مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: 331 ـ 340
(331)
صلاحيّة القاضي ، وتوفّر الشروط المؤهّلة للقضاء فيه.
    ولقد اشترط الإسلام في القاضي شروطاً وأوصافاً لم يسبق لها مثيل في تاريخ القضاء وهذه الصفات هي :
    1 ـ البلوغ.
    2 ـ العقل.
    3 ـ الإيمان.
    4 ـ العدالة.
    5 ـ طهارة المولد.
    6 ـ العلم بالقانون.
    7 ـ الذكورة.
    8 ـ أن يكون ظابطاً سليم الذاكرة فلو غلب عليه النسيان لم يجز نصبه للقضاء (1).
    ولقد شدّد الإسلام على خطورة منصب القضاء ، وجسامة مسؤوليّة القاضي ومقامه فقد ورد عن الرسول الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « القضاة ثلاثة : واحد في الجنّة واثنان في النّار ..
    فأمّا الذّي في الجنّة فرجل عرف الحقّ وقضى به.
    ورجل عرف الحقّ فجار في الحكم فهو في النّار.
    1 ـ راجع شرائع الإسلام للمحقّق الحليّ كتاب القضاء في الصفات.

(332)
    ورجل قضى للنّاس على جهله فهو في النّار » (1).
    ورفع إلى أبي عبد اللّه الإمام الصادق (عليه السلام) قوله : « القضاة أربعة ، ثلاثة في النّار وواحد في الجنّة :
    رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النّار.
    ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النّار.
    ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم فهو في النّار.
    ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة » (2).
    وقال الإمام عليّ (عليه السلام) عن من يتصدّى لمقام القضاء وليس له أهل : « ورجل قمش جهلاً ، موضع في جهال الاُمّة ، غار في أغباش الفتنة ، عمّ بما في عقد الهدنة ، قد سمّاه أشباه النّاس عالماً وليس به ، بكر فاستكثر من جمع ما قلّ منه خير ممّا كثر .. جلس بين النّاس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره فإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشواً رثّاً من رأيه ثمّ قطع به فهو من لبس الشُّبهات في مثل نسج العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ » (3).
    وقال الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) مشيراً إلى حراجة موقف القاضي ، وصعوبة إجراء الحق والعدل الذي هو هدف القضاء الإساسيّ : « الحقُّ أوسع الأشياء في التّواصف وأضيقها في التناصف » (4).
    إنّ القضاء ليس شيئاً بسيطاً عادياً بل هو أمر مهمّ حتّى في أبسط الأشياء فقد روي أنّ صبيّين تحاكما إلى الإمام الحسن بن عليّ (عليه السلام) في خطّ كتباه وحكّماه في ذلك ليحكم أيّ الخطّين أجود فبصر به عليّ (عليه السلام) فقال : « يا بنيّ انظر كيف تحكم فإنّ هذا حكم ، واللّه سائلك عنه يومالقيامة » (5).
    وقد وقع نظير هذه القضية للإمام عليّ (عليه السلام) نفسه فقد روى الإمام أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ألقى صبيان الكتاب ألواحهم بين يديه ليخيّر بينهم فقال : « أما إنّها حكومة والجور فيها كالجور في الحكم ، أبلغوا معلّمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب اقتصّ منه » (6).
    1 ـ جامع الاُصول 10 : 545 نقلاً عن أبي داود.
    2 ـ وسائل الشيعة 18 : 11و 582.
    3 ـ نهج البلاغة : الخطبة 17 ، 216.
    4 ـ نهج البلاغة : الخطبة 17 ، 216.
    5 ـ مجمع البيان3 : 64 في تفسير قوله : ( إِنَّ اللّهَ يَأمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ ).
    6 ـ وسائل الشيعة 18 : 11و 582.


(333)
    ولذلك قال النبيّ الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « لسانُ القاضي بين جمرتين من نار حتّى يقضي بين الناس فإمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار » (1).
    كما لذلك أيضاً اشترط الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) على القاضي شُريح أن لا ينفذ قضاء حتّى يعرضه عليه .. قال الإمام الصادق (عليه السلام) : « لمّا ولّى أمير المؤمنين (عليه السلام) شريحاً القضاء اشترط عليه أن لا يُنفذ القضاء حتّى يعرضهُ عليه » (2).
    ومن هنا أكد الإمام عليّ (عليه السلام) على الأشتر واليه على مصر ، في عهده المعروف ، أن يختار من يريدهم لمنصب القضاء ، اختياراً دقيقاً بقوله : « ثمّ اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك في نفسك ممّن لا تضيق به الاُمور ، ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزّلّة ولا يحصر من الفيء إلى الحقّ إذا عرفه ، ولا تشرف نفسه على طمع ، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه ، وأوقفهم في الشّبهات ، وآخذهم بالحجج و أقلّهم تبرُّماً بمراجعة الخصم و أصبرهم على تكشّف الاُمور ، وأصرمهم عند اتّضاح الحكم ، ممّن لا يزدهيه إطراء ، ولا يستميله إغراء ، و اُولئك قليل ، ثمّ أكثر تعاهد قضائه ... » (3).
    ولخطورة مقام القضاء لا يجوز إلاّ للنبيّ أو وصيّه ، كم ـ ا قال الإمام عليّ (عليه السلام) لشريح : « يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه (ما جلسه) إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ ، أو شقيّ » (4).
    وورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قوله : « اتّقوا الحُكومة (أي القضاء) إنّما هي للإمام العادل العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبيّ (كنبيّ) أو وصيّ (5) نبيّ » (6).

2 ـ إستقلال القاضي الماليّ والسياسيّ
    إنّ القاضي بما أنّه يتحمّل مسؤوليّة كبيرة وخطيرة لا مشابه لها بين أقرانها من
    1 ـ وسائل الشيعة 18 : 11 ، 6 ، 7.
    2 ـ وسائل الشيعة 18 : 11 ، 6 ، 7.
    3 ـ نهج البلاغة : قسم الكتب 53.
    4 ـ وسائل الشيعة 18 : 11 ، 6 ، 7.
    5 ـ المراد بالوصيّ هو الأعم من الوصيّ المنصوص عليه بالاسم فيشمل المنصوص عليه بالوصف ، أي الذي جمع صفات القاضي المعتبرة في الإسلام.
    6 ـ وسائل الشيعة 18 : 7.


(334)
المسؤوليّات والمناصب الاُخرى ، يجب أن يكون مستقلاًّ في عمله غاية الاستقلال ، لكي لا يخضع لما يميل به عن العمل بمسؤوليّته .. ويقتضي ذلك أن يكون مستقلاًّ في اقتصاده عن الآخرين كيلا يقع فريسة الأطماع ، ولقد أدرك الإسلام هذه الناحية الحسّاسة فأمر الحكومة الإسلاميّة بالإغداق على القاضي إغداقاً يقطع طمعه عمّا في أيدي الآخرين ، يقول الإمام عليّ (عليه السلام) في عهده للأشتر النخعيّ في هذا الصدد : « وافسح لهُ (أي للقاضي) في البذل ما يزيل علّته ، وتقلُّ معه حاجته إلى الناس » (1).
    ولكنّ هذا الاستقلال لا يكفي إذا لم ينضمّ إليه استقلال القاضي من أيّ تأثير خارجيّ سياسيّ عليه ، ومن أيّة تدخّلات صادرة عن السلطات الاُخرى في عمله القضائي فإنّ القاضي يجب أن يُترك وشأنه حتّى يستجلّي الحقّ بنفسه دون مؤثرات خارجيّة ولا تدخلات في عمله .. ولذلك قال الإمام عليّ (عليه السلام) في عهده للأشتر النخعيّ ، في هذا الصدد : « واعطه من المنزلة لديك ملا يطمعُ فيه غيرهُ من خاصّتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال لهُ عندك فانظر في ذلك نظراً بليغاً » (2).
    والمقصود هو أن يكون للقاضي موضعاً غير متأثّر بأحد ليقضي بالحقّ ، ويفصل في الخصومات ، ويصدر الأحكام غير متهيّب ولا متأثّر وهذا هو ما يصطلح عليه السياسيّون اليوم باستقلال السلطة القضائيّة ، وتفكيكها عن بقية السلطات.
    ولقد نبّه إلى هذا فقهاؤنا العظام استلهاماً ممّا لديهم من تعاليم الشريعة المقدّسة في هذا المجال ، قال المحقّق النائينيّ (المتوفّى عام 1355 هـ) :
    (إنّ ولاية الحاكم ترجع إلى قسمين : الأوّل الاُمور السياسيّة ، التي ترجع إلى نظم البلاد وانتظام اُمور العباد ، والثاني الإفتاء والقضاء ، وكان هذان المنصبان في عصر النبيّ والأمير (عليه السلام) بل في عصر الخلفاء الثلاثة لطائفتين وفي كل بلد أو صقع كان الوالي غير القاضي فصنف كان منصوباً لخصوص القضاء والإفتاء وصنف كان منصوباً لإجراء الحدود ونظم البلاد والنظر في مصالح المسلمين ، نعم اتّفق إعطاء كلتا الوظيفتين
    1 ـ نهج البلاغة : قسم الكتب الرقم 53.
    2 ـ نهج البلاغة : قسم الكتب الرقم 53.


(335)
لشخص واحد لأهليّته لهماإلاّ أنّ الغالب اختلاف الوالي والقاضيّ) (1).
    ولقد أعطى الإمام عليّ (عليه السلام) وهو إمام المسلمين على الإطلاق ، والحاكم الأعلى للاُمّة الإسلاميّة مثلاً عمليّاً على هذا الاستقلال القضائيّ السياسيّ حيث مكّن القاضيّ ـ بفضل هذا السلوك الإسلاميّ ـ من محاكمة حاكم المسلمين وأحد رعاياه في محكمة واحدة .. وذلك في قضيّة اليهودي مع الإمام عليّ (عليه السلام) :
    فقد نقل المؤرّخون أنّه (عليه السلام) لمّا وجد درعه عند يهودي من عامّة الناس فأقبل به إلى أحد القضاة وهو شريح ليخاصمه ويقاضيه ، ولمّا كان الرجلان أمام القاضي قال عليّ : « إنّها درعي ولم أبع ولم أهب ». فسأل القاضي الرجل اليهوديّ ما تقول؟ فقال اليهوديّ : ما الدرع إلاّ درعي ، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب وهنا التفت القاضي شريح إلى عليّ يسأله : هل من بيّنة تشهد أنّ هذه الدرع لك ؟ فضحك عليّ وقال « مالي بيّنة » فقضى شريح بالدرع لليهوديّ ، فأخذها ومشى وأمير المؤمنين ينظر إليه ! إلاّ أنّ الرجل لم يخط خطوات قلائل حتّى عاد يقول :
    إمّا أنا فأشهد أنّ هذا أحكام أنبياء ، أمير المؤمنين يدينني إلى قاض يقضي عليه ثمّ قال : الدرع واللّه درعك يا أمير المؤمنين وقد كنت كاذباً فيما ادّعيت (2).

3 ـ رعاية آداب القضاء وكيفيّته
    إنّ الإسلام لم يكتف بالتشديد على أهميّة القضاء ، واعتبار صفات معيّنة في القاضي ، بل سنّ للعمل القضائيّ آداباً وسنناً أكّد على القاضي الأخذ بها في قضائه ليسلم من شوائب الظلم والحيف ، ويكون أقرب إلى الإنصاف والحقّ والعدل ، وقد لخّص فقهاؤنا هذه الآداب التي ذكرتها الأحاديث المتواترة ، في كتبهم الفقهيّة نشير إليها.
    1 ـ راجع منية الطالب 1 : 325.
    2 ـ بحار الأنوار 41 : 56 ، عليّ وحقوق الإنسان : 87 ، 88 لجورج جرداق مع اختلاف يسير.


(336)
    قال المحقّق في شرائع الإسلام كتاب القضاء :
    في الآداب [ أي آداب القضاء ] وهي قسمان مستحبّة ومكروهة ، فالمستحبّة :
    1 ـ أن يطلب من أهل ولايته من يسأله عمّا يحتاج إليه في اُمور بلده.
    2 ـ أن يسكن عند وصوله في وسط البلد لترد الخصوم عليّه وروداً متساوياً.
    3 ـ أن يجلس للقضاء في موضع بارز مثل رحبة أو فضاء ليسهل الوصول إليه.
    4 ـ أن يحضر من أهل العلم من يشهد حكمه فإن أخطأ نهوه لأنّ المصيب عندنا واحد ويخاوضهم [ أي يطرح عليهم القضايا ويتبادل معهم الرأي ] فيما يستبهم من المسائل النظريّة لتقع الفتوى مقرّرة ، ولو أخطأ فأتلف لم يضمن وكان على بيت المال.
    5 ـ وإذا تعدّى أحد الغريمين سنن الشرع عرّفه خطأه بالرفق.
    والآداب المكروهة :
    1 ـ أن يتخذ حاجباً وقت القضاء.
    2 ـ أن يقضي وهو غضبان.
    3 ـ وكذا يكره مع كلّ وصف يساوي الغضب في شغل النفس كالجوع والعطش والغمّ والفرح والوجع ، ومدافعة الأخبثين ، وغلبة النعاس..
    4 ـ أن يستعمل الانقباض [ والتقطيب في الوجه ] المانع من الإعلان عن الحجّة ، وكذا يكره إظهار اللين الذي لايؤمن معه من جرأة الخصوم.
    ثمّ ذكر مسائل من شأنها حصول الدقة في العمل القضائيّ كقوله :
    إذا أفتقر الحاكم إلى مترجم لم يقبل إلاّ شاهدان عدلان ولا يقتنع بالواحد عملاً بالمتّفق عليه.
    وإذا اتخذ القاضي كاتباً وجب أن يكون بالغاً عاقلاً مسلماً عدلاً بصيراً ليؤمن انخداعه ، وإن كان فقيهاً كان حسناً.


(337)
    ويكره للحاكم أن يعنّت الشهود إذا كانوا من ذوي البصائر والأديان القويمة; مثل أن يفرق بينهم لأنّ في ذلك غضّاً منهم ، ويستحب ذلك في وضع الريبة.
    ولا يجوز للحاكم أن يتعتع الشاهد وهو أن يداخله في التلفّظ بالشهادة أو يتعقّبه بل يكفّ عنه حتّى ينهي ما عنده.
    ويكره أن يضيف القاضي أحد الخصمين دون صاحبه ، لأنّ ذلك يكسب الخصم الضيف شيئاً من القوة.
    ثم قال عن الرشوة : الرشوة حرام على آخذها ، ويأثم الدافع إن توصّل بها إلى الحكم له بالباطل ، ولو كان إلى حقّ لم يأثم ويجب على المرتشي إعادة الرشوة إلى صاحبها ولو تلفت قبل وصولها إليه ضمنها له.
    ثمّ ذكر المحقّق الحليّ اُموراً في وظائف القاضي فقال : في وظائف القاضي وهي سبع :
    الاُولى : التسوية بين الخصمين في السلام والجلوس والنظر والكلام والإنصات والعدل في الحكم.
    الثانية : لا يجوز أن يلقّن أحد الخصمين ما فيه ضرر على خصمه.
    الثالثة : يكره أن يواجه بالخطاب أحدهما لما يتضمّن من إيحاش الآخر.
    الرابعة : إذا ترافع الخصمان وكان الحكم واضحاً لزمه القضاء ، ويستحبّ ترغيبهما في الصلح ، فإن أبيا حكم بينهما وإن أشكل أخّر الحكم حتّى يتّضح ولا حدّ للتأخير إلاّ الوضوح.
    الخامسة : إذا ورد الخصوم [ في المحكمة ] مترتّبين بدأ بالأوّل فالأوّل فإن وردوا جميعاً قيل يقرع بينهم.
    السادسة : إذا قطع المدّعى عليه دعوى المدّعي بدعوى ، لم تسمع حتّى يجيب عن الدعوى وينهي الحكومة ثمّ يستأنف هو.


(338)
    السابع ـ ة : إذا بدر أحد الخصمين بالدعوى فهو أولى.
    وهناك اُمور ذكرها على صعيد عمل القاضي جديرة بالمطالعة نترك ذكرها رعاية للإختصار.
    وما ذكره هذا المحقّق وغيره من الفقهاء في آداب القضاء ووظائف القاضي; خلاصة نصوص صريحة وردت في هذه المجالات عن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم وأهل بيته وقد اكتفينا بنقل ما ذكره الفقهاء في كتبهم تاركين نقل النصوص .. رعاية للإيجاز لكنّنا تيمّناً نذكر بعض هذه الأحاديث :
    قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « من ابتُلي بالقضاء فلايقضي وهو غضبان » (1).
    وقال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) لشريح : « لا تُشاور [ أو لا تسار ] أحداً في مجلسك ، وإن غضبت فقم ولا تقضينّ وأنت غضبان » (2).
    وقال (عليه السلام) : « من ابتلي بالقضاء فليواس بينهم في الإشارة وفي النّظر وفي المجلس » (3).
    وقال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للأوّل حتّى تسمع من الآخر فإنّك إذا فعلت ذلك تبيّن لك القضاء » (4).
    وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : « الرشا في الحكم هو الكفر باللّه » (5).
    إلى غير ذلك من الأحاديث المتواترة على هذا الصعيد.

4 ـ وجود البرامج الحقوقيّة والجزائيّة الصالحة
    إنّ الأمر الرابع الذي يمكّن السلطة القضائيّة من أداء دورها الحسّاس والخطير في المجتمع هو وجود البرامج الحقوقيّة والجزائيّة الصالحة للقضاء لكي يقضي القاضي
    1 ـ وسائل الشيعة 18 : 156 ومثله في جامع الاُصول 10 : 549.
    2 ـ الوسائل 18 : أبواب آداب القضاء.
    3 ـ الوسائل 18 : أبواب آداب القضاء.
    4 ـ الوسائل 18 : أبواب آداب القضاء.
    5 ـ الوسائل 18 : أبواب آداب القضاء.


(339)
وفقها.
    وقد وفّر الإسلام هذه البرامج والقوانين العادلة الصالحة للقاضي وذلك بالتعاليم التي زخر بها الكتاب والسنّة وسيرة الأئمّة الطاهرين ، و دوّنها الفقهاء في كتبهم الفقهيّة المفصّلة بدقّة وعناية و تفصيل. فإنّ القاضي يجد في هذه المصادر والبرامج أدقّ الحقوق والحدود وأعدلها ، ولو أخذ العالم في مجال القضاء بهذه البرامج والحقوق والحدود لعمّت العدالة كلّ أرجاء الأرض ، ولساد السلام والأمن ولاختفى الظلم والجور والشر.
    ولقد أكّد الإسلام على القضاة أن يقضوا على ضوء الكتاب والسنّة ، وحرّم عليهم القضاء وفق أهوائهم وآرائهم الخاصّة.
    هذا كلّه بالنسبة إلى البرامج الكليّة في صعيد العمل القضائيّ.
    وأمّا تمييز الحق عن الباطل والمحق عن المبطل والمظلوم عن الظالم ومن له الحقّ ومن عليه ، فقد اعتمد الإسلام في تشخيصه وتمييزه على أوثق السبل وأكثر الوسائل اطمئناناً ، وهو الاستشهاد بالبيّنات والأيمان فقال النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « إنّما أقضي بينكُم بالبّينات و الأيمان » (1).
    نعم إنّ الاعتماد على هذا الأصل في إثبات الحقّ لا يمنع عن الاعتماد على غيرهما ممّا يفيد للقاضي علماً عاديّاً ، ولأجل ذلمك قال الفقهاء : ويجوز للقاضي العمل بعلمه.
    قال صاحب شرائع الإسلام : « الإمام (عليه السلام) يقضي بعلمه مطلقاً ، وغيره من القضاة يقضي بعلمه في حقوق الناس وفي حقوق اللّه سبحانه على قولين أصحّهما القضاء » (2).

الشهادة والشهود
    ولقد اشترط الإسلام في الشهود شروطاً من شأنها أن تمنعهم من شهادة الزور
    1 ـ وسائل الشيعة 18 : أبواب كيفيّة الحكم ، الإيمان جمع اليمين أي الحلف والقسم.
    2 ـ شرائع الإسلام في آداب القضاء.


(340)
والإدلاء بما هو باطل .. وهذه هي الشروط :
    1 ـ البلوغ.
    2 ـ كمال العقل.
    3 ـ الإيمان.
    4 ـ العدالة.
    5 ـ إرتفاع التهمة فلا تقبل شهادة من يجرّ بشهادته نفعاً لنفسه.
    وإليك نبذة عن الأحاديث في أهميّة وخطورة الشهادة وشروط الشاهد ، فقد روي حول أهميّة الشهادة وخطورتها وعظيم مسؤوليّتها أحاديث تفوق الحصر وكلّها تشدّد على أمر الشهادة بالإجماع ، ومن ذلك ما عن الرسول الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم إذ قال :
    « من كتم شهادةً ، أو شهد بها ليهدر بها دم امريء مسلم أو ليزوي بها مال اُمريء مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة مدّ البصر ، وفي وجهه كدوح تعرفه الخلائق باسمه ونسبه.
    ومن شهد شهادةً حقّ ليحيي بها حقّ امريء مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه نور مدّ البصر تعرفه الخلائق باسمه ونسبه .. » (1).
    ثمّ قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) : « ألا ترى أنّ اللّه عزّ وجلّ يقولُ : ( وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ) » (2).
    وما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) : « شاهد الزور لا تزولُ قدماهُ حتّى تجبُ لهُ النّارُ » (3).
    وما روي عن النبيّ الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « من شهد شهادة زُور على أحد من النّاس عُلّق بلسانه مع المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار ، ومن حبس عن أخيه المسلم شيئاً من
    1 ـ وسائل الشيعة 18 : أبواب الشهادات.
    2 ـ وسائل الشيعة 18 : أبواب الشهادات.
    3 ـ وسائل الشيعة 18 : أبواب الشهادات.
مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: فهرس