليفة السابق كان يعين الخليفة اللاحق ، إمّا مباشرة أو بتعيين شورى تتولى هي تعيين الخليفة والاتفاق عليه .. ولم يترك أحد من أولئك الخلفاء أمر القيادة إلى نظر الاُمّة وإرادتها واختيارها ، أو يتكل على آراء المهاجرين والأنصار ، أو أهل الحلّ والعقد ليختاروا هم ـ بمحض إرادتهم ـ من يشاؤون للخلافة والإمرة.
    فمن يلاحظ تاريخ الصدر الأوّل يرى ، أنّ خلافة (عمر بن الخطاب) تمتّ بتعيين من أبي بكر.
    وأمّا خلافة (عثمان بن عفان) فتمت بواسطة شورى عيّن (عمر بن الخطاب) أفرادها وأمرهم بانتخاب الخليفة من بين انفسهم ، ولم يترك أحد من هؤلاء أمر القيادة إلى اختيار الاُمّة.
    وإليك تفصيل الأمر في كيفية استخلاف أبي بكر لعمر بن الخطاب .. ويليه تفصيل لكيفية استخلاف عمر بن الخطاب لعثمان بن عفان.

أ ـ استخلاف أبي بكر لعمر
    قال ابن قتيبة الدينوري في تاريخ الخلفاء : ( ... دعا (أبو بكر) عثمان بن عفان ،


(158)
فقال : اكتب عهدي ، فكتب عثمان ، وأملى عليه : (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة آخر عهده في الدنيا نازحاً عنها ، وأوّل عهده بالآخرة داخلاً فيها ، إنّي استخلف عليكم عمر بن الخطاب فإن تروه عدل فيكم ظنّي به ورجائي فيه ، وإن بدّل وغيّر فالخير أردت ، ولا أعلم الغيب وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون) (1).
    ويظهر من ابن الاثير ـ في كامله ـ أنّ أبا بكر أملى على عثمان عهده ، ولكنّه غشي عليه أثناء الإملاء ، فأكمله عثمان وكتب فيه استخلاف عمر من عند نفسه ، ثمّ إنّه لمّا أفاق أبو بكر من غشيته ، وافق على ما كتبه عثمان ، وإليك نصّ ما كتبه ابن الأثير : ( .. إنّ أبا بكر أحضر عثمان بن عفان خالياً ليكتب عهد عمر فقال له : اكتب بسم اللّه الرّحمن الرّحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة ، أمّابعد .. ثم اغمي عليه .. فكتب عثمان : فإني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيراً.
    ثمّ أفاق أبو بكر فقال : اقرأ عليّ ، فقرأ عليه ، فكبّر أبو بكر ، وقال : أراك خفت أن يختلف الناس إن متّ في غشيتي) (2).
    قال عثمان : نعم.
    قال : جزاك اللّه خيراً عن الإسلام وأهله.
    فلمّا كتب العهد أمر به أن يقرأ على الناس فجمعهم ، وأرسل الكتاب مع مولىً له مع (عمر) وكان عمر يقول للناس : انصتوا واسمعوا لخليفة رسول اللّه إنّه لم يألكم نصحاً.
    فسكت الناس .. فلمّا قرأ عليهم الكتاب سمعوا له وأطاعوا (3).
    1 ـ الإمامة والسياسة للدينوريّ المتوفّي (262 هـ) : 18 (طبعة مصر).
    2 ـ هل يمكن أن يلتفت الخليفة إلى الخطر الكامن في ترك الأمّة دون خليفة يستخلفها عليهم ولا يلتفت إليها النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ؟!
    3 ـ الكامل في التاريخ لابن الأثير 2 : 292 وطبقات ابن سعد الكبرى 3 : 200 (طبعة بيروت ).


(159)
    وقد نقل موضوع استخلاف (أبي بكر) لـ (عمر) عدة من أعلام التأريخ والحديث بهذين النحوين من النقل.

ب ـ استخلاف عثمان
    وأمّا قصة استخلاف عثمان فهي كالآتي، كما نقلها وأثبتها كتّاب التأريخ وأعلام السيرة :
    قال ابن قتيبة الدينوريّ في كتابه الإمامة والسياسة : (قال عمر : ساستخلف النفر الذين توفيّ رسول اللّه وهو عنهم راض..
    فأرسل إليهم فجمعهم ، وهم علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد اللّه ، والزبير بن عوّام ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمان بن عوف وكان طلحة غائباً فقال :
    يا معشر المهاجرين الأولين : إنّي نظرت في أمر الناس، فلم أجد فيهم شقاقاً ولا نفاقاً فإن يكن بعدي شقاق ونفاق فهو فيكم، فتشاوروا ثلاثة أيام ، فإن جاءكم طلحة إلى ذلك ، وإلاّ فأعزم عليكم باللّه أن لا تتفرقوا من اليوم الثالث حتّى تستخلفوا أحدكم) (1).
    وكتب ابن الأثير في كامله : (إنّ عمر بن الخطاب لمّا طعن قيل له : يا أمير المؤمنين لو استخلفت؟ فقال : من استخلف ؟لو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته .. ولو كان سالم مولى حذيفة حياً لاستخلفته ..
    فقال رجل : أدلّك عليه؟ عبد اللّه بن عمر ، فقال (عمر) : قاتلك اللّه كيف استخلف من عجز عن طلاق امرأته .. الى أن قال :
    عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : إنهّم من أهل الجنّة وهم عليّ
    1 ـ الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوريّ المتوفّي عام ( 262 هـ) : 23.

(160)
وعثمان وعبد الرحمان وسعد والزبير بن عوّام وطلحة بن عبد اللّه.
    فلمّا أصبح عمر، دعا عليّاً وعثمان وسعداً وعبد الرحمان والزبير ، فقال لهم :
    إنّي نظرت فوجدتكم رؤساء الناس وقادتهم ولا يكون هذا الأمر إلاّ فيكم. وقد قبض رسول اللّه وهو عنكم راض. فانهضوا إلى حجرة عائشة بإذنها ، واختاروا منكم رجلاً ، فإذا متّ فتشاوروا ثلاثة أيّام ، وليصلّ بالناس صهيب ، ولا يأتي اليوم الرابع إلاّ وعليكم أمير ».
    فاجتمع هؤلاء الرهط في بيت حتّى يختاروا رجلاً منهم.
    قال لصهيب : « صلِّ بالناس ثلاثة أيام وأدخل هؤلاء الرهط بيتاً وقم على رؤوسهم فإن اجتمع خمسة وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف .. وإن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما .. وإن رضي ثلاثة رجلا وثلاثة رجلا ، فحكّموا عبداللّه بن عمر فان لم يرضوا بحكم عبد اللّه بن عمر ، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمان بن عوف ، واقتلوا الباقين إن رغبوا عمّا اجتمع فيه الناس) (1).
    وممّا يدلّ على أنّ هذا الموقف والرأي لم يكن موقف الصحابة ورأيهم خاصّة في مسألة الاستخلاف والقيادة بل أنّ الرأي العام في ذلك العهد كان يعتقد ضرورة استخلاف القائد والحاكم ، وعدم ترك الأمر إلى نظر الناس وإرادتهم وانتخابهم ، نظريات لطائفة من الشخصيّات نذكر بعضها فيما يأتي :
    1 ـ نقل أنّ عمر بن الخطاب لمّا أحس بالموت قال لابنه [ عبد اللّه ] : (إذهب إلى عائشة واقراها مني السلام ، واستأذن منها أن أقبر في بيتها مع رسول اللّه ومع أبي بكر.
    فأتاها عبد اللّه بن عمر فأعلمها .. فقال : (نعم وكرامة ).
    ثمّ قالت : (يا بنيّ أبلغ عمر سلامي فقل له : لا تدع امّة محمّد بلا راع .. استخلف عليهم ، ولا تدعهم بعدك هملا ، فإنّي أخشى عليهم الفتنة) (2). فأتى عبد اللّه
    1 ـ الكامل لابن الأثير 3 : 35.
    2 ـ وهل يمكن أن تلتفت أمّ المؤمنين إلى هذه النكتة ولا يلتفت إليها النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم.
مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: فهرس