مفاهيم القرآن ـ جلد الراربع ::: 81 ـ 90
(81)
المقام السادس
في سرد الاَحاديث الواردة حول الآية
    لقد بانت الحقيقة بأجلى مظاهرها وبان الصبح لذي عينين ، ولم يبق شك لمشكك في أنّ الآية تهدف إلى طلب المودّة لاَقرباء النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم.
    وقد كان الاَوّلون لا يرتضون للآية غير هذا المعنى ، وهم العرب الاَقحاح ، الذين يعرفون معنى الآية بأذواقهم العربية.
    ومن راجع كتب التفسير والحديث يرى أنّ الرأي العام عند علماء الاِسلام وأساطين التفسير لم يكن سوى هذا المعنى ، ولذلك اختصروا في تفسير الآية بالمأثورات ، ولكن لا يسعنا نقل جميعها في هذه الصحائف ، كيف؟ وقد نقل المحدث الخبير السيد هاشم البحراني سبعة عشر حديثاً من طرق السنّة ، واثنين وعشرين حديثاً من طرق الشيعة ، كلّها تنصُّ على الرأي المختار. (1)
    وقد جمع العلاّمة الاَميني طرق الحديث ونصوصه وكلمات العلماء ، حول الآية في كتابه القيِّم « الغدير » الجزء الثاني والثالث. (2)
    وقد استقصى بعض الاَجلّة في تعاليقه على إحقاق الحق (3) مصادر الحديث
    1 ـ غاية المرام : 307 ـ 310.
    2 ـ الغدير : 2/280 ، 3/151 ـ 153 طبعة النجف.
    3 ـ إحقاق الحق : 3/2 ـ 18.


(82)
من طرق أهل السنّة فتجاوزت خمسين مصدراً لاَعلام الحديث ، شكر اللّه مساعي الجميع ، ولا يسعنا نقل ما وقفنا عليه برمته غير أنّنا نقتطف ما يلي :
    الاَحاديث الواردة في تفسير الآية على قسمين : قسم يصرّح بأنّ الآية وردت في حق علي وفاطمة وابنيهما ، وقسم يدلُّ على نزولها في أقرباء النبي ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) من دون تسمية لاَسمائهم.
    أمّا القسم الاَوّل فإليك بيانه :
    روى الاِمام أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة ، عن جبير بن عامر قال : لما نزلت : ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) قالوا : يا رسول اللّه من قرابتك من هوَلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال : « علي وفاطمة وابناهما ( عليهم السلام ) ». قالها ثلاثاً. (1)
    روى الزمخشري في تفسيره حول الآية : روي أنّها لما نزلت قيل : يا رسول اللّه من قرابتك؟ ومن هوَلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال : « علي وفاطمة وابناهما ». ونقله الاِمام الرازي في تفسيره ج27 ، ص 166.
    وقد نقل ابن بطريق في العمدة عن تفسير الثعلبي نزول الآية في حقهم بالعبارة المتقدّمة.
    وقد اقتفى أثرهم في هذا النقل الشيخ كمال الدين في مطالب السوَول ص 8 ، فصرح بنزول الآية فيهم بالعبارة الماضية ، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى ص 25 ، والعلاّمة النسفي في تفسيره ص 95 بهامش تفسير الخازن ، والحمويني في كفاية الخصام ص 96 ، ونظام الدين النيسابوري في تفسيره المطبوع بهامش تفسير الطبري ج 25 ص 31 ، وأبو حيان في البحر المحيط ج7 ص
    1 ـ مسند الاِمام أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة : 218.

(83)
516 ، وابن كثير الدمشقي في تفسيره ج4 ص112 ، والهيثمي في مجمع الزوائد ج5 ص 168 ، إلى غير ذلك من أعلام الحديث وحفاظه.
    وكلّهم ينصُّ على نزول الآية في حقهم ، بأشخاصهم.
    وأمّا القسم الثاني ، الذي يدلّ على نزول الآية في أقرباء النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم على وجه عام ، فإليك بعضها :
    روى محب الدين الطبري في الذخائر ص 25 ، وابن حجر في الصواعق ص 120 ، و 136 : أنّ رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) قال : « إنّ اللّه جعل أجري عليكم المودّة في أهل بيتي وإنّي سائلكم غداً عنهم ».
    وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9ص 14 ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص 166 ، والحافظ الكنجي في الكفاية ص 32 ، وابن حجر في الصواعق ص 101 و 136 : انّ الحسن بن علي خطب بعد شهادة أبيه بقوله : « أيّها الناس لقد فارقكم رجل ما سبقه الاَوّلون ولا يدركه الآخرون ـ إلى أن قال ـ وإنّا من أهل البيت الذين افترض اللّه عزّ وجلّ مودّتهم وولايتهم ، فقال فيما أنزل على محمد ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) : ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) ».
    وأخرج الطبري في تفسيره ج 25 ص 16 باسناده عن أبي الديلم قال : لما جيء بعلي بن الحسين ـ رضي اللّه عنهما ـ أسيراً فأُقيم على درج دمشق ، قام رجل من أهل الشام ، فقال : الحمد للّه الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرني الفتنة ، فقال له علي بن الحسين ـ رضي اللّه عنه ـ : « أقرأت القرآن؟ » قال : نعم. قال : « أقرأت آل حم » قال : قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم. قال : « ما قرأت : ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) » قال : وأنّكم لاَنتم هم؟ قال : « نعم ».
    وأخرجه السيوطي في الدر المنثور ج6 ص 7 ، وابن حجر في الصواعق ص 101 ، وص 136 ، والزرقاني في شرح المواهب.


(84)
    وروى الطبري في تفسيره ج12 ص 16 و 17 ، عن سعيد بن جبير ، وعمرو ابن شعيب ، أنّهما قالا : هي قربى رسول اللّه ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ).
    ورواه البخاري في صحيحه ج6 ص 129 ، عن سعيد بن جبير : أنّها قربى آل محمد.
    وقال الرازي : لا شك أنّ النبي ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) كان يحب فاطمة ( عليها السلام ) ، قال ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) : « فاطمة بضعة مني يوَذيني ما يوَذيها » وثبت بالنقل المتواتر ، عن محمد ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) أنّه كان يحب علياً والحسن والحسين ، وإذا ثبت ذلك وجب على كل الاَُمّة مثله لقوله تعالى : ( واتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ولقوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) ولقوله : ( إنْ كُنْتُمْ تُحِبُونَ اللّهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ) ، ولقوله سبحانه : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةً حَسَنَةً ).
    ثم قال : إنّ الدعاء للآل منصب عظيم ، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة ، وهو قوله : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ، وارحم محمداً وآل محمد ، وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل ، فكلّ ذلك يدلّ على أنّ حبّ آل محمد واجب ، وقال الشافعي ـ رضي اللّه تعالى عنه ـ :
يا راكباً قف بالمحصب من منى سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى إن كان رفضاً حب آل محمد واهتف بساكن خيفها والناهض فيضاً كما نظم الفرات الفائض فليشهد الثقلان أنّي رافضي (1)
    ولو أنّ القارىَ الكريم أضاف إلى هذا الجم الغفير من الاَحاديث التي اكتفينا بنقل النزر اليسير منها ، ما رواه أئمّة الحديث من الشيعة لوجد الحديث في
    1 ـ مفاتيح الغيب : 7/390 ـ 391.

(85)
أعلى درجة الاستفاضة والتواتر ، فلا يبقى لقائل شك في أنّ المراد من القربى أقرباء النبي ، ولا من المودّة إظهار الحب إليهم ، نعم قد يصعب على بعض من لا خبرة له بالحديث والتفسير قبول هذه القضية في حق آل طه وياسين.
    وقد أشار النبهاني في خطبة كتابه إلى ذلك البعض وقال : ومن هذا القبيل ما وقع في عصرنا في القسطنطينية سنة سبع وتسعين ومائتين وألف هجرية من قوم جهّال غرقوا من أحوال البغضاء لآل محمد في أوحال ، فأخذوا يتأوّلون بجهلهم ما ورد من الآيات والاَخبار في فضل أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي ومنبع الحكمة ، ويخرجونها عن ظواهرها بأفهامهم السقيمة ، وآرائهم الذميمة ، ومع ذلك فقد زعموا أنّهم لاَهل البيت من أهل المحبة والوداد ، ولم يعلموا أنّهم هائمون من الخذلان في كل واد. (1) والحق ينطق منصفاً وعنيداً.
    1 ـ الشرف الموَبد راجع الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء : 37.

(86)

(87)
2
معاجز النبي الاَكرم ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم )
وكراماته


(88)
في هذا الفصل :
    1. دعوة الاَنبياء والقيام بالمعاجز والكرامات.
    2. قساوسة الغرب ومعاجز النبي الاَكرم.
    3. المحاسبة العقلية تفند مزاعم القساوسة.
    4. القرآن يثبت للنبي معاجز غير القرآن : انشقاق القمر ، معراجه ، ومباهلته مع نصارى نجران.
    5. مطالبة النبي الاِتيان بالمعجزة بعد الاَُخرى.
    6. الكفّار يصفون معاجز النبي بالسحر.
    7. النبي الاَعظم وبيّناته.
    8. إخبار النبي عن الغيب كالمسيح.
    9. معاجز الرسول الاَعظم في الاَحاديث.
    10. امتياز الاَحاديث الاِسلامية ـ حول معاجز النبي ـ عن أحاديث اليهود والنصارى حول معاجز أنبيائهم.


(89)
النبي الاَكرم ومعاجزه وكراماته
    شهد التاريخ البشري أُناساً ادّعوا النبوة كذباً ودجلاً ، واتَّخذوا ميل الاِنسان الفطري نحو قضايا الدين ذريعة للوصول إلى مآربهم ، وجعلوا سذاجة بعض الاَُمم والجماعات ، وسيلة لتغطية دجلهم وكذبهم.
    لا شك أنّ تمييز الحق من الباطل والصادق من الكاذب ، وتشخيص النبي الحقيقي عن المتنبىَ والمنتحل للنبوة كذباً ودجلاً ، يحتاج إلى ضوابط ودلائل ومعايير.
    وقد كان هناك طرق ووسائل ظلت البشرية تتوسل بها لمعرفة الحقيقة واستجلاء الصواب ، وكان الاِتيان بالمعجزة في طليعة تلكم الطرق ، حيث كانت إحدى الطرق التي تثبت بها صحة دعوى النبوة وإن لم تكن الطريق الوحيد.
    والمعجزة هي : العمل الخارق للعادة ، الذي يعجز عن الاِتيان به البشر حتى النوابغ والعباقرة.
    وهناك تعاريف أُخر ربّما تكون أكمل من هذا التعريف ، ولسنا بصدد تحديدها على وجه الدقة ، والمهم هو أن نعرف أنّ المعجزة كان أوّل ما يطالب بها مَن يدّعي النبوة كوثيقة تثبت صدق مدّعاه ، وصحّة انتسابه إلى اللّه ، إذا قام بها ، دون تهرّب وتملّص ، فها هو القرآن يحدثنا أنّ صالحاً عندما حذر قومه من سخط اللّه ، وأخبرهم بأنّه رسوله إليهم ، طالبوه بالمعجزة قائلين : ( ما أَنْتَ إلاّ بَشَرٌ مِثْلُنَا


(90)
فَأْتِ بِآيَةٍ إنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
). (1)
    وقد وردت آيات أُخرى بهذا المضمون في سور شتّى.
    ولاَجل ذلك كان الاَنبياء لا يتأخرون عن تلبية هذا الطلب الطبيعي والمنطقي ، بل يبادرون إلى إظهار معاجز حسبما تقتضيه الظروف مبرهنين بذلك على صحّة دعواتهم وصدق أقوالهم ، بينما ينكص الكذابون ومنتحلو النبوة ، وتخيب مساعيهم.
    وقد جرت سيرة الناس مع النبي الاَكرم محمد ( صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم ) على ذلك ، حيث طالبوه بالمعاجز في بدء دعوته ، وكان الرسول العظيم يلبي طلبهم ، ويأتي بمعاجز عديدة يشهدها الناس ويرونها بأعينهم.
    وبالرغم من كثرة هذه المعاجز ـ التي وقعت على يد رسول الاِسلام صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم في موارد كثيرة ـ أبى بعض من ناوأ الاِسلام إلاّ إنكار هذه المعجزات ، وادّعاء أنّ نبي الاِسلام لم يأت بمعجزة سوى القرآن فقط.
    إنّ هذه الشبهة حول معاجز الرسول الكريم طرحت من جانب الكتّاب المسيحيين ، تقليلاً من أهمية الدعوة المحمدية ، وحطاً من شأن الرسول ومكانته وعظمته ، فإذا بهم يزعمون أنّ معاجز النبي كانت تنحصر في القرآن دون سواه ، وانّه كلما طالبه قومه بأن يأتي لهم بمعجزة ، أحالهم على القرآن ولم يظهر أيّة معجزة سواه.
    فها هو « فندر » القسيس الاَلماني المعروف يقول في كتابه ميزان الحق ص 277 ـ وهو كتاب حول حياة الرسول ـ : إنّ من شروط النبوة أن يأتي مدّعيها بمعجزة لاِثبات مدّعاه ، ولكن محمداً لم يأت بأيّة معجزة قط.
    1 ـ الشعراء : 154.
مفاهيم القرآن ـ جلد الرابع ::: فهرس