مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: 411 ـ 420
(411)
استعمل عاملاً من المسلمين وهو يعلمُ أنّ فيهم من هُو أولى بذلك منهُ وأعلمُ بكتاب اللّه وسُنّة نبيّه فقد خان اللّه ورسُولهُ والمسلمين » (1).
    وقال الإمام عليّ (عليه السلام) : « ولا تقبلنّ في استعمال عُمّالك وأُمرائك إلاّ شفاعة الكفاءة و الأمانة » (2).
    وقد مرّت عليك قصّة عدم استخلاف الإمام عليّ (عليه السلام) لطلحة والزبير لعدم كفاءتهما (3).
    وقد أكّد الإسلام على مسألة الكفاءة في تقلّد المناصب الإداريّة تأكيداً شديداً حتّى نُقل عن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم قوله : « من ولي من اُمور المُسلمين شيئاً فأمّر عليهم أحداً مُحاباةً فعليه لعنةُ اللّه لا يقبلُ اللّهُ منهُ صرفاً ولا عدلاً حتّى يُدخلهُ في جهنّم » (4).
    ولذلك نجد النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم يستعمل عتاب بن اسيد (وهو شاب) على مكّة يوم فتحها ، وفي القوم كبار وشيوخ ليس لشيء إلاّ لكفاءته ، كما استعمله بعد عوده من حصن الطائف وقال صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم له : « يا عتابُ تدري على من استعملتُك ؟ على أهل اللّه عزّ وجلّ ولو أعلمُ لهُم خيراً منك استعملتُهُ عليهم » (5).
    ولمّا اعترض البعض على استعمال عتاب لصغره كتب النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم إلى أهل مكّة يقول : « ولا يحتجُّ مُحتجّ منكُم في مُخالفته بصغر سنّه فليس الأكبرُ هُو الأفضلُ بل الأفضلُ هُو الأكبرُ » (6).
    هذا وتشمل الحريّة السياسيّة اُموراً كثيرة في المجال السياسيّ; مثل حقّ النقد في
    1 ـ نظام الحكم والإدارة في الإسلام عن سنن البيهقيّ : 302.
    2 ـ نظام الحكم والإدارة في الإسلام : 301 ـ 302.
    3 ـ راجع الصفحة 263 من كتابنا هذا.
    4 ـ حقوق الإنسان : 72.
    5 ـ اُسد الغابة 3 : 358.
    6 ـ ناسخ التواريخ حالات النبيّ : 387.


(412)
إطار الشرعيّة والصالح العامّ والهدف الصحيح لأنّ في النقد الصحيح ما يساعد على رفع النقائص وتكامل المجتمع وتربيته تربية سليمة ، ولأنّ عدم السماح بالنقد يؤدّي إلى تراكم العيوب والظلامات وينتهي إلى الانفجار ، ويمهّد للثورة والطغيان ، كما ويمهّد السبيل إلى ظهور الديكتاتوريّة والاستبداد فالمثل يقول : الطغاة يتكوّنون صغاراً (أي شيئاً فشيئاً) إذا لم يؤخذ على أيديهم ولم يعترض عليهم ولم ينتقد أحد أعمالهم ، ولم يحاسبهم على تصرّفاتهم.
    ومن هنا تكون المعارضة والسماح لها بالمناقشة والنقد بالوسائل المشروعة من صالح الدولة والاُمّة وهو أمر كان يتمّ في عهد النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم والخلفاء حيث كان هناك من يعترض وكان القادة الإسلاميّون يجيبون على ذلك بصدر رحب ، وديمقراطيّة عديمة النظير.
    وإقرار مبدأ الشورى ليس إلاّ من هذا الباب.
    نعم في أثناء الحرب مع الأعداء يجوز للدولة أن تحدّ من نشاط المنتقدين تجنّباً من تسميم الأفكار وإضعاف المعنويّات وبلبلة النفوس ، ومع ذلك لا يمكن إلغاء دورهم بالمرّة لأنّ في وجودهم مبعث اليقظة والتنبّه إلى مواقع العيب ومواطن الخطأ.
    نعم يعارض الإسلام بشدّة أعمال التخريب والتجسّس والتلصّص وكلّ ما يخلّ بالأمن والاستقرار ويؤدّي إلى اضطراب الأحوال كبثّ الشائعات الكاذبة وترويج الاتّهامات والشكوك الباطلة (1).
    كما ويدخل في هذا الباب حقّ التصويت والانتخاب الذي ذكرناه في الفصول السابقة ، ولا يختلف في ذلك الرجال والنساء.
    ويندرج في هذا الباب كذلك; حريّة التعبير; فإنّ النظام الإسلاميّ بخلاف كلّ
    1 ـ وردت في ذلك آيات وأحاديث نتركها لضيق المجال منها قوله صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « أيّما رجل اطّلع على قوم في دارهم لينظر إلى عوراتهم ففقأوا عينه أو جرحوه فلا دية عليهم » ( وسائل الشيعة 19 : 50) وقوله تعالى : ( ولا تجسّسُوا ) وما شابه ممّا سيأتي في بحث الاستخبارات.

(413)
الأنظمة الوضعيّة السائدة التي تلجم الأفواه وتسكت الأقلام وتفرض نوعا من الحدود والسدود; يفسح للجميع المجال للتعبير عن آرائهم وآلامهم وآمالهم ما دامت في مصلحة الاُمّة ، وضمن إطار القوانين والأخلاق الإسلاميّة ، لأنّ في ذلك تقدّم البلاد وازدهار الحياة ، ولأجل هذا قال الإمام الصادق (عليه السلام) : « خيرُ إخواني من أهدى إليّ عُيوُبي » (1).
    وقال الإمام عليّ (عليه السلام) : « من استقبل وُجُوه الآراء عرف مواقع الخطأ » (2).
    ولأجل هذا يمنع الإسلام من كلّ ألوان التعتيم الإعلاميّ ، واتّخاذ القرارات وراء الكواليس ، وإخفاء الحقائق عن الشعب ، وفرض الرقابة على الأفكار والآراء وإلهاء الناس بالملاهي الجنسيّة بهدف صرفهم عن القضايا المصيريّة ، أو بثّ الخرافات بينهم أو سدّ باب الاعتراض أو السؤال والاستفسار.
    فنحن نرى كيف كان النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم يسمح بالاعتراض والاستفسار ويقابل ذلك بالإجابة المقنعة وبيان الحقيقة دون غضب أو استياء.
    فعن عبد الرحمن بن عوف أنّه قال ـ لمّا وجد النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم يبكي في موت ولده إبراهيم ، قلت : أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ فقال النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « لا ولكن نهيتُ عن صوتين أحمقين وآخرين : صوت عند مُصيبة ورنّةُ شيطان وصوت عند نغمة لهو ، وهذه رحمة ومن لا يرحمُ لا يُرحم » (3).
    وقد مرّ عليك كيف أنّ الإمام عليّ (عليه السلام) كان يكتب في عهوده إلى ولاته بأن لا يحتجبوا عن الناس وأن يستمعوا إلى آرائهم وشكاواهم ، ويأخذوا بما يجدونه خيراً لهم وللاُمّة تجنّباً من ظهور النقمة الشعبيّة ... فالطغيان.
    1 ـ تحف العقول : 366.
    2 ـ صوت العدالة الإنسانيّة 2 : 458.
    3 ـ السيرة الحلبيّة 3 : 348.


(414)
4 ـ الحريّة المدنيّة
    وهي تشمل حريّة كلّ إنسان في اختيار المسكن والبلد ، والعمل ، وطريقة حياته الخاصّة والكسب وكيفية تحصيل المال وتملّكه وحريّة الحيازة والاستفادة من المواهب الطبيعيّة ما دام في الإطار الشرعيّ.
    فأمّا حريّة المسكن فقد فسح الإسلام المجال لأيّ مسلم أن يعيش في أيّة نقطة يقدر فيها على السكنى وتطيب له الإقامة فيها فعن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « البلادُ بلادُ اللّه والعبادُ عبادُ اللّه فحيث ما أصبت خيراً فأقم » (1).
    وعن اُولئك الذين بقوا في بلد عانوا فيه الظلم والحيف يقول اللّه تعالى : ( ... أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها ... ) (النساء : 97).
    وأمّا حريّة العمل فإنّ الإسلام لا يرى جبر أحد على العمل أو إكراهه على شغل خاصّ ....
    وإليك ما جاء في نهج البلاغة في هذا الصدد فقد كتب الإمام علي (عليه السلام) إلى أحد عمّاله يقول : « أمّا بعد فإنّ قوماً من أهل عملك أتوني فذكروا أنّ لهم نهراً قد عفى ودرس وأنّهم إن حفروه واستخرجوه عمرت بلادهم وقووا على كلّ خراجهم وزاد فيء المسلمين قبلهم وسألوني الكتاب إليك لتأخذهم بعمله وتجمعهم لحفره والإنفاق عليه ولست أرى أن أجبر أحداً على عمل يكرهه فادعهم إليك فإن كان الأمر في النّهر على ما وصفوا فمن أحبّ أن يعمل فمره بالعمل والنّهر لمن عمل دون من كرهه وأن يعمروا ويقووا أحبُّ إليّ من أن يضعفوا » (2).
    نعم يصحّ الإجبار على العمل حينما يمتنع الإنسان عن إرزاق عائلته والإنفاق عليهم.
    1 ـ نهج الفصاحة : 223.
    2 ـ صوت العدالة الإنسانيّة 1 : 132.


(415)
    ثمّ إنّ الإنسان حرّ في العمل والاشتغال إلاّ أن يتعهّد لأحد بنفسه اختياراً فحينئذ لا يكون مخيّراً في الوفاء بالتزامه بل يجب عليه أن يقوم بما تعهّد به.
    ثمّ إنّ الكسب مباح بكلّ ألوانه إلاّ أن يكون خلاف القوانين الشرعيّة لإضرارها على الفرد والمجتمع كالاكتساب بالأشياء المحرّمة الممنوعة مثل الخمر وما شابهها.
    وأمّا حريّة التملّك والانتفاع بمواهب الطبيعة وحيازتها ـ على الوجه الشرعيّ ـ فهي ليست خاصّة بجماعة من الرأسماليّين الكبار وأصحاب الامتيازات والثروات كما هو الحال في النظام الرأسماليّ الغربيّ الظالم ، وليست خاصّة بالحزب وأعضائه وأقطابه كما في النظام الشرقيّ ، بل هي عامّة للجميع على قدم المساواة ... وهذا بحث يتعلق بالاقتصاد الذي سنبحثه في فصل خاصّ.
    وصفوة القول : أنّ جميع هذه الحريات المذكورة وتلك التي لم نذكرها ثابتة لكلّ إنسان في النظام الإسلاميّ ، وقد كفلها الإسلام بقوانينه وما اتّّخذه من مواقف ومقرّرات حاسمة وصارمة وقويّة ... بحيث لا مجال فيها للعدوان على حريّة أحد.

نقاط حول السجن
    يبقى أن نذكّر القارىء ـ في مورد الحبس والسجن ـ بنقاط :
    1 ـ إنّ في الإسلام حدّاً وتعزيراً فالمراد من الأوّل العقوبة التي لها تقدير ، كما أنّ المراد من الثاني العقوبة التي ليس لها تقدير ، والأصل في الإسلام هو الحدّ ، وأمّا التعزير فإنّه عقوبة ثانويّة لمرتكبي الجرائم إذا لم يكن هناك حدّ معيّن ، والحبس إنّما يعاقب به إذا لم يكن هناك حدّ شرعيّ معيّن ، فإذن هي عقوبة ثانويّة ومن باب التعزير بخلاف ما في الأنظمة الوضعيّة التي تعتمد على الحبس كعقوبة أصليّة تلجأ إليها في كلّ قضيّة.
    2 ـ الحبس الشرعيّ ليس هو السجن في مكان ضيّق وإنّما هو تعويق الشخص ومنعه عن التصرّف بنفسه (راجع الأحكام السلطانيّة للماورديّ) ولذلك يجب أن يكون بعيداً عن التعذيب والأذى ، قال الإمام عليّ (عليه السلام) في ابن ملجم بعد جنايته عليه :


(416)
« احبسوا هذا الأسير وأطعموه وأحسنوا اساره » (1).
    3 ـ إنّ التعزير بالحبس في الشريعة الإسلاميّة ورد في موارد قليلة لا تتجاوز 13 مورداً ، لاحظ وسائل الشيعة 18 : 32 و 35 و221و244و386 و 492 و 536 و549 و 578 وج 19 : 34 و 121.
    1 ـ الوسائل 19 : 96.

(417)
الفصل السابع
حول أهمّ برامج
الحكومة الإسلاميّة ووظائفها
    بعد أن اتّضح لك أيّها القارئ لون الحكومة الإسلاميّة وصيغتها وطرف من خصائصها ينطرح هذا السؤال :
    ما هي برامج الحكومة الإسلاميّة وما هي وظائفها وما هي سياستها في حقول التربية والتعليم والاجتماع والعلاقات الدوليّة ، والاقتصاد وغيرها ممّا يتحتّم على كلّ حكومة أن يكون لها سياسة ومنهج فيه ؟
    من أجل بيان هذا الجانب في بحوث الحكومة الإسلاميّة عقدنا هذا الفصل ففيه سنذكر أهمّ وظائف هذه الحكومة وبرامجها.
    وفي الأخير نذكّر القارئ بأنّ ما نبيّنه في هذه المجالات لا يتعدّى بيان الجواهر وأمّا الأشكال والترتيبات الّتي تتمّ بها هذه الوظائف فمتروكة للظروف ومقتضياتها كما أسلفناه غير مرّة.


(418)
1
برامج الحكومة الإسلاميّة ووظائفها
الحكومة الإسلاميّة
ومسؤوليّة التربية والتعليم
مسؤوليّة التربية :
    لاشكّ في أنّ التزكية والتربية كانت الهدف الأسمى لأنبياء اللّه ورسله أجمعين فها هو خليل الرحمن النبيّ إبراهيم (عليه السلام) يطلب من اللّه سبحانه ـ وهو يرفع قواعد الكعبة الشريفة ـ أن يبعث في اُمّته من يزكّيهم ويربّيهم إذ قال : ( رَبَّنَا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَ الحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) (البقرة : 129).
    وإنّما اتّخذت التربية والتزكية هذه المكانة في رسالات السماء ومهام الأنبياء لأنّ الإنسان لا يمكنه أن يبلغ أيّ مبلغ من النضوج العلميّ ، أو التقدمّ الاجتماعيّ من دون أن تتوفّر له التربية الواعية التي تتكفّل بناء شخصيّته.
    ولقد تركّزت مساعي الأنبياء على تحقيق هذه المهمّة العظيمة ، وبذلوا في سبيله


(419)
أعظم الجهود ، ويدلّ على ذلك ما روي من أنّ اللّه سبحانه خصّ الأنبياء بمكارم الأخلاق (1).
    ومن المعلوم أنّ هذا التخصيص يهدف ـ مضافاً إلى تكميلهم بهذه المكارم ـ جعلهم اُسوة لاُممهم.
    ونخصّ من اُولئك الأنبياء العظام بالذكر نبيّنا محمّد صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم فقد وصفه اللّه سبحانه بأنّه بُعث للتزكية فقال : ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَم تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) (البقرة : 151).
    وقال : ( لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإنْ كَانُ ـ ـ وا مِنْ قَبْلُ لَف ـ ِي ضَلاَل مُبِين ) (آل عمران : 164).
    وقال : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الاُْمِّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وُيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَل مُبِيْن ) (الجمعة : 2) (2).
    وقد أعلن النبيّ الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم في حديث مشهور عن هذه المهمّة الكبرى التي حمّل بها ، واعتبرها أساس رسالته ، وغاية بعثته إذ قال : « إنّما بُعثتُ لاُتمّم مكارم الأخلاق » (3).
    وقال أيضاً : « عليكُم بمكارم الأخلاق فإنّ اللّه بعثني بها » (4).
    وقال عليّ (عليه السلام) : « سمعتُ النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم يقول : بُعثتُ بمكارم الأخلاق ومحاسنها » (5).
    1 ـ سفينة البحار 1 : 410.
    2 ـ قدّم التعليم في بعض الآيات على التزكية واخّر في البعض الآخر ، لأجل أنّ التعليم بالمعنى الوسيع مقدّم من حيث الحصول والوجود على التزكية التي هي بمعنى التربية الكاملة ولكن حيث أنّ الهدف الأعلى هو التزكية قدّمت التزكية على التعليم في غيرها.
    3 ـ سفينة البحار 1 : 410 ، مستدرك الوسائل 2 : 282.
    4 ـ كتاب سنن النبيّ للعلاّمة الطباطبائيّ : 23 نقلاً عن أمالي الشيخ.
    5 ـ مجمع البيان 10 : 333.


(420)
    وعن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) قال : « إنّ اللّه تعالى خصّ رسوله بمكارم الأخلاق » (1).
    ووصفه الإمام عليّ (عليه السلام) بذلك إذ قال : « طبيب دوّار بطبّه ، قد أحكم مراهمه ، وأحمى مواسمه يضع من ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عمي ، وآذان صمّ وألسنة بكم متّبع بدوائه مواضع الغفلة ومواطن الحيرة » (2).
    وهذا يفيد أنّ للإسلام برنامجاً كاملاً لتحقيق هذا المقصد الأعلى والمطلب الأسمى.

الإسلام ومسألة التزكية
    يعتقد النظام الإسلاميّ بأنّ الإنسان مفطور على السجايا الأخلاقيّة النبيلة ، وأنّ اُصول التربية موجودة في فطرته بخلق اللّه سبحانه ، وإنّما يكون دور المربّين والاُساتذة هو استخراج هذه السجايا المكنونة في النفس الإنسانيّة وإثارتها وتنميتها ، وهذا أمر أكّدته آيات كثيرة في الكتاب العزيز ، وإليك ـ فيما يأتي ـ نماذج من هذه الآيات يقول اللّه سبحانه : ( وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) (الشمس : 7 ـ 8).
     ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (البلد : 10).
    إلى غير ذلك من الآيات التي تشير ـ بوضوح ـ إلى هذه الحقيقة ، وتؤكّد بأنّ أصول التربية مزروعة في داخل النفس البشريّة زرعاً ومغروسة غرساً.
    وعلى ذلك ، فإنّ دور المربّي ، والمعلّم الأخلاقيّ ـ في هذا المجال ـ لا يتعدّى دور الاكتشاف والإنماء والرعاية ، فمثله مثل البستانيّ الذي لا يقوم إلاّ بتهيئة الظروف المساعدة للنبات والزرع من الرعاية والسقي والعناية بالبذرة لتنبت وتكبر وتنمو ، فإنّ المربّي والمعلّم يهيّء الأجواء المساعدة لنمو تلك السجايا والبذور الأخلاقيّة الموجودة في
    1 ـ من لا يحضره الفقيه : 458 ، ومعاني الأخبار : 191.
    2 ـ نهج البلاغة : الخطبة 104.
مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: فهرس