مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: 441 ـ 450
(441)
الفقيه في باب ما أحلّ اللّه من النكاح وما حرّم.
    وحبابة بنت جعفر الأسديّة التي روت عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وقالت : رأيت أمير المؤمنين في شرطة الخميس ومعه درّة يضرب بها بيّاع الجريّ والمارماهيّ ، والمزماريّ ويقول لهم : « يا بُيّاع مُسوُخ بني إسرائيل ... » إلى آخر الحديث.
    وحكيمة بنت الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الجواد (عليه السلام).
    وحميدة البربريّة اُمّ الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وهي من الثقات التقيّات ، وكان مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) يرسلها مع اُمّ فروة تقضيان حقوق أهل المدينة.
    وزينب بنت أبي سلمة التي كانت من أفقه نساء زمانها ، وكانت كثيرة الخير والصدقة وكانت صنّاع تعمل بيدها وتتصدّق بيدها.
    وسعيدة التي وقع اسمها في إسناد الكافي فقد روى في باب النوادر من آخر كتاب النكاح عن سعيدة ....
    وغيرهنّ كثيرات لم نذكر أسماءهنّ اختصاراً وإيجازاً (1).
    وقد برزت هذه النسوة وصعدن إلى تلك المرتبة من العلم والفضيلة ، وضاهين الرجال في المقام والمنزلة بفضل الإسلام.
    فقد ربّى في حجره مثل هذه النساء العالمات التقيّات ذوات الشخصيّة الرشيدة والمواقف البارزة ، والصفحات البيض ، والتواريخ المشرقة في شتّى مناحي الحياة الإسلاميّة ولولا الإسلام ، وما أولاهن من المنزلة والحظوة لبقيت المرأة تعاني من ما كانت تعانيه من ظلم الجاهليّة وعسفها ، وكبتها وتحقيرها.
    فقد كانت المرأة في زمن الجاهليّة محرومة من كلّ مزايا الرجال ، تحتقر كما يحتقر
    1 ـ من أراد الوقوف على تفصيل ذكرهنّ وأسمائهنّ فعليه أن يراجع كتاب : أعلام النساء ، بلاغات النساء ، الخيرات الحسان ، والاستيعاب ، والإصابة.

(442)
الحيوان ، وتباع وتشترى كما يشترى ويباع المتاع ، حتّى جاء الإسلام وأولاهنّ ما أولاه من الرفعة بعد الضعة ، والشرف بعد المقت والعزّة بعد الإهانة والذّل ، فتخرّج منهنّ الكاتبات والأديبات والعالمات ، والراويات ، وربّات الفكر والرأي ، وذوات الشخصيّة والشأن الكبير.
    على أنّ النساء لم يحصلن على حقوقهنّ في التعليم في ظلّ الحكومة والشريعة الإسلاميّة فقط ، بل حصلن على حقوق عادلة في التسوية مع الرجال في اعتناق الدين ، واستحقاق الثواب الاُخرويّ ، والاحترام الدنيويّ ، والميراث ، والزواج وحقوق الزوجيّة ، والطلاق ، والنفقة ، والوصيّة.
    وجملة القول; أنّه ما وجد دين ولا شرع ولا قانون في اُمّة من الاُمم أعطى النساء ما أعطاهنّ الإسلام من الحقوق والعناية والكرامة ، في جميع المجالات الإنسانيّة.
    هذا ولقد كان الإسلام أوّل من عمل على محو الاُميّة ونشر الثقافة والعلم وتعميمها في أوساط الناس فيما كانت الحكومات المعاصرة لعصر النبوّة المحمديّة ـ كالأجهزة الحاكمة في إيران ـ تحظر العلم والثقافة على طبقات الشعب وتحرم اكتسابهما إلاّ على الأُمراء وأبناء الاُمراء ، وطبقة المؤبذين (وهم رجال الدين الزرادشتيّ) (1).
    وإنّ أدلّ دليل على سعي الإسلام لمحو الاُميّة قبل أيّ أحد هو ما فعله النبيّ الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم مع أسرى بدر حيث جعل فداء بعض الأسرى الذين كانوا يعرفون القراءة والكتابة ، تعليم أولاد المسلمين : القراءة والكتابة.
    فقد روى الحلبي في سيرته ذلك قائلاً : (بعثت قريش في فداء الأسارى وكان الفداء فيهم على قدر أموالهم ، وكان من أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألفين إلى ألف. ومن لم يكن معه فداء وهو يحسن الكتابة دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة ليعلّمهم الكتابة فإذا تعلّموا كان ذلك فداء ) (2).
    1 ـ الشاهنامة للفردوسيّ 6 : 257 ـ 260.
    2 ـ السيرة الحلبيّة 2 : 204.


(443)
    على أنّ المنهج الذي اختاره الإسلام هو جعل الإيمان مقروناً بالعلم ، والعلم مقروناً بالإيمان ... فالمكتفي بأحدهما كطائر يحلّق بجناح واحد ... ولذلك نرى أنّ اللّه سبحانه يقرن أحدهما بالآخر في كتابه إذ يقول : ( يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ العِلْمَ دَرَجَات ) (المجادلة : 11).
    وكقوله : ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ وَالإيْمَانَ ... ) (الروم : 56).
    وممّا يدلّ على ذلك ما نراه ـ إذا سرنا في البلاد الإسلاميّة ـ من بناء الجامعات إلى جنب المساجد الذي يشير بوضوح إلى عدم التفكيك بين العلم والإيمان ، وبين الدين والمعرفة في الحوزات الإسلاميّة العلميّة المبثوثة في كلّ أرجاء العالم الإسلاميّ أو انعقاد الحلقات الدراسيّة في المساجد. ولقد بلغ حثّ الإسلام على اكتساب العلم والمعرفة حدّاً بليغاً حتّى أنّه حرّض على الهجرة في سبيل اكتساب العلم ، عندما حثّ على أن يخرج من كلّ فريق طائفة تسافر إلى المدينة ، ليدركوا حضرة النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم وليتعلّموا منه ما يحتاجون إليه من العلوم والمعارف الإلهيّة المفيدة ثم يرجعوا إلى قومهم ... وهو أمر يدلّ ضمناً على أنّ الإسلام كان ممن أسّس بنيان الحوزات العلميّة والجامعات وهي حقيقة يدلّ عليها قوله سبحانه : ( فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِم لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (التوبة : 122).
    فإنّ هذه الآية وإن فسّرت بوجوه غير أنّ الأظهر في تفسير الآية ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) :
    قال عبد اللّه بن المؤمن الأنصاريّ قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : إنّ قوماً يروون أنّ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم قال : « اختلافُ اُمّتي رحمة » فقال : « صدقُوا » فقال : إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب ؟قال : « ليس حيثُ تذهب وذهبُوا ، إنّما أراد قول اللّه عزّ وجلّ : ( فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِم لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) فأمرهم أن ينفروا إلى رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ويختلفوا إليه فيتعلّموا ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم ، إنّما أراد اختلافهم من البلدان لا اختلافاً في دين اللّه إنّما الديّن


(444)
واحد » (1).
    وهذه الآية مضافاً إلى كونها دالّة على وجود مركز أو مراكز علميّة في زمن النبيّ يسافر إليها الأفراد ليتلقّوا فيها العلوم والمعارف اللازمة; تدلّ على وجوب هذا الأمر وجوباً كفائيّاً ، ولقد استمرّ وجود هذه المراكز والحوزات العلميّة في زمن الأئمّة ( عليهم السلام ) وفي زمن الإمام الصادق خاصّة.
    فقد روى أحم ـ ـ د بن محمّد بن عيسى وقال : خرجت إلى الك ـ وف ـ ة في طلب الحديث فلقيت بها الحس ـ ن بن عليّ الوش ـ ا ، فسألته أن يخ ـ رج لي كتاب العلا بن رزين وأبان بن عثمان ، فأخرجهما إليّ فقلت له : أحبّ أن يجيزهما لي فقال : يرحمك اللّه وما عجلتك ، اذهب فاكتبهما واسمع من بعد ذلك ، فقال : لا آمن الحدثان ، فقال : لو علمت هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه فإنّي أدركت في هذا المسجد (بالكوفة ) تسعمائة شيخ كلّ يقول حدّثني جعفر (أيّ الإمام الصادق (عليه السلام) ) (2).
    وبالتالي فإنّ ما يدلّ على اهتمام الدين الإسلاميّ بانتشار العلوم والأخذ بالمعارف المتنوّعة هو ازدهار العلوم المختلفة بين المسلمين ونبوغهم المطّرد والبارز في شتّى مجالات المعرفة ، وتنوّع الكتب والمصنفات التي خلّفها المسلمون وصنّفها علماؤهم وكتّابهم ، وكانت أساساً لكثير من العلوم الحديثة.
    يبقى أن نعرف أنّ الإسلام لا يطرح صيغة خاصّة لمنهج التعليم ، وقد سبق أن قلنا : إنّ خاتمية الدين الإسلاميّ تقتضي أن يبيّن الإسلام الجوهر واللب ، وأمّا الصور والأشكال فمتروكة للأجيال والعصور ، ومقتضياتها فلا مانع من أن يستفيد المسلمون من أيّ منهج تعليميّ ، وأن يستخدموا أيّ جهاز يضمن تعميم العلم كالتلفزيون والمذياع شريطة الحفاظ على خلق المجتمع ، وقيمه الإسلاميّة العليا. فإنّ الإسلام يخالف كلّ علم يتنافى مع سعادة البشر ويهدّد استقراره.
    1 ـ نور الثقلين 2 : 238.
    2 ـ رجال النجاشيّ : 28 وتنقيح المقال للمامقانيّ 1 : 294.


(445)
    هذا ولعلّك تعجب إذا علمت أنّ تحصيل العلم في الفنون المختلفة من الطبّ والاقتصاد والحقوق السياسيّة والصنائع المتنوّعة فريضة إسلاميّة يجب على الجميع تعلّمه على نحو الواجب الكفائيّ لكي ترتفع حاجة المسلمين إلى غيرهم ، ويأمنوا بذلك من تدخّل الأجانب في شؤونهم ، بل الأعجب من ذلك أنّ التحصيل في بعض الشؤون واجب عينيّ وذلك فيما يتعلّق بمعرفة الأحكام الدينيّة من أحكام العبادات والمعاملات كما حقّق في موضعه (1) ، ولأجل ذلك وجب على الحكومة الإسلاميّة أن تخصّص قسماً كبيراً من ميزانيّتها لتأسيس الجامعات الدينيّة ، والعلميّة وتهيئة ظروف التعليم والتعلّم حتّى يتسنّى لأبناء الاُمّة تحصيل المعرفة في أيّ مجال مفيد ، وضروريّ لحياة الاُمّة. فإنّ جميع ما سقناه إليك من أدلّة حاثّة على طلب العلم ، وإنّ ما وصل إليه المسلمون القدامى من أزدهار ، وتقدّم عظيم ، في العلوم يستدعيان أن تكون الحكومة الإسلاميّة هي التي تتولّى تهيئة أجواء العلم والتعلّم والتعليم ، وإلاّ فكيف يمكن أن يتحقّق ذلك الازدهار ويتحقّق هذا الهدف العظيم ، والأمر خارج عن نطاق الأفراد بل هو ميسّر للحكومة وإمكانيّاتها ، ولوجوب أن تقتدي هذه الحكومة بسيرة النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم حيث تولّى بنفسه تهيئة أجواء التعليم والتعلّم لأبناء المدينة كما مرّ عليك في قصّة أسرى بدر.

الإسلام والعلوم الطبيعيّة
    ثمّ انّه لم يكن تأكيد الإسلام على تحصيل العلم ليختصّ بعلم دون علم وبباب دون آخر ، وإن كان التأكيد على اكتساب الفقه والعلم بأحكام الدين أشدّ ، وأكثر.
    فالعلم بأحكام الدين واُصوله وفروعه ، أو العلم بما يجري في الطبيعة من السنن والقوانين وكشف غوامض الحياة ومعضلاتها واختراع ما يكون مفيداً للحياة البشريّة ممّا دعا إليه الإسلام من غير فرق بين علم وعلم. ولذلك أمر سبحانه في الكثير من الآيات القرآنيّة بالتدبّر في الكون والسنن الحاكمة فيه ، كما هوغير خفيّ على من له إلمام بالكتاب
    1 ـ راجع فرائد الشيخ الأنصاريّ : 300 ـ 301.

(446)
الكريم.
    وتقسيم العلوم إلى دينيّة وغير دينيّة (أو قديمة وحديثة ) مجرّد اصطلاح وإلاّ فكلّ علم نافع ناجع قد دعا إليه الدين وأمر به الكتاب ، وأخذ به المسلمون ، وما يعدّ علوماً حديثة فلها جذور في القديم وإنّما حدث التطوّر والتكامل حسب مرور الزمان شأن كلّ ظاهرة وعلم.
    ولأجل ذلك نرى أنّ المسلمين اهتمّوا ـ منذ بزوغ الإسلام ـ بمختلف العلوموالمعارف ، وبرعوا فيها ، وكانوا لكثير منها مكتشفين ، وكان منهم المخترعون ، والمبدعون.
    وقد اعترف بذلك كثير من علماء الغرب والشرق ، وأقرّوا للمسلمين به ، وبيّنوا جهود المسلمين في هذا المضمار ، وعدّوهم آباء العلم الحديث في كثير من المجالات والأصعدة.
    ونحن هنا نشير إلى طائفة ممّن كان لهم من المسلمين اكتشافات علميّة :
    1 ـ جابر بن حيّان ، تلميذ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) كان من أشهر علماء الكيمياء. هذا وللرازي وأبو ريحان البيرونيّ بحوث شيّقة وهامّة في الكيمياء أيضاً.
    2 ـ يعقوب ابن إسحاق الكندي; له 15 كتاباً في معرفة أحوال الجوّ.
    3 ـ الحسن بن الهيثم; المتولّد عام 304 ألّف كتباً عديدة في الضوء وخواصّ المرايا المقعّرة والمحدّبة والمنكسرة.
    4 ـ محمد بن إبراهيم الفزاري ، والحجاج بن يوسف بن مطر; لهما ولغيرهما من المسلمين جهود علميّة كبرى في الرياضيّات.
    5 ـ الخواجا نصير الدين الطوسيّ ، وأبو معشر البلخيّ ، يعود إليهما


(447)
الكثير من الاختراعات والاكتشافات في علم الهيئة والفلك.
    6 ـ محمّد بن زكريّا الرازي ، وأبو عليّ بن سينا ، وابن رشد الأندلسيّ يعود إليهما الكثير من الأبحاث الطبيّة ، ومسائل العلاجات والأدوية.
    7 ـ الكندي والدميريّ والقزوينيّ وابن بطوطة وابن خلدون; ممّن لهم كتب ومؤلّفات واسعة في علم الأحياء ، والجغرافيه ، وغيرهما من العلوم والمعارف ، وغيرهم ممّن لا يمكن إحصاء أسمائهم لكثرتهم وكثرة مؤلّفاتهم.
    ويكفي دلالة على تشجيع الإسلام للصناعة ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث مفصّل : « كلّ ما يتعلّم العبادُ أو يُعلّمون غيرهُم من صُنوف الصناعات مثل الكتابة والحساب والنّجارة والصّياغة والسّراجة والبناء والحياكة والقُصارة والخياطة وصُنعة صنُوف التصاوير ما لم يكُن مثل الرّوحانيّ وأنواع صنُوف الآلات التي يحتاجُ إليها العبادُ التي منها منافعهُم وبها قوامُهم وفيها بُلغةُ جميع حوائجهم فحلال فعلهُ ، وتعليمهُ والعملُ به وفيه لنفسه أو لغيره » (1).
    ثمّ انّ عناية الإسلام بالكتابة وتقييد العلم بواسطتها يعتبر من أبرز الأدلّة على تبنيّ الإسلام للعلم وحرصه عليه فقد كان الإسلام أوّل من روّج الكتابة وحثّ على تعلّمها ، وكان ذلك الموقف من الكتابة والتدوين هو السبب الرئيسيّ في كتابة المؤلّفات وتأليف الكتب العديدة الذي كان ـ بدوره ـ خير وسيلة لأحياء العلم ، والابقاء عليه فقد روي أنّه كتب الشيعة وحدهم ما يقارب (10) آلاف كتاب خلال عهد الإمامين الباقرين خاصّة (2).
    ولقد وردت أحاديث كثير في هذا الصدد يضيق المجال بذكرها في هذه العجالة ولكنّنا ندرج هنا بعضها على سبيل المثال :
    عن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أنّه قال : « قيّدُوا العلم بالكتابة » (3).
    1 ـ تحف العقول : 246.
    2 ـ المراجعات : 337 المراجعة (110).
    3 ـ تحف العقول كما في الذريعة 1 : 6 ، المستدرك للحاكم 1 : 106 ، كنز العمال 5 : 277 ، البيان والتبيين 1 : 161.


(448)
    وعن عبد اللّه بن عمر قال قلت لرسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أقيّد العلم ؟ قال : « نعم » ، قيل وما تقييده؟ قالصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « كتابتُهُ » (1).
    وعن أبي بصير قال دخلت على أبي عبد اللّه (الصادق ) فقال : « ما يمنعُكُم من الكتابة ، إنّكُم لن تحفظُوا حتّى تكتبُوا » (2).
    وقال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « إذا مات ابنُ آدم انقطع عملهُ إلاّ من ثلاث :
    صدقة جارية ، أو علم ينتفعُ به أو ولد صالح يستغفُر لهُ » (3).
    وقال رسول اللّهصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « المُؤمنُ إذا مات وترك ورقةً واحدةً عليها علم تكُونُ تلك الورقةُ سُتراً فيما بينهُ وبين النّار وأعطاهُ اللّهُ بكُلّ حرف مكتُوب عليها مدينةً في الجنّة » (4).
    وعنه (عليه السلام) أيضاً أنّه قال : « احتفظُوا بكُتبكُم فسوف تحتاجُون إليها » (5).
    وقال (عليه السلام) : « القلبُ يتّكلُ على الكتابة » (6).
    وقال (عليه السلام) : « اُكتُب وبُث علمك في إخوانك فإن متّ فأورث كُتُبك بنيك فإنّهُ يأتي على النّاس زمان هرج ما يأنسُون إلاّ بكُتُبهم » (7).
    وعن الإمام الحسن (عليه السلام) أنّه دعا بنيه وبني أخيه فقال : « إنّكُم صغار قوم ويُوشكُ أن تكُونُوا كبار قوم آخرين فتعلّمُوا العلم فمن لم يستطع منكُم أن يحفظهُ فليكتُبهُ وليضعهُ في بيته » (8).
    هذا وللإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) تعاليم لطيفة في مجال الكتابة وتحسين الخطّ ... فقد قال لكاتبه عبيد اللّه بن أبي رافع : « ألق دواتك ، وأطل جلفة (9) قلمك ،
    1 ـ راجع الذريعة 1 : 6 ، التاج 1 : 61.
    2 ـ مشكاة الأنوار للطبرسيّ : 142 ، وروي في الكافي 1 : 52 بهذه الصورة : « اكتُبُوا فإنّكُم لا تحفظُون حتّى تكتبُوا ».
    3 ـ رواه الخمسة إلاّ البخاريّ ، راجع التاج 1 : 66.
    4 ـ أوثق الوسائل : المقدّمة.
    5 ـ الكافي 1 : 52.
    6 ـ الكافي 1 : 52.
    7 ـ الكافي 1 : 52.
    8 ـ بحار الأنوار 2 : 152.
    9 ـ الجلفة ما بين مبراه وسنته.


(449)
وفرّج بين السّطُور وقرمط (1) بين الحُرُوف ، فإنّ ذلك أجدرُ بصباحة الخطّ » (2).
    كما روي عنه (عليه السلام) قوله : « الخطّ الحسن يزيد الحقّ وضوحاً » (3).
    هكذا حثّ الإسلام على الكتابة حثّا بليغاً ، وأكيداً ، وكفى في ذلك أنّ اللّه تعالى أقسم بالقلم باعتباره وسيلة فعّالة لنقل المعرفة وتدوينها ، وإبقائها.

بحث وتنقيب
    ولعلّك تقول : لو حثّ الإسلام مثل هذا الحثّ على الكتابة والتدوين فلماذا نهى الخليفة الثاني عن كتابة الحديث في حين كان النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم يحثّ أصحابه على كتابة ما يسمعونه منه. فقد أخرج صاحب غوالي اللئالي عن عمر بن شعيب عن أبيه وجدّه قال قلت : يا رسول اللّه أكتب كلّ ما أسمع منك ؟ قال صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « نعم » ، قال : قلت في الرضا والغضب ؟ قالصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « نعم فإنّي لا أقول في ذلك كلّه إلاّ الحقّ » (4).
    وقد أملى صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم كتباً في الشرائع والأحكام كان قد جهّز بها رسله وعمّاله في الأقطار المفتوحة وقد احتفظ بها المسلمون وأوردها أصحاب السير والمعاجم وأهل الحديث والتفسير في كتبهم وهذه الصحف تعرب قبل كلّ شيء عن عناية الرسول بحفظ علوم الرسالة وذخائر النبوّة وأحكام الدين ودساتيره ليستفيد منها القريب ويرجع إليها النائي.
    وقد تواتر عن الفريقين أنّ النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم قبض وفي قراب سيفه أو ذؤابة سيفه كتاب أو كتابان (5).
    1 ـ القرمطة بين الحروف ، المقاربة بينها وتضييق فواصلها.
    2 ـ نهج البلاغة : قصار الكلم ( الرقم 315 ).
    3 ـ حديث مشهور.
    4 ـ راجع الذريعة 1 : 6 ، التاج 1 : 61.
    5 ـ صرّح بذلك إمام الحنابلة في مواضع من مسنده راجع المسند 1 : 81 ، 100 ، 119 ، 126 ، 132 ، صحيح مسلم 4 : 217 ، السنن الكبرى 8 : 30.


(450)
    وقد اعتمد على هذا الكتاب أئمّة أهل الحديث في مختلف الأبواب والأحكام واكثر النقل عنه المحدّث الحرّ العامليّ في جامعه الكبير وينهي إسناده إلى أئمّة أهل البيت (1).
    قال ابن عمر : إنّ قريشاً قالت : إنّك تكتب عن رسول اللّه وهو بشر يغضب يعنون به أنّه يقول عند الغضب باطلاً ، فعرضت كلامهم على رسول اللّه قال : « اكتب فإنّي لا أقُولُ إلاّ حقّاً » أو أشار إلى شفتيه وقال : « لا يخرُجُ منهُما إلاّ الحقّ اكتُب » (2).
    وقد أملى رسول اللّه كثيراً من الأحكام على (عليّ) فدوّن أمالي رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم في حياته ، واشتهر بكتاب عليّ ، وقد روى عنه البخاريّ في صحيحه في باب كتابة الحديث وباب « إثم من تبرّأ من مواليه ».
    وقد أكثر عنه النقل الإمامان الباقر والصادق ( عليهما السلام ) ورآه كثير من أصحابهما كزرارة بن اُعين ومحمد بن مسلم وأبي بصير ونظرائهم.
    وأخرج الشيخ أو العباس النجاشي (المتوفّى عام 450) في ترجمة « محمّد بن عذافر » عن عذار الصيرفيّ قال : كنت مع الحكم بن عيينة ، عند أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) فجعل يسأله وكان أبو جعفر له مكرهاً فاختلفا في شيء ، فقال أبو جعفر : « يابنيّ قم فأخرج كتاب عليّ » فاخرج كتاباً مدرجاً عظيماً ، ففتح وجعل ينظر حتى أخرج المسألة ، فقال أبو جعفر : « هذا خطّ عليّ وإملاء رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم وأقبل على الحكم وقال : « يا أبا محمّد : إذهب وسلمة والمقداد حيث شئتم يميناً وشمالاً ، فواللّه لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرائيل » (3).
    والحديث عمّا كتبه عليّ (عليه السلام) كثير ، وأخرج المشايخ والمحمّدون الثلاثة روايات جمّة عنه ينتهون بإسنادها إلى أئمة الحديث مبثوثة في كتب الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحجّ والجهاد والأمر بالمعروف والتجارة والوصايا والطلاق والنكاح
    1 ـ راجع وسائل الشيعة كتاب القصاص.
    2 ـ مستدرك الحاكم 1 : 4.
    3 ـ فهرست النجاشيّ : 255 (طبعة الهند).
مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: فهرس