مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: 571 ـ 580
(571)
عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلاَ رِكَاب وَلَكِنَّ اللّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ ) (الحشر : 6).
    ويدلّ عليه أيضاً ما ورد عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) إذ قال : « الأنفالُ ما لم يُوجفُ عليه بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحُوا ، أو قوم أعطُوا بأيديهم ، وكُلّ أرض خربة وبُطونُ الأودية فهو لرسُول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم وهو للإمام من بعده يضعُهُ حيثُ يشاءُ » (1).
    وما ورد عن الإمام الكاظم موسى بن جعفر (عليه السلام) أنّه قال : « ولهُ [ أي للإمام ] بعد الخُمس الأنفالُ والأنفالُ كُلّ أرض خربة باد أهلُها وكُلّ أرض لم يُوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحُوا صُلحاً وأعطُوا بأيديهم على غير قتال ، ولهُ رُؤُوس الجبال وبُطونُ الأودية والآجام وكُلّ أرض ميتة لاربّ لها ، ولهُ صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لأنّ الغصب كُلّهُ مردود [ أي على صاحبه الحقيقي ] وهُو وارثُ من لا وارث لهُ » ثمّ قال : « والأنفالُ إلى الوالي » (2).
    إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الواردة في هذا الشأن.
    وتشكّل هذه المصادر الطبيعيّة أضخم ثروة ماليّة خاصّة في مناطق العالم الإسلاميّ ، فيكفي أن نعرف أنّ إيران وحدها تملك (19) مليون هكتار من الغابات الغنيّة بالأخشاب التي قدّرت بـ (300) مليون متر مكعّب من الخشب القابل للانتفاع ، هذا مضافاً إلى ما تعطيه أشجار الغابات من الثمار والمواد التصنيعيّة والكيمياويّة التي تشكّل بنفسها أعظم ثروة طبيعيّة وأضخم مورد ماليّ (3).
    بل يكفي أن نعلم أنّ العالم الإسلاميّ ينتج (66%) من مجموع ما ينتجه العالم من الزيت الخام [ النفط ] وحده ، كما أنّ لدينا احتياطيّ ضخم من المعادن كما تنتج (70%) ممّا ينتجه العالم من المطّاط الطبيعيّ و (40%) ممّا ينتجه العالم من الجوت الطبيعيّ ،
    1 ـ وسائل الشيعة 6 : 364 ، 365 ـ 366.
    2 ـ وسائل الشيعة 6 : 364 ، 365 ـ 366.
    3 ـ راجع كتاب الأنفال أو الثروات العامّة.


(572)
و (56%) من زيت النخيل ، ويوجد احتياطيّ عظيم من الحديد والنحاس ... وحتّى اليورانيوم الذي أصبح ثميناً للغاية في هذه الأيام نظراً لإستعماله في انتاج الطاقة النووية فإنّه موجود أيضاً في أقطار إسلاميّة عديدة من أفريقيا (1).

2 ـ الزكاة
    وهي ضريبة تجب في تسعة أشياء : الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ، والنقدين وهما الذهب والفضة ، والغلاّت وهي الحنطة والشعير والتمر والزبيب (2) والأدلّة عليها من الكتاب والسنّة ما لا يحصى.

3 ـ الخمس
    ويجب في سبعة أشياء :
    الأوّل : الغنائم المأخوذة من أهل الحرب قهراً بالمقاتلة.
    الثاني : المعادن من الفضّة والرصاص والصفر والحديد والياقوت والزبرجد والفيروزج والعقيق والزيبق والكبريت والنفط والقير والسبخ والزاج والزرنيخ والكحل والملح بل والجصّ والنورة وغيرها.
    على أنّ المعادن الأرضيّة بما أنّها من الأنفال كما أشرنا إليه متعلّقة كلّها بالحكومة الإسلاميّة أساساً ، ولكن لا يحقّ للحكومة أن تحتكرها أو تهبها لأحد مجانا ، ولا أن تستخرجها بلا ميزان ، وتضع عائداتها في البنوك والمصارف لحساب شخص أو أشخاص معيّنين.
    أنّ هذه المعادن تعتبر من الأنفال التي يقول اللّه سبحانه عنها : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ
    1 ـ الحل الإسلاميّ ضرورة وفريضة 1 : 30 وأيضاً راجع كتاب اقتصاديّات العالم الإسلاميّ.
    2 ـ العروة الوثقى كتاب الزكاة : 390 هذا وللوقوف على آراء سائر المذاهب حول ما تجب فيه الزكاة لاحظ الفقه على المذاهب الأربعة.


(573)
الأنْفَالِ قُلِ الأنْفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) أي تعود ملكيتها إلى الدولة باعتبارها ممثّلة شرعيّة عن الاُمّة وخليفة عن اللّه والرسول صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ولكنّها مختارة في أن تقوم هي بنفسها باستخراجها وصرف عائداتها لصالح الاُمّة ، أو أن تسلّمها إلى شركة أو شخص معيّن للاستخراج ، وذلك حسب الشرائط التي تقوم بها المصلحة.
    ثمّ إذا سلّمت الحكومة هذه المعادن إلى شركة ، أو فرد خاصّ ، تبعاً للمصلحة ، فإنّ الشركة المستخرجة أو الفرد المستخرج يملك ما يستخرجه بشرط أن يدفع (خمسه) إلى الحكومة الإسلاميّة ، مضافاً إلى ما يدفعه إلى الدولة في مقابل تسليم هذه المعادن إلى تلك الشركة أو ذلك الفرد الخاصّ من قبل الحكومة الإسلاميّة ، نعم إنّ المصالح الفعليّة للاُمّة الإسلاميّة لا تسمح للحكومة الإسلاميّة أن تسلّم معادن البترول والذهب والفضة واليورانيوم ، والألماس وما شابهها إلى فرد أو شركة خاصّة ، بل عليها هي أن تقوم باستخراج هذه المعادن وتصنيعها. وصرف مواردها في المصالح العامّة للاُمّة الإسلاميّة.
    يبقى أن نعرف أنّ الانتفاع من هذه المعادن واستخراجها قد يقتضي أحياناً استخدام المستشارين والمتخصّصين الأجانب فهل يجوز للحكومة الإسلاميّة استخدامهم لذلك أو لا ؟
    الحقّ أنّ هؤلاء المستشارين الأجانب لمّا كانوا في الأغلب يلعبون دوراً تجسّسيّاً ، أو يسيئون إلى كرامة المسلمين أو يمهّدون لسيادة الاستعمار البغيض على بلاد المسلمين فعلى الحكومة الإسلاميّة أن تستعين بهم بقدر الضرورة مع التحفّظ والتحوّط الكامل منهم ، في حين تدفع مجموعة من خيرة أبنائها لتحصيل العلوم المرتبطة بهذه المجالات والتخصّص في هذه الشؤون تخلّصاً من هذه المشكلة التي دلّت التجارب الكثيرة على أنّها السبب الرئيس في كثير من مشاكل المسلمين.
    الثالث : الكنز ، وهو المال المذخور في الأرض أو الجبل أو الجدار.
    الرابع : الغوص ، أي ما اُخرج به من الجواهر من البحر مثل اللؤلؤ والمرجان.
    الخامس : المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميّز مع الجهل.


(574)
    السادس : الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم سواء أكانت أرضاً زراعيّة أم سكنيّة.
    السابع : ما يفضل من مؤونة سنة المكتسب ومؤونة عياله من أرباح التجارات والصناعات والمكاسب ، ويدخل في هذا القسم ما يتعلّق بأرباح مصانع انتاج السكر ، والصوف والخيوط والقطن والأدوية والسيارات والمدافىء والخزف والسجاجيد وقطع الخشب ، والأغذية ، والورق ، وغيرها والأصل في ذلك قوله سبحانه : ( وَاعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ وَ لِذِى القُرْبَى وَ اليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (الأنفال : 41).
    ولكي نثبت للقارىء الكريم أنّ المال الوارد عن طريق الخمس لا يكون شيئاً يسيراً بل يشكّل مورداً ماليّاً كبيراً للدولة الإسلاميّة لا بدّ أن نثبت للقارىء أنّ فريضة الخمس التي سنّها الإسلام تعمّ غنائم الحرب ، وغيرها ممّا ذكرناها ممّا يشكّل مجموعها قدراً كبيراً ووارداً هائلاً ، ولذلك فنحن مضطرّون لإجراء تحقيق حول عموميّة الخمس للغنائم وغيرها.

تحقيق ضروريّ حول الخمس
    إنّنا لا ننكر أنّ لفظة الغنيمة صارت في مصطلح الفقهاء في القرون الأخيرة ، منحصرة فيما يؤخذ من الكفّار والمشركين بالقتال والحرب ، إلاّ أنّ مراجعة واحدة لوضع هذه اللفظة في اللغة ، واستعمالها في الكتاب والسنّة تكشف لنا أنّ هذه اللفظة كانت تطلق في مطلق ما يفوز به الإنسان من منافع وأموال ولو بدون الحرب ، وأنّ ما حصل لها من الحصر في غنائم الحرب ، كان بعد العصر الأوّل للرسالة الإسلاميّة ، وعلى ذلك يكون الخمس متعلّقاً بكلّ ما يكتسبه الإنسان لا بمغانم الحرب فقط وإليك تحقيق المطلب فيما يلي :

الغنيمة في اللغة
    إنّ ما يظهر من أئمّة اللغة هو أنّ الغنيمة بمادّتها الأوّلية تستعمل في مطلق ما


(575)
يحصل عليه الإنسان بيسر وسهولة ، ولوكان بغير حرب وقتال ومدافعة وإليك بعض ما نصّت به أئمّة اللغة وأقطابها.
    قال الجوهريّ في صحاحه : (والمغنم والغنيمة بمعنى [ أي بمعنى واحد ] يقال : غنم القوم غُنماً ـ بالضمّ ـ وغنمته تغنيماً إذا نفلته. واغتنمه وتغنّمه عدّه غنيمة) (1).
    وقال ابن فارس في مقاييسه : (غنم أصل صحيح واحد يدلّ على إفادة شيء لم يملك من قبل ثمّ يختص بما اُخذ من مال المشركين) (2).
    وقال الراغب في مفرداته : (والغنم ، إصابته والظفر به ثمّ استعمل في كلّ مظفور به من جهة العدى وغيرهم) (3).
    ويشير ابن الأثير إلى المعنى الأصليّ لهذه اللفظة في تفسير بعض الأحاديث ويقول : (فلان يتغنم الأمر أي يحرص عليه كما يحرص على الغنيمة ، ومنه الحديث : ِ « الصّومُ في الشّتاء غنيمة باردة » سمّاها غنيمة لما فيها من الأجر والثواب ومنه : « الرّهن لمن رهنهُ لهُ غنمهُ و عليه غرمُه » وغنمه : زيادته ونماؤه وفاضل قيمته) (4).
    وقال في لسان العرب مثل ما قاله ابن الأثير (5).
    وقال الفيروز آبادي في قاموسه : (والغُنم ـ بالضم ـ الفوز بالشيء لا مشقّة وأغنمه كذا تغنيماً نفله إيّاه ، واغتنمه وتغنّمه عدّه غنيمة) (6).
    وقال الأزهريّ في تهذيبه : (قال الليث : الغنم الفوز بالشيء فاز به ، والاغتنام انتهاز الغنم) (7).
    وممّا قاله أئمّة اللغة في الغنيمة نعرف أنّ العرب كانت تستعمل هذه اللفظة في كلّ ما يفوز به الإنسان حتّى ولو لم يكن من طريق الحرب والقتال.
    1 ـ صحاح اللغة : مادة (غنم).
    2 ـ مقاييس اللغة : مادة (غنم).
    3 ـ مفردات الراغب : مادة (غنم).
    4 ـ غريب مفردات الحديث : مادة (غنم ).
    5 ـ لسان العرب : مادة (غنم).
    6 ـ قاموس اللغة : مادة (غنم).
    7 ـ تهذيب اللغة : مادة (غنم ).


(576)
    وقد وردت هذه اللفظة بنفس المعنى في الكتاب والسنّة وأفادت مطلق ما يفوز به الإنسان وإليك الشواهد منهما فيما يلي :

الغنيمة في الكتاب والسنّة
    لقد استعمل القرآن لفظة المغنم فيما يفوز به الإنسان وإن لم يكن عن طريق القتال بل كان عن طريق العمل العادي الدنيويّ أو الاُخرويّ إذ يقول سبحانه : ( يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ اَلْقَى إلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنَاً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ) (النساء : 94).
    والمراد بالمغنائم الكثيرة هو أجر الآخرة بدليل مقابلته لعرض الحياة الدنيا فيعلم أنّ لفظ المغنم لا يختصّ بالاُمور والأشياء التي يحصل عليها الإنسان في هذه الدنيا ، وفي ساحات الحروب فقط بل هي عامّة شاملة لكلّ مكسب وفائدة.
    ثمّ إنّه قد وردت هذه اللفظة في الأحاديث واُريد منها مطلق الفائدة الحاصلة للمرء ففي باب « ما يقال عند إخراج الزكاة » من سنن ابن ماجة جاء عن رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « اللّهمّ اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً » (1).
    وفي مسند أحمد عن رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « غنيمةُ مجالس الذّكر الجنّة » (2).
    وفي وصف شهر رمضان عنه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « هُو غنم للمُؤمن » (3).
    كما جاء في دعاء مشهور : « والغنيمةُ من كُلّ برّ ».
    هذا مضافا إلى أنّ الرسول الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم طلب في مكاتيبه ورسائله من جماعات مسلمة نائية عن المدينة ، غير مشتركة في القتال تحت راية النبيّ ، أن يدفعوا الخمس ، وإليك طائفة من هذه الرسائل :
    1 ـ سنن ابن ماجه : كتاب الزكاة الحديث 1797.
    2 ـ مسند أحمد 2 : 330 و 374 و 524.
    3 ـ مسند أحمد 2 : 177.


(577)
الخمس في رسائل النبيّ وعهوده
    1 ـ لمّا قال وفد عبد القيس لرسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « إنّ بيننا وبينك المشركين من مضر ، وإنّا لا نصل إليك إلاّ في أشهر حرم فمرنا بحمل الأمر إن عملنا به دخلنا الجنة ، وندعو إليه من ورائنا » فقال صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « آمرُكُم بأربع وأنهاكُم عن أربع ، آمُرُكُم بالإيمان باللّه ، وهل تدرُون ما الإيمانُ : شهادةُ أن لا إله إلاّ اللّه ، وإقامُ الصّلاة ، وإيتاءُ الزّكاة وتُعطُوا الخُمس من المغنم » (1).
    ومن المعلوم أنّ النبيّ لم يطلب من بني عبد القيس أن يدفعوا غنائم الحرب كيف وهم لا يستطيعون الخروج من حيّهم في غير الأشهر الحرم خوفاً من المشركين فيكون قد قصد المغنم بمعناه الحقيقيّ في لغة العرب وهو ما يفوزون به بلا مشقّة فعليهم أن يعطوا خمس ما يربحون.
    2 ـ كتب لعمر بن حزم حين بعثه إلى اليمن :
    « بسم اللّه الرّحمن الرّحيم .. هذا .. عهد من النبيّ رسول اللّه لعمرُو بن حزم حين بعثهُ إلى اليمن ، أمرهُ بتقوى اللّه في أمره كُلّّه وأن يأخُذ من المغانم خُمس اللّه وما كُتب على المؤمنين من الصّدقة من العقار عُشرُ ما سقى البعلُ وسقت السّماءُ » (2).
    3 ـ كتب إلى شرحبيل بن كلال ونعيم بن كلال وحارث بن كلال رؤساء قبيلة ذي رعين ومعافر وهمدان : « أمّا بعدُ فقد رجع رسُولُكُم وأعطيتُم من المغانم خُمس اللّه » (3).
    4 ـ كتب لسعد هذيم من قضاعة وإلى جذام كتاباً واحداً يعلمهم فرائض
    1 ـ صحيح البخاريّ 4 : 205 ، باب واللّه خلقكم وما تعملون ، و 1 : 13 و 19 ، 3 : 53 وصحيح مسلم 1 : 35 و 36 باب الأمر بالإيمان ، وسنن النسائيّ 3 : 333 ، ومسند أحمد 3 : 318 ، الأموال : 12 وغيرها.
    2 ـ فتوح البلدان 1 : 81 ، وسيرة ابن هشام 4 : 265.
    3 ـ تنوير الحوالك في شرح موطأ مالك 1 : 157.


(578)
الصدقة ويأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه (1).
    إنّ النبيّ حينما طلب دفع الخمس على أيدي رسوليه لم يطلب خمس غنائم الحرب التي خاضوها مع الكفّار وإنّما قصد ما استحق عليهما من الصدقة وخمس الأرباح :
    5 ـ كتب للفجيع ومن تبعه : « من مُحمّد النبيّ للفجيع ومن تبعهُ وأسلم وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة وأطاع اللّه وأعطى من المغانم خُمس اللّه » (2).
    6 ـ كتب لجنادة الأزديّ وقومه ومن تبعه : « ما أقامُوا الصّلاة وآتُوا الزّكاة وأطاعُوا اللّه ورسُولهُ وأعطُوا من المغانم خُمس اللّه » (3).
    7 ـ كتب لجهينة بن زيد فيما كتب : « وتشربُوا ماءها على أن تُؤدّوا الخُمس » (4).
    8 ـ كتب لملوك حمير فيما كتب : « وآتيتُمُ الزكاة من المغانم خُمس اللّه وسهم النبيّ وصفيّه وما كتب اللّهُ على المُؤمنين من الصّدقة » (5).
    9 ـ كتب لبني ثعلبة بن عامر : « من أسلم منهُم وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة وخُمس المغنم وسهم النّبيّ والصفّى » (6).
    10 ـ كتب إلى بعض أفخاذ جهينة : « من أسلم منهُم ... وأعطى من الغنائم الخُمس » (7).
    ويتبيّن ـ بجلاء ـ من هذه الرسائل أنّ النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم لم يكن يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم الحرب التي اشتركوا فيها بل كان يطلب ما استحقّ في أموالهم من خمس وصدقة.
    1 ـ طبقات ابن سعد 1 : 269 ـ 270.
    2 ـ طبقات ابن سعد 1 : 269 ـ 270.
    3 ـ طبقات ابن سعد 1 : 269 ـ 270.
    4 ـ الوثائق السياسيّة : 142.
    5 ـ فتوح البلدان 1 : 85 ، وسيرة ابن هشام 4 : 258.
    6 ـ الإصابة 2 : 189 ، واسد الغابة 3 : 34.
    7 ـ سنن أبي داود 2 : 55 الباب (20) وسنن النسائيّ 2 : 179.


(579)
    ثمّ إنّه كان يطلب منهم الخمس دون أن يشترط ـ في ذلك ـ خوض حرب واكتساب الغنائم.
    هذا مضافاً إلى أنّ الحاكم الإسلاميّ أو نائبه هما اللذان يليان بعد الفتح قبض جميع غنائم الحرب ، وتقسيمها بالنحو الذي يحب بعد أن يستخرج منها الخمس ، ولا يملك أحد من الغزاة عدا سلب القتيل شيئاً ممّا سلب وإلاّ كان سارقاً مغلاًّ.
    فإذا كان إعلان الحرب وإخراج خمس الغنائم على عهد النبيّ من شؤون النبيّ في هذه الاُمّة فماذا يعني طلبه الخمس من الناس وتأكيده في كتاب بعد كتاب وفي عهد بعد عهد. فيتبيّن أنّ ما كان يطلبه لم يكن مرتبطاً بغنائم الحرب.
    هذا مضافا إلى أنّه لا يمكن أن يقال : إنّ المراد بالغنيمة في هذه الرسائل هو ما كان يحصل الناس عليه في الجاهليّة عن طريق النهب كيف وقد نهى النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم عن النهب والنهبة بشدّة ففي كتاب الفتن باب النهي عن النهبة عنه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : « من انتهب نُهبةً فليس منّا » (1).
    وقال : « إنّ النُهبة لا تحلّ » (2).
    وفي صحيح البخاري ومسند أحمد عن عبادة بن الصامت : بايعنا النبيّ أن لا ننتهب (3).
    وفي سنن أبي داود باب النهي عن النهبى عن رجل من الأنصار قال : خرجنا مع رسول اللّه صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم فأصاب الناس حاجة شديدة وجهدوا وأصابوا غنماً فانتهبوها فإنّ قدورنا لتغلي إذ جاء رسول اللّه يمشي متّكئاً على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه ثمّ جعل يرمل اللحم بالتراب ثمّ قال : « إنّ النُهبة ليست بأحلّ من الميتة » (4).
    وعن عبد اللّه بن زيد : (نهى النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم عن النهبى والمثلة) (5).
    1 ـ سنن ابن ماجه : 1298 ـ 1299.
    2 ـ سنن ابن ماجه : 1298 ـ 1299.
    3 ـ صحيح البخاريّ 2 : 48 باب النهبى بغير إذن صاحبه.
    4 ـ سنن أبي داود 2 : 12.
    5 ـ رواه البخاريّ في الصيد راجع التاج 4 : 334.


(580)
    إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في كتاب الجهاد.
    وقد كانت النهيبة والنهبى عند العرب تساوق الغنيمة والمغنم ـ في مصطلح يومنا هذا ـ الذي يستعمل في أخذ مال العدو.
    فإذا لم يكن النهب مسموحاً به في الدين ، وإذا لم تكن الحروب التي يقوم بها أحد بغير اذن النبيّ جائزة لم تكن الغنيمة تعني دائماً ما يؤخذ في القتال بل كان معنى الغنيمة الواردة في كتب النبيّ هو ما يفوز به الناس من غير طريق القتال بل من طريق الكسب وما شابهه. ولا محيص حينئذ من أن يقال : إنّ المراد بالخمس الذي كان يطلبه النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم هو خمس أرباح الكسب والفوائد الحاصلة للإنسان من غير طريق القتال ، أو النهب الممنوع في الدين.
    وعلى الجملة : إنّ الغنائم المطلوب في هذه الرسائل النبويّة اداء خمسها إمّا أن يراد ما يستولي عليه أحد من طريق النهب والإغارة ، أو ما يستولي عليه من طريق محاربة بصورة الجهاد أو ما يستولي عليه من طريق الكسب والكدّ.
    والأوّل ممنوع بنصّ الأحاديث السابقة فلا معنى أن يطلب النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم خمس النهيبة.
    وفي الثاني يكون أمر الغنائم بيد النبيّ مباشرة فهو الذي يأخذ كلّ الغنائم ويضرب لكلّ من الفارس والراجل ما له من الأسهم بعد أن يستخرج الخمس بنفسه من تلك الغنائم ، فلا معنى لأن يطلب النبيّ الخمس من الغزاة. فيكون الثالث هو المتعيّن.
    وقد ورد فرض الخمس في غير غنائم الحرب في أحاديث منقولة عن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم : ففي سنن البيهقي عن أبي هريرة عن النبيّ صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أنّ قال : « في الرّكاز الخُمسُ ».
    قيل : وما الركاز يا رسول اللّه ؟
    فقال : « الذهبُ والفضّةُ الذي خلقهُ اللّهُ في الأرض يوم خُلقت » (1).
    1 ـ سنن البيهقيّ 4 : 152 و 155.
مفاهيم القرآن ـ الجزء الثاني ::: فهرس