مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: 261 ـ 270
(261)
    إنّ الإسلام طلب من تشريع هذا النظام منع المزيد من إراقة دماء المعتدين الغزاة بعد السيطرة عليهم ، ولأنّ توزيعهم على المسلمين وجعلهم تحت ولايتهم أقرب إلى إمكانهم من تلقّي التربية الإسلاميّة وتوفير ظروف التهذيب والتعليم الدينيّ لهم.

8 ـ طهارة المولد
    والمقصود من هذا الشرط هو أن يكون ذا ولادة طيّبة ، فلا يحق لغيره أن يتصدّى لقيادة الاُمّة الإسلاميّة أو يُرشح لها من قبل الآخرين. وللدين في هذا الشرط عدة أهداف; منها أن يسدّ سبيل الزنا والبغاء بأن يعرف الزاني بأنّه سيتحمّل ضياعاً أبدياً يورثه أولاده ، وأفلاذ أكباده ، فلعلّه يرتدع عن هذه المعصية الكبيرة ، هذا مضافاً إلى أنّ الدين يستقبح الزنا ويكرهه فلو جوز ارتفاع (نتاج) الزنا إلى مستوى القيادة ، فلازم ذلك استهانة الاُمّة باُحدى حسنيين : إمّا بالأخلاق الإسلاميّة التي أبرزها تجنّب الزنا ، أو بطاعة الرئيس ، إذ من الواضح أنّ الرئيس الواطىء في نظر الناس لن يحظى باحترامهم ، وطاعتهم كالذي يحظى به الرئيس الشريف.
    إنّ وليد الزنا تنعقد نطفته في حالة عاصفة من الشهوات الرخيصة ، فتنعكس آثارها السيّئة على نفسيّته وفقاً لسُنّة التأثير ، فيتولّد ابن الزنا بنفسيّة ميالة إلى الشهوات صارخة الأهواء ، وحالة من الانفلات الخلقي التي تنمو معه نمواً خطيراً فيصبح مُلتاث الضمير ، محجوب العقل لايوقفه دون شهوته ضمير أو عقل أو دين.
    وبعبارة اُخرى : إنّ وليد الزنا تنعقد نطفته في حال يحسّ والده أو اُمّه أو كلاهما بأنّهما ينقضان القانون ، ويكسران عهداً من عهود اللّه ، وهو احساس ينتقل عن طريق النطفة إلى الوليد طبقاً لقانون التوارث الطبيعيّ ، فيخرج الطفل المولود من الزنا حاملاً لفكرة نقض العهد واختراق القانون .. أو يكون أقرب من غيره إلى هذه الحالة على الأقلّ .. وإلى هذا أشار حديث منقول عن الإمام الحسن بن عليّ المجتبى في هذا الصدد : « إنَّ الرجل إذا أتى أهلهُ بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير


(262)
مُضطرباستكنت تلك النطفة في الرَّحم فخرج الرَّجل يشبهُ أباه واُمَّهُ » (1).
    وهذا الحديث يشير إلى أنّ صفات الوالد أو الاُم تنتقل إلى الطفل بصورة قهريّة وراثيّة إن خيراً فخير ، وإن شراً فشرّ.
    فكيف لا تنعكس الحالة النفسيّة المضطربة للزاني والزانية في الطفل ولا تورث في خلقته اعوجاجاً ـ ولو قليلاً ـ يؤهّله للانحراف الأشدّ.
    وكيف يمكن أعطاء زمام الحكم والقيادة وهو أعظم مقام وأخطر منصب في حياة الاُمّة الإسلاميّة بيده وهو لا يؤمن عليه من الانحراف والشذوذ.
    ولهذا يقول الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) عن ولد الزنا : « إنّه يحنّ إلى الحرام والاستخفاف بالدين وسوء المحضر » (2).
    وهو أمر تثبته التحقيقات الاجتماعيّة ، والوقائع العلميّة.
    فإذا كان هذا هو شأن ولد الزنا لم يصلح إذن للقيادة ولم يكن فيه خير كما قال الإمام محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) : « لا خير في ولد الزنا ولا في بشرته ولا في شعره ولا في لحمه ، ولا في دمه ولا في شيء منه » (3).
    وربمّا يحتمل في الحاكم الإسلاميّ شرائط ومؤهّلات اُخرى لم نجد لها دليلاً
    1 ـ بحار الأنوار 14 : 379 ( الطبعة القديمة ).
    2 ـ سفينة البحار : 560.
    3 ـ إنّ ما ذكرناه من حالة ولد الزنا إنّما هو من باب وجود الاستعداد الأكثر ، والأرضيّة المناسبة للانحراف والشذوذ وبالتالي بيان وجود المقتضي للفساد في الطفل المولود من الزنا ، ولذلك لو شبَّ وكبر كان بإمكانه كأيّ إنسان آخر مختار ، أن يحرز نفسه من آثار هذه الحالة ، ويطهّرها من الشوائب العالقة بطبيعته ، فلا يوجب ما ذكرنا فيه من الحالة الناشئة من الزنا جبراً .. وتفصيل البحث موكول إلى محلّه ، وبالتالي إنّ المتولّد من الزنا كالمتولّد من الأبوين المسلولين يكون أكثر استعداداً وقابليةً من غيره للتعرّض إلى السل ولكنّه في إمكانه أن يراجع الطبيب ويقوم بإعمال وقائيّة تمنع من نمو ذلك الاستعداد ، وتمنعه من الابتلاء بداء والديه.
    وبعبارة اُخرى : إنّ خبث الولادة بمنزلة المقتضي لانحراف الطفل أيام شبابه وكبره وليست علّةً تامّةً له.


(263)
فأكتفينا بما ذكرناه لك.
    أمّا العقل والبلوغ ، فلم نذكرهما بصورة مستقلة لدخولهما تحت العناوين والصفات السابقة قهراً ، كما هما من الاُمور التي لا يختلف فيهما اثنان.
    ثم إنّ النصوص الإسلاميّة دلّت على أنّ الحاكم الإسلاميّ يجب أنّ يكون متحلّياً بالأخلاق الإنسانيّة العالية مضافاً إلى توفّر الصفات المذكورة سابقاً فيه ، فلا يكون مثلاً حريصاً على الملك متعطشاً إلى الرئاسة ، لأنّ ذلك يدلّ في الأغلب على رغبة في الاستئثار والتسلّط الذي ـ يسوّغ للحاكم ـ بدوره ـ أن يفعل كلّ شيء لتثبيت سلطته وتبرير استئثاره.
    قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « إنَّا واللّه لا نولّي هذا العمل أحداً سألهُ ، أو أحداً حرص عليه » (1).
    وعندما طلب عبداللّه بن عباس من الإمام عليّ (عليه السلام) أن يفوّض إمارة البصرة والكوفة إلى طلحة والزبير اللذين كانا يطلبان الرئاسة والحكومة ، حتّى يحسم بذلك مادة الفساد ، فأجابه (عليه السلام) بقوله : « ويحك إنّ العراقين بهما الرِّجالُ والأموالُ ، ومتى تملكا رقاب النَّاس يستميلا السفينة بالطَّمع ، ويضربا الضَّعيف بالبلاء ، ويقويا على القوي بالسلطان ، ولو كنت مستعملاً أحداً ـ لضرّه أو نفعه ـ لاستعملتُ مُعاوية على الشام.
    ولولا ما ظهر لي من حُرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأي » (2).
    إلى غير ذلك من الأخلاق التي تتطلّبها الولاية.
    كما ينبغي أنْ يكون بعيداً في حكمه عن أساليب الطغاة والجبارين ، فلا يتخذ حاجباً مثلاً.
    فعن رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أنّه قال : « ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة
    1 ـ صحيح مسلم ج 5 كتاب الإمارة ، الحديث14.
    2 ـ الإمامة والسياسة 1 : 40.


(264)
والمسكنة إلاّ أغلق اللّهُ أبواب السماء دونَّ خلّته ، وحاجته ومسكنته » (1).
    وقال صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « من ولاّه اللّه شيئاً من اُمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلّتهم وفقرهم احتجب اللّهُ دون حاجته وخلّته وفقره يوم القيامة » (2).
    وهناك كلام مماثل للإمام عليّ (عليه السلام) في عهده المعروف لمالك الأشتر إذ كتب فيه : « وأمّا بعدُ فلا يطولنَّ احتجابك عن رعيتك ، فإنّ احتجاب الولاة عن الرعيَّة شُعبة من الضيق ، وقلّة علم بالاُمور ، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغَّر عندكم الكبير ويعظِّم الصغير ويقبّح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحقّ بالباطل ، وإنّما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به عن الاُمور ، وليست على الحقِّ سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب » (3).
    وقال (عليه السلام) أيضاً : « أيّما وال احتجب عن حوائج الناس احتجب اللّه يوم القيامة عن حوائجه وإنّ أخذ هديّة كان غلولاً وإن أخذ لها رشوةً فهو مشرك » (4).
    وينبغي أن يكون الحاكم الإسلاميّ أميناً على أموال الاُمّةوناصحاً لهم في حكمه.
    قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة » (5).
    وقال صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « ما من عبد يسترعيه اللّه رعيَّةً يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيَّته إلاّ حرّم اللّه عليه الجنَّة » (6).
    وقال صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « ما من أمير يلي اُمور المسلمين ثمَّ لا يجهدُ لهم وينصحُ لهم إلاّ لم يدخله معهم الجنَّة » (7).
    1 ـ جامع الاُصول 4 : 52 أخرجه الترمذيّ.
    2 ـ جامع الاُصول4 : 52 أخرجه أبو داود.
    3 ـ نهج البلاغة : قسم الرسائل (الرقم 53).
    4 ـ ثواب الأعمال : 310.
    5 ـ صحيح مسلم : 55 كما في جامع الاُصول الجزء (4).
    6 ـ جامع الاُصول 4 : 53 نقلاً عن البخاريّ ومسلم.
    7 ـ جامع الاُصول 4 : 53 أخرجه مسلم.


(265)
    وأنْ يكون عطوفاً مع الضعفاء والأيتام. فقد جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) عسل وتين من همدان وحلوان فأمر العرفاء أن يأتوا باليتامى فأمكنهم من رؤوس الأزقاق يلعقونها ، وهو يُقسّمها للناس قدحاً ، قدحاً ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ما لهم يلعقونها ؟ فقال : « إنّ الإمام أبو اليتامى ، وإنّما لعَّقتُهم هذا برعاية الآباء » (1).
    بل وتبلغ عطوفة الحاكم الإسلاميّ وتتسع وظيفته إلى درجة يجب عليه أداء دين من مات ولم يترك شيئاً .. قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك ديناً لم يكن في فساد ولا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك » (2).
    وعن أمير المؤمنين في مواساة الحاكم للضعفاء : « إنّ اللّه جعلني إماماً لخلقه ففرض عليَّ التَّقدير في نفسي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي الفقيرُ بفقري ولا يطغي الغنيّ غناهُ » (3).
    ولمّا لبس عاصم بن زياد العباء وترك الملاء وشكاه أخوه الربيع (4) بن زياد إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه قد غمَّ أهله وأحزن ولده بذلك ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « عليَّ بعاصم بن زياد » ، فجيء به فلما رآه عبس في وجهه ، فقال له : « أمّا استحييت من أهلك ؟ أما رحمت ولدك ؟ أترى اللّه أحل لك الطيبات وهو يكرهُ أخذك منها ، أنت أهون على اللّه من ذلك ، أوليس اللّه يقول : ( وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَخْلُ ذَاتُ الأكْمام ) (الرحمن : 10 ـ 11) ، أو ليس اللّه يقولُ : ( مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ [ إلى قوله ] يَخْرُجُ مِنْهما الْلُّؤْلُؤُ وَ المَرجَانُ ) (الرحمن : 19 ـ 22) ، فباللّه لابتذال نعم اللّه بالفعال أحبّ إليه من أبتذالها بالمقال ، وقد قال اللّهُ عزَّ وجلَّ : ( وَأمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) (الضحى : 11).
    فقال عاصم : ياأمير المؤمنين فعلى مَ اقتصرت في مطعمك على الجشوبة وفي ملبسك على الخشونة؟ فقال : « ويحك إنّ اللّه عزَّ وجلَّ فرض على أئمّة العدل أن يُقدّروا أنفسهم بضعفة النَّاس ، كيلا يتبيَّغ بالفقير فقره ».
    1 ـ الكافي 1 : 406 ، 407 ، 339.
    2 ـ الكافي 1 : 406 ، 407 ، 339.
    3 ـ الكافي 1 : 406 ، 407 ، 339.
    4 ـ وفي نهج البلاغة ، علاء بن زياد.


(266)
    فألقى عاصم بن زياد العباء ولبس الملاء (1).
    وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في التعريف بالإمام : « يحقن اللّه به الدماء ، ويصلح به ذات البين ، ويلمَّ به الشَّعث ويشعب به الصَّدع ، ويكسو به العاري ويشبع به الجائع ويؤمن به الخائف » (2).
    وفي العهد الذي كتبه المأمون للرضا (عليه السلام) : (وأنظر الاُمّة لنفسه وأنصحهم للّه في دينه وعباده من خلايقه في أرضه من عمل بطاعة اللّه وكتابه وسنَّة نبيّه (عليه السلام) في مدَّة أيّامه وبعدها ، وأجهد رأيه ونظره فيمن يولّيه عهده ويختاره لإمامة المسلمين ورعايتهم بعده وينصبه علماً لهم ومفزعاً في جمع ألفتهم ولم شعثهم وحقن دمائهم والأمن بإذن اللّه من فرقتهم وفساد ذات بينهم واختلافهم ، ورفع نزع الشيطان وكيده عنهم) (3).
    وإنّما استشهدنا بكلامه هذا لأنّ الظاهر أنّ هذه الكلمات كانت موضع القبول من الإمام (عليه السلام) وقد نقل الأربليّ كلاماً في هذا المقام فراجعه.

وصايا تكشف عن مسؤوليّة الحكام :
    ولتتميم الفائدة وايقاف القارىء الكريم على مزيد من الصفات التي يليق أن يتحلّى بها الحاكم الإسلاميّ نلقي نظرةً سريعةً على ما كان يوصي به الإمام عليّ (عليه السلام) الحكّام والولاة ، وما أتينا به هنا إنّما هو قليل من كثير ممّا هو موزع في الكتب الحديثيّة والتاريخيّة.
    وعن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « أُذكر اللّه الوالي من بعدي على اُمّتي ألاَّ يرحم على جماعة المسلمين فأجلّ كبيرهم ورحم ضعيفهم ووقَّر عالمهم ، ولم يضربهم ، فيذلَّهم ولم يفقرهم فيكفِِّّرهم ولم يغلق بابه دونهم فيأكل قويّهم ضعيفهم ولم يخبزهم في بعوثهم فيقطع نسل
    1 ـ الكافي 1 : 410 ـ 411 ، ونهج البلاغة : الخطبة (204).
    2 ـ الكافي 1 : 314.
    3 ـ كشف الغمّة 3 لعليّ بن عيسى الأربليّ : 124 ، وبحار الأنوار : 12 في العهد الرضويّ.


(267)
أُُمَّتي » (1).
    وهذا الحكم وإن كان ورد في حقّ الوالي بعد النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم لكنّه موجّه لطبيعة الوالي ، فهو يشمل جميع الولاة إلى يومنا هذا ، لأنّه من باب تعليق الحكم على الوصف لا الشخص حتّى يختصّ بجماعة دون جماعة.
    وفيما كتبه الإمام عليّ (عليه السلام) لبعض موظّفيه : « آمره بتقوى اللّه في سرائر أمره وخفيَّات عمله حيث لا شاهد غيره ولا وكيل دونه وآمره أنّ لا يعمل بشيء من طاعة اللّه فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسرَّ ومن لم يختلف سرّه وعلانيته وفعله ومقالته فقد أدَّى الأمانة ، وأخلص العبادة وأمره أن لا يجبههم ولا يعضههم ولا يرغب عنهم تفضّلاً بالإمارة عليهم فإنَّهم الإخوان في الدِّين والأعوان على استخراج الحقوق » (2).
    وكتب (عليه السلام) إلى أحد ولاته قائلاً : « من عبد اللّه أمير المؤمنين إلى قثم بن العبّاس سلام عليك ، أمّا بعد ، فأقم على ما في يديك قيام الحازم الصَّليب ، والنَّاصح اللَّبيب ، والتابع لسلطانه ، المطيع لإمامه ، وإيّاك وما يعتذر منه ولاتكن عند النَّعماء بطراً ولا عند البأساء فشلاً » (3).
    1 ـ الكافي 1 : 406.
    2 ـ نهج البلاغة : الرسائل (الرقم 26).
    3 ـ نهج البلاغة : الرسائل (الرقم 33).


(268)

(269)
الفصل الخامس
أركان الحكومة الإسلاميّة
    إنّ للحكومة الإسلاميّة ـ كالحكومات الحيّة العالميّة الاُخرى ـ أركاناً ثلاثةً هي السلطات الثلاث التي تشكّل تركيبة الدولة الإسلاميّة ويلعب كلّ ركن من هذه الأركان دوراً خاصّاً ومهمّاً في الحكومة ، ولو كانت الحكومات العالميّة تفتخر اليوم بأنّها قد توصّلت إلى اكتشاف هذه السلطات الثلاث ، فإنّ الإسلام قد سبقها إلى إقرارها منذ اللحظات الاُولى من انعقاد السياسة والحكومة الإسلاميّة ، وهذه حقيقة تؤكّدها مراجعة القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.
    وممّا لاشك فيه أنّ الحكومة الإسلاميّة لا يمكن أن تقوم ، ولايمكن أن تؤدّي وظائفها إلاّ بواسطة أجهزة وتشكيلات وسلطات ، وتقسيم المسؤوليّات الإدارية والأعمال الحكوميّة على أفراد ودوائر ، كما كان يفعله النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم طيلة حياته السياسيّة والإداريّة ولكن بصورة بسيطة ، وبأسماء وعناوين اُخرى غير الأسماء والعناوين المعروفة الآن.
    والسلطات التي تعتمدها الحكومة الإسلاميّة هي عبارة عن :
    1 ـ السلطة التشريعيّة
    2 ـ السلطة التنفيذيّة
    3 ـ السلطة القضائيّة
    وإليك تفصيل هذه السلطات الثلاث.


(270)
1
السلطة التشريعيّة
    ونقصدبهذه السلطة فريق الشورى الذين تنتخب الاُمّة أعضاءه تحت شروط ووفق مواصفات خاصّة (1) وتقع عليهم مهمة التصديق على لوائح الحكومة ومقترحات الوزراء ، بعد تبادل الرأي فيها ودراستها ، لتقديمها بعد ذلك إلى الحكومة للتنفيذ والتطبيق.
    وهذه السلطة هي التي يصطلح عليها في السياسة الحديثة بالبرلمان ، والمجلس النيابي ، أو مجلس الشورى.
    وبما سنذكره من مهمّة فريق الشورى هذا ، يتبيّن بطلان ما قد يتوهّمه متوهّم من أنّ السلطة التشريعيّة ـ التي نذكرها هنا ، ونعدّها من أركان الحكومة الإسلاميّة ـ هي الرائج والمتعارف في الحكومات العالميّة ، من إعداد فرد أو جماعة يقومون بسنّ التشريعات والقوانين التي تحتاج إليها البلاد ، فقد فصّلنا القول في الجزء الأوّل من كتابنا تحت عنوان : (التوحيد في التقنين والتشريع) وذكرنا; أنّ التشريع والتقنين محض حقّ للّه سبحانه فلا شارع ولا مقنّن سواه ، ولا يحقّ لأحد ـ كان من كان وبلغ ما بلغ من
    1 ـ سوف يوافيك دليل انتخابهم من جانب الاُمّة.
مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: فهرس