مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: 471 ـ 480
(471)
المشركين والتواطؤ معهم ضدّ مصالح الإسلام والمسلمين.
    الثاني : أن يلتزموا بأن تجري عليهم أحكام المسلمين ... بمعنى وجوب قبولهم لما يحكم به المسلمون من أداء حقّ أو ترك محرّم.
    والمراد من الأحكام هي الأحكام الاجتماعيّة والجزائيّة ، كجلدهم إذا زنوا ، وقطع أيديهم إذا سرقوا وما شابه.
    الثالث : القبول بدفع الجزية ...
    فهذه الشروط الثلاثة تعتبر من مقوّمات الذمّة ، وأمّا غير ذلك من الشروط فإنّما يجب العمل بها من جانبهم إذا اشترطت في (عقد الذمّة ) (1).
    إنّ في مقدور الأقليّات الدينيّة ـ بعقد الذمّة ـ أن تعيش بين المسلمين عيشة حرّة ، ويكون لها ما للمسلمين وعليها ما على المسلمين ، من حقوق اجتماعيّة ، وأمن داخليّ ، وحماية خارجيّة ، وتلك هي وظيفة الحكومة الإسلاميّة أن توفّر ظروف العيش الآمن ، والاحترام المناسب للأقليّات الدينيّة ، والحفاظ على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم ، من دون أيّ عدوان وتجاوز وحيف ، هذا فيما إذا عمل أهل الكتاب وغيرهم بشرائط الذمّة والهدنة.
    إنّ الإسلام يحترم دماء الكتابيّين الذين يعيشون في الذمّة وأعراضهم كما يحترم دماء المسلمين وأعراضهم دون فرق ، وتلك حقيقة لا تجد نظيرها في أيّ نظام غير النظام الإسلاميّ مهما كان إنسانيّاً ، ولهذا عندما يسمع الإمام عليّ (عليه السلام) بأنّ جماعة من البغاة أغاروا بأمر معاوية على (الأنبار) وهي إحدى مدن العراق ، واعتدوا على أهلها ، وأعراضهم وأموالهم ، نجده ينزعج غاية الانزعاج ويحزن غاية الحزن ، ويمضي في لومهم وشجبهم قائلاً ـ في أسف ظاهر ـ : « ولقد بلغني أنّ الرّجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة ، والاُخرى المعاهدة ، فينتزع حجلها ، وقلبها ، وقلائدها ورعاثها ، ما تمنع منه إلاّ بالاسترجاع ، والاسترحام ثمّ انصرفوا وافرين ما نال رجلاً منهم كلم ولا اريق منهم
    1 ـ جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 21 : 271.

(472)
دم » !!
    إنّ أعراض المسلمين والذميين عند الإمام عليّ (عليه السلام) من حيث الاحترام والحرمة بحيث يقول في شأن ذلك في ذيل العبارات السابقة : « فلو أنّ امرأً مُسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملُوماً ، بل كان به عندي جديراً » (1).
    إنّ القانون الإسلاميّ يقضي بأن تتكفّل الحكومة الإسلاميّة حماية الأقليّات الدينيّة ، وأعراضهم وأموالهم وكنائسهم ومعابدهم ، بحيث يمكنهم أن يؤدّوا شعائرهم الدينيّة بحريّة وأمان ، وفي الوقت الذي يدعو فيه الإسلام هذه الأقليّات وغيرها إلى اعتناق الإسلام ، لايسمح بأن تعطّل حريّة الأقليّات في تعليم دينها لأبنائها.
    إنّ الذمّيين أحرار ـ تماماً ـ من جهة (القضاء) فلهم أن يتحاكموا ـ في منازعاتهم واختلافاتهم الخاصّة ـ إلى محاكمهم الخاصّة ، أو إلى محاكم المسلمين وقضاتهم ، إن كان النزاع بينهم وبين مسلم ، وأن يدافعوا عن حقوقهم في محاكم المسلمين بمنتهى الحريّة والطمأنينة والحصانة (2).
    إنّ للذمّي ـ حسب نظر الإسلام ـ أن يشتكي أمام قاضي المسلمين على أكبر شخصيّة إسلاميّة كالخليفة وحاكم البلاد ، أو يدافع عن نفسه إذا اشتكى عليه تلك الشخصيّة ، ويطالبه بالبيّنة لدعواه.
    ولا يخفى أنّ هذه الأحكام ليست مجرّد نظريّة قانونيّة لم يعمل بها في تاريخ المسلمين وحياتهم ، بل لها نماذج ومصاديق مطبّقة أكثر من أن تحصى ، منها قضيّة الدعوة التي أقامها الإمام عليّ (عليه السلام) على رجل يهوديّ في قصّة الدرع التي ، مرّت عليك فيما سبق في هذا الكتاب (3).
    انّ تاريخ الإسلام المشرق يبيّن لنا أنّ علاقات المسلمين مع الشعوب والأقليّات
    1 ـ نهج البلاغة : الخطبة (26).
    2 ـ لاحظ في ذلك الصفحة 464 من كتابنا هذا.
    3 ـ راجع الصفحة 335 من كتابنا هذا.


(473)
الدينيّة كانت قائمة منذ ظهور الحكومة الإسلاميّة ، وحصول الاستقلال السياسيّ للمسلمين على اُسس التسامح والسلام والمحبّة والمعاشرة الإنسانيّة ، والمعاهدات المتبادلة ، ولهذا كانت تلك الأقليّات الدينيّة تعيش بين المسلمين بحريّة كاملة ، ودون أن يلحقها أيّ أذى أو سوء ، وتستفيد من حقوقها المُسلمة دون أيّ عدوان أو نقصان ، وهذا هو الأمر الذي جعلهم يفضّلون حكم الإسلام على غيره.
    كما أنّ هذا هو الذي حدى بالكتاب المسيحيّين ومؤرّخيهم أن يعترفوا بفضل الإسلام وحسن سيرة المسليمن بالنسبة إلى أبناء دينهم ، لاحظ في ذلك ما قاله غوستاف لوبون.
    وقال روبر تسون في كتابه تاريخ شارلكن : (إنّ المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الجهاد والتسامح نحو أتباع الأديان الاُخرى الذين غلبوهم وتركوهم أحراراً في إقامة شعائرهم الدينيّة) (1).

4 ـ الجزية ضريبة عادلة
    يبقى أن نعرف أنّ الإسلام فرض على أهل الكتاب ـ بعد الغلبة عليهم ـ دفع ضريبة تسمّى بالجزية ، وهي بمنزلة الضريبة التي تؤخذ من المسلمين تحت عناوين مختلفة من الزكاة والخمس وسائر الصدقات لتصرف في شؤون الدولة الإسلاميّة ولأجل ذلك لا تؤخذ الجزية من المعتوه ولا من المغلوب على عقله ، ولا الصبيان ولا النساء ، لأنّ الجزية إنّما هي في مقابل الدخل تقريباً. قال الإمام الصادق (عليه السلام) : « جرت السنّة أن لا تُؤخذ الجزية من المعتُوه ولا من المغلُوب على عقله » (2).
    ثمّ إنّ الجزية تقدر بقدر المُكنة والقدرة فقد سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن حدّ الجزية فقال : « ذلك إلى الإمام يأخذ من كلّ إنسان منهم ما شاء على قدر ماله وما
    1 ـ روح الدين الإسلاميّ : 411.
    2 ـ الوسائل 11 : 100 ، وراجع تحرير الوسيلة 2 : 498 للإمام الخمينيّ.


(474)
يُطيقُ » (1).
    كما أنّ الإمام مخيّر في الجزية في أن يضع الجزية على حسب رؤوسهم دون أرضهم أو على أرضهم دون رؤوسهم ... في حين أنّه ي خذ من المسلمين الضرائب المتوجّبة عليهم من أموالهم خاصّة ، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على مدى روح السماحة والعطف والعدالة التي يعامل بها الإسلام الأقليّات الاُخرى ، فعن محمّد بن مسلم قال : سألته (عليه السلام) عن أهل الذمّة ماذا عليهم ما يحقنون به دماءهم وأموالهم ؟ قال : « الخراج ، وإن أُخذ من رُؤوسهُمُ الجزية فلا سبيل على أرضهم وإن أُخذ من أرضهم فلا سبيل على رُؤوسهم » (2).
    كما أنّه لا يجوز للحكومة الإسلاميّة أن تأخذ من الأقليّات شيئاً علاوة على الجزية ، فعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في أهل الجزية أيؤخذ من أموالهم ومواشيهم سوى الجزية ؟قال : « لا » (3).
    وبالتالي ، إنّ الجزية لم تكن ضريبة شاقّة لو عرفنا مقاديرها فقد جعل الإسلام على غنيّهم ثمانية وأربعين درهماً ، وعلى أوساطهم أربعة وعشرون درهماً ، وعلى فقرائهم إثنا عشر درهما ... يؤخذ منهم كلّ سنة ، راجع لمعرفة ذلك الحديث المروي في هذا الباب (4).
    وفي الحقيقة لا تقدير خاصّ للجزية ، ولا حدّ لها بل تقديرها إلى الوالي ، والحكومة الإسلاميّة بحسب ما يراه من المصالح والأزمنة ومقتضيات الحال (5) والمقدار المذكور في الرواية هو مصداق لهذا التقدير.
    وبالتالي فإنّ ما تأخذه الدولة الإسلاميّة من الأقليّات باسم الجزية إنّما هو في الحقيقة لتقديم الخدمات إليهم ، وحمايتهم ، لا أنّه أتاوة على نحو ما يفعل الفاتحون عادة.
    1 ـ الوسائل 11 : 114 و 115.
    2 ـ الوسائل 11 : 114 و 115.
    3 ـ الوسائل 11 : 114 و 115.
    4 ـ وسائل الشيعة 11 : 116.
    5 ـ تحرير الوسيلة للإمام الخمينيّ 2 : 449.


(475)
    وفي هذا الصدد يقول السيد رشيد رضا : (إنّ الجزية في الإسلام لم تكن كالضرائب التي يضعها الفاتحون على من يتغلّبون عليهم فضلاً عن المغارم التي يرهقونهم بها ، وإنّما هي جزاء قليل على ما تلتزمه الحكومة الإسلاميّة من الدفاع عن أهل الذمّة ، وإعانة الجند الذي يمنعهم (أي يحميهم) ممّن يعتدي عليهم كما يعلم من سيرة أصحاب رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم والشواهد على ذلك كثيرة) (1).
    فهي إذن ضريبة ضئيلة يقابلها تأمين الإسلام لهم الحراسة والحفظ وتوفير ضروريّات الحياة.
    وبذلك يبقى الكتابيّ على دينه ويقيم شعائره في حدود المصلحة الإسلاميّة العامّة حسب ما قرّر لها من شروط ، وأحكام.
    1 ـ تفسير المنار 11 : 282.

(476)
3
برامج الحكومة الإسلاميّة ووظائفها
الحكومة الإسلاميّة
والدعوة إلى التنمية الاقتصاديّة
أهميّة الاقتصاد في الحياة البشريّة :
    لاشكّ في أنّ الاقتصاد يحتلّ موقعاً حسّاساً وهاماً في الحياة البشريّة ، إذ يدور عليها رحى جوانب كثيرة من هذه الحياة ، ومن هنا اهتمّ الإسلام بالمسائل الاقتصاديّة اهتماماً بالغاً. فوجود الأبواب الكثيرة ، المتعلّقة بالمبادلات الماليّة في الفقه والتشريع الإسلاميّ إلى جانب التوجيهات والإرشادات المرتبطة بهذا الحقل ينبىء عن اهتمام الإسلام الشديد بالاقتصاد ويكشف عن أنّ الدين الإسلاميّ ليس كسائر الأديان تنحصر مسؤوليّته في إعطاء العظات الأخلاقيّة ، وتقديم الوصايا المعنويّة الفرديّة مهملاً أهمّ مسألة في حياة الإنسان وهي القضية الاقتصاديّة.
    كيف والعمل من أجل الآخرة يتوقّف على قدرة الجسم ، وسلامة البدن ، وانتعاش الجانب الاقتصاديّ فقد روي عن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أنّه قال : « اللّهمّ بارك لنا في الخبز ، ولا تفرّق


(477)
بيننا وبينهُ ، فلولا الخُبزُ ما صلّينا ولا صُمنا ولا أدّينا فرائض ربّنا » (1).
    وعن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال : « وبالدّنيا تُحرزُ الآخرةُ » (2).
    ثمّ لا ريب في أنّ الإنسان مركّب من المادة والروح ، وأنّ لوجوده بعدين : بعداً ماديّاً ، وبعداً معنويّاً ، ولذلك لابد للإسلام كنظام للإنسان ومنهج للحياة أن يعتني بهذا البعد (الماديّ) أيضاً لأنّ تجاهله ما هو إلاّ تجاهل لنصف الإنسان.
    وبعبارة اُخرى ، إنّ (الغنى) في الجانب المعنويّ ـ وحده ـ لا يكفي ، لأنّ الفقر الاقتصاديّ كفقر الدم تماماً ، إذ الاقتصاد عصب الحياة ، ودم يجري في عروق المجتمع ، ويضمن حياته وبقاءه ، فكما أنّ فقر الدم يوجب سلسلة من الأمراض والمضاعفات الخطيرة مثل ضعف السماع والبصر ، وظهور اللكنة في اللسان ، وتعرقل عمليات المخّ ، إلى غير ذلك من العوارض ، وألوان الخلل في وظائف الأعضاء فإنّ للفقر الاقتصاديّ والماديّ (عوارض) سيّئة ، وآثار خطيرة على الحياة الفرديّة والاجتماعيّة فهو يوجب ضعفاً في الهيكل الاجتماعيّ وتصدّعاً في تماسكه ، ولذلك يكون الاقتصاد مطروحاً للإنسان منذ أن يولد حتّى يوسّد في لحده ، هذا مضافاً إلى أنّ بقاء الاُصول الأخلاقيّة والتزام الصراحة ، ومناعة الطبع واستقلال الشخصيّة اُمور متفرّعة على الجانب الماديّ ، بمعنى أنّ الإبقاء على هذه الاُمور في غاية الصعوبة على من اضطرب أمر معاشه ، وأصابه الفقر ، واختلّ اقتصاده. فكم من إنسان ابتلي بصفة التملّق وفقدان الشهامة ، والاخلال بالواجب نتيجة الفقر ، واضطراب المعاش؟ وكم من إنسان اضطّر إلى الكذب والخداع ، والمساومة على العقيدة والدين لهذا السبب؟ بل وكم من شعب وقع فريسة الاستعمار والتبعيّة نتيجة التدهور الاقتصاديّ والحرمان الماديّ ، والحاجة إلى المساعدات ، فحرم المجد والعظمة ، وفقد الاستقلال ، والحريّة.
    ومن هنا لم يكن للاُمم الفقيرة أيّ نصيب في العزّة والكرامة والمكانة الدوليّة
    1 ـ وسائل الشيعة 12 : 17.
    2 ـ نهج البلاغة : الخطبة 145.


(478)
اللائقة بين شعوب الأرض.
    بل وعلى هذا الأساس الاقتصاديّ قامت العلاقات الدوليّة ، والروابط السياسيّة بين الحكومات والشعوب.

الاقتصاد أصل هامّ وليس محوراً
    نعم إنّ الفرق بين النظام الإسلاميّ والنظامين الرأسماليّ والاشتراكيّ هو أنّ الاقتصاد في الإسلام يشكّل أصلاً هاماً إلى جانب الاُصول الهامّة الاُخرى ـ كما ظهر من البيان السابق ـ لا أنّه الأصل الوحيد الذي تقوم عليه سائر المسائل الأيديولوجيّة ، والأخلاقيّة ، والسياسيّة كما تدّعيه الاشتراكيّة ، أو تذهب إليه الرأسماليّة عمليّاً.
    ونعود لنقول إنّ أفضل ما يدلّ على أنّ الاقتصاد في الإسلام يشكّل أحد الاُصول ، الهامّة هو أنّ أكثر الكتب الفقهيّة تتركّز على ذكر القوانين المتعلّقة بالاقتصاد ، وتعقد أبواباً خاصّة كأبواب المكاسب ، والشفعة والإقالة والصلح والمضاربة والمزارعة والمساقاة والإجارة والجعالة والعارية والقسمة ، والدين والرهن والحجر والمفلس والضمان والحوالة ، والهبة والوقف والصدقة ، والصيد والذباحة والغصب وإحياء الموات ، والمشتركات واللقطة والإرث وأحكام الأبنية والأرضين وما شابه ذلك.
    هذا مضافاً إلى أنّنا نجد القرآن يقرن ذكر الصلاة بذكر الزكاة كلّما تحدث عن تلك العبادة وقد تكرّر ذلك في القرآن ما يقارب 32 مرّة تقريباً ، ومن المعلوم أنّ الأوّل ينظّم علاقة المخلوق بالخالق ، والثاني ينظّم علاقة الفرد بالمجتمع; واقتران كلّ من الأمرين بالآخر يشهد بأنّ هناك بين المعاش والمعاد صلة وثيقة ، وارتباطاً لا ينفك ّ.
    ثمّ لمّا كان الإسلام منهجاً كاملاً وكافلاً لاحتياجات المجتمعات البشريّة ماديّها ومعنويّها ، اقتضى ذلك أن يكون له (منهج اقتصاديّ واحد) يخضع له الجميع ، ويكون قادراً على رفع تلك الاحتياجات ، ومتمشّياً مع الحاجات المتجدّدة ، والاكتشافات الحديثة ، ومتمكّناً من إقامة التوازن بين الإنتاج والتوزيع ، وموفّراً لكلّ أعضاء المجتمع


(479)
البشريّ جوّاً مناسباً ومطلوباً من الخير والرفاه; لتعيش البشريّة في كنفه في أمان وسلام ورخاء واكتفاء.
    إنّ هذا هو ما يتوخّاه النظام الإسلاميّ ويسعى إليه في منهجه الاقتصاديّ.

الدعوة إلى التنمية الإقتصاديّة وإطاراتها
    إنّ بيان المنهج الاقتصاديّ في الإسلام يستدعي بحثاً مترامي الأطراف ، وهو خارج عن نطاق هذه الدراسة ، غير أنّ الذي له صلة وثيقة بهذا البحث هو معرفة أنّ الإسلام اهتمّ ـ اهتماماً شديداً ـ بالجانب الاقتصاديّ في حياة الاُمّة ودعا إلى التنمية الاقتصاديّة في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها.
    ولإيقاف القارىء على تلك الدعوة نأتي بإجمال عن ذلك في ضمن عناوين حاصّة ونحيل التفصيل إلى مجال آخر.

1 ـ الإنسان مأمور بعمارة الأرض
    إنّ الإنسان ـ في هذا النظام ـ مأمور من جانب اللّه سبحانه بعمارة الأرض ، وإصلاحها ، وإحيائها ، دون أن يمنعه مانع عن ذلك إذا ما كان في حدود الدين وشرائعه ، إذ قال سبحانه : ( هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الاَْرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) (هود : 61).
    وعن الإمام عليّ (عليه السلام) في حديث أنّه قال : « إنّ معايش الخلق خمسة : الإمارةُ ، والعمارةُ ، والتّجارةُ ، والإجارةُ والصّدقاتُ [ إلى إن قال ] وأمّا وجه العمارة فقوله تعالى : ( هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الاَْرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) فأعلمنا سبحانه أنّه قد أمرهم بالعمارة ، ليكون ذلك سبباً لمعايشهم بما يخرج من الأرض » (1).
    1 ـ وسائل الشيعة 13 : 195.

(480)
2 ـ الإنسان مدعو إلى الكدح والعمل
    لقد دعا الإسلام إلى الكدّ والكدح والعمل دعوة أكيدة ، وحثّ عليها حثّاً بليغاً لا نجد نظيره في أي نظام آخر ، فهو نهى عن الكسل ، كما نهى أن يكون المرء كلاًّ على الآخرين ، يستهلك ولا يعمل ، ويأكل ولا يشتغل وإليك طائفة من الأحاديث المرويّة عن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم وأهل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) في هذا المجال ، قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « ملعون من ألقى كلّهُ على النّاس » (1).
    وقال في وصيّته لعليّ (عليه السلام) : « إيّاك وخصلتين : الضجرُ والكسلُ ، فإنّك إن ضجرت لم تصبرعلى حقّ وإن كسلت لم تُؤدّ حقّاً ، يا عليّ من استولى عليه الضجرُ رحلت عنهُ الرّاحةُ » (2).
    وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « إنّ الأشياء لمّا ازدوجت ازدوج الكسلُ والعجزُ فنجا بينهُما الفقرُ » (3).
    وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : « إنّي لأبغضُ الرّجُل (أو لأبغض للرجل) أن يكون كسلان عن أمر دُنياهُ ومن كسل عن أمر دُنياهُ فهو عن أمر آخرته أكسلُ » (4).
    وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : « إنّي لأجدُني أمقُتُ الرّجُل يتعذّرُ عليه المكاسبُ فيستلقي على قفاه ويقولُ : (اللّهمّ ارزقُني) ويدع أن ينتشر في الأرض ويلتمس من فضل اللّه ، والذرةُ (أيّ النّملُ ) تخرُجُ من حجرها تلتمسُ الرّزق » (5).
    وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « لا تكُونُوا كُلُولاً على النّاس » (6).
    وقال (عليه السلام) أيضاً : « لا تكسلُوا في طلب معايشكُم فإنّ آباءنا ، قد كانُوا يركُضُون فيها ، ويطلُبونها » (7).
    1 ـ وسائل الشيعة 12 : 18 ، 37 ، 18 ، 18.
    2 ـ الوسائل 11 : 320.
    3 ـ وسائل الشيعة 12 : 18 ، 37 ، 18 ، 18.
    4 ـ وسائل الشيعة 12 : 18 ، 37 ، 18 ، 18.
    5 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 95.
    6 ـ وسائل الشيعة 12 : 18 ، 37 ، 18 ، 18.
    7 ـ من لا يحضره الفقيه 3 : 95.
مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: فهرس