مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: 321 ـ 330
(321)
    ب. أشرك وقتل النفس المحترمة.
    ج. أو اقترف المعاصي الثلاث.
    والاحتمال الأوّل من البعد بمكان ، إذ لو كان المراد مطلق من زنى ، فما هو الوجه لمضاعفة العقاب الذي أُشير إليه بقوله : ( يضاعف له العذاب ) ، والاحتمال الثاني لا يوافق القواعد العربية إذ لا يصحّ أن يذكر المتكلم أُموراً ثلاثة ثمّ يشير إلى الأمرين الأُوليين بلا قرينة ، فيتعين الاحتمال الثالث ، أي من اقترف الأُمور الثلاثة ، ويكون المراد من أشرك وقتل النفس المحترمة وارتكب الزنا.
    وهذا مما لا خلاف فيه ، لأنّ المشرك مخلد في النار ، ويؤيد ذلك أمران :
    أ. حكم عليه سبحانه بضعف العذاب ، وهذا يناسب المشرك.
    ب. استثنى في الآية التالية من تاب وآمن أي تاب من الشرك وآمن باللّه ، فهذا دليل على أنّ المستثنى منه هو من لم يؤمن باللّه سبحانه ، قال تعالى : ( إِلاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَنات وَكانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً ). (1)
    وبما ذكرنا يتضح وجه مضاعفة العذاب ، لأنّ الموضوع ليس هو مطلق المشرك بل المشرك الذي ضم إلى شركه في العقيدة ، قبيحاً في العمل ، وهو قتل النفس المحترمة وهتك الأعراض.

13. المعرضون عن القرآن
    أوعد سبحانه المعرضين عن الذكر بالخلود في النار ، يقول سبحانه :
1 ـ الفرقان : 70.

(322)
    ( كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنّا ذِكْراً * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَومَ القِيامَة وِزراً * خالِدينَ فِيهِ وساءَ لَهُمْ يَومَ القِيامَةِ حِمْلاً ). (1)
    إنّ الضمير في قوله : ( خالدين فيه ) يرجع إلى الوزر بمعنى العبء الثقيل ، و الخلود في الوزر كناية عن الخلود في جزائه وهو العذاب ، فينتج انّ المعرض عن الذكر يخلد في العذاب.
    ولكن المراد من المعرض ليس مطلق من أعرض عن تلاوته أو عن العمل ببعض أحكامه ، بل من لا يؤمن بالقرآن فيتركه مهجوراً ، وهو يساوق الكفر ، ولذلك يصف سبحانه المعرضين عن القرآن بالكفر وعدم الإيمان ، يقول سبحانه : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ انّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الهُدى فَلَنْ يَهْتَدوا إِذاً أَبَداً ). (2)
    ولا شكّ انّ الإعراض بهذا النحو الوارد في الآية يساوق الكفر.

14. المُطَفَّفُون في الميزان
    يقسّم القرآن الكريم الإنسان يوم المعاد إلى من ثقلت موازينه و من خفت موازينه ، فيقول : ( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون * وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ في جَهَنَّمَ خالِدُون ). (3)
    وظاهر هذه الآية هو خلود مطلق من خفّت موازينه في النار سواء أكان مؤمناً أم كافراً.
1 ـ طه : 99 ـ 101.
2 ـ الكهف : 57.
3 ـ المؤمنون : 102 ـ 103.


(323)
    ولكن سياق الآيات يدل على أنّ المراد ممن خفّت موازينه هم المكذبون بآيات اللّه سبحانه وأنبيائه ، يقول سبحانه بعد هذه الآية : ( أَلَمْ تَكُنْ آياتي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تكَذِّبُونَ ). (1)
    ويقول أيضاً : ( إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرّاحِمينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْري وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ). (2) فيستنتج ـ مع ملاحظة هذه الآيات ـ أنّ المحكومين بالخلود هم المكذبون وغير المؤمنين بيوم القيامة.

15. الآكلون للربا
    أوعد اللّه سبحانه آكلي الربا بالخلود في النار ، قال سبحانه :
    ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ المَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّما البَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ). (3)
    فالآية وإن كانت توعد مطلق آكل الربا بالخلود في النار ولكن قوله : ( فمن عاد ) قرينة على أنّ المراد من لا يؤمن بتحريم الربا ويكرر قوله : ( إِنّما البيع مِثْل الرِّبا ) ويترك قول اللّه سبحانه : ( وَأَحَلَّ اللّه البَيْع وَحَرَّمَ الرِّبا ) ، ومثل هذا هو ممن لا يؤمن بالتشريع السماوي والتقنين الإلهي.
    وبعبارة أُخرى كان العرب في العصر الجاهلي يعتقدون بحلية الربا
1 ـ المؤمنون : 105.
2 ـ المؤمنون : 109 ـ 110.
3 ـ البقرة : 275.


(324)
ومساواته مع البيع ، وكانوا يتعاطونه في حياتهم ، فمن انتهى عن هذا العمل بعد ورود النهي فله ما سلف وأمره إلى اللّه ، وأمّا من لم ينزجر عنه ومكث على ما كان عليه ، فأُولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، ومثل هؤلاء لا يخرجون عن إطار الكفر حيث أنكروا الوحي والرسالة بالإصرار على موقفهم السابق.

16. قاتلو المؤمنين
    يوعد القرآن الكريم من قتل مؤمناً متعمداً بالخلود في نار جهنم ، يقول سبحانه : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنهُ وَأَعَدَّ لَهُ عذاباً أَلِيماً ). (1)
    إنّ هذه الآية ذريعة أُخرى للقائلين بأنّ مرتكب الكبيرة يخلد في النار ، حيث إنّه سبحانه حكم على من قتل مؤمناً بالخلود في نار جهنم ، والآية تشمل المؤمن والكافر.
    يذكر الطبرسي في شأن نزول الآية ، ويقول :
    نزلت في مقيس بن صبابة الكناني وجد أخاه هشاماً قتيلاً في بني النجار فذكر ذلك لرسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأرسل معه قيس بن هلال الفهري ، وقال له : قل لبني النجار إن علمتم قاتل هشام فادفعوه إلى أخيه ليقتصّ منه ، وإن لم تعلموا فادفعوا إليه ديته ، فبلّغ الفهري الرسالة فأعطوه الدية ، فلما انصرف ومعه الفهري وسوس إليه الشيطان ، فقال : ما صنعت شيئاً ، أخذت دية أخيك فيكون سُبَّة (2) عليك : اقتل الذي معك لتكون نفس بنفس والدية فضل ، فرماه بصخرة فقتله ، وركب بعيراً ورجع إلى مكة كافراً ، وأنشد يقول :
1 ـ النساء : 93.
2 ـ السُّبَّة : العار.


(325)
قتلتُ به فهراً وحمّلتُ عقلَهُ فادركتُ ثأري واضطجعتُ مُوسَداً سراة بني النجار أرباب فارع وكنتُ إلى الأوثان أوّلَ راجع
    فقال النبي : « لا أُؤمنه في حلّ ولا حرم » فقُتِلَ يوم الفتح. (1)
    ولعل ما ذكره الطبرسي من سبب للنزول يؤيد قول القائلين بالخلود ، ولكن المخالفين لهذا القول أجابوا عن الاستدلال بوجوه :
    أ. انّ قوله : ( متعمداً ) دليل على أنّ المحكوم بالخلود من قتل المؤمن لأجل إيمانه ، فعندئذ تختص الآية بالكافر ولا يعم المسلم الذي يقتل أخاه لأجل هواه.
    ب. الخلود كناية عن الإقامة الممتدة التي إذا طالت يعبر عنها بالخلود.
    ج. الخلود وإن كان ظاهراً في التأبيد ، ولكنه ليس أمراً قطعياً لاحتمال خروجه عن النار بالعفو والشفاعة ، وقد مرّقوله سبحانه : ( إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ ). (2)
    حصيلة البحث : انّ ما استدل به من الآيات مرجعها إلى أحد العناوين الأربعة التي لا شكّ في أنّ أصحابها من الخالدين في النار ، وقد عرفت القرائن التي تؤكد هذا.
    وأقصى ما يمكن أن يقال : إنّ خصوص قاتل المؤمن مخلّد في النار لا كل الفساق ومرتكبي الكبائر وبذلك يتضح انّ مضامين الآيات لا تنافي ما روي عن ا لإمام موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، قال : « لا يخلّد اللّه في النار إلاّ أهل الكفر والجحود وأهل الضلال و الشرك ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر ... » فقلت له : يابن رسول اللّه فالشفاعة لمن تجب من المذنبين ؟
1 ـ مجمع البيان : 3 ـ 4/141.
2 ـ النساء : 48.


(326)
فقال : « حدثني أبي عن آبائه ، عن علي ( عليه السلام ) قال : سمعت رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي ، فأمّا المحسنون منهم فما عليهم من سبيل ». (1)
    فلو دلّت الآية على أنّ قاتل المؤمن خالد في النار فليس معناه انّ الخلود حكم قطعي في حقّه بحيث لا يمكن أن يتغيّر أو يتبدّل ، بل معناه وجود المقتضي للخلود لو لم يمنع عنه مانع وهو شمول الشفاعة له.
    يقول صدر المتألهين : إنّ الأشياء كلّها طالبة لذاتها للحق ، مشتاقة إلى لقائه بالذات ، وانّ العداوة والكراهة طارئة بالعرض ، فمن أحب لقاء اللّه بالذات أحب اللّه لقاءَه بالذات ، ومن كره لقاء اللّه بالعرض لأجل مرض طار على نفسه ، كره اللّه لقاءه بالعرض ، فيعذبه مدة حتى يبرأ من مرضه ويعود إلى فطرته الأُولى أو يعتاد بهذه الكيفية المرضية زال ألمه وعذابه لحصول اليأس ، ويحصل له فطرة أُخرى ثانية ، وهي فطرة الكفار الآيسين من رحمة اللّه الخاصة بعباده.
    وأمّا الرحمة العامة فهي التي وسعت كلّ شيء ، كما قال تعالى : ( عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء ). (2)
    ثمّ نقل عن القيصري في شرح الفصوص كلاماً في خلود أهل النار ، جاء فيه : انّ من اكتحلت عينه بنور الحقّ يعلم انّ العالم بأسره عباد اللّه وليس لهم وجود وصفة وفعل إلاّ باللّه وحوله وقوته ، وكلّهم محتاجون إلى رحمته وهو الرحمن الرحيم ، ومِنْ شأن مَن هو موصوف بهذه الصفات أن لا يعذب أحداً عذاباً أبداً ، وليس ذلك المقدار أيضاً إلاّ لأجل إيصالهم إلى كمالهم المقدر لهم ، كما يذاب الذهب
1 ـ توحيد الصدوق : 407 ، الباب 63 ، الحديث 6.
2 ـ الأعراف : 156.


(327)
والفضة بالنار لأجل الخلاص ممّا يكدره وينقص عياره ، فهو متضمن لعين اللطف كما قيل : « وتعذيبكم عذب ، وسخطكم رضا ، وقطعكم وصل ، وجوركم عدل ». (1)
    ثمّ إنّ ما ذكره صدر المتألهين أو الشيخ ابن عربي في الفتوحات كلام جدير بالاهتمام ، فلو لم نقل به على الوجه الكلي فهو مقبول على نحو الموجبة الجزئية.
1 ـ الأسفار : 9/346 ، الفصل 28 في كيفية خلود أهل النار.

(328)
خاتمة المطاف
العصيان المحدود والعذاب الدائم
    إنّ من المقرر في محله هو لزوم مساواة العذاب مع العصيان ، وضرورة إقامة الموازنة بينهما وعندئذ يُطرح هذا السؤال وهو :
    كيف يحكم على هؤلاء بالخلود في النار مع أنّ العصيان كان محدوداً بمقطع زماني خاص ، ولكن الجزاء غير متناه ، وهذا مخالف للعدل الذي يحكم به العقل ؟
    هذا هو الإشكال الذي أثير بعد رحيل الرسول في أوساط المسلمين ، ويجاب عن هذا السؤال بالنحو التالي :
    لو كان الجزاء أمراً جعليّاً من قبل المقننين ، كالحكم الصادر على السارق والغاصب والزاني لصحت الموازنة ، لأنّ العقل يحكم بلزوم كون الجزاء على قدر الجرم ، ولذلك يكون جزاء السارق أشدّ من جزاء السابّ بلسانه وإن كان كلٌّ منهماجرماً في نفسه.
    وأمّا إذا كان الجزاء أمراً تكوينياً لازماً لوجود الجرم دون أن يكون هناك جعل قانوني فحينها تمتنع إقامة الموازنة بين الجرم والجزاء ، ولذلك ربما يكون الجرم أمراً آنياً ويورث أثراً دائمياً.
    ويتضح ذلك من خلال المثال التالي :


(329)
    إذا انتحر إنسان فقد ارتكب جرماً آنياً ، ولكن خلّف جزاءً غير متناه وهو فقد الحياة ، فإذا صحّ ذلك في الحياة الدنيوية ، فليصح في الحياة الأُخروية ، إذ ربما يكون الشرك باللّه تعالى مخلِّفاً لظلمة نفسانية توجب العذاب الدائم الذي هو من ثمرات وجوده وملكاته التي اكتسبها في النشأة الدنيوية.
    وبتعبير آخر : لو كانت صلة الجزاء بالعمل صلة اعتبارية بحيث يعتبره الجاعل جزاءً للعمل كان لهذا السؤال حظٌ من الصحة ، فيقال كيف تكون الجريمة محدودة والجزاء غير محدود ؟!
    وأمّا إذا كانت صلة الجزاء بالعمل صلة تكوينية على نحو يورث العمل في نفس المجرم هيئة راسخة لا تفارقه تكون مبدأ للجزاء وتعد من لوازم وجوده ، فعند ذلك يسقط السؤال لأنّ ترتّب المعلول على العلة ترتب ضروري لا يمكن تحديده بزمان أو مكان.
    ولعلّ في بعض الآيات والروايات إشارة إلى ما ذكرنا ، يقول سبحانه : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُحَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ ) (1). كما ورد في الحديث النبوي : « الدنيا مزرعة الآخرة » والإنسان يحصد في النشأة الأُخرى ما زرعه في هذه النشأة فما يحصده عبارة عن نتائج أعماله.
    يقول الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « العمل الصالح حرث الآخرة ». (2)
    هذا هو الجواب الإجمالي عن هذا السؤال ، وقد بسطنا الكلام حوله في بحوثنا الكلامية. (3)
1 ـ الشورى : 20.
2 ـ نهج البلاغة : الخطبة 221.
3 ـ راجع تلخيص الإلهيات : 474.


(330)
الفصل الخامس والعشرون
تجسّم الأعمال والملكات المكتسبة
    مسألة تجسّم الأعمال والملكات من الحقائق التي كشف عنها القرآن الكريم ، وقد أشرنا إليها عند البحث عن ضرورة إقامة الموازنة بين العمل والجزاء ، وحقيقته عبارة عن القول بأنّ للعمل الإنساني ظهورين :
    ظهور بوجوده الدنيوي ، وظهور بوجوده الأُخروي. فما يكتسبه من الأعمال الحسنة كالصلاة والصوم والحج أو ما يحقّقه من أعمال الخير كالزكاة والصدقة وما يقوم به من البر والإحسان كلّها أعمال دنيوية ولا ظهور لها بحسب هذه النشأة سوى ما نشاهد ه منها.
    ولكنّ لها ظهوراً في النشأة الأُخروية بوجود يناسبها كالجنة ونعيمها وحورها وغلمانها وما تشتهيه الأنفس وتلتذ به ، فليس لها حقيقة وراء تلك الأعمال التي اكتسبها أو حقّقها في حياته ، فالأعمال الدنيوية الصالحة تظهر بهذا النحو من الجزاء.
    كما أنّ ما يقترفه الإنسان من الأعمال السيئة كالشرك باللّه سبحانه وظلم العباد وهتك الأعراض وسفك الدماء في هذه النشأة تظهر في يوم القيامة بوجودها المناسب لها فتظهر بصورة الجحيم ونارها وما يواجهه من أنواع العذاب.
    هذه هي حقيقة القول بتجسّم الأعمال ، وقد سبق منّا القول إنّ من الشهود
مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: فهرس