مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: 141 ـ 150
(141)
الحقائق العلوية.
    حيث يقول : دلّ العقل على أنّ سعادة النفوس في معرفة اللّه تعالى ومحبته ، وعلى أنّ سعادة الأبدان في إدراك المحسوسات ، ودلّ الاستقراء على أنّ الجمع بين هاتين السعادتين في الحياة الدنيا غير ممكن ، وذلك انّ الإنسان حال استغراقه في تجلّي أنوار عالم الغيب لا يمكنه الالتفات إلى اللّذات الحسية ، وإن أمكن كان على ضعف جداً بحيث لا يعد التذاذاً ، وبالعكس ، لكن تعذر ذلك ، سببه ضعف النفوس البشرية هنا ، فمع مفارقتها واستمدادها الفيض من عالم القدس تقوى وتشرق ، فمع إعادتها إلى أبدانها غير بعيد أن تصير هناك قوية على الجمع بين السعادتين على الوجه التام وهو الغاية القصوى في مراتب السعادة. قالوا : وهذا لم يقم على امتناعه برهان ، فلذلك أثبتوا المعادين. (1)
1 ـ اللوامع الإلهية : 378.

(142)
الفصل الحادي عشر :
المعاد الجسماني والتناسخ
    التناسخ مأخوذ من نسخ وهو يتضمن معنيين ، التحوّل والانتقال أوّلاً ، والتعاقب بين الظاهرتين ثانياً ، يقول الراغب في مفرداته : النسخ إزالة شيء بشيء يتعاقبه ، كنسخ الشمس الظل ، والظل الشمس ، والشيب الشباب.
    غير أنّ التناسخ الذي يبحث عنه في المعاد لا يتضمن إلاّالقيد الأوّل وهو الانتقال ، وأمّا التعاقب ومجيئ الظاهرة الثانية بعد الظاهرة الأُولى فليس هو شرطاً ، نعم هو شرط في النسخ الشرعي ، حيث إنّ نسخ حكم يلازم تشريع حكم ثان يزيله وينسخه ، وإليك أنواع الانتقال :
    الأوّل : انتقال النفس الإنسانية من النشأة الأُولى إلى النشأة الآخرة.
    الثاني : انتقال النفس في هذه النشأة من مرتبة إلى مرتبة أفضل في ظل الحركة الجوهرية كما هو الحال في الطفل الوليد.
    الثالث : انتقال النفس بعد خروجها عن هذه الدنيا إلى خلية نباتية أو نطفة حيوانية أو جنين إنساني.
    وفي الحقيقة لا يراد من التناسخ المصطلح إلاّ الثالث ، وحقيقته أنّ الإنسان بعد موته ينتقل إلى هذه النشأة ، سواء انتقلت إلى جسم نباتي أو حيواني أو إنساني ،


(143)
ولازم ذلك أنّ الروح بعدما تكاملت وتبدّلت قواها إلى الفعلية تأخذ بالقوس النزولي فيتعلق بالنبات والحيوان والجنين فتبدأ حياتها من جديد ، فتجزى حسب أعماله في الحياة السابقة ، هذا هو التناسخ المصطلح بين الإسلاميين وفلاسفة الاغريق.
    وكثيراً ما يلتجئ إلى هذه الفرضية من ينكر المعاد ، لأنّ رجوعه إلى عالم الدنيا لأجل الجزاء ، ومعه لا حاجة إلى المعاد.
    ذهب القائلون بالتناسخ إلى أنّ الإنسان في هذه الدنيا بين محسن ومسيء فيعود إلى الدنيا ليجزى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، فما يرى من ابتلاء طائفة بالمصائب والمتاعب فإنّما هي جزاء أعمالها السيئة ، بخلاف طائفة أُخرى حيث ترغد بالعيش والرفاه التي هي نتيجة أعمالها الحسنة.
    وثمة نكتة جديرة بالذكر وهي أنّ أكثر من يروّج تلك الفكرة هم أصحاب السلطة والنفوذ الذين يمتلكون المال والجاه الواسع ، يروّجون التناسخ ليبرّروا به الأعمال الجائرة التي يقترفونها والأوضاع السيئة التي يعاني منها الفقراء والمساكين. فنعيماً على الطائفة الأُولى وبؤساً على الطائفة الثانية ، جزاءاً بما كانوا يعملون في الحياة الأُولى ، هذا هو منطقهم الواهي.
    فلو قيل بأنّ الدين أفيون الشعوب ، فإنّما يصحّ في حقّ هذا النوع من الدين الذي يبرر به اعمال تلك الطغمة الغاشمة.
    والعجب انّ هذه الفكرة تسرّبت إلى أُمّة تعيش بين غنى مفرط وفقر مدقع كالهنود ، فأضحت تلك الفكرة ونشرها بين الضعفاء عائقاً يمنعهم عن أيّ ثورة عارمة ضد الظلم والعدوان بزعم أنّ الثائرين أحقّ بالوضع الموجود ، كما أنّ أصحاب السلطة أحقّ بما هم عليه.
    وعلى أيّة حال فلنتناول الموضوع بالبحث من منظار القواعد الفلسفية العقلية.


(144)
أقسام التناسخ
    التناسخ عند القائلين به على أقسام نطرحها على طاولة البحث :

أ. التناسخ المطلق أو اللا محدود
    يطلق التناسخ ويراد منه خروج النفس من بدن إلى بدن آخر على وجه الاستمرار وذلك ، لأنّ النفوس البشرية عند خروجها من البدن ليست مجرّدة كاملة ، فلا مانع من تعلّقها ببدن آخر ، وثالث ، ورابع ، وهكذا تستمر في تقمصها الأبدان.
    يقول شارح حكمة الإشراق : ومن القدماء من يقول بعدم تجرّد جميع النفوس بعد المفارقة ، وهم المترفون ب ـ « التناسخية » فانّهم يزعمون أنّ النفوس جرمية دائمة الانتقال في الحيوانات ، وهؤلاء أضعف الحكماء وأقلّهم تحصيلاً.
    ثمّ أورد عليه بأنّ العناية الإلهية تقتضي إيصال كلّ ذي كمال إلى كماله ، وكمال النفس الناطقة العلمي ، صيرورتها عقلاً مستفاداً فيها جميع صور الموجودات ، والعملي تجرّدها عن العلائق البدنية ، فلو كانت دائمة الانتقال كانت ممنوعة عن كمالها أزلاً وأبداً ، وهو محال. (1)
    وهذا النوع من التناسخ على طرف النقيض من القول بالمعاد ، إذ لا ينقطع تعلّقها بالبدن الدنيوي مادامت موجودة ، فلا مجال للمعاد عندئذ.

ب. التناسخ النزولي المحدود
    القائل بهذا النوع من التناسخ يدّعي أنّ النفوس على صنفين ، فصنف يبلغ
1 ـ شرح حكمة الإشراق : شمس الدين محمد الشهرزوري : 519 ، بتحقيق حسين الضيائي التربتي.

(145)
في الحكمة العلمية والعملية بمكان لا تعود حينها النفس إلى هذه النشأة بعد خروجها من البدن بل تلتحق بعالم المجرّدات والمفارقات ، ولا مسوِّغ لرجوعها إلى الدنيا لبلوغها الكمال المطلوب.
    وثمّة صنف آخر لم يكتسب من الكمال العلمي والعملي إلاّ شيئاً يسيراً ، ولذا استدعت الحاجة إلى عود النفس إلى النشأة الأُولى بغية بلوغها الكمال المطلوب ، وذلك من خلال الانتقال بين الأبدان.
    وهذا القسم من التناسخ ينقطع ببلوغ النفس المرتبة الكاملة من العلم والعمل بعودها إلى الدنيا مرّة بعد أُخرى.
    والفرق بين القسم الأول وهذا القسم من التناسخ من وجهين :
    الأوّل : هو عمومية الأوّل وشموليته لكافة الأفراد ، بخلاف الثاني فانّه يختص بغير الكمَّلين في العلم والعمل.
    الثاني : استمرار التناسخ عبْر الزمان دون أن يقف إلى حدّ معيّن في الأوّل ، دون الثاني ، الذي ربّما ينتهي ببلوغ النفس المستنسخة الكمالَ المطلوب في العلم والعمل.
    يقول شارح حكمة الإشراق : وأمّا الحكماء الأوائل كهرمس وانباذقلس وفيثاغورس وسقراط وإفلاطون و غيرهم من حكماء يونان ومصر وفارس والهند والصين ، وهم القائلون بتجرّد النفوس الكاملة بعد المفارقة البدنية ، إلى العالم العقلي المذكور ، وأمّا الناقصون فانّهم لا يتجرّدون بالكلية بل تتناسخ أرواحهم في أبدان الحيوانات الصامتة بحسب الهيئات الرديئة التي لهم ومناسبة أخلاقهم لأخلاق الحيوانات المنتقلة إليها. (1)
1 ـ شرح حكمة الإشراق : 519.

(146)
ج. التناسخ الصعودي
    إنّ النبات أكثر استعداداً من غيره من الأجسام لكسب الفيض ، كما أنّ الإنسان له قدر كبير من الاستعداد لإفاضة الحياة عليه بعد الحياتين : النباتية والحيوانية ، فعلى ضوء ذلك فقد تعلّقت مشيئته سبحانه على تعلّق الحياة في سيرها التكاملي بالنبات الأقرب إلى الحيوان ، ثمّ تنتقل منها إلى عالم الحشرات ، ومنها إلى الحيوانات هي أقرب إلى الإنسان ، ومنها تنتقل الحياة قفزة إلى الإنسان للاستكمال. (1)

التناسخ والمعاد
    التناسخ بالمعنى الأوّل : أي التناسخ المطلق اللامحدود على طرف النقيض من المعاد ، فالاعتقاد به يصدُّ الإنسان عن الإيمان بالمعاد.
    وهذا بخلاف التناسخ النزولي فقد عرفت أنّه ليس أمراً عامّاً لجميع أفراد البشر ، فالكاملون في العلم والعمل يلتحقون بعالم المجرّدات النورانية والمفارقات ، والناقصون فيهما يتكاملون شيئاً فشيئاً عبر الرجوع إلى الدنيا وانتقال أرواحهم بين الأبدان مرّة تلو أُخرى حتى تصل تلك الأرواح إلى كمالها المطلوب فلا تعود حينها إلى الدنيا.
    وأمّا التناسخ بالمعنى الثالث ـ أعني : التناسخ الصعودي ـ فلا ينافي القول بالمعاد ، وإنّما أخطأوا في تفسير تكامل النفس حيث جعلوا مدارج الكمال منفصلة بعضها عن بعض.
    فالنفس تارة تعيش في النبات الأقرب إلى الحيوان ثمّ تستقر في أوكار
1 ـ اسرار الحكم.

(147)
الحيوان ثمّ تنتقل إلى الإنسان ، وهي ترافق البدن حتى تنفصل عنه ويكون مصيرها إلى المعاد.
    والقائل بتلك النظرية لو جعل مدارج الكمال متصلة لشكّلت نقطة التقاء واضحة مع نظرية صدر المتألّهين ، فانّ النفس بناء على نظريته تمرّ بمراحل النبات والحيوان والإنسان بنحو مستمر دون أن يتخلّل في الوسط انفصال وخلاء في الموضوع ثمّ تعرج نحو المعاد.

التناسخ المطلق والعناية الإلهية
    1. انّ القائلين بالتناسخ المطلق أطاحوا بالمعاد زعماً منهم بأنّ القول به يغني عن الإيمان بالحياة الأُخرى ، لأنّ غاية المعاد هو الجزاء ، وهو حاصل بالقول بالتناسخ ، ولكن عزب عنهم أنّ الغاية من المعاد لا تنحصر في الجزاء ، بل هو ضرورة في عالم التكوين لإيصال كلّ موجود إلى كماله المطلوب ، وهذا لا يحصل إلاّ بانتقال الإنسان إلى النشأة الأُخرى. وقد أقمنا براهينه الستة في صدر الكتاب.
    2. انّ النفس على القول بالتناسخ المطلق ( أي انتقال النفس من بدن إلى بدن ) لا تخلو إمّا أن تكون عرضاً منطبعة في البدن الأوّل قائمة به ، أو تكون جوهراً ، لها حظ من التجرّد ، وإن كان لها علقة بالمادة.
    ففي الصورة الأُولى يلزم انتقال العرض من موضوع إلى موضوع ، وهو أمر محال ، لأنّ واقع العرض عبارة عن قيامه بالموضوع ، وهذا لا ينفك عنه أبداً ، فهناك أُمور ثلاثة :
    أ. النفس في البدن الأوّل.
    ب. النفس حالة الانتقال من البدن الأوّل إلى الثاني.
    ج. النفس بعد الانتقال إلى البدن الثاني.


(148)
    لا غبار في الأوّل والثالث لقيام العرض في موضوعه.
    إنّما الكلام في واقع العرض حال الانتقال فيلزم في هذه الحال قيام العرض بلا موضوع ، وهو من الاستحالة بمكان.
    وأمّا في الصورة الثانية ، أعني : تعلّق النفس التي لها حظ من التجرّد ، بالبدن استمراراً ، وهذا أيضاً محال ، لأنّه يلزم أن لا يصل الموجود القابل ، إلى كماله مع أنّ له قابلية الوصول ، لأنّ النفس مجرّدة ذاتاً ومادية فعلاً ، فلو كان تعلّقها بالمادة دائمياً يلزم أن يكون فعله سبحانه على خلاف عنايته من إيصال كلّ موجود إلى كماله.
    يقول صدر المتألّهين في بيان الشقين : إنّ النفس إمّا أن تكون منطبعة في الأبدان ، أو مجرّدة ، وكلاهما محال ، أمّا الأوّل فلما عرفت من استحالة انطباع النفوس الإنسانية ، ومع استحالته مناف لمذهبهم أيضاً لامتناع انتقال المنطبعات صوراً كانت أو اعراضاً من محلّ إلى محل آخر مبائن للأوّل.
    وأمّا الثاني فانّ العناية الإلهية تأبى ذلك ، لأنّها مقتضية لإيصال كلّ موجود إلى غايته وكماله ، وكمال النفس المجردة إمّا العلمي فبصيرورتها عقلاً مستفاداً فيها صور جميع الموجودات ، وإمّا العملي فبانقطاعها عن هذه التعلّقات وتخليتها عن رذائل الأخلاق ومساوئ الأعمال ، وصفاء مرآتها عن الكدورات ، فلو كانت دائمة التردد في الأجساد من غير خلاص إلى النشأة الأُخرى ولا اتصال إلى ملكوت ربّنا الأعلى كانت ممنوعة عن كمالها اللائق بها أبد الدهر والعناية تأبى ذلك. (1)
    وما ذكره ( قدس سره ) في الفرض الثاني لا يخلو عن مناقشة ، لأنّ تعلّق النفس بالبدن لا يكون مانعاً عن سيرها وصعودها نحو الكمال ، وإلاّ يلزم أن يكون تعلّق النفس بالبدن في النشأة الأُخرى مانعاً عن سيرها التكاملي ، مع أنّك عرفت تضافر الآيات
1 ـ الأسفار : 9/7.

(149)
على جسمانية الحشر.
    والحقّ في الجواب أن يقال : إنّ القول بالتناسخ المستمر حتى فيما إذا كانت النفس جوهراً مجرداً يلزم نفي الحشر والمعاد ، وقد عرفت تضافر الأدلّة على ضرورته وانّه من لوازم الخلقة وغاياتها ولا يمكن إخلاء الكون عن تلك الغاية.
    هذا كلّه حول التناسخ المستمر المطلق. وإليك البحث في القسمين الآخرين ، أعني : التناسخ النزولي والتناسخ الصعودي.

المعاد والتناسخ النزولي
    قد تقدّم أنّ الكاملين في العلم والعمل عند أصحاب هذا القول يلتحقون بالمفارقات والمجردات ولا يعودون إلى الدنيا ، وإنّما ترجع الطائفة التي لم تنل من العلم والعمل نصيباً وافراً عن طريق التعلق بالخليّة النباتية أو الحيوانية أو النطفة الإنسانية.
    قال في شرح حكمة الإشراق : النور الاسفهبد إذا فارق البدن الإنساني ولم يكتسب فيه الكمالات العقلية والهيئات الخلقية الفاضلة ، بل اكتسب فيه أضداد ذلك من الجهالات المركبة ، والأخلاق المذمومة ، فلا يشتاق إلى المبادئ النورانية والأُمور العقلية بل شوقه إلى ما تمكن فيه من الهيئات الظلمانية والآثار الجسمانية فينجذب لذلك بعد الموت إلى بعض الحيوانات المنتكسة الرؤوس التي أخلاقها مناسبة لتلك الهيئات الرديئة البدنية المتمكنة في ذاته. (1)
    والتناسخ بهذا المعنى غير صحيح ، لأنّ النفس الإنسانية في هذه النشأة إذا مكثت أربعين سنة مرافقة للبدن فسوف تكتسب فعليات ويتحول استعدادها إلى كمالات ، وعندئذ فلو تعلّقت بخلية من الخلايا الثلاث فإمّا أن تتعلّق بها مع حفظ
1 ـ شرح حكمة الإشراق : 522.

(150)
كمالاتها وفعلياتها ، أو تتعلّق بحذفها وسلبها عن نفسها.
    أمّا الصورة الأُولى فهي غير معقولة ، لأنّه يشترط في تدبير النفس للبدن وجود الانسجام الكامل بينهما وهو مفقود في النفس التي رافقت البدن طيلة 40 سنة وتعلّقت بخلية ليس لها من الفعلية سوى كونها قوة للكمال ، فكيف تكون تلك النفس مدبرة لها ؟
    وأمّا الصورة الثانية : فهي أيضاً كالصورة الأُولى ، لأنّ سلب تلك الكمالات رهن عامل داخلي أو خارجي ، أمّا الداخلي فهو غير ممكن إذ معنى ذلك انّ الحركة من الكمال إلى النقص خصيصة الشيء وهو غير متصوّر.
    وأمّا الخارجي فهو أيضاً كالأوّل ، لأنّ عنايته سبحانه تعلّقت بإرسال القوى إلى الكمال وإيصال كلّ ممكن إلى غايته المنشودة ، لا سلب الكمالات والفعليات عنه.
    وهذا هو الذي أشار إليه صدر المتألّهين في كلام مبسّط وما ذكرناه هو حصيلة مراده ، حيث قال : العمدة في بطلان التناسخ على جهة النزول ، أنّ الموجودات الصورية كالطبائع والنفوس متوجهة نحو غاياتها الوجودية خارجة عمّا لها من القوة الاستعدادية إلى الفعلية ، والنفس مادامت في بدنها يزيد بجوهرها وفعليتها فيصير شيئاً فشيئاً أقوى وجوداً وأشد تحصلاً سواء أكانت من السعداء في النشأة الأُخرى أو من الأشقياء ، وقوة الوجود يوجب الاستقلال في التجوهر والاستغناء عن المحل أو المتعلّق به حتى يصير المتصل منفصلاً والمقارن مفارقاً ، فكون النفس الإنسانية حين حدوثها في البدن مجردة الذات مادية الفعل ، وعند فساد البدن بحيث صارت مادية الذات والفعل جميعاً ، كما يلزم من كلامهم في نفوس الأشقياء حيث تصير بعد فساد البدن نفساً حيوانية غير مجردة ذاتاً وفعلاً ، كما رأوه ، ممّا يحكم البرهان على فساده ، ويصادمه القول بأنّ للأشياء غايات
مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: فهرس