مفاهيم القرآن ـ جلد الخامس ::: 261 ـ 270
(261)
إليهما.
    وعلى فرض صحة الرواية الأُولى لابدّ أن يقال :
    إنّ الرواية إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان موضع عنايته سبحانه ورعايته ، فلم يكن مسؤولاً عن أفعاله وحركاته وسكناته فقط ، بل كان مسؤولاً حتى عن نظراته وانقباض ملامح وجهه ، وانبساطها ، فكانت المسؤولية الملقاة على عاتقه من أشد المسؤوليات ، وأثقلها صدق اللّه العلي العظيم حيث يقول : ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ) (1).
    كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يناجي صناديد قومه ورؤساءهم لينجيهم من الوثنية ويهديهم إلى عبادة التوحيد ، وكان لإسلامهم يوم ذاك تأثير عميق في إيمان غيرهم ، إذ الناس على دين رؤسائهم وأوليائهم ، وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في هذه الظروف يناجي رؤساء قومه إذ جاءه ابن أُم مكتوم غافلاً عمّا عليه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الأمر المهم ، فلم يلتفت إليه النبي ، وجرى على ما كان عليه من المذاكرة مع أكابر قومه.
    وما سلكه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يكن أمراً مذموماً عند العقلاء ، ولا خروجاً على طاعة اللّه ، ولكن الإسلام دعاه وأرشده إلى خلق مثالي أعلى ممّ ـ ا سلكه ، وهو أنّ التصدي لهداية قوم يتصورون أنفسهم أغنياء عن الهداية ، يجب أن لا يكون سبباً للتولّ ـ ي عمّ ـ ن يسعى ويخشى ، فهداية الرجل الساعي في طريق الحق ، الخائف من عذاب اللّه ، أولى من التصدي لقوم يتظاهرون بالاستغناء عن الهداية وعمّ ـ ا أنزل إليك من الوحي ، وما عليك بشيء إذا لم يزكّوا أنفسهم ، لأنّ القرآن تذكرة فمن شاء ذكره ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر ) (2).
    1 ـ المزمل : 5.
    2 ـ الغاشية : 21 ـ 22.


(262)
    فعظم المسؤولية اقتضى أن يعاتب اللّه سبحانه نبيّه لترك ما هو الأولى بحاله حتى يرشده إلى ما يعد من أفاضل ومحاسن الأخلاق ، وينبهه على عظم حال المؤمن المسترشد ، وأن تأليف المؤمن ليقيم على إيمانه ، أولى من تأليف المشرك طمعاً في إيمانه ، ومن هذا حاله لا يعد عاصياً لأمر اللّه ومخالفاً لطاعته.
    وأمّا الرواية الثانية : فالظاهر أنّ الرواية نقلت غير كاملة ، وكان لها ذيل يصحح انطباق الخطابات الواردة في الآيات حقيقة على الشخص الذي عبس وتولّى ، وعلى فرض كونها تامّة فالضمير الغائب في « عبس » و « تولّى » و « جاءه » يرجع إلى ذلك الفرد ، وأمّا الخطابات فهي متوجهة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لكن من وجه إليه الخطاب غير من قصد منه ، فهو من مقولة : « إياك أعني واسمعي يا جارة » ومثل هذا يعد من أساليب البلاغة ، وفنون الكلام.


(263)
دين النبي الأكرم قبل البعثة
    دلّت الأدلة العقلية والنقلية على عصمة الأنبياء عامّة والنبي الأكرم خاصة إلاّ أنّ الحكم بعصمته قبل التشرف بالنبوة ، يتوقف على إحراز تدينه بدين قبل أن يبعث ، وهذا ما نتلوه عليك في هذا البحث تكميلاً لعصمته ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    من الموضوعات المهمة التي شغلت بال المحققين من أهل السير والتاريخ موضوع دين النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد اتفق جمهور المسلمين على أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان على خط التوحيد منذ نعومة أظفاره إلى أن بُعث لهداية أُمّته ، فلم يسجد لصنم ولا وثن ، وكان بعيداً عن الأخلاق والعادات الجاهلية التي تستقي جذورها من الوثنية ، وإن اختلفوا في أنّه هل كان متعبداً بشريعة أحد من الأنبياء أو بشريعة نفسه ، أو بما يلهم من الوظائف والتكاليف؟ وعلى ذلك فنركّز البحث على نقطتين :
    1 ـ إيمانه وتوحيده قبل البعثة.
    2 ـ الشريعة التي كان يعمل بها في حياته الفردية والاجتماعية.
    أمّا بالنسبة إلى النقطة الأُولى : فقد كان النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على الدين الحنيف لم يعدل عنه إلى غيره طرفة عين ، وتظهر هذه الحقيقة بالتعرّف على ملامح


(264)
البيت الذي ولد فيه ، وتربّى في أحضان رجاله فنقول :
    كان النبي كريم المولد ، شريف المحتد ، ولد من أبوين كريمين مؤمنين باللّه سبحانه وموحدين ، وتربى في حضن جده عبد المطلب ، وبعده في حجر عمّه أبي طالب ( عليهما السلام ) ، وقد كان الدين السائد في ذلك البيت الرفيع ، دين التوحيد ، ورفض عبادة غير اللّه تعالى والعمل بالمناسك والرسوم الواصلة إليه عن إبراهيم ( عليه السلام ).
    لا أقول إنّ جميع من كان ينتمي إلى البيت الهاشمي كان على خط التوحيد وعلى الشريعة الإبراهيمية ، إذ لا شك أنّ بعضهم كان يعبد الأصنام ، ويدافع عنها كأبي لهب ، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
    بل أقول : الديانة السائدة في ذلك البيت هي عبادة الرحمن ورفض الأصنام والأوثان.
    ويتضح وضع هذا البيت ببيان ديانة أشياخه وأسياده وأخص بالذكر منهم سيده الكبير « عبد المطلب » وشيخ الأباطح « أبو طالب » ، وإليك الكلام في ديانتهما :

1. عبد المطلب وإيمانه
    عبد المطلب هو الرجل الأوّل في هذا البيت ، وكفى في صفائه وإيمانه ما ذكره المؤرّخون في حقه ، وإليك بعضه :
    1 ـ يقول اليعقوبي في الحديث عنه : ... ورفض عبد المطلب عبادة الأوثان والأصنام ، ووحَّد اللّه عزّ وجلّ ، ووفى بالنذر ، وسنّ سنناً نزل القرآن بأكثرها ، وجاءت السنّة الشريفة من رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بها ، وهي الوفاء بالنذر ، ومائة من الإبل


(265)
في الدية ، وأن لا تنكح ذات محرم ، ولا تؤتى البيوت من ظهورها ، وقطع يد السارق ، والنهي عن قتل المؤودة ، وتحريم الخمر ، وتحريم الزنا والحد عليه ، والقرعة ، وأنّ لا يطوف أحد بالبيت عرياناً ، وإضافة الضيف ، وأن لا ينفقوا إذا حجّوا إلاّ من طيب أموالهم ، وتعظيم الأشهر الحرم ، ونفي ذوات الرايات. (1)
    2 ـ إذا اطّلعنا على موقف عبد المطّلب من جيش إبرهة ، وتوكّله على اللّه تعالى ، وأخذه بحلقة باب الكعبة ، نعلم بأنّه كان الرجل الموحد الذي لا يلتجئ في المصائب والمكاره إلى غير كهف اللّه ، ولا يعرف إلاّ باب اللّه ، على عكس ما كانت الوثنية عليه فإنّهم كانوا يستغيثون بالأصنام المنصوبة حول الكعبة ، وإليك إجمال القضية :
    قدم عبد المطلب إلى معسكر إبرهة ، فلمّا رآه إبرهة أجلّه وأكرمه ، وبعدما وقف الملك على أنّه جاء ليردّ عليه إبله التي استولى عليها عسكره ، قال له إبرهة : أتكلّمني في إبلك وتترك بيتاً ، هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه؟! قال له عبد المطلب : أنا ربُّ الإبل ، وللبيت ربٌّ يمنعه ، قال إبرهة : ما كان يمنعه مني وأمر برد إبله ، فلمّا أخذها قلّدها وجعلها هدياً وبثّها في الحرم كي يصاب منها شيء فيغضب اللّه عزّ وجلّ ، وانصرف عبد المطلب إلى قريش وأخبرهم الخبر ، ثم قام فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفر من قريش يدعون اللّه ويستنصرونه على إبرهة وجنده ، فقال عبد المطلب :
    1 ـ تاريخ اليعقوبي : 2/9 ، طبعة النجف. أقول : في عدِّ بعض ما ذكر ذلك المؤرخ من سنن عبد المطلب نظر : فإنّ لبعضها كالوفاء بالنذر ، والنهي عن قتل الموؤدة ، والقرعة ، سابقة تاريخية ترجع إلى فترات قبله.

(266)
يا ربّ لا أرجو لهم سواكا إنَّ عدوّ البيت من عاداكا يا رب فامنع منهم حماكا امنعهم أن يخربوا فناكا
    وقال أيضاً :
لا هُمَّ إنّ العبدَ يَمنع لا يَغلِبَنَّ صَلِيبهم رَحْلَه فامنع حِلالَكْ ومِحالُهم غَدْوا مِحالَكْ (1)
    3 ـ وليست هذه الواقعة وحيدة من نوعها بل لسيد قريش مواقف أُخرى تشبه هذه الواقعة حيث توسل لكشف غمته فيها باللّه سبحانه وتعالى ، وإليك مثالين :
    ألف. تتابعت على قريش سنون جدب ، ذهبت بالأموال ، وأشرفت على الأنفس ، واجتمعت قريش لعبد المطلب وعلوا جبل أبي قبيس ومعهم النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو غلام ، فتقدّم عبد المطلب وقال :
    « لاهم (2) هؤلاء عبيدك وإماؤك وبنو إمائك ، وقد نزل بنا ما ترى ، وتتابعت علينا هذه السنون ، فذهبت بالظلف والخف والحافر ، فأشرفت على الأنفس ، فأذهب عنّا الجدب ، وائتنا بالحياء والخصب » ، فما برحوا حتى سالت الأودية ، وفي هذه الحالة تقول رقيقة :
بشيبة الحمد أسقى اللّه بلدتنا وقد عدمنا الحيا واجلوذ المطر
    إلى أن تقول :
    1 ـ السيرة النبوية لابن هشام : 1/50; الكامل لابن الأثير : 1/12 ، وغيرهما.
    2 ـ مخفّف « اللّهم ».


(267)
مبارك الاسم يستسقى الغمام به ما في الأنام له عدل ولا خطر (1)
    وقد نقل هذه الواقعة الشهرستاني في الملل والنحل قال : وممّا يدل على معرفته ( عبد المطلب ) بحال الرسالة وشرف النبوّة أنّ أهل مكة لمّا أصابهم ذلك الجدب العظيم وأمسك السحاب عنهم سنتين ، أمر أبا طالب ابنه أن يحضر المصطفى محمداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأحضره وهو رضيع في قماط ، فوضعه على يديه واستقبل الكعبة ورماه إلى السماء ، وقال يا ربّ بحق هذا الغلام ورماه ثانياً وثالثاً. وكان يقول : بحق هذا الغلام اسقنا غيثاً مغيثاً دائماً هطلا ، فلم يلبث ساعة أن طبق السحاب وجه السماء وأمطر حتى خافوا على المسجد.
    وقال أيضاً : وببركة ذلك النور كان عبد المطلب يأمر أولاده بترك الظلم والبغي ، ويحثهم على مكارم الأخلاق وينهاهم عن دنيّات الأُمور ، وان يقول في وصاياه : إنّه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم اللّه منه وتصيبه عقوبة ، إلى أن هلك رجل ظلوم حتف أنفه لم تصبه عقوبة ، فقيل لعبد المطلب في ذلك ، ففكر وقال : واللّه انّ وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن بإحسانه ، ويعاقب المسيء بإساءته. (2)
    إنّ توسّله باللّه سبحانه وتوليه عن الأصنام والأوثان والتجاءه إلى ربِّ الأرباب آية توحيده الخالص ، وإيمانه باللّه وعرفانه بالرسالة الخاتمة ، وقداسة صاحبها ، فلو لم يكن له إلاّ هذه الوقائع لكفت في البرهنة على إيمانه باللّه وتوحيده له.
    1 ـ السيرة الحلبية : 1/131 ـ 133.
    2 ـ الملل والنحل للشهرستاني : القسم الثاني : 248 و 249 من الطبعة الثانية ، تخريج محمد بن فتح اللّه بدران القاهرة.


(268)
    ب. روى أصحاب السير أنّه وقع النقاش بين عبد المطلب وقريش في حفر بئر زمزم بعد ما حفره عبد المطلب ، فاتفقوا على الرجوع إلى كاهنة ، فقصدوا طريق الشام فعطشوا في الطريق وأشرفوا على الموت ، فاقترح أن يحفر كلٌّ حفرة لنفسه بما بكم الآن من قوة ، فكلّما مات رجل دفنه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلاً واحداً فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعاً ، قالوا : نعم ما أمرت به ، فقام كل واحد منهم فحفر حفرته ، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشاً ، ثم إنّ عبد المطلب قال لأصحابه : واللّه إنّ إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت ، لا نضرب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا ، لعجز ، فعسى اللّه أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ، ارتحلوا; فارتحلوا حتى إذا فرغوا ، ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هو فاعلون ، تقدّم عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به ، انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب ، فكبّر عبد المطلب وكبر أصحابه ، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملأوا أسقيتهم ، ثم دعا القبائل من قريش فقال : هلمّ إلى الماء ، فقد سقانا اللّه فاشربوا واستقوا; فجاءوا فشربوا واستقوا ، ثم قالوا : واللّه قضى لك علينا يا عبد المطلب ، واللّه لا نخاصمك في زمزم أبداً ، إنّ الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة ، لهو الذي سقاك زمزم فارجع إلى سقايتك راشداً ، فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا إلى الكاهنة ، وخلّوا بينه وبينها. (1)
    4 ـ عن أُمّ أيمن ( رضي اللّه عنها ) قالت : كنت أحضن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ أي أقوم بتربيته وحفظه ـ فغفلت عنه يوماً فلم أدر إلاّ بعبد المطلب قائماً على رأسي يقول : يا « بركة » قلت : لبيك ، قال : أتدرين أين وجدت ابني؟ قلت : لا أدري ، قال : وجدته مع غلمان قريباً من السدرة ، لا تغفلي عن ابني ، فإنّ أهل الكتاب يزعمون
    1 ـ سيرة ابن هشام : 1/144 ـ 145 ، طبعة مصر.

(269)
أنّه نبي هذه الأُمّة وأنا لا آمن عليه منهم ، وكان عبد المطلب لا يأكل طعاماً إلاّ يقول : عليّ بابني ، أي احضروه ، ويجلسه بجنبه وربّما أقعده على فخذه ويؤثره بأطيب طعامه. (1)
    هذا هو عبد المطلب وتعوذّه ببيت اللّه الحرام ومواقفه بين قومه وكلماته في المبدأ والمعاد وعطفه على رسالة خاتم النبيين ، أبعد هذا يبقى لإحد شك في توحيده وإيمانه ، بل واعترافه برسالة الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟!
    قضى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لفيفاً من عمره في رعايته فلمّا بلغ أجله أوصى إلى ابنه الزبير بالحكومة وأمر الكعبة ، وإلى أبي طالب برسول اللّه وسقاية زمزم ، وقال له : قد خلّفت في أيديكم الشرف العظيم الذي تطأُون به رقاب الناس ، وقال لأبي طالب :
أوصيك يا عبد مناف بعدي فارقه وهو ضجيع المهد تدنيه من أحشائها والكبد بمفرد بعد أبيه فرد فكنت كالأُمّ له في الوجد فأنت من أرجى بنيَّ عندي
لدفع ضيم أو لشدِّ عقد (2)

2. شيخ الأباطح أبو طالب وإيمانه
    قد تعرّفت على إيمان « عبد المطلب » الكفيل الأوّل لصاحب الرسالة ، فهلمّ معي ندرس حياة كفيله الآخر بعده ، وهو أبو طالب شيخ البطحاء ، فقد اتفقت
    1 ـ سيرة زيني دحلان بهامش السيرة الحلبية : 1/64.
    2 ـ تاريخ اليعقوبي : 2/10 ، طبعة النجف.


(270)
كلمة أهل السير والتاريخ على كفالته لصاحب الرسالة بعد جدّه ، ودرئه عنه كل سوء وعادية طيلة حياته ، وان اختلفت آراؤهم في إيمانه بالرسول الأكرم بعد البعثة ، ولأجل تحقيق الحال نركّز على البحث عن نقطتين : إيمانه قبل البعثة ، وإيمانه بعد البعثة :
     إيمانه باللّه قبل البعثة
    يكفي في إيمانه باللّه وخلوص توحيده عدّة أُمور نشير إليها :
    1 ـ ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه ، عن جلهمة بن عرفطة ، قال : قدمت مكة وهم في قحط ، فقالت قريش يا أبا طالب أقحط الوادي وأجدب العيال فهلّم واستسق ، فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنّه شمس دجى تجلّت عنه سحابة قتماء وحوله اغيلمة ، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ، ولاذ باصبعه الغلام وما في السماء ، قزعة (1).
    فأقبل السحاب من ها هنا وها هنا وأغدق واغدودق وانفجر له الوادي واخصب البادي والنادي ، ففي ذلك يقول أبو طالب ويمدح به النبي أكثر من ثمانين بيتاً :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه يلوذ به الهلاّك من آل هاشم وميزان عدل لا يخيس شعيرة ثمال اليتامى عصمة للأرامل فهم عنده في نعمة وفواضل ووزان صدق وزنه غير هائل (2)
    
    1 ـ القزعة : قطعة من السحاب.
    2 ـ السيرة الحلبية : 1/116. لاحظ فتح الباري : 2/494 ، والقصيدة مذكورة في السيرة النبوية لابن هشام : 1/272 ـ 280.
مفاهيم القرآن ـ جلد الخامس ::: فهرس