مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: 561 ـ 570
(561)
مواجهة ، وإليك فيما يلي بعض هذه النصوص :
    قال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « لا سباق إلاّ في خفّ أو حافر أو نصل (يعني النصال والرمي) » (1)
    وعن رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم في قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ ) (الأنفال : 60) ، قال : « الرّمي » (2).
    وعنه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أنّه قال : « علّموا أبناءكم الرّمي والسّباحة » (3).
    وقال أيضا : « اركبوا وارموا وأن ترموا أحبّ إليّ من أن تركبوا ...
    كلّ لهو المؤمن باطل إلاّ في ثلاث في تأديبه للفرس ، ورميه عن القوس ... فإنّهنّ حقّ. ألاّ أنّ اللّه عزّ وجلّ ليدخل بالسّهم الواحد الثلاثة الجنّة : عامل الخشبة والمقّوي به في سبيل اللّه والرّامي به في سبيل اللّه » (4).
    وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : « الرّمي سهم من سهام الإسلام » (5).
    وهذا يعني أنّ على كافة المسلمين أن يتلقّوا التدريب العسكريّ ويتعرّفوا على فنون الرماية والقتال. ليكونوا على استعداد كامل ودائم لأيّة مواجهة مع الأعداء.
    ولقد دفعت الروح القتاليّة والبسالة والتشجيع على التدريب العسكريّ التي بثّها الإسلام في المسلمين إلى أن يتطوّعون بكامل رغبتهم للخدمة العسكريّةويبادروا إلى الانضواء في الجيش
    1 ـ وسائل الشيعة 13 : 345 ـ 351 كتاب السبق والرماية ـ باب استحباب الرمي والمراماة.
    2 ـ وسائل الشيعة 13 : 345 ـ 351 كتاب السبق والرماية ـ باب استحباب الرمي والمراماة.
    3 ـ مستدرك الوسائل 2 : 517.
    4 ـ وسائل الشيعة 11 : 107 باب استعمال تعلّم الرمي بالسهم.
    5 ـ وسائل الشيعة 11 : 107 باب استعمال تعلّم الرمي بالسهم.


(562)
الإسلاميّ كلّما استدعت الحاجة ، واقتضت الظروف.
    على أنّ السبب الرئيسيّ في ذلك هو أنّ الإسلام أفاض على الخدمة العسكريّة قدسية يخلو منها جميع الأنظمة البشريّة .. فقد اعتبر الإسلام الإنضواء في الجيش الإسلاميّ والخدمة العسكريّة والقتال في صفوف هذا الجيش (جهاداً في سبيل اللّه).
    وينطوي هذا اللفظ على بعد معنويّ رفيع جدّاً حيث يعني الجهد والسعي لحفظ البلاد وإنقاذ المستضعفين وإعلاء كلمة اللّه. . وذلك يكفي لأن تجتذب نحوها القلوب والضمائر. ذلك لأنّ هذا الوصف في الخدمة العسكريّة وهذا الهدف المقدّس يخرج العمل العسكريّ من كونه خدمة للطغاة ، وسعياً من أجل إرضاء رغباتهم كما هو الحال في الجيوش الحاضرة ، التي لم تنشأ في الأغلب إلاّ لحماية الطواغيت ولا تحارب إلاّ لإرضاء شهواتهم ورغباتهم وتحقيق مطامعهم.
    من هنا يكفي للحكومة الإسلاميّة أن تعلن عن حاجتها إلى الجنود والمقاتلين لتنهال عليها طلبات الإلتحاق إلى صفوف الجيش من كلّ جانب بهدف أن ينالوا شرف الجهاد تحت لواء الإسلام ، وهم يسمعون كلام اللّه إذ يقول : ( وَفَضَّلَ اللّهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجْرَاً عَظِيمَاً ) (النساء : 95).
    على أنّ هذا الأمر لايمنع من أن تتّخذ الحكومة الإسلاميّة جيشاً منظّماً مجّهزاً بأحدث الأسلحة والتكتيات عملاً بقوله سبحانه : ( وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وآخَرِينَ مِنْ دُوْنِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إليْكُمْ وَ أَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) (الأنفال : 60).
    بل وللحكومة الإسلاميّة أن تفرض نظام التجنيد الإجباريّ على بعض الناس ضمن شروط خاصّة إذ لا يمكن في مثل هذا العصر الذي تتّخذ فيه الدول الجيوش القويّة المدرّبة والمنظّمة ، أن لا تتّخذ الحكومة الإسلاميّة جيشاً مماثلاً في القوّة والتدريب والنظام والعدّة ، تنيط إليه مسؤولية الدفاع عن الوطن الإسلاميّ والمرابطة على ثغوره والسهر على أمنه الخارجيّ ودرء الأخطار عنه وإن كانت هذه المسؤوليّة قد تعمّ كلّ أفراد الاُمّة دون إستثناء إذا اقتضى الأمر ، وتطلب أن يتطوّع الجميع لحمل السلاح ، والدفاع عن حوزة الإسلام والمسلمين.
    وخلاصة القول; أنّ النظام والعمل العسكريّ في الإسلام لا يهدف فتح البلاد


(563)
وغزو الشعوب واستعمارها ، واستغلالها ، بل يتركّز في أحد أمرين :
    1 ـ الدفاع عن حدود البلاد الإسلاميّة وحماية الاُمّة من غزو الغزاة ، وعدوان الأعداء.
    2 ـ تحرير المستضعفين وإنقاذهم من ظلم اُمرائهم وملوكهم .. ليختاروا ما يشاؤون من دين ، ويتّخذوا بإرادتهم ما يريدون. وهذا ما أعلن عنه المسلمين يوم أرادوا فتح إيران وانقاذ أهلها من ظلم ملوكهم ، وحيفهم.
    فقد قال مندوب المسلمين لمّا سأله الأمير الايرانيّ رستم عن سبب تحرّكهم العسكريّ نحو إيران ، وسأله عن الدين الذي يحملونه ويبشّرون به :
    « هو دين الحقّ وعموده الذي لايصلح إلاّ به فشهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه .. وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة اللّه ، والناس بنو آدم وحوا ، اخوة لأب واُمّ » (1).

تعاليم إنسانيّة في الحرب
    ولذلك نجد للإسلام تعليمات إنسانيّة عظيمة للجنود والمقاتلين تكشف عن أهداف الحروب الإسلاميّة وغاياتها السامية ، فها هو النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم كلّما أراد أن يبعث جيشاً إلى موضع من المواضع وصّاه بوصايا تفوح منها رائحة الرحمة والإنسانيّة ، فعن الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) قال : « كان رسُولُ اللّهصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم إذا أراد أن يبعث سريّةً دعاهُم فأجلسهُم بين يديه ثُمّ يقُولُ :
    سيروا بسم اللّه وباللّه وفي سبيل اللّه وعلى ملّة رسول اللّه لا تغلوا ولا تمثّلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ، ولا صبيّاً ، ولا امرأةً ولا تقطعوا شجراً إلاّ أن تضطروا إليها
    1 ـ الكامل لابن الأثير 1 : 319 وفي رواية اُخرى قال :
    اللّه جاء بنا وهوبعثنا لنخرج من يشاء من عباده من ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.راجع الكامل 1 : 320.


(564)
وأيّما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتّى يسمع كلام اللّه فإن تبعكم فأخوكم في الدّين ، وإن أبى فأبلغوه مأمنه واستعينوا باللّه » (1).
    وقال (عليه السلام) أيضاً : « إنّ النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم كان إذا بعث أميراً له على سريّة أمره بتقوى اللّه عزّ وجلّ في خاصّة نفسه ثمّ في أصحابه عامّةً ثمّ يقول :
    اغز باسم اللّه وفي سبيل اللّه ، قاتلوا من كفر باللّه .. لا تغدروا .. ولاتغلوا .. ولا تمثّلوا .. ولا تقتلوا وليداً. . ولا متبتّلاً في شاهق ، ولا تحرقوا النّخل ، ولا تغرقوه بالماء ، ولا تقطعوا شجرة مثمرةً ولا تحرقوا زرعاً لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه ، ولا تعقروا من البهائم يؤكل لحمه إلاّ ما لا بدّ لكم من أكله ، وإذا لقيتم عدوّاً للمسلمين فادعوهم إلى إحدى ثلاث فإن هم أجابوكم فاقبلوا منهم وكفّوا عنهم :
    ادعوهم إلى الإسلام فإن دخلوا فيه فاقبلوا منهم وكفّوا عنهم ، وإن أبوا أن يهاجروا واختاروا ديارهم وأبوا أن يدخلوا في ديار الهجرة ، كانوا بمنزلة أعراب المؤمنين يجري عليهم ما يجري على أعراب المؤمنين ولا يجري لهم في الفيء ولا في القسمة شيئاً إلاّ أن يهاجروا [ يجاهدوا ] في سبيل اللّه. فإن أبوا هاتين فادعوهم إلى إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون فإن أعطوا الجزية فاقبل وكفّ عنهم وإن أبوا فاستعن باللّه عزّ وجلّ عليهم وجاهدهم في اللّه حقّ جهاده ... الخ » (2).
    وكان عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إذا بعث سرية ولّي أمرها رجلاً ثمّ قال له : « أُوصيك بتقوى اللّه الّذي لا بدّ لك من لقائه ولا منتهى لك دونه وهو يملك الدّنيا والآخرة وعليك بالّذي بعثت له ، وعليك بالّذي يقرّبك إلى اللّه عزّ وجلّ فإنّ فيما عند اللّه خلفاً من الدّنيا » (3).
    إلى غير ذلك من التعليمات والوصايا التي تكشف عن أهداف النظام العسكريّ
    1 ـ وسائل الشيعة 11 : 42 ـ 43.
    2 ـ وسائل الشيعة 11 : 45 ـ 46 ، وتاريخ اليعقوبيّ 2 : 59.
    3 ـ الخراج : 16.


(565)
في الإسلام.
    ولعل من أبرز ما يكشف لنا عن هدف الإسلام من الجهاد والقتال والنشاط العسكريّ هو قوله تعالى : ( وَمَالَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ الَّذِيْنَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هذِهِ القَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَ اجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيَّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً ) (النساء : 75 ).
    ولقد اهتمّ الإسلام بالجنود غاية الاهتمام ، وأعطاهم غاية العناية لمالهم من الدور الحسّاس والخطير في الدولة الإسلاميّة.
    فها هو الإمام عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يوصي الأشتر النخعيّ واليه على مصر بالجنود ويقول في حقّهم ما لم يعرف التاريخ له مثيلاً : « فالجنود بإذن اللّه حصون الرّعيّة وزين الولاة ، وعزّ الدّين وسبل الأمن وليس تقوم الرّعيّة إلاّ بهم ثمّ لا قوام للجنود إلاّ بما يخرج اللّه لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوّهم ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ويكون من وراء حاجتهم..
    وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته ، وأفضل عليهم من جدته بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم حتّى يكون همّهم همّاً واحداً في جهاد العدوّ فإنّ عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك .. وإنّ أفضل قرّة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور موّدة الرّعية » (1).
    كما أعطى الإمام عليّ تعليماته في النشاط العسكريّ فقال : « فقدّمواالدّارع ، وأخّروا الحاسر وعضّوا على الأضراس فإنّه أنبى للسيوف عن الهام ، والتووا في أطراف الرّماح فإنّه امور للأسنّة وغضّوا للأبصار فإنّه أربط للجأش وأسكن للقلوب وأميتوا الأصوات فإنّه أطرد للفشل ، ورايتكم فلا تميلوها ولا تخلّوها ولا تجعلوها إلاّ بأيدي شجعانكم ... الخ » (2).
    1 ـ نهج البلاغة : قسم الرسائل : رقم 53.
    2 ـ نهج البلاغة : قسم الخطب : رقم 12 طبعة عبده.


(566)
    وقال : « تزول الجبال ولا تزل عض على ناجذك أعر اللّه جمجمتك ، تد في الأرض قدمك أرم ببصرك أقصى القوم وغضّ بصرك وأعلم أنّ النّصر من عند اللّه سبحانه » (1).
    وقال : « فإذا نزلتم بعدوّ أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الأشراف أو سفاح الجبال ، أو أثناء الأنهار ، كيما يكون لكم رداءاً ودونكم مردّاً ، ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين وأجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال ومناكب الهضاب ، لئلاّ يأتيكم العدوّ من مكان مخافةً أو أمن. واعلموا أنّ مقدّمة القوم عيونهم وعيون المقدّمة طلائعهم ، وإيّاكم والتفرّق ، فإذا نزلتم فانزلوا جميعاً وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعاً ، وإذا غشيكم الليل فاجعلوا الرّماح كفّةً ، ولا تذوقوا النّوم إلاّ غراراً أو مضمضةً » (2).
    إنّ مثل هذا النظام ومثل هذه التعاليم حول العسكر يقتضي وجود جهاز خاصّ مستقلّ يقوم بشؤون الجند ، ويتكفّل إدارة اُمورهم ، وخاصّة أنّ الحاجة تزداد يوما بعد يوم إلى الجيوش المنظّمة القويّة ، وتزداد متطلّبات الجنود.
    إنّ القيام بشؤون الجند من وظائف السلطة التنفيذيّة .. فوزارة الدفاع من هذه السلطة هي التي يجب أن تتولّى هذه الناحية الخطيرة ، وتنظّم الجيش الإسلاميّ بأحسن تنظيم.
    وقال (عليه السلام) لأحد قادة جيشه حينما أنفذه إلى الشام : « اتّق اللّه الذي لا بدّ لك من لقائه ولا منتهى لك دونه ، ولا تقاتلنّ إلاّ من قاتلك وسر البردين [ الغداة والعشي ] وغور بالنّاس ، ورفّه في السير ، ولا تسر أوّل الليل فإنّ اللّه جعله سكناً ، وقدّره مقاماً لا ظعناً ، فأرح فيه بدنك وروّح ظهرك ، فإذا وقفت حين ينبطح السحر ، أو حين ينفجر الفجر فسر على بركة اللّه ، فإذا لقيت العدوّ فقف من أصحابك وسطاً ولا تدن من القوم دنوّ من يريد أن ينشب الحرب ، ولا تباعد عنهم تباعد من يهاب البأس حتّى يأتيك أمري ، ولا يحملنّكم شن آنهم على قتالهم قبل دعائهم والاعذار إليهم » (3).
    1 ـ نهج البلاغة : قسم الخطب : رقم 10.
    2 ـ نهج البلاغة : قسم الكتب : رقم 11 ، 12.
    3 ـ نهج البلاغة : قسم الكتب : رقم 11 ، 12.


(567)
    وقال (عليه السلام) لأصحابه عند الحرب : « لا تشتدنّ عليكُم فرة بعدها كرّة ولا جولة بعدها حملة و اعطُوا السّيُوف حُقُوقها ، ووطّئُوا للجُنُوب مصارعها ، واذمُرُوا أنفُسكُم على الطّعن الدّعسيّ والضرب الطّلحفي ، واميتُوا الأصوات فإنّهُ أطردُ للفشل. فوالّذي فلق الحبّة ، وبرأ النّسمة; ما أسلمُوا ولكن استسلمُوا ، وأسرّوا الكُفر ، فلمّا وجدُوا أعواناً عليه أظهرُوهُ » (1).
    وقال (عليه السلام) في تعليم الحرب والمقاتلة : « معاشر المُسلمين : استشعرُوا الخشية وتجلببُوا السّكينة وعضّوا على النّواجذ فإنّهُ أنبى للسيوف عن الهام ، وأكملُوا اللاّمة ، وقلقلُوا السيوف في اغمادها قبل سلّها ، والحظُوُا الخزر ، واطعنُوا الشّزر ، ونافحُوا بالضّبا ، وصلُوا السّيُوف بالخُطا ، واعلمُوا أنّكُم بعين اللّه ، ومع ابن عمّ رسُول اللّه ، فعاودُوا الكرّ ، واستحيُوا من الفرّ ، فإنهُ عار في الأعقاب ، ونار يوم الحساب. وطيبُوا عن أنفُسكُم نفساً ، وامشُوا إلى الموت مشياً سُجُحاً ، وعليكُم بهذا السسّواد الأعظم ، والرّواق المُطنّب فاضربُوا ثبجهُ فإنّ الشيطان كامن في كسره ، وقد قدّم للوثبة يداً وأخّر للنّكُوص رجلاً ، فصمداً صمداً حتّى ينجلي لكُم عمُودُ الحقّ وانتُم الأعلون واللّهُ معكُم ولن يتركُم أعمالكُم » (2).
    وجملة القول; إنّ الإسلام أشار إلى أهم الخطوط والاُسس التي يجب أن تقوم عليها بناء العسكريّة الإسلاميّة تاركاً الخصوصيّات والتفاصيل لمقتضيات الزمن.
    1 ـ نهج البلاغة قسم الكتب رقم 16.
    2 ـ نهج البلاغة قسم الخطب رقم 63.


(568)

(569)
الفصل الثامن
المنابع الماليّة
للحكومة الإسلاميّة
لابدّ للبرامج من منابع ماليّة
    لقد أوضحت البحوث السابقة صيغة الحكومة الإسلاميّة وأركانها ووظائفها وأهدافها .. وهنا ينطرح هذا السؤال :
    كيف تستطيع الحكومة الإسلاميّة تطبيق هذه البرامج والقيام بهذه الوظائف الكبرى وكيف تضمن النفقات اللازمة لذلك ؟
    وبتعبير آخر : ماهي المنابع الماليّة التي تعتمد عليها الحكومة الإسلاميّة .. وهل تكتفي بالضرائب المقرّرة المعروفة بالخمس والزكاة في تكوين ميزانيّتها أو أنّ هناك منابع وموارد ماليّة اُخرى تستعين بها هذه الحكومة في سدّ نفقاتها.
    فربّما يقال : إنّ الإسلام الذي أغلق في وجه حكومته كلّ السبل غير المشروعة التي تعتمد عليها الحكومات الحاضرة كالضرائب المأخوذة على تجارة الخمور والبغاء والقمار ، وما شابهها فتخسر بذلك واردات كبرى ، كيف يمكنها أن تسدّ نفقاتها الهائلة


(570)
من فريضتي الخمس والزكاة ، المحدودتين ؟
    غير أنّنا نلفت القارىء الكريم إلى أنّ الحكومة الإسلاميّة لا تقتصر على (الخمس والزكاة) الماليتين ، فهما يشكّلان جانباً واحداً من عائداتها .. بل هناك منابع اُخرى نشير إليها باختصار :

1 ـ الأنفال
    وهي كلّ أرض ملكت بغير قتال ، وكلّ موات ، ورؤوس الجبال وبطون الأودية ، والآجام والغابات والمعادن (1) ، وميراث من لا وارث له ، وما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام ، وكافّة المياه العامّة والأحراش الطبيعيّة ، والمراتع التي ليست حريماً لأحد وقطائع الملوك وصفاياهم غير المغصوبة.
    فذلك كلّه يكون أمره بيد الحكومة الإسلاميّة باعتبارها الممثّلة الشرعيّة للاُمّة الإسلاميّة التي تعود إليها ملكيّة هذه الأشياء ، فتتصرّف فيها الحكومة الإسلاميّة وتصرف عائداتها في مصالح المسلمين وشؤونهم ، والأصل في ذلك قوله سبحانه : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنْفَالِ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) (الأنفال : 1).
    وما للّه وللرسول في هذه الآية يصرف في مصالح المسلمين.
    ويدلّ على ذلك أيضاً قوله سبحانه : ( وَمَا أفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أوْجَفْتُمْ
    1 ـ لقد اختلف فقهاء الشيعة الإماميّة في عدّ المعادن من الأنفال فمنهم ـ كالمفيد وسلار ـ من عدّها من الأنفال ، تبعاً لما ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في تعربف الأنفال حيث قال : « هي التي خربت .. والمعادن منها » وفي خبر آخر سئل عن الأنفال فقال : « المعادنُ والآجامُ » ومنهم من لم يعدّها من الأنفال ـ كالمحقّق وغيره ـ لاحظ جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 38 : 101 ـ 113.
    وذهب الإمام الخمينيّ إلى أنّ المعادن من الأنفال إذا لم تكن لمالك خاصّ تبعا للأرض أو بالإحياء (تحرير الوسيلة 1 : 369) ، هذا وللمعادن المكشوفة الموجودة في الأراضي المملوكة أحكام خاصّة فليرجع إلى الكتب الفقهيّة (لاحظ تحرير الوسيلة 2 : 220).
مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: فهرس