مفاهيم القرآن ـ جلد الخامس ::: 471 ـ 480
(471)
« صورتان متضادتان »
أو
« رسالتان متضادتان »
    في هذه الظروف الصعبة الّتي تمر بها الأُمّة الإسلامية في كافة أرجاء العالم ويعاني فيها المسلمون من أنواع الابتلاءات والمحن ، وصلنا كتاب باسم « صورتان متضادتان لنتائج جهود الرسول الأعظم » نشره المجمع الإسلامي العلمي في « لكهنو » في الهند عام 1405 هـ. ق ـ 1985 م ، أُلّف بقلم العالم الأديب السيد أبوالحسن الندوي أصلح الله حاله ، وقد ترجم الكتاب إلى لغات عديدة وتم نشره على نطاق واسع.
    والنتيجة الّتي أُريد للقارئ أن يستنبطها من خلال سبر هذا الكتاب ، هي : أنّ هناك أُمّة إسلامية كبيرة باسم الشيعة الإمامية يعتقدون بأُمور ـ على زعم الكتاب ـ لا تجتمع مع شروط النبوة الخالدة والرسالة المستمرة.
    والكتاب بمادته وصورته ـ إلاّ ما شذ ـ على غرار الرسائل الكثيرة الّتي أُلّفت على مر القرون بهدف النيل من عقيدة هذه الطائفة ، والّتي أُجيب عنها عشرات المرّات على أيدي المحقّقين وأصحاب البصائر ، والكل يشتمل على نبش الدفائن وإثارة الضغائن ، وما يشق به عصا المسلمين ، وتنفك به أواصر الوحدة بينهم ، مضافاً إلى التهم المفتعلة والنسب الباطلة إلى هذه الطائفة ، وكان المترقب من


(472)
كاتب مثل السيد الندوي وخاصة في ظروفنا الحساسة أن يسعى إلى تقريب الخطى بين المسلمين ، وإزالة النعرات الطائفية ذات الضرر العظيم ، والخطر الكبير على الرسالة المحمدية ، ولكن يا للأسف أنّ الكاتب أطلق عنان قلمه في بيان معتقدات هذه الطائفة وتحليلها على نحو لايناسب مقام الكاتب المتحرّي للحقيقة.
    ولعلّه كان مجبراً على اتخاذ تلك المواقف من قبل حكام المنطقة ، أعني : الذين لايروقهم انتشار الثورة الإسلامية في مناطقهم واندلاعها في بلدانهم.
    وأعجب من هذا أنّ الأُستاذ ألّف كتيباً باسم « اسمعي يا إيران » قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران ، ونشرته دار عرفات في الهند عام 1393 هـ. ق ـ 1972 م ، وعندما يقارن بين محتوى الرسالتين ، يقف القارئ على التناقض الواضح بين التحليلين عن شعب واحد في فترتين متقاربتين ، وعندئذ يطرح السؤال نفسه. انّ الرسالة الأُولى كتبت ونشرت قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران ، وكان الترف والتظاهر بالسفور والخمور ، والانحراف التربوي والمظاهر اللادينية ، طاغية على المجتمع ، ومع ذلك كلّه فقد وصف الكاتب الإيرانيين حكومة وشعباً بعكس ما وصفهم بعد قيام الثورة ، فأطرى في الرسالة الأُولى عليهم ، بما يناسب الحكومات المثالية ، والأُمّة المسلمة المتكاملة ، وعندما تحولت الملكية إلى الجمهورية الإسلامية ، تحولت تلك الصفات إلى خلافها ، وهذا من العجيب جداً؟!
    وإليك خلاصة ما في الرسالة الأُولى :
    خاطب الأُستاذ في هذه الرسالة الشعب الإيراني على وجه يستظهر منه أنّه الفيلسوف الكبير ، العارف بالداء والدواء ، يريد نصح أبنائه وتلاميذه تحت عنوان « اسمعي يا إيران » وفيها العلماء والقادة ، والحكماء والمفكّرون ، ممّن لايشق غبارهم


(473)
علماً ، ولا يصل الكاتب مهما جد واجتهد إلى شأوهم ومستواهم ، بقوله بنص عبارته :
    « كانت زيارة إيران يونان الشرق أُمنية قديمة كانت تراود النفس ، الفضل في هذه الزيارة وما لقيه أعضاء الوفد من حفاوة بالغة من حكومة إيران الموقّرة والشعب الإيراني المسلم ، والمنظمات الدينية والعلمية والشخصيات البارزة في هذا البلد الكبير ، يرجع إلى رابطة العالم الإسلامي وكان لرئاسة مجلس الأوقاف بإيران ، الّذي يشرف عليه معالي الدكتور « منوچهر آزمون » نائب رئيس وزراء إيران ، الفضل الكبير في تيسير هذه الرحلة ووضع مخططها ، وكانت الأيام العشرة التاريخية الّتي قضاها الوفد في إيران ، حافلة بالزيارات ، واللقاءات ، والرحلات ، والمحاضرات ، وكان التنزل في « پارك هتل » أحد فنادق العاصمة الكبرى ، وقد زار الوفد خلال هذه الأيام عدداً من الوزراء الكبار نخص بالذكر منهم : عباس هويدا رئيس الوزراء ، ومعالي الأُستاذ كاظم زاده وزير التعليم العالي ، ومعالي الدكتور آزمون ، فقد أقام الدكتور حفلة عشاء فاخرة ، تكريماً لأعضاء الوفد في فندق « هلتون » حضرها عدد من الوزراء ، وغيرهم.
    ومن المدن الّتي زارها الوفد مدينة طهران وقم ومشهد واصفهان وشيراز ، وقد تجوّل الوفد في أحياء هذه المدن وزار في مدينة مشهد ضريح شاعر إيران الخالد الفردوسي ، كما زار قبر السيد علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، ولم يعرف أثراً لضريح هارون الرشيد الّذي دوّى اسمه في الآفاق ، كما زار قبر الشيخ مصلح الدين سعدي ، وقبر الخواجه حافظ ، وتخت جمشيد في شيراز ، وقد عقدت حكومة إيران في هذا المكان « تخت جمشيد » في العام الماضي مهرجاناً بمناسبة مرور 2500 سنة على الامبراطورية الإيرانية حضره رؤساء الجمهوريات وملوك العالم ، وأُنفق


(474)
عليه الملايين من النقود ، وتفاصيل هذا المهرجان لا تقل عن أساطير ألف ليلة وليلة ».
    ثم يقول : هذا استعراض مجمل لهذه الجولة الّتي كان لها صدى في القلوب والنفوس. (1)
     نظرتنا حول هذه الجولة
    1. كان اللازم على العالم الإسلامي ، العارف بحلال الإسلام وحرامه ، أن يرفض ضيافة حكومة جائرة زائغة عن الحق ، متسلطة على الشعب بقوة السيف ورعب الإرهاب ، لأنّ في قبول هذه الضيافة تأييداً لها ولأهدافها ، والعجب أنّ الأُستاذ يتقبل تلك الهدية الموهوبة له ولوفده من حكومة ضالّة مضلّة ، ولكنّه عوض أن يرفضها ، أخذ يفتخر بحفلات العشاء ومأدبات الطعام الّتي أُقيمت له في الفنادق الكبرى الّتي أُسست وبنيت من دم الشعب المظلوم.
    فلو كان الوفد عارفاً بوظيفته ، عالماً بحدود الإسلام وما أخذ الله على العلماء أن لايقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم ، لاستنكر هذه الضيافات الفاخرة ، بدل الافتخار بها ، كيف؟!! وفي البلد « بطون غرثى ، وأكباد حرّى ، وأقدام حافية ».
    هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، الأُسوة الحسنة لكل من أراد الاقتداء به ، لمّابلغه أنّ عامله استجاب دعوة أحد الأثرياء ، كتب إليه : « فقد بلغني أنّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة ، فأسرعت إليها ، تستطاب لك الألوان ، وتنقل إليك الجفان ، وما ظننت أنّك تجيب دعوة قوم ، عائلهم مجفو وغنيهم مدعو ... فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم ، فما اشتبه عليك علمه ،
    1 ـ رسالة « اسمعي يا إيران » : 4 ـ 20 بتلخيص.

(475)
فألفظه ، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه ... هيهات ، هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ، ولاعهد له بالشبع ، أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى ، أو أكون كما قال القائل :
وحسبك داء أن تبيت ببطنة وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ »
    2. لا يشك من طالع كتب الأُستاذ أو استمع محاضراته ، أنّه من المتأثرين بالوهابية ومن دعاتها ، ومن المعلوم أنّ الوهابية تعتقد بحرمة شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة المعروفة ، تمسكاً بالحديث النبوي : « لاتشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا ، والمسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ».
    ولكن نسأل الأُستاذ وأعضاء الوفد كيف شدّوا الرحال إلى زيارة قبور أبي حامد الغزالي ، وسعدي الشيرازي ، وخواجه حافظ الدين وقد دفنوا في مشارق إيران ومغاربها ، فقد تجوّل الوفد لزيارة هذه القبور من العاصمة إلى الشرق ، ومنه إلى الجنوب ، ما هذا التناقض بين العقيدة والعمل ، والفكرة والتطبيق ، أفهل يسوغ شدّ الرحال إلى زيارة الشعراء وأصحاب الملحمات ، ويحرم شدّها إلى زيارة ضريح الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟!
    وأعجب منه انّ الأُستاذ اشتاق إلى زيارة ضريح هارون الرشيد الّذي سمّ الإمام الطاهر موسى بن جعفر ( عليه السلام ) وحبس كثيراً من العلويين في سجونه الّتي لا يتميز فيها النهار من الليل ، وكان له من الجنايات والفضائح ما تزخر به كتب التاريخ.
    3. وأعجب من ذلك ، التناقضات الصارخة بين ما جاء في تلك الرسالة في حق الشعب الإيراني وما جاء في الرسالة الثانية في حق هذا الشعب بعد قيام


(476)
الثورة الإسلامية ، مع أنّ الأُمّة هي الأُمّة لم يتغير منها شيء إلاّ النظام السائد عليها في الفترة الأُولى ، فتبدّلت الحكومة الفردية الملكية ، إلى الجمهورية الإسلامية المباركة.
    ومقتضى الطبع أن تكون الأُمّة في الفترة الثانية ، أشد تمسكاً بالقيم والأخلاق والكتاب والسنّة وأحرى بالمدح والتمجيد ، ومع ذلك فوصفها في الكتاب الثاني عنهم ، يصور تدهور الشعب الإيراني فيما يرجع الى صلب الدين ، وإليك مقارنة البيانين :

الملامح العامة للشعب الإيراني في الرسالة الأُولى
    أ. انّ أوّل شيء بهرنا وأثار فينا الاستغراب مع الإعجاب ، والحيرة مع المسرة هي قوة العاطفة الإسلامية وشدة رغبة إخواننا الإيرانيين على اختلاف طبقاتهم وثقافاتهم في الوحدة الإسلامية والالتقاء على صعيد واحد من جوهر الإسلام ومبادئه الأوّلية ، وأعترف هنا أنّنا لم نكن نتوقع هذه الموجة القوية من حب الوحدة ومد يد الأُخوة والصداقة إلى سائر المسلمين في العالم ، وتكوين جبهة موحدة ضد اللادينية الّتي تتحدى جميع الأديان وجميع القيم الخلقية.
    ب. والشيء الثاني ما لمسناه في هذه الزيارة من عناية زائدة بالآثار الإسلامية والتأليف باللغة العربية ، وإحياء التراث الإسلامي ، ونشر آثار علماء الإسلام ، والاعتناء الزائد بالمصاحف الأثرية ، وتزيينها ممّا يدل على التقدير والإجلال والاحترام والاهتمام وقراءة القرآن وأكثره من صوت القرّاء المصريين المسجل في المشاهد والحفلات باحترامها ، وذلك يدل على الإيمان وإجلال القرآن.


(477)
    ج. الغيرة الدينية ومحاربة الحركات الهدّامة الثائرة على الإسلام.
    د. دماثة الخلق ورقّة العاطفة وكرم الضيافة والتواضع الزائد الّذي يلقى به المسلم الإيراني أخاه الوافد من بلاد الإسلام ، وإشعاره بأنّه بين إخوانه وأحبّائه وفي بلده. (1)

الملامح العامة للشعب الإيراني في الرسالة الثانية
    هذا ما عرّف به الكاتب الشعب الإيراني بما أنّهم يمثلون مذهب الشيعة الإمامية في المجتمع الإسلامي ، وإليك ما يذكره الأُستاذ عنهم في الرسالة الثانية كأنّه نسى ما ذكره في أُولاهما :
    يقول :
    1. « ونتيجة لما مر من آراء ومعتقدات الشيعة عن القرآن الكريم ، فانّهم لا يهتمون بالقرآن ولا يرتبطون به عملياً ، وانّ الشيعة لا يوجد فيهم حفظة القرآن ، وذلك نتيجة نفسية الشك في صحة القرآن الكريم وأصالته ، وقد جربت ذلك شخصياً لدى رحتلي إلى إيران عام 1973 م » !!
    بالله عليك أيّها الأُستاذ ، لو كان الشعب الإيراني ـ كما زعمت ـ شاكاً في صحة القرآن الكريم ، فما معنى قولك في الرسالة الأُولى في الفقرة الثانية : « الاعتناء الزائد بالمصاحف الأثرية وتزيينها ... وذلك يدل على الإيمان وإجلال القرآن » فهل يجتمع الإيمان بالقرآن مع الشك فيه؟!!
    كيف تتهم الإيرانيين بعدم الاهتمام بالقرآن وحفظه وقد وقف الأصم
    1 ـ اسمعي يا إيران : 20 ـ 23 بتلخيص.

(478)
والأبكم فضلاً عن السميع والبصير على أنّهم شاركوا في مسابقات عديدة لقراءة القرآن وحفظه في البلاد الإسلامية المختلفة وفازوا بالرتب الأُولى ، مرة بعد أُخرى ، وأحياناً كانوا في الدرجة الثانية من الفائزين ، ونحن نكتب هذه السطور انعقدت مسابقة دولية لتلاوة القرآن وحفظه في مسجد الإرشاد في طهران ، اشترك فيها قرّاء من 26 بلداً إسلامياً آسيوياً وأفريقياً ، وتستغرق المسابقة خمسة أيام ، وذكرت الأنباء أنّ سيرلانكا ، ماليزيا ، تنزانيا ، موريتانيا ، عمان ، الهند ، غانا ، باكستان ، سورية ، بالإضافة إلى عدد آخر من الأقطار المسلمة ، قد بعثت مشاركين إلى المؤتمر ، وتقيم الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها ولحد الآن مسابقات دولية سنوية لحفظ وقراءة وتفسير وبيان مفاهيم القرآن الكريم بمناسبة عيد المبعث النبوي في 27 رجب ، وكان آخرها المسابقة الّتي أُقيمت في طهران هذا العام ( 1420 هـ ).
    وهذه هي إذاعة القرآن الّتي أُسست بصورة مستقلة في الجمهورية الإسلامية وتبث القرآن قراءة وتعليماً وعلوماً عدة ساعات كل يوم ، فهو خير شاهد على ما قلناه.
    وهؤلاء هم حفظة القرآن في عاصمة الجمهورية الإسلامية ، وسائر بلدانها يقرأون القرآن في المجالس والمحافل عن ظهر القلب ، ويشتركون في المسابقات الدولية والمؤتمرات العالمية ويفوزون وهم بين طفل لم يبلغ الحلم ، أو شاب يافع ، أو كهل ، أو شيخ طاعن في السن.

النشاطات القرآنية في الجمهورية الإسلامية
    على الرغم ممّا نسب الكاتب إلى الشعب المسلم في إيران من عدم إيمانه بصحة القرآن الكريم والقول بتحريفه ، فنحن نجد في هذا البلد الإسلامي


(479)
نشاطات واسعة وجادة حول القرآن الكريم بعد الثورة الإسلامية قلمّايوجد لها نظير في سائر العواصم والبلاد الإسلامية.
    ونحن نشير إلى أبرز هذه النشاطات باختصار ، مضافاً إلى ما أشرنا من تأسيس إذاعة خاصة بالقرآن :
    1. تأليف ووضع دائرة المعارف القرآنية تضم كل المعلومات الّتي ترتبط بالقرآن الكريم.
    2. فتح جناح خاص بكنوز القرآن يضم أقدم المخطوطات القرآنية ، وذلك في مؤسسة دار القرآن الكريم في قم وطهران.
    3. تأسيس مؤسسة خاصة باسم « بنياد قرآن » منذ سنين تهتم بنشر كل مايرتبط بالقرآن ويدور حوله من مؤلفات ، وقد طبعت إلى الآن عشرات الكتب والرسائل لمختلف علماء الإسلام.
    4. الاهتمام بتعليم القرآن بطريقة سريعة وميسرة ، وذلك بابتكار طريقة تتكفل تعليم قراءة القرآن لغير الناطقين بالعربية خلال ثلاين ساعة أو أقل من ذلك.
    5. تأليف كتاب يضم أكثر من ثلاثمائة حديث مروياً عن النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) تحت أبواب مختلفة باسم « القرآن في أحاديث النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين » تأليف جعفر الهادي ، وقد أُلّف للحث والتشجيع على تعلّم القرآن الكريم والعناية به قراءة وحفظاً وتجويداً ، طبعته مؤسسة تحفيظ القرآن الكريم في طهران عاصمة الجمهورية الإسلامية ، مرة في القاهرة ، ومرات في إيران ، ووزّع في كثير من البلاد الإسلامية.
    والروايات المتضافرة المنقولة في هذا الكتاب تمثل نظرية أهل البيت


(480)
وشيعتهم في القرآن الكريم : ( وَ إِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيم حَمِيد ) (1) ، وأي باطل أشوه وأفظع من تطرق النقصان إليه ، سبحانك أنت القائل : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (2) ، وأنت حفظته من إبطال المبطلين.
     2. وأضاف قائلاً : « إنّ مكتبات الاثنا عشرية لا تحتوي على آثار ونماذج كثيرة لخدمة القرآن والتأليف بمختلف مطبوعاته ولاتشهد بالحركة العلمية القوية في باين إعجازه وما يشتمل عليه من علوم وحقائق » !!
    أقول : لو كانت مكتبات الشيعة الإمامية على ما وصفت ، فما معنى قولك في الفقرة الثانية من الرسالة الأُولى : « والشيء الثاني ما لمسناه في هذه الزيارة من عناية زائدة بالآثار الإسلامية والتأليف باللغة العربية وإحياء التراث الإسلامي ونشر آثار علماء الإسلام والاعتناء الزائد بالمصاحف » ؟!!
    إنّ الشيعة الإمامية تهتم بالقرآن الكريم ، لأنّه الثقل الأكبر الّذي تركه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بين الأُمّة وانّ الكتب والرسائل الّتي أُلّفت بيد تلك الأُمّة حول القرآن الكريم تتجاوز المئات ، وانّ الفهارس المطبوعة تغنينا عن طرح أسمائها.
    إنّي لأعذر الأُستاذ في عدم وقوفه على كتب الشيعة في التفسير وعلوم القرآن وتبيين طرق إعجازه ، إذ ليست بينه وبينهم أية صلة ، حتّى أنّه بعد زيارته إيران لم يلتق بالعلماء الربّانيين الذين كرّسوا حياتهم لخدمة العلوم والمسائل الإسلامية ولم يلتق إلاّ بمن سمحت مديرية الأوقاف بزيارته ولقائه ، ولم يزر المكتبات العامة الكبيرة المليئة بنفائس الكتب المخطوطة والمطبوعة ، ولم يجالس علماء الشيعة
    1 ـ فصلت : 41 ـ 42.
    2 ـ الحجر : 9.
مفاهيم القرآن ـ جلد الخامس ::: فهرس