مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: 31 ـ 40
(31)
    أمّا المقدمة فقد أرشدنا القرآن إليها ، إذ وعد فيها المؤمنين كما أوعد الكافرين والمنافقين.
    وأمّا الحكم العقلي فهو انّ غضّ النظر عن عقاب العاصي لا يخلُّ بالعدل ، ولكن الخلف بالوعد قبيح عند العقل.
    وليس لإنجاز وعده وقت سوى حشر الناس بعد الموت.
    وأمّا الآيات الواردة في هذا المضمار فهي على أصناف :
    فصنف يدل على أنّ قيام القيامة وعد من اللّه سبحانه ، وصنف آخر يدل على أنّه ظرف لمجلى وعده ووعيده.
    وصنف ثالث يدلّ على أنّ هذا الوعد قطعيّ الوقوع والتحقق ، وإليك البيان :
    أمّا الصنف الأوّل فيدل عليه الآيتان التاليتان :
    قال سبحانه : ( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْق نُعيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنّا كُنّا فاعِلين ). (1)
    وقال سبحانه : ( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتّى يُلاقُوا يَومَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ). (2)
    وأمّا الصنف الثاني فقد وردت فيه الآيات التالية :
    قال سبحانه : ( وَأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعيد * هذا ما تُوعَدُون ). (3)
    وقال سبحانه : ( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لمَوعِدُهُمْ أَجْمَعين ). (4)
1 ـ الأنبياء : 104.
2 ـ الزخرف : 83.
3 ـ ق : 31 ـ 32.
4 ـ الحجر : 43.


(32)
    وقال سبحانه : ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزابِ فَالنّارُ مَوعِدُهُ ). (1)
    وهناك صنف ثالث يدل على أنّ هذا الوعد قطعي الوقوع والتحقّق.
    قال سبحانه : ( رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَوم لا رَيْبَ فيهِ إِنَّ اللّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعاد ). (2)
    وقال سبحانه : ( وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنِّكَ لا تُخْلِفُ الْميعاد ). (3)
    ثمّ إنّ المتكلّمين استدلوا على لزوم المعاد بأمرين ، أشار إليهما المحقّق الطوسي في تجريد الاعتقاد ، بقوله : « ووجوب إيفاء الوعد والحكمة تقتضي وجوب البعث ». (4)
    ففي هذه العبارة إشارة إلى دليلين :
    الأوّل : وجوب إيفاء الوعد ، وهذا هو الذي مرّ بيانه آنفاً.
    الثاني : الحكمة ، ولعلّها إشارة إلى ما مرّ من أنّ الحشر هو رمز الخلقة.

4. المعاد مظهر رحمته الواسعة
    يستفاد من بعض الآيات انّ حشر الناس يوم القيامة من مظاهر رحمته سبحانه وانّه التزم على نفسه أن ينظر إلى العباد بعين الرحمة ولذلك حشرهم يوم القيامة ، قال سبحانه :
    ( قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ قُلْ للّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ
1 ـ هود : 17.
2 ـ آل عمران : 9.
3. آل عمران : 194.
4 ـ كشف المراد : المقصد السادس ، المسألة الرابعة.


(33)
لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ القِيامَةِ لا رَيْبَ فيه الَّذينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ). (1)
    تجد انّه سبحانه يردف قوله : ( كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَة ) بقوله : ( لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ القِيامَة ) مشعراً بأنّ جمع الناس يوم القيامة من مظاهر رحمته.
    وثمة سؤال وهو انّه كيف يكون حشر الناس من مظاهر رحمته مع أنّ الكفّار و المنافقين معذّبون في الدرك الأسفل من النّار ؟
    والإجابة عنها واضحة.
    إذ انّ الهدف من وراء البعث و النشور إيصال كلّ ممكن إلى كماله المطلوب ، ونيل الرحمة الإلهية وهو غاية طبيعية للحشر ، فلو تخلّف الكافر عن نيل ذلك الكمال والرحمة فلا يضرّ بالهدف المتوخّى من البعث.
    وهذا نظير الامتحان ، فانّ الغاية منه إظهار ما في كنه الممتَحن من الكمال على نحو لولاه لما ظهر ، فمثلاً ابتلاء إبراهيم بذبح إسماعيل كان سبباً لظهور الكمالات الكامنة فيه كالاخلاص للّه.
    وعلى ضوء هذا فانّ رسوب شخص لا يضرّ بالغاية المتوخاة منه ، مادام التقصير يعود إلى الراسب لا غير.
    ونظيره المقام ، فالغرض من خلق الإنسان وبعثه شيء واحد ، وهو إيصاله إلى الكمال المطلوب ، فلو قصر الكافر فيكون هو المسؤول في ذلك المجال فحسب.
1 ـ الأنعام : 12.

(34)
5. المعاد نهاية السير التكاملي للإنسان
    قالت الحكماء : إنّ الحركة تتوقف على أُمور ستة :
    1. المقولة ، أي ما يقع فيه الحركة كالكيف.
    2. العلّة الفاعلية التي يعبر عنها بالمحرّك.
    3. العلّة المادية التي تقبل الحركة.
    4. الزمان أي مقدار الحركة.
    5. المبدأ.
    6. المنتهى ( العلّة الغائية ).
    فهذه الأُمور ممّا لا تنفك عن الحركة ومنها الغاية التي تتحرك المقولة إليها وتسكن عندها ، و الإنسان منذ نشوئه في رحم أُمّه لم يزل متحركاً من صورة إلى صورة ومن حالة إلى حالة ، وتستمرّ الحركة معه حتى بعد ولادته فلا تزال تتوارد عليه الصور ، فلا ترى له قراراً وثباتاً مادام في عالم الطبيعة.
    وحيث إنّ الغاية من لوازم الحركة فيجب أن تكون لحركة الإنسان غاية تُعد الكمال المطلوب لحركته ، وهذه الغاية غير متحققة في عالم الطبيعة بل في الآخرة ليصل المتحرك إلى كماله المطلوب.
    وهذا البرهان الفلسفي يثبت وجود النشأة الأُخرى التي تعد غاية وهدفاً لحركة الإنسان من النقص إلى الكمال.
    ويمكن استظهار ذلك البرهان من طوائف من الآيات :
    1. الآيات التي تتكفل لبيان المراحل التي مرّت على خلقة الإنسان وانتهت إلى بعثه يوم القيامة.


(35)
    قال سبحانه : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسانَ مِنْ سُلالَة مِنْ طِين * ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرار مَكِين * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَونَا العِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأَناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنَ الْخالِقينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُون * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَة تُبْعَثُونَ ). (1)
    فالمراحل التي مرّت على الإنسان منذ أن كان خلية في رحم أُمّه إلى أن صار بشراً سوياً تحكي عن عدم ثباته وقراره وحركته وتحوله المرافق لعدم تحقق الغاية وإنّما يستقر بانتقاله من هذه النشأة إلى نشأة أُخرى وبعثه يوم القيامة.
    فالآيات الآنفة الذكر إلى قوله : ( ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُون ) تُبيّن حركة الإنسان وتحوله المستمر ، وقوله : ( ثُمَّ إِنَّكُمْ ... ) تبيّن حصول الغاية التي تلازم قراره وثباته واستقراره.
    2. الآيات التي تتكفّل لبيان خلق الإنسان من نطفة ثمّ يحكم عليه بالنشأة الأُخرى إيماء إلى ذلك البرهان ، قال سبحانه : ( وَأَنّهُ خَلَقَ الزَّوجَينِ الذَّكَرَ وَالأُنْثى * مِنْ نُطْفَة إِذا تُمنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَشْأَةَ الأُخرى ). (2)
    وكأنّ النشأة الأُخرى غاية لحركة الإنسان من الصورة المنوية إلى الصورة الإنسانية.
    3. الآيات التي تصف يوم القيامة بأنّه المنتهى والمستقر والمساق والرجعى ودار القرار.
    قال سبحانه : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسانِ إِلاّ ما سَعى * وَانّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى * ثُمَّ يُجْزاهُ الجَزاءَ الأَوفَى * وَانّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى ). (3)
1 ـ المؤمنون : 12 ـ 16.
2 ـ النجم : 45 ـ 47.
3 ـ النجم : 39 ـ 42.


(36)
    وقال سبحانه : ( إِلى رَبّكَ يَومَئِذ الْمُسْتَقَر ). (1)
    وقال سبحانه : ( إِلى رَبِّكَ يَومَئِذ الْمَساق ). (2)
    وقال تعالى : ( إِنّ إِلى رَبّكَ الرُّجْعى ). (3)
    وقال عزّ من قائل : ( إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنّ الآخرَةَ هِيَ دارُ الْقَرار ). (4)
    وكأنّ وجود الإنسان في خِضمِّ بحر متلاطم تسوقه الأمواج العاتية من جانب إلى آخر فلم يزل في حركة وسيلان وتصرم حتى انتقاله إلى النشأة الأُخرى ، فعندئذ يصل إلى غايته المنشودة وتكون منتهى حركته واستقرار ذاته ووجوده ونهاية سيره إلى ربّه.
    وفي كلمات الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لمحات إلى هذا البرهان لمن تأمل فيها وأمعن النظر ، قال : « وإنّ الخلق لا مقصر لهم عن القيامة ، مرقلين في مضمارها إلى الغاية القصوى ». (5)
    وقد اعتمد على ذلك البرهان صدرالمتألهين وقرره بوجه واضح وقال :
    الآيات التي فيها ذكرت النطفة وأطوارها الكمالية وتقلّباتها من صورة أنقص إلى صورة أكمل ومن حال أدون إلى حال أعلى ، فالغرض من ذكرها إثبات انّ لهذه الأطوار والتحوّلات غاية أخيرة ، فللإنسان توجه طبيعي نحو الكمال ودين إلهي فطري في التقرب إلى المبدأ الفعال ، والكمال اللائق بحال الإنسان المخلوق
1 ـ القيامة : 12.
2 ـ القيامة : 30.
3 ـ العلق : 8.
4 ـ غافر : 39.
5 ـ نهج البلاغة : الخطبة156.


(37)
أوّلاً من هذه المواد الطبيعية ، والأركان لا يوجد في هذا العالم الأدنى ، بل في عالم الآخرة التي إليها الرجعى وفيها الغاية والمنتهى ، فبالضرورة إذا استوفى الإنسان جميع المراتب الخلقية الواقعة في حدود حركته الجوهرية الفطرية من الجمادية والنباتية والحيوانية وبلغ أشدّه الصوري وتمّ وجوده الدنيوي الحيواني فلابدّ أن يتوجّه نحو النشأة الآخرة ، ويخرج من القوة إلى الفعل ، ومن الدنيا إلى الأُخرى ، ثمّ المولى وهو غاية الغايات منتهى الأشواق والحركات. (1)

6. المعاد ، مظهر ربوبيته
    الربّ في اللغة بمعنى الصاحب ، يقال : « ربّ الدار » و « رب الضيعة » وشأن الرب هو تدبير المربوب وإيصاله إلى الكمال وصيانته عن الزوال كما هو حال صاحب الدار والضيعة ، وبذلك يعلم انّ الربوبية غير الخالقية ، فالثانية هي مرحلة الإيجاد والإنشاء ، وأمّا الأُولى فهي مرحلة المحافظة على المُنشأ وتربيته وسوقه إلى الكمال.
    وحيث إنّ حقيقة الربوبية والمربوبية في الإنسان تتجلّى في كونه عبداً للّه تبارك وتعالى ، وشأن العبد هو الإطاعة بما أمر ونهى عنه والتجنّب عن معصيته ومخالفته ، ولا ينفك ذلك عن يوم يحاسب فيه العبد حتى يتجلّى مدى إطاعته وامتثاله ، ولذلك نرى أنّه سبحانه حينما يخبر عن لقاء الإنسان يوم القيامة يؤكد على ربوبيته ويقول : ( يا أَيُّهَا الإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقيهِ ) (2) فكأنّ مقتضى الربوبية مثول العبد أمام اللّه تبارك وتعالى في يوم يحاسب فيجزى حسب ما عمل ، وقال سبحانه : ( وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجبٌ قَولُهُمْ أإِذا كُنّا تُراباً أءِنّا لَفِي
1 ـ الأسفار : 9/159.
2 ـ الانشقاق : 6.


(38)
خَلْق جَدِيد أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ). (1)
    فكأنّ منكر المعاد يكفر بربوبية اللّه تبارك و تعالى ولو أذعن بها لما أنكر المعاد ، إذ هو اليوم الذي يحشر فيه جميع العباد للسؤال بمقتضى الربوبية.

الدوافع والشبهات لإنكار المعاد
    إنّ الإيمان بالمعاد كالتوحيد أصلان لا ينفكان ، وقد أُمر الأنبياء بتبليغهما وتعليمهما للناس ليؤمنوا بأنّ الربَّ واحد وانّ اللّه يبعث من في القبور.
    وقد كان الإيمان بالمعاد شديد الوقع على أكثر الناس في العهود السابقة لا سيما في العهد النبوي فراحوا ينكرونه بشدة ، ودفعهم إلى ذلك أمران :
    الأمر الأوّل : الدوافع النفسية التي تدفعهم إلى إنكار المعاد وعدم قبوله.
    الأمر الثاني : الشبهات الطارئة على أذهانهم.
    وقد ذكر القرآن شيئاً من الدوافع والشبهات ، فها نحن نستعرض الدوافع أوّلاً ، ثمّ نعقبه ببيان الشبهات :

الدوافع النفسية لإنكار المعاد
    إنّ الإيمان بيوم الحساب وانّ الإنسان سيجزى بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر ، يفرض بحسب طبيعته ، قيوداً وحدوداً لا ينبغي تجاوزها هذا من جانب ، ومن جانب آخر فالإنسان بطبعه ميّال إلى الدعة والراحة و إرضاء الغرائز الحيوانية بأي أُسلوب أمكن ، وهذان الأمران لا يجتمعان ولذلك وقفوا أمام دعوة الأنبياء بإنكار المعاد ، وقد أُشير إلى ذلك في القرآن الكريم ، قال سبحانه :
1 ـ الرعد : 5.

(39)
    ( أَيَحْسَبُ الإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ). (1)
    ففي هذه الآية يذكر القرآن الشبهة الطارئة على أذهانهم ويجيب عنها كما يأتي ، ولكنّه سبحانه يتعرض بعد هاتين الآيتين إلى الدافع الحقيقي من وراء إنكار المعاد ، وهو انّ الإنسان يريد أن يتحرّر عن كلّ قيد وحاجز ، والإيمان بالمعاد يكبّله بالقيود ، يقول سبحانه :
    ( بَلْ يُرِيدُالإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ * يَسْأَلُ أَيّانَ يَومُ القِيامَة ). (2)
    فالفجر في اللغة بمعنى الشق ، فكأنّ الإنسان العاصي يريد أن يشقَّ القيود والحدود ويرفع الموانع أمام غرائزه الجامحة ويكون إنساناً متحرراً عن كلّ التزام وشرط.

الدوافع السياسية لإنكار المعاد
    وهناك دافع آخر ، وهو انّ المنكرين كانوا أصحاب قدرة ونفوذ وكبر ونخوة ، والعقيدة بالمعاد تنازع سلطتهم وتحدّمن نفوذهم ، وهؤلاء هم الذين يعبّر عنهم القرآن الكريم بالملأ ، يقول سبحانه :
    ( وَقالَ المَلأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاّبَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأَكُلُ مِمّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلُكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُون * أَيَعِدُكُمْ أَنّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً
1 ـ القيامة : 3 ـ 4.
2 ـ القيامة : 5 ـ 6.


(40)
وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ * هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ * إِنْ هِيَ إِلاّحَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثين * إِنْ هُوَ إِلاّرَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤمِنينَ ). (1)
    إنّ الإمعان في هذه الآيات يثبت انّ المنكرين للمعاد كانوا من الأشراف والأعيان الذين يعبّر عنهم القرآن بالملأ ، وكانوا ينكرون المعاد لدافعين :
    الأوّل : الدافع النفسي ، وهو الترف و الرفاه كما يعرّفهم قوله سبحانه : ( وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الحَياةِ الدُّنْيا ) ومن الواضح انّ الإيمان بالمعاد يحدَّ من ترفهم ويضع قيوداً لروحهم ورواحهم.
    الثاني : الدافع السياسي ، وهو توطيد سلطانهم وحفظ نفوذهم فراحوا يخاطبون من يخضع لسياستهم ونفوذهم بالقول ( أَيَعِدكُمْ أَنّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ * هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُون ).
    ويشير في آية أُخرى إلى أنّ ما يطرحه هؤلاء من الشبهات تعد واجهة لما يكنّون من الدوافع ، وهو تكذيب الأنبياء ، ولولا التكذيب لخضعوا للحق ، يقول سبحانه :
    ( أإِذا مِتْنا وَكُنّا تُراباً ذلِكَ رجْعٌ بَعيد * قَدْ عَلِمنا ما تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذّبُوا بِالحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ فَهُمْ في أَمْر مَريج ). (2)
    فالآية تطرح شبهاتهم في صدرها ( وسيوافيك بيانها ) ولكن تعود وتؤكد على أنّ الدافع الحقيقي شيء آخر وهو ( بَلْ كَذّبوا بِالحقّ لمّاجاءَهم ).
    وقد تكرّر ذلك في آية أُخرى ، قال سبحانه : ( وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الأَرضِ
1 ـ المؤمنون : 33 ـ 38.
2 ـ ق : 3 ـ 5.
مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: فهرس