مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: 431 ـ 440
(431)
(علل الشرائع ) تأليف الشيخ الصدوق المتوفّى (381 هـ) رحمه اللّه.
    ثانياً : إنّه أردف أوامره ونواهيه بالتبشير بالثواب الإلهيّ أو الإنذار والتخويف من العذاب. وبذلك حقّق الإسلام ويحقّق نجاحاً كبيراً في مجال التربية يفقده أيّ برامج آخر سواه ، ويدلّ عليه أخلاق المسلمين وسلوكهم حاضراً وماضياً خاصّة ، وهي كانت سبب تقدمهم في السابق ، كما يدلّ عليه اعتراف الأجانب والأباعد قبل الأصدقاء والأقارب ، فقد قال بعض الباحثين عن التربية في الإسلام :
    (لا يستطيع أحد من المربّين والمؤرّخين أن ينكر أنّ التربية الإسلاميّة هي الأساس المتين لحضارة المسلمين ، والمثل العليا في تلك التربية تتّفق مع الاتّجاهات الحديثة في عالم التربية اليوم ) (1).
    ومن هنا يتحتّم على الحكومة الإسلاميّة أن تخطّط لمنهج التربية ، وتوفّر أجواءها الصالحة وتخصّص الميزانيّات اللازمة لها ، وتستخدم في هذا السبيل كلّ الأجهزة المناسبة من وسائل الإعلام والتوجيه والثقافة وعمارة المراكز الدينيّة والعباديّة وما شابه. ومن المعلوم أنّ هذه الوظيفة تندرج في نطاق مسؤوليّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بقسمه الاجتماعيّ العامّ الذي سبق أن قلنا انّه من واجب الدولة ووظيفتها ومسؤوليّتها وصلاحيّاتها.
    هذا وقد قام علماء الإسلام بتأليف كتب كثيرة في علم الأخلاق. ولهذا نجد الاُمّة الإسلاميّة في غنى عن كلّ كتاب أخلاقيّ مؤلّف على أساس الفكر الغربيّ.
    ومن أراد التوسع في هذا الباب فليراجع كتاب « طهارة النفس » أو « تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق » تأليف الإمام أبي عليّ بن محمّد ابن مسكويه المتوفّى عام (421 هـ). وقد أثنى عليه المحقّق الخواجا نصير الدين الطوسيّ بقوله :
بنفسي كتاباً حاز كلّ فضيلة وصار لتكميل البريّة ضامناً

    1 ـ النظام التربويّ في الإسلام : 18.

(432)
    و « أحياء العلوم » للإمام الغزاليّ المتوفّى عام (505 هـ) وهوكتاب فريد في بابه لم يؤلّف مثله وإن كان فيه بعض الهنات و « جامع السعادات » للعلاّمة النراقيّ المتوفّى عام (1209 هـ) إلى غير ذلك من المؤلّفات الأخلاقيّة.
    وفي الختام نشير إلى نكتة هامّة وهي أنّه يتحتّم على علماء الأخلاق المسلمين إخراج الأخلاق الإسلاميّة في ثوب عصريّ حديث يتمشّى مع الحاجات والمشكلات العصريّة الراهنة في الشباب وغيرهم.
    كما يتحتّم عليهم أن يستفيدوا في تهذيب اجتماع المجتمع من جميع الوسائل والأساليب التربويّة والعلوم الحديثة.

مسؤوليّة التعليم
    تحتلّ مسألة التعليم بعد التربية مكانة مرموقة وحسّاسة في برامج ومسؤوليّات الحكومة الإسلاميّة ، لا تقل أهمّية عن المسائل الاُخرى.
    وبما أنّ البحث في هذا المجال واسع النطاق مترامي الأطراف ، لا يسع لنا التعمّق فيه ، في هذه العجالة من الوقت ، لهذا نكتفي هنا بالإشارة والتلميح إلى بعض الخطوط في هذا المجال ، تاركين تفاصيلها للكتب المفصّلة المخصّصة لبيان هذا الجانب المهمّ من جوانب الإسلام الحنيف.
    لقد دعا (الإسلام ) الاُمّة الإسلاميّة دعوة أكيدةوشديدة إلى تحصيل العلم واكتسابه بكلّ وسيلة ممكنة ، ومهما كلّف ذلك من الثمن ، وتطلّب من الجهد ، قال الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) : « لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللّجج » (1).
    وينطلق هذا الموقف من اهتمام الإسلام بالعلم والمعرفة ، فللعلم والمعرفة مكانة عظيمة في هذا الدين تتجلّى في خلال ما جاء حولها من الآيات والنصوص الحديثيّة ، وما
    1 ـ بحار الأنوار 1 : 185.

(433)
جاء حول أهل العلم ورجاله وطلاّبه من التجليل والتبجيل والاحترام والتكريم.
    فقد قال سبحانه في كتابه الكريم : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَابِ ) (الزمر : 9).
    وقال أيضاً : ( يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَات ) (المجادلة : 11).
    ويكفي للتدليل على شدّة اهتمام الإسلام بالعلم والعلماء أنّه وردت مادّة (العلم) في الكتاب العزيز ما يقارب (779) مرّة (1).
    وأيّ أمر أدل على هذا الاهتمام والعناية من افتتاح اللّه سبحانه وحيه لنبيّه محمّدصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم بذكر العلم والقلم ، فلقد ابتدأت الآيات التي نزلت على النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم في مطلع البعثة الشريفة بالأمر بالقراءة ، وتحدثت عن القلم ، وتعليم الإنسان ما لم يعلم ، إشارة إلى أعظم موهبة إلهيّة بعد نعمة الخلق والإيجاد ، إذ قال تعالى : ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم * اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَق * اقْرَأ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) (سورة العلق : 1 ـ 5).
    فهذه الآيات التي نزلت في بدء الدعوة وشروع الرسالة المحمديّة كانت بمثابة الخطب الافتتاحيّة التي يفتتح بها الرؤساء والقادة عهود حكمهم ورئاستهم ويبيّنون فيها منهج سياستهم وأهمّ الخطوط في برنامجهم للمستقبل ، فكما أنّ هذه الخطب بحكم كونها ترسم السياسة المستقبليّة لذلك الرئيس ـ تأتي مدروسة الألفاظ ، دقيقة المعاني ، محسوبة العبارات وتكون مهمّة غاية الأهمّية لأنّها تعكس أهمّ أغراض الحاكم وأبرز اهتماماته ، يكون افتتاح الوحي الإلهيّ بذكر العلم والقراءة والقلم وهو كناية عن الكتابة دليلا ـ وأيّ دليل ـ على العناية القصوى التي يحضى بها (العلم) في النظام الإسلاميّ.
    وأيضاً يكفي للتدليل على هذه العناية الإسلاميّة القصوى بالعلم أنّ اللّه تعالى أقسم ـ في كتابه الكريم ـ بالقلم بقوله سبحانه : ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) (القلم : 1).
    1 ـ راجع لذلك : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم مادّة (علم).

(434)
    وهوأمر ذو دلالة قويّة جداً وخاصّة في ذلك العصر الذي كان الاهتمام فيه بالعلم منعدماً أو كاد أن يكون كذلك (1).
    على أنّ ما جاء في الأحاديث والأخبار من النصوص المتضمّنة لبيان مكانة العلم والعلماء يضاهي ما جاء في القرآن ....
    وأنت ـ أيّها القارىء الكريم ـ لو راجعت الموسوعات الحديثيّة ، ترى من كثب كيف اهتمّت الأخبار والروايات بهذا الأمر اهتماماً بالغاً لا تجد له نظيراً بالنسبة إلى سائر الموضوعات; ممّا يعني أنّ (العلم) انفرد بهذا المقام في الأحاديث واختصّ به دون غيره وإليك فيما يلي طائفة من هذه الأحاديث :
    قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « فضلُ العلم أحبّ إلى اللّه من فضل العبادة » (2).
    وقال أيضاً : « العلمُ رأس الخير كُلّه » (3).
    وقال : « قليل من العلم خير من كثير من العبادة » (4).
    ويروى أنّ النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم دخل ذات يوم إلى المسجد فإذا في المسجد مجلسان : مجلس يتفقّهون ، ومجلس يدعون اللّه ويسألونه فقال :
    « كلا المجلسين إلى خير ، أمّا هؤلاء فيدعون اللّه ، وأمّا هؤلاء فيتعلّمون ويفقّهون الجاهل. هؤلاء أفضل ، بالتّعليم أرسلت » ، ثمّ قعد معهم (5).
    وقال الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) : « العلم أصل كلّ خير » (6).
    وقال (عليه السلام) أيضاً : « العلم وراثة كريمة » (7).
    وقال (عليه السلام) أيضاً : « قيمة كلّ أمرىء ما يحسنه » (8).
    1 ـ روى البلاذري في فتوح البلدان : 459 ، إنّ عدد من كان يحسن الكتابة في الأوس والخزرج كان قليلاً ولا يتجاوز (11) شخصاً كما كان عددمن يحسن الكتابة في مكّة قليلاً أيضاً بحيث لا يتجاوز سبعة عشر كما في الصفحة 457 من نفس الكتاب.
    2 ـ بحار الأنوار 1 : 167 ، 185 ، 169.
    3 ـ بحار الأنوار.
    4 ـ بحار الأنوار 1 : 167 ، 185 ، 169.
    5 ـ منية المريد : 13.
    6 ـ غرر الحكم : 20.
    7 ـ بحار الأنوار 1 : 167 ، 185 ، 169.
    8 ـ نهج البلاغة : قصار الكلمات ( الكلمة رقم 81 ).


(435)
    وقال (عليه السلام) أيضاً : « العلم ضالّة المؤمن » (1).
    وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : « العلم أصل كلّ حال سنيّ ومنتهى كلّ منزلة رفيعة » (2).
    وقال الإمام الباقر محمّد بن عليّ (عليه السلام) : « الرّوح عماد الدّين ، والعلم عماد الرّوح ، والبيان عماد العلم » (3).
    إلى غير ذلك من مئات الأحاديث والأخبار الدالّة على أهمّية العلم ومكانته العليا وموضعه الأرفع في الدين الإسلاميّ.
    ومن هنا أكّد الإسلام على المسلمين أن يكتسبوا العلم ويحصلوا على المعرفة فقدروي عن النبيّ الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أنّه قال : « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة » (4).
    و قالصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ألا إنّ اللّه يحبّ بغاة العلم » (5).
    وقال الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) : « الشّاخص في طلب العلم كالمجاهد في سبيل اللّه » (6).
    وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : « طلب العلم فريضة على كلّ حال » (7).
    وقال : « لست اُحبّ أن أرى الشّابّ منكم إلاّ غادياً في حالين : إمّا عالماً أو متعلّماً فإن لم يفعل فرّط ، فإن فرّط ضيّع ، فإن ضيّع أثم ، وإن أثم سكن النّار والّذي بعث محمّداً بالحقّ » (8).
    1 ـ بحار الأنوار 1 : 169 ، 181.
    2 ـ بحار الأنوار 1 : 169 ، 181.
    3 ـ بحار الأنوار 2 : 31 ـ 32.
    4 ـ البحار 1 : 177 ، وربّما ورد في بعض الأحاديث ذكر المسلم دون المسلمة والمراد به هو الجنس المسلم الشامل للذكر والاُنثى مثل ( إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ).
    5 ـ الكافي 1 : 30.
    6 ـ روضة الواعظين : 10.
    7 ـ بصائر الدرجات : 3.
    8 ـ بحار الأنوار 1 : 170 ، الحديث22.


(436)
    إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة جدّاً.
    وفي الوقت نفسه أوصى العلماء وأهل العلم أن يعلّموا الناس وينشروا الثقافة والعلم والمعرفة بينهم فقد روي عن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال : « إنّ اللّه لم يأخذ على الجّهال عهداً بطلب العلم حتّى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهّال لأنّ العلم كان قبل الجهل » (1).
    وعن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنّه قال : « زكاة العلم أن تعلّمه عباد اللّه » (2).
    ولقد روي أنّ الإمام عليّ لمّا كان يفرغ من الجهاد يتفرّغ لتعليم الناس (3).
    ولقد اعتبر الإسلام تعليم الأولاد وتثقيفهم حقّاً واجباً من حقوق الأبناء على آبائهم فعن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أنّه قال : « من حقّ الولد على والده ثلاثة
    يحسن اسمه
    ويعلّمه الكتابة
    ويزوّجه إذا بلغ » (4).
    وعن الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) أنّه قال : « الغلام يلعب سبع سنين ويتعلّم الكتابة سبع سنين ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين » (5).
    وقد كشف الإمام عليّ (عليه السلام) عن أنّ سنّ الطفولة هو أفضل فرصة لتلقّي العلم وأخذ المعرفة فقال : « وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما القي فيها من شيء قبلته » (6).
    ولذلك قال (عليه السلام) : « علّموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم اللّه به لا تغلب عليهم المرجّئة برأيها » (7).
    1 ـ الكافي 1 : 32 ـ 33.
    2 ـ الكافي 1 : 32 ـ 33.
    3 ـ مستدرك الوسائل 2 : 417.
    4 ـ مكارم الأخلاق : 114.
    5 ـ وسائل الشيعة 7 : 194.
    6 ـ نهج البلاغة : الخطبة 31.
    7 ـ بحار الأنوار 2 : 16.


(437)
    فلا بدّ إذن من استغلال هذه الظاهرة واغتام الفرصة وتوجيهها الوجهة الصالحة التي تتّسم بالتوازن وحسن السلوك وحبّ الفضيلة والمعرفة.
    ولقد فتح الإسلام باب تحصيل العلوم في وجه الجميع نساء ورجالاً من دون أيّ قيد أو شرط ، إلاّ شرطاً واحداً هو أن يتمّ هذا التحصيل في جوّ سليم عار من أيّ فساد أخلاقيّ أو انحراف معنويّ.
    وتحقيقاً لهذا الأمر السامي وهو تعميم الثقافة والعلم حظر على المعلّمين أن يأخذوا الاُجرة ـ على تعليمهم بعض العلوم.
    هذا بعد أن رفع مكانة المعلّم ، وكشف عن جليل مقامه ، واعتبر حقّه من أعظم الحقوق.
    قال الإمام زين العابدين (عليه السلام) : « وأمّا حقّ سائسك بالعلم فالتّعظيم له ، والتّوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه والإقبال عليه ، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بأن تفرّغ له عقلك وتحضره فهمك ، وتزكّي له قلبك وتجلي له بصرك بترك اللّذات ، ونقص الشّهوات وأن تعلم أنّك فيما ألقى إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجّهل فلزمك حسن التأدية عنه إليهم ولا تخنه في تأدية رسالته والقيام بها عنه إذا تقلّدتها » (1).
    وروي عن الإمام أبي محمّد الحسن العسكريّ (عليه السلام) أنّه قال : « إنّ رجلاً جاء إلى عليّ بن الحسين برجل يزعم أنّه قاتل أبيه فاعترف فأوجب عليه القصاص ، وسأله أن يعفو عنه ليعظّم اللّه ثوابه فكأنّه لم تطب نفسه بذلك ، فقال عليّ بن الحسين (عليه السلام) للمدّعي للدّم الوليّ المستحقّ للقصاص :
    إن كنت تذكر لهذا الرّجل عليك فضلاً فهب له هذه الجناية واغفر له هذا الذّنب ».
    قال : أُريد القود [ أي القصاص ] فإن أراد لحقه على أن اُصالحه على الدية
    1 ـ تحف العقول ـ رسالة الحقوق ص 260.

(438)
صالحته وعفوت عنه ... فقال عليّ بن الحسين (عليه السلام) : « فماذا حقّه عليك ».
    قال : يا ابن رسول اللّه لقّنني توحيد اللّه ونبوّة محمّد رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ، وإمامة عليّ والأئمّة (عليهم السلام) ....
    فقال عليّ بن الحسين (عليه السلام) : « فهذا لا يفي بدم أبيك ؟
    بلى واللّه يفي بدماء أهل الأرض كلّهم من الأوّلين والآخرين سوى الأنبياء والأئمّة إن قتلوا ، فإنّه لا يفي بد مائهم شيء إن يقنع منه الدية ».
    قال : بلى.
    قال عليّ بن الحسين (عليه السلام) للقاتل : « افتجعل لي ثواب تلقينك له حتّى أبذل لك الدية فتنجو من القتل » ؟.
    قال : يا ابن رسول اللّه أنا محتاج إليها وأنت مستغن عنها فإنّ ذنوبي عظيمة وذنبي إلى هذا المقتول أيضاً بيني وبينه لا بيني وبين وليّه هذا.
    قال عليّ بن الحسين (عليه السلام) : « فتستسلم للقتل أحبّ إليك من نزولك عن هذا التّلقين » ؟.
    قال : بلى يا ابن رسول اللّه.
    فقال عليّ بن الحسين لوليّ المقتول : « يا عبد اللّه قابل بين ذنب هذا إليك وبين تطوّله عليك ، قتل أباك ، حرمه لذّة الدنيا وحرمك التّمتع به فيها على أنّك إن صبرت وسلمت فرفيقك أبوك في الجنان ، ولقّنك الإيمان فأوجب لك به جنّة اللّه الدائمة وأنقذك من عذابه الأليم ، فإحسانه إليك أضعاف جنايته عليك ، فإمّا أن تعفو عنه جزاءً على إحسانه إليك ، لأُحدّثكما بحديث من فضل رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم خير لك من الدّنيا بما فيها ، وإمّا أن تأبى أن تعفو عنه حتّى أبذل لك الدية لتصالحه عليها ثمّ أخبرته بالحديث دونك فلمّا يفوتك من ذلك الحديث خير من الدّنيا بما فيها لو اعتبرت به ».
    فقال الفتى : يا ابن رسول اللّه قد عفوت عنه بلا دية ولا شيء إلاّ ابتغاء وجه اللّه


(439)
ولمسألتك في أمره فحدّثنا يا ابن رسول اللّه بالحديث ... الخ ... » (1).
    وقال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « إنّ معلّم الخيرات يستغفر له دوابّ الأرض وحيتان البحر وكلّ ذي روح في الهواء وجميع أهل السّماء والأرض » (2).
    وقال الصادق (عليه السلام) : « من علّم خيراً فله بمثل أجر من عمل به »
    قلت : فإن علّمه غيره أيجري ذلك ؟
    قال (عليه السلام) : « إن علّمه النّاس كلّهم جرى له ».
    قلت : فإن مات ؟ قال : « وإن مات » (3).
    وعن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « ما تصدّق النّاس بصدقة مثل علم ينشر ».
    وعن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أنّه قال : « من علّم مسلماً مسألةً فقد ملك رقبته » فقيل يا رسول اللّه : أيبيعه ؟ قال : « لا ، ولكن يأمره وينهاه » (4).
    ثمّ إنّ التاريخ الإسلاميّ مليء بالنساء العالمات اللواتي حظين بالمقام العلميّ السامي بفضل ما أتاح لهنّ الإسلام من فرصة التعليم واكتساب المعرفة ، وحتّى كان منهنّ المحدثات والراويات عن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم وعن أهل بيته المطهّرين ( عليهم السلام ).
    فها هو ابن الأثير يذكر في كتابه طائفة منهنّ روين أحاديث عن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم منهنّ :
    أسماء بنت يزيد السكن الأنصاريّة ابنة عمّ معاذ بن جبل.
    وأسماء بنت يزيد الأنصاريّة من بني عبد الأشهل التي روت رواية شريفة جداً عن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم بعد أن سألته عمّا يلحق بالنساء من الأجر والمثوبة من خدمة أزواجهنّ واستحسن النبيّ الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم سؤالها ومنطقها وأدبها.
    واُميمة مولاة النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم.
    واُميمة بنت رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف.
    وجويريّة بنت الحارث الخزاعيّة المصطلقيّة.
    1 ـ بحار الأنوار 2 : 12 ـ 13 ، 17 ، 16 ، 42.
    2 ـ بحار الأنوار 2 : 12 ـ 13 ، 17 ، 16 ، 42.
    3 ـ بحار الأنوار 2 : 12 ـ 13 ، 17 ، 16 ، 42.
    4 ـ بحار الأنوار 2 : 12 ـ 13 ، 17 ، 16 ، 42.


(440)
    وحواء بنت زيد السكن الأنصاريّة الأشهليّة.
    وخولة بنت عبد اللّه الأنصاريّة.
    وزينب بنت جحش الأسديّة.
    وزينب بنت خباب بن الأرت (ذكرها البخاريّ في من روى عن النبيّ ).
    واُمّ صابر بنت نعيم بن مسعود الأشجعيّ.
    وهذه نماذج من الصحابيّات والراويات التي تزخر بأسماءهنّ كتب أسماء الصحابة والرواة.
    كما عقد العلاّمة المامقانيّ في كتابه الرجاليّ فصلاً خاصّاً وموسّعاً في ذكر النساء اللواتي لهنّ رواية عن النبيّ الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ويعتبرن من حملة الحديث فعدّ منهنّ نساء بارزات في مجالات العلم والثقافة وذات شخصيّات ومواقف نبيلة ، ومن أراد الوقوف على كامل أسمائهنّ فليراجع الجزء الثالث/ الصفحة 69 ـ 83 من هذا الكتاب.
    وها نحن نذكر هنا بعضاً منهنّ على سبيل المثال لا الحصر :
    اُمّ أيمن التي شهدت مع الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء بنت النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم في قضيّة فدك.
    وأسماء بنت أبي بكر التي سمّاها النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم بذات النطاقين إشارة لموقفها في حصار الشعب.
    واُمّ حزام التي كان النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم يكرمها ويزورها في بيتها ، ويقيل عندها ، وأخبرها بأنّها شهيدة.
    واُمّ سلمة التي كانت تغزو مع رسول اللّه وروت عنهصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أحاديث ، وروى عنها ابنها انس.
    واُمّ سلمة التي كانت من المهاجرات إلى الحبشة.
    واُمّ كلثوم التي كانت جليلة القدر فصيحة بليغة.
    وثويبة مولاة أبي لهب ، وقد وقعت ضمن أسانيد الصدوق في كتاب من لا يحضره
مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: فهرس