مفاهيم القرآن ـ جلد الخامس ::: 161 ـ 170
(161)
قوله : ( فنظر نظرة في النجوم ) ، فمن المحتمل جداً أنّه نظر إلى السماء متفكراً حتى يلاحظ حاله وانّه هل يقدر على المغادرة معهم أم لا ، والعرب تقول لمن تفكر : « نظر في النجوم » بمعنى أنّه نظر إلى السماء متفكراً في جواب سؤال القوم ، كما يفعل أحدنا عندما يريد أن يفكر في شيء.
    ويؤيد ذلك أنّه ( عليه السلام ) قاله عندما دعاه قومه إلى الخروج معهم لعيد لهم ، فعند ذلك نظر إلى النجوم وأخبرهم بأنّه سقيم ، ومن المعلوم أنّ الخروج إلى خارج البلد لأجل التنزّه لم يكن في الليل بل كان في الضحى ، فلو كانت الدعوة عند مطلع الشمس وأوّل الضحى لم يكن النظر إلى النجوم بمعنى ملاحظة الأوضاع الفلكية ، إذ كانت النجوم عندئذ غاربة ، فلم يكن الهدف من هذه النظرة إلاّ التفكر والتأمل.
    نعم لو كانت الدعوة في الليل لأجل الخروج في النهار كان النظر إلى النجوم مظنة لما قيل ، ولكنه غير ثابت.
    نعم هناك معنى آخر لقوله : ( فنظر نظرة في النجوم ) ، وهو أنّه ( عليه السلام ) كان به حمّى ذات نوبة تعتريه في أوقات خاصة متعينة بطلوع كوكب أو غروبه ، فلأجل ذلك نظر في النجوم ، ووقف على أنّها قريبة الموعد ، والعرب تسمّي المشارفة على الشيء باسم الداخل فيه ، ولهذا يقولون لمن أضعفه المرض ، وخيف عليه الموت « هو ميت » وقال تعالى لنبيّه : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (1).
    وأمّا استعمال كلمة « في » مكان « إلى » في قوله : ( في النجوم ) ، فلأجل أنّ الحروف يقوم بعضها مقام بعض ، قال اللّه تعالى : ( ولأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ
    1 ـ الزمر : 30.

(162)
النَّخْل ) (1) وإنّما أراد على جذوعها ، وقال الشاعر :
وافتحي الباب وانظري في النجوم كم علينا من قطع ليل بهيم
     جواب آخر عن الشبهة
    وربّما يجاب عن الإشكال : انّه من قبيل المعاريض في الكلام ، والمعاريض : عبارة عن أن يقول الرجل شيئاً يقصد به غيره ويفهم منه غير ما يقصده ، فلعلّه نظر في النجوم نظر الموحِّد في صنعه تعالى ، الذي يستدل به على خالقه وصفاته ، ولكن القوم حسبوا أنّه ينظر إليها نظر المنجِّم فيها ليستدل بها على الحوادث ، فقال : ( إنّي سقيم ). (2)
    ولا يخفى أنّ الجواب مبني على أنّه لم يكن سقيماً آنذاك ، وهو بعد غير ثابت ، على أنّ المعاريض غير جائزة على الأنبياء لارتفاع الوثوق بذلك عن قولهم.
    وبذلك يعلم قيمة ما أخرجه أصحاب الصحاح والسنن من طرق كثيرة عن أبي هريرة : انّ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : لم يكذب إبراهيم ( عليه السلام ) غير ثلاث كذبات : ثنتين في ذات اللّه : قوله : ( إنّي سقيم ) وقوله : ( بل فعله كبيرهم هذا ) وقوله في سارة : ( هي أُختي ). (3)
    وقد عرفت أنّ إبراهيم لم يكذب في الأُوليين ، وأمّا الثالثة فهي مروية في التوراة المحرّفة ، فهل يمكن بعد هذا ، الاعتماد على الرواية؟!
    والعجب أنّ ابن كثير صار بصدد تصحيح الرواية ، وقال : ليس هذا من باب الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله ، حاشا وكلاّ ، وانّما أُطلق الكذب على هذا
    1 ـ طه : 71.
    2 ـ تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 4/13.
    3 ـ تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 4/13.


(163)
تجوزاً ، وانّما هو من المعاريض في الكلام لمقصد شرعي ديني كما جاء في الحديث « انّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب ».
    ونحن لا (1) نعلّق على الحديث ولا على التوجيه الذي ارتكبه ابن كثير شيئاً وانّما نحيل القضاء فيه إلى وجدان القارئ الكريم ، وكفى في سقم الحديث أنّه من مرويات أبي هريرة ، كما يكفي في كذب الحديث أنّه من الإسرائيليات التي وردت في التوراة المحرّفة.
    والعجب أنّ رواة هذا الحديث يزرون على الشيعة في قولهم بالتقية ، بأنّها مستلزمة للكذب مع أنّ التقية من المعاريض التي جوّزها القرآن والسنّة في شرائط خاصة لأشخاص معينين.
    هذه هي الآيات التي استدلت المخطّئة بها على عدم عصمة بطل التوحيد ، وقد عرفت مفادها ، وهناك آيات أُخر آيات نزلت في حقه ، ربّما وقعت ذريعة لهؤلاء المخطّئة ، وبما أنّها واضحة المضمون لا نرى حاجة إلى البحث عنها ، وكفانا في هذا المضمار ما ذكره السيد المرتضى في « تنزيهه » فمن أراد الوقوف عليها فليرجع إليه.
    كما أنّهم استدلّوا بآيات نزلت في حق يعقوب ، لتخطئته وبما أنّ الشبهات ضعيفة تركنا البحث عنها وعطفنا عنان القلم إلى بعض ما استدلت به المخطّئة في هذا المضمار في حق صدِّيق عصره ونزيه دهره سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام.
    1 ـ تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 4/13.

(164)
4
عصمة يوسف ( عليه السلام ) وقول اللّه ( ... وهمّ بها )
يوسف الصدِّيق هو الأُسوة
    إنّ فيما ورد في سورة يوسف من الآيات ، لأجلى دليل على أنّه الإنسان المثالي الذي لا يعدّ له مثال ، كيف؟ وقد دلّت الآيات على أنّه سبحانه اجتباه من بداية حياته وصباه ، وعلّمه من تأويل الأحاديث ، وأتمّ نعمته عليه ، وقد قام القرآن بسرد قصته وأسماها بأحسن القصص ، ففيها براهين واضحة على طهارته ونزاهته وعصمته من الذنوب ، وصيانته من المعاصي ، وتفانيه في مرضاة اللّه ، كيف؟ وقد ابتلاه اللّه سبحانه بلاءً حسناً ، فوجده صابراً متمالكاً لنفسه عند الشهوات والمحرمات ، وناجياً من الغمرات التي لا ينجو منها إلاّ من عصمه اللّه سبحانه ، فقد ظهر بهذا البلاء باطنه ، وتجلّت به حقيقته ، وبان أنّه الإنسان الذي حاق به الخوف من اللّه سبحانه ، فطفق لا يغفل عنه طرفة عين ولا يبدل رضاه بشيء.
    كيف؟ ومن طالع القصة يقف على أنّ نجاة يوسف من مخالب الشهوة وخدعة امرأة العزيز لم تكن إلاّ أمراً خارقاً للعادة ، ولولا عصمته لما كانت النجاة ممكنة ، بل كانت أمراً أشبه بالرؤيا منه باليقظة.


(165)
    وفي هذا الصدد يقول العلاّمة الطباطبائي :
    فقد كان يوسف رجلاً ، ومن غريزة الرجال الميل إلى النساء ، وكان شاباً ، بالغاً أشده ، وذاك أوان غليان الشهوة وفوران الشبق ، وكان ذا جمال بديع يدهش العقول ويسلب الألباب ، والجمال والملاحة يدعوان إلى الهوى؟ هذا من جانب ، ومن جانب آخر كان مستغرقاً في النعمة وهنيء العيش ، محبوراً بمثوى كريم ، وذلك من أقوى أسباب التهوّس ، وكانت الملكة فتاة فائقة الجمال كما هو الحال في حرم الملوك والعظماء ، وكانت لا محالة متزيّنة لما يأخذ بمجامع كل قلب ، وهي عزيزة مصر ـ ومع ذلك ـ عاشقة له والهة تتوق نفسها إليه ، وكانت لها سوابق الإكرام والإحسان والإنعام ليوسف ، وذلك كلّه مما يقطع اللسان ويصمت الإنسان وقد تعرّضت له ، ودعته إلى نفسها ، والصبر مع التعرّض أصعب ، وقد راودته هذه الفتّانة وأتت بما في مقدرتها من الغنج والدلال ، وقد ألّ ـ حت عليه فجذبته إلى نفسها حتى قدت قميصه ، والصبر معه أصعب وأشق ، وكانت عزيزة لا يرد أمرها ولا يثنى رأيها ، وهي رتبة خصّها بها العزيز ، وكان في قصر زاه من قصور الملوك ذي المناظر الرائعة التي تبهر العيون وتدعو إلى كل عيش هنيء.
    وكانا في خلوة ، وقد غلّقت الأبواب وأرخت الستور ، وكان لا يأمن من الشر مع الامتناع ، وكان في أمن من ظهور الأمر وانتهاك الستر ، لأنّها كانت عزيزة ، بيدها أسباب الستر والتعمية ، ولم تكن هذه المخالطة فائتة لمرة بل كانت مفتاحاً لعيش هنيء طويل ، وكان يمكن ليوسف أن يجعل هذه المخالطة والمعاشقة وسيلة يتوسل بها إلى كثير من آمال الحياة وأمانيها كالملك والعزّة والمال.
    فهذه أسباب وأُمور هائلة لو توجهت إلى جبل لهدّته ، أو أقبلت على صخرة صمّ ـ اء لأذابتها ، ولم يكن هناك ممّا يتوهم مانعاً إلاّ الخوف من ظهور الأمر ، أو


(166)
مناعة نسب يوسف ، أو قبح الخيانة للعزيز ، ولكن الكل غير صالح لمنع يوسف عن ارتكاب العمل.
    أمّا الخوف من ظهور الأمر فقد مرّ أنّه كان في أَمن منه ، ولو كان بدا من ذلك شيء لكان في وسع العزيزة أن تأوّله تأويلاً كما فعلت فيما ظهر من أمر مراودتها ، فكادت حتى أرضت نفس العزيز إرضاءً ، فلم يؤاخذها بشيء ، وقلبت العقوبة على يوسف حتى سجن.
    وأمّا مناعة النسب فلو كانت مانعة لمنعت إخوة يوسف عمّا هو أعظم من الزنا وأشد اثماً ، فانّهم كانوا أبناء إبراهيم وإسحاق ويعقوب أمثال يوسف ، فلم تمنعهم شرافة النسب من أن يهمّوا بقتله ويلقوه في غيابت الجب ، ويبيعوه من السيّارة بيع العبيد ، ويثكلوا فيه أباهم يعقوب النبي ، فبكى حتى ابيضّت عيناه.
    وأمّا قبح الخيانة وحرمتها فهو من القوانين الاجتماعية ، والقوانين الاجتماعية إنّما تؤثر أثرها بما تستتبعه من التبعة على تقدير المخالفة وذلك إنّما يتم فيما إذا كان الإنسان تحت سلطة القوّة المجرية والحكومة العادلة ، وأمّا لو أغفلت القوّة المجرية ، أو فسقت فأهملت ، أو خفي الجرم عن نظرها ، أو خرج من سلطانها فلا تأثير حينئذ لشيء من هذه القوانين.
    فلم يكن عند يوسف ما يدفع به عن نفسه ويظهر به على هذه الأسباب القوية التي كانت لها عليه ، إلاّ أصل التوحيد وهو الإيمان باللّه.
    وإن شئت قلت : المحبة الإلهية التي ملأت وجوده وشغلت قلبه ، فلم تترك لغيرها محلاً ولا موضع أصبع. (1)
    1 ـ الميزان : 11/137 ـ 139.

(167)
    هذا هو واقع الأمر غير أنّ بعض المخطّئة لم يرتض ليوسف هذه المكارم والفضائل ، واستدل على عدم عصمته بما ورد في سورة يوسف في حق العزيزة ومن هو في بيتها ، قال سبحانه : ( وَرَاوَدَتْهُ الَّتي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بِرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ ) (1).
    ومحل الاستدلال : قوله ( وهمَّ بها ) أي همّ بالمخالطة ، وانّ همّه بها كان كهمّها به ، ولولا أنّ رأى برهان ربّه لفعل ، وقد صانته عن ارتكاب الجريمة ـ بعد الهمّ بها ـ رؤية البرهان.
    وبعبارة أُخرى : انّ المخطّئة جعلت كلا من المعطوف والمعطوف عليه ( ولقد همّت بهوهمّ بها ) كلاماً مستقلاً غير مقيّد بشيء ، وكأنّه قال :
    ولقد همّت به : أي بلا شرط وقيد.
    وهمّ بها : أي جزماً وحتماً.
    ثم بعد ذلك ـ أي بعد الإخبار عن تحقّق الهم من الطرفين ـ استدرك بأنّ العزيزة بقيت على همّها وعزمها إلى أن عجزت ، وأمّا يوسف فقد انصرف عن الاقتراف لأجل رؤية برهان ربِّه ، ولأجل ذلك قال :
    ( لولا أن رأى برهان ربّه ) أي ولولا الرؤية لاقترف وفعل وارتكب ، لكنّه رأى فلم يقترف ولم يرتكب ، فجواب لولا محذوف وتقديره « لاقترف ».
    ثم إنّ المخطّئة استعانوا في تفسير الآية بما ذكروه من الإسرائيليات التي لا
    1 ـ يوسف : 23 ـ 24.

(168)
يصح أن تنقل ، وانّما ننقل خبراً واحداً ليكون القارئ على اطلاع عليها : قالوا : جلس يوسف منها مجلس الخائن ، وأدركه برهان ربّه ونجّاه من الهلكة ، ثم إنّهم نسجوا هناك أفكاراً خيالية في تفسير هذا البرهان المرئي; فقالوا : إنّ طائراً وقع على كتفه ، فقال في أُذنه : لا تفعل ، فإن فعلت سقطت من درجة الأنبياء; وقيل : إنّه رأى يعقوب عاضاً على إصبعه ، وقال : يا يوسف أما تراني؟ إلى غير ذلك من الأوهام التي يخجل القلم من نقلها.
    غير انّ رفع الستر عن مرمى الآية يتوقف على البحث عن أُمور :

    1 ـ ما هو معنى « الهم » في قوله : ( ولقد همّت به وهمّ بها ).
    2 ـ ما هو جواب ( لولا أن رأى برهان ربّه ) وهذا هو العمدة في تفسير الآية.
    3 ـ ما هو معنى البرهان؟
    4 ـ دلالة الآية على عصمة يوسف ، وإليك تفسيرها واحداً تلو الآخر.
     1. ما معنى الهم؟
    لقد فسّره ابن منظور في لسانه بقوله : همّ بالشيء يهم همّاً : نواه وأراده وعزم عليه ، قال سبحانه : ( وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ) (1).
    روى أهل السير : أنّ طائفة من المنافقين عزموا على أن يغتالوا رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في العودة من تبوك ، ولأجل ذلك وقفوا على طريقه ، فلمّا قربوا من رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمر بتنحيتهم ، وسمّاهم رجلاً رجلاً. (2)
    1 ـ التوبة : 74.
    2 ـ مجمع البيان : 3/51 وغيره.


(169)
    هذا هو معنى الهم ، وتؤيده سائر الآيات الوارد فيها لفظ الهم ، ولو استعمل في مورد في خطور الشيء بالبال ، وإن لم يقع العزم عليه ، فهو استعمال نادر لا يحمل عليه صريح الكتاب.
    أضف إلى ذلك أنّ الهمين في الموردين بمعنى واحد ، وبما أنّ هم العزيزة كان بنحو العزم والإرادة ، وجب حمل الهم في جانب يوسف عليه أيضاً لا على خطور الشيء بالبال ، لأنّه تفكيك بين اللفظين من حيث المعنى بلا قرينة ، ولكن تحقّق أحد الهمين دون الآخر ، لأنّ هم يوسف كان مشروطاً بعدم رؤية برهان ربِّه ، وبما أنّ العدم انقلب إلى الوجود ، ورأى البرهان لم يتحقق هذا الهم من الأساس ، كما سيوافيك ، نعم لا ننكر أنّ الهم قد يستعمل بالقرينة في مقابل العزم ، قال كعب بن زهير :
فكم فهموا من سيد متوسع ومن فاعل للخير ان همّ أو عزم
    ولكن التقابل بين الهم والعزم أوجب حمل الهم على الخطور بالبال ، ولولاه لحمل على نفس العزم.
    كما ربّما يستعمل في معنى المقاربة فيقولون : همّ بكذا وكذا ، أي كاد يفعله ، وعلى كل تقدير فالمعنى اللائح من الهم في الآية هو العزم والإرادة.

2. ما هو جواب لولا ؟
    لا شك أنّ « لولا » في قوله سبحانه : ( لولا أنْ رأى بُرهَانَ رَبِّه ) ابتدائية. فلا تدخل إلاّ على المبتدأ مثل « لوما » قال ابن مالك.
لولا ولوما يلزمان الابتداء إذ امتناعاً بوجود عقدا



(170)
    ومما لا شك فيه أنّ « لولا » الابتدائية تحتاج إلى جواب ، ويكون الجواب مذكوراً غالباً مثل قول القائل :
كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية لولا رجاؤك قد قتلت أولادي
    وقد تواترت الروايات عن الخليفة عمر بن الخطاب أنّه قال في مواضع خطيرة : « لولا علي لهلك عمر ».
    وربّما يحذف جوابها لدلالة القرينة عليه أو انفهامه من السياق ، كقوله سبحانه : ( وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ) (1) ، أي ولولا فضل اللّه ورحمته عليكم لهلكتم ، وربّما يحذف الجواب لدلالة الجملة المتقدمة عليه كقوله : « قد كنت هلكت لولا أن تداركتك » ، وقوله : « وقتلت لولا أنّي قد خلصتك » ، والمعنى لولا تداركي لهلكت ، ولولا تخليصي لقُتلت ، ومثل لولا سائر الحروف الشرطية قال الشاعر :
فلا يدعني قومي صريعاً لحرة لئن كنت مقتولاً ويسلم عامر
    وقال الآخر :
فلا يدعني قومي ليوم كريهة لئن لم أعجل طعنة أو أعجل
    فحذف جواب الشرط في البيتين لأجل الجملة المتقدمة.
    وبالجملة : لا إشكال في أنّ جواب الحروف الشرطية عامة ، وجواب « لولا » خاصة ، يكون محذوفاً إمّا لفهمه من السياق أو لدلالة كلام متقدم عليه والمقام من
    1 ـ النور : 10.
مفاهيم القرآن ـ جلد الخامس ::: فهرس