مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: 341 ـ 350
(341)
والريحان والحور والثمار هي الأخلاق الزكية والأعمال الصالحة والاعتقادات الحقّة التي برزت في هذا العالم بهذا الزي وتسمَّت بهذا الاسم ، إذ الحقيقة الواحدة تختلف صورها باختلاف الأماكن ، فتحلّى في كلّ موطن بحلية ، وتزيّى في كلّ نشأة بزيّ ، وقالوا : إنّ اسم الفاعل في قوله تعالى : ( يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَمَّ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرينَ ) (1) ليس بمعنى الاستقبال بأن يكون المراد انّها ستحيط بهم في النشأة الأُخرى. (2)
    ففي قوله : إذ الحقيقة الواحدة تختلف صورها باختلاف الأماكن فتحلّى في كلّ موطن بحلية ، جواب عن الإشكالين الماضيين.
    وحاصل الجواب : انّه لا مانع من أن يكون لشيء واحد تجليان حسب اختلاف الظروف ، ولم يكتب على جبين العرض انّه عرض في كلتا النشأتين.
    يقول العلاّمة المجلسي : القول باستحالة انقلاب الجوهر عرضاً ، والعرض جوهراً في تلك النشأة مع القول بإمكانها في النشأة الآخرة قريب من السفسطة ، إذ النشأة الآخرة ليست إلاّمثل تلك النشأة ، و تخلّل الموت والإحياء بينهما لا يصلح أن يصير منشأ لأمثال ذلك ، والقياس على حال النوم واليقظة أشد سفسطة إذ ما يظهر في النوم إنّما يظهر في الوجود العلمي ، وما يظهر في الخارج فإنّما يظهر بالوجود العيني ، ولا استبعاد كثيراً في اختلاف الحقائق بحسب الوجودين ، وأمّا النشأتان فهما من الوجود العيني ولا اختلاف بينهما إلاّبما ذكرنا ، وقد عرفت أنّه لا يصلح لاختلاف الحكم العقلي في ذلك.
    وأمّا الآيات والأخبار فهي غير صريحة في ذلك ، إذ يمكن حملها على أنّ اللّه تعالى يخلق هذه بازاء تلك أو هي جزاؤها ، ومثل هذا المجاز شائع ، وبهذا الوجه
1 ـ العنكبوت : 54.
2 ـ البحار : 7/229 ، باب أحوال المتقين من كتاب العدل والمعاد.


(342)
وقع التصريح في كثير من الأخبار والآيات ، واللّه يعلم وحججه ( عليهم السلام ) . (1)
    إنّ أساس الإشكال الأوّل باطل من رأسه ، فانّ البرهان العقلي قائم على أنّ من طرأ عليه الوجود لا يعدم أصلاً ، وعدمه بعد انقضاء زمانه عدم نسبي لا عدم مطلق ، فكلّ شيء موجود في ظرفه ولا يمكن أن يطرأ العدم عليه.
    نعم كلّ موجود زماني محدَّد بزمان خاص فهو غير موجود في غير زمانه ، ولكنّه موجود في ظرفه لا يطرأ عليه العدم.
    هذا هو القضاء الحاسم للعقل ويؤيده النقل ، يقول سبحانه : ( وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّة فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِوَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاّ في كِتاب مُبين ) (2). (3)
    فعلى ضوء ذلك ، فالإشكال الأوّل لا أساس له من الصحة ، وكلّ فعل موجود في ظرفه لا يطرأ عليه العدم ، فالعمل يوم المعاد يحضر بنفس وجوده المحقق في ظرفه.
    إنّما المهم هو الإشكال الثاني ـ أعني : انقلاب العرض جوهراً ـ وهو أيضاً أمر ممكن لأنّ جسمانية المعاد ليس بمعنى سيادة القوانين الدنيوية جميعها على النشأة الأُخرى ، بل اختلاف النشأتين ربما يورث اختلافهما في بعض القوانين.
    يقول سبحانه : ( يَوْمَ تُبدّلُ الأرضُ غيرَ الأَرضِ والسَّماواتُ وَبَرَزُوا للّهِ الواحدِ القَهّار ). (4)
    نعم القوانين العامة السائدة على الوجود بإطلاقه تكون محفوظة في
1 ـ البحار : 7/229 ـ 230 ، باب أحوال المتقين من كتاب العدل والمعاد.
2 ـ يونس : 61.
3 ـ انظر سبأ : 3 ، النمل : 75.
4 ـ إبراهيم : 48.


(343)
النشأتين كامتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما ، واجتماع الضدين.
    وليس من ذلك تبدل العرض جوهراً ، فانّ كون العرض غير قائم إلاّبالموضوع في تلك النشأة لا يكون دليلاً على كونه كذلك في النشأة الأُخرى ، إذ من الممكن أن يكون العرض قائماً بنفسه في النشأة متبدلاً ، متجليّاً بصورة النار والأغلال والسلاسل ، أو أن يكون العمل الصالح كالصلاة والصوم قائماً بنفسه في النشأة الأُخرى متجلّياً بصورة الحور والجنات والعيون.
    وما ذكرنا لا يختص بتجسم الأعمال بل يجري في الصراط والميزان والأعراض ، وقد قلنا إنّ حقائقها خفية علينا ، وانّ التعبير عنها بالميزان وغيره تقريب للذهن بالحقائق المستورة.
    وعلى ما ذكرنا فلا مانع من تجسّم الأعمال ، ولنذكر بعض كلمات الأعلام في هذا الصدد :
    يقول صدر المتألّهين : كما أنّ كلّ صفة تغلب على باطن الإنسان في الدنيا وتستولي على نفسه بحيث تصير ملكة لها ، يوجب صدور أفعال منه مناسبة لها بسهولة يصعب عليه صدور أفعال أضدادها غاية الصعوبة ، وربما بلغ ضرب من القسم الأوّل حدّ اللزوم ، وضرب من القسم الثاني حدّ الامتناع ، لأجل رسوخ تلك الصفة. لكن لما كان هذا العالم دار الاكتساب والتحصيل قلما تصل الأفعال المنسوبة إلى الإنسان الموسومة بكونها بالاختيار في شيء من طرفيها حدّ اللزوم والامتناع بالقياس إلى قدرة الإنسان وإرادته دون الدواعي والصوارف الخارجية لكون النفس متعلّقة بمادة بدنية قابلة للانفعالات والانقلابات من حالة إلى حالة ، فالشقي ربما يصير بالاكتساب سعيداً وبالعكس ، بخلاف الآخرة فانّها ليست دار الاكتساب والتحصيل ، كما أشير إليه بقوله تعالى : ( لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إِيمانِها خَيْراً ) (1) ، وكلّ صفة بقيت في النفس
1 ـ الأنعام : 158.

(344)
ورسخت فيها وانتقلت معها إلى الدار الآخرة صارت كأنّها لزمتها ولزمت لها الآثار و الأفعال الناشئة منها بصورة يناسبها في عالم الآخرة والأفعال والآثار التي كانت تلك الصفات مصادر لها في الدنيا ، وربما تخلفت عنها لأجل العوائق والصوارف الجسمانية الاتفاقية ، لأنّ الدنيا دار تعارض الأضداد وتزاحم المتمانعات بخلاف الآخرة لكونها دار الجمع والاتفاق لا تزاحم ولا تضاد فيها ، والأسباب هناك أسباب وعلل ذاتية كالفواعل والغايات الذاتية دون العرضية فكلّما يصلح أثر الصفة النفسانية لم يتخلّف عنها هناك كما يتخلف عنها هاهنا لمصادفة مانع له ومعاوقة صارف عنه ، إذ لا سلطنة هناك للعلل العرضية والأسباب الاتفاقية ومبادئ الشرور بل الملك للّه الواحد القهار.
    ثمّ إنّ صدر المتألّهين ضرب مثالاً لتقريب الموضوع ، يقول : إنّ الجسم الرطب متى فعل ما في طبعه من الرطوبة في جسم الآخر قَبِلَ الجسم المنفعل الرطوبةَ فصار رطباً مثله ، ومتى فعل فعله الرطوبة في قابل غير جسم كالقوة الدراكة الحسية والخيالية إذا انفعلت عن رطوبة ذلك الجسم الرطب ، لم يقبل الأثر الذي قبله الجسم الثاني ولم يصر بسببه رطباً بل يقبل شيئاً آخر من ماهية الرطوبة لها طور خاص في ذلك كما يقبل القوة الناطقة متى نالت الرطوبة أو حضرتها في ذاتها شيئاً آخر من ماهية الرطوبة وطبيعتها من حيث هي ، ولها ظهور آخر عقلي فيه بنحو وجود عقلي مع هوية عقلية ، فانظر حكم تفاوت النشآت في ماهية واحدة لصفة واحدة ، كيف فعلت وأثرت في موضع الجسم شيء وفي قوة أُخرى شيئاً آخر ، وفي جوهر شيئاً آخر و كلّ من هذه الثلاثة حكاية للآخرين ، لأنّ الماهية واحدة والوجودات متخالفة ، وهذا القدر يكفي المستبصر لأن يؤمن بجميع ما وعد اللّه ورسوله أو توعد عليه في لسان الشرع من الصور الأُخروية المرتبة على الاعتقادات الحقّة أو الباطلة أو الأخلاق الحسنة والقبيحة المستتبعة


(345)
للّذات والآلام إن لم يكن من أهل المكاشفة والمشاهدة. (1)
    ثمّ إنّه ( قدس سره ) ضرب مثالاً آخر لتقريب ما رام إليه ، وقال :
    إنّ شدة الغضب في رجل توجب ثوران دمه ، واحمرار وجهه ، وحرارة جسده ، واحتراق موادّه ، على أنّ الغضب صفة نفسانية موجودة في عالم الروح الإنساني وملكوته والحركة والحمرة والحرارة والاحتراق من صفات الأجسام وقد صارت هذه الجهات والعوارض الجسمانية نتائج لتلك الصفة النفسانية في هذا العالم ، فلا عجب من أن يكون سورة هذه الصفة المذمومة مما يلزمها في النشأة الأُخرى نار جهنم التي تطّلع على الأفئدة فاحترقت صاحبها كما يلزم هاهنا عند شدة ظهورها وقوة تأثيرها إذا لم يكن صارف عقلي أو زاجر عرفي يلزمها من ضربان العروق واضطراب الأعضاء وقبح المنظر ربما يؤدي إلى الضرب الشديد والقتل لغيره بل لنفسه ، وربما يموت غيظاً فإذا تأمل أحد في استتباع هذه الصفة المذمومة لتلك الآثار فيمكن أن يقيس عليها أكثر الصفات المؤذيات والاعتقادات المهلكات وكيفية انبعاث نتائجها ولوازمها يوم الآخرة من النيران وغيرها ، وكذا حال أضدادها من حسنات الأخلاق والاعتقادات وكيفية استنباط النتائج والثمرات من الجنات والرضوان والوجوه الحسان. (2)

تجسّم الأعمال من منظار العلم
    ما ذكرناه سابقاً كان تحليلاً لتجسّم الأعمال من زاوية العقل والفلسفة الإسلامية ، فحان البحث عنه من منظار آخر وهو منظار العلم.
    إنّ تجسم الأعمال أُرسي على قواعد ثابتة وهي :
1 ـ المبدأ والمعاد : 341 ـ 342.
2 ـ المبدأ والمعاد : 343.


(346)
    انّ المادة والطاقة مظهران لحقيقة واحدة ، المادة عبارة عن الطاقات المتراكمة ، وربما تتبدّل المادة في ظروف خاصة إلى الطاقة ، فتكون الطاقة وجوداً منبسطاً للمادة ، كتبدّل مادة الغذاء الذي يتناوله الإنسان إلى حركة ، وكتبدّل وقود الحافلات إلى طاقة حركية.
    إنّ مفهوم حفظ الطاقة أحد المفاهيم الأساسية الذي يكون حاكماً على كافة الظواهر الطبيعية ، بمعنى انّ كافة التفاعلات والتحولات التي تحدث في عالم الطبيعة لا تخرج عن هذا الإطار العام وهو انّ عموم الطاقة لا يتغير فيها أبداً.
    فالطاقة يمكن أن تتبدّل إلى أنواع مختلفة ، وهذه الأنواع تشمل الطاقة الحركية ، الحرارية ، الكهربائية ، الكيميائية ، والنووية. (1)

حقيقة العمل من الإنسان
    كلّ عمل يقوم به الإنسان ـ سواء كان طاعة أو معصية ـ يعدّ جزءاً من عالم المادة وليس له حقيقة إلاّتبدل جزء ضئيل من المادة إلى طاقة حركية ، فتعود حقيقة العمل في الإنسان إلى تبدل المادة إلى طاقة.
    إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ تجسّم الأعمال يبتني على قواعد أربع :
    1. حقيقة العمل هو تبديل المادة إلى طاقة.
    2. الطاقة الموجودة في العالم ثابتة لا تتغير.
    3. المادة والطاقة حقيقتها واحدة.
    4. كما أنّ المادة تتبدّل إلى الطاقة فهكذا تتبدّل الطاقة في ظروف خاصة إلى المادة.
1 ـ دائرة المعارف البريطانية : 6/894.

(347)
    فهذه المقدمات تنتج انّ تجسم الأعمال الذي ترجع حقيقته إلى تبدّل الطاقة إلى المادة أمر ممكن وإن لم يكن واقعاً في عالم الطبيعة ، ولعلّ العلم سيحقق هذه الأمنية ، ولكن القرآن الكريم طرح هذه المسألة قبل 14 قرناً يوم لم يكن للإنسان أي معرفة بها. غير انّ الأكابر من علماء الإسلام وصلوا إليها عن طريق المكاشفة ودراسة الأُصول الفلسفية.
    نعم ما ذكرناه إنّما هو صورة ضبابية لما يتحقق في النشأة الأُخرى ، ولا يمكن للإنسان الذي هو رهين عالم المادة أن يتصور ما يحدث خارج عالمه على وجه تام.

سؤال وإجابة
    إنّ ما دلّ من الآيات والروايات على تجسّم الأعمال ممّا لا غبار عليه ، وانّ الإنسان يجزى من خلال تجسّم عمله الصالح أو الطالح وتمثّله بصورة النعمة والنقمة فيتنعّم به المؤمن ، ويعذّب به الكافر.
    لكن بقي سؤال : وهو انّ طائفة من الآيات دلت على أنّ الجزاء يوم القيامة أمر جعلي أشبه بمجازات المجرمين أو بإثابة المطيعين ، فعلى ذلك يكون الجزاء أمراً خارجاً عن نطاق عمل الإنسان بل مفروضاً عليه من الخارج.
    وبعبارة أُخرى : انّ القول بأنّ الجزاء يكمن في تمثّل عمل الإنسان بالجنة والنار يخالف مع ما دلّت عليه بعض الآيات من وجود جنة وجحيم خارج إطار عمل الإنسان من خير وشر ، وإنّما خلقهما اللّه سبحانه للمطيعين أو المذنبين قبل أن يخلق المطيع والعاصي ، فكيف يمكن الجمع بين هاتين الطائفتين من الآيات ؟
    والجواب : انّ القرآن الكريم نزل من اللّه سبحانه : على قلب سيد المرسلين دون أن يكون فيه أي اختلاف ، وذلك آية انّه كلام اللّه سبحانه المنزّه من الخطأ والاشتباه والتناقض والتعارض ، يقول سبحانه : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ وَلَو كانَ مِنْ


(348)
عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختلافاً كَثيراً ). (1)
    وعلى ضوء ذلك فلا مانع من أن يكون هناك نعمة ونقمة من خلال تجسّم الأعمال وتمثّلها ، وجنة ونار خارجين عن إطار عمل الإنسان وفعله ، فالجزاء الأوّل أمر تكويني يلازم وجود الإنسان ، والثاني أمر جعلي مفروض عليه حسب ما اكتسب من الحسنات والسيّئات.

سؤال وإجابة
    إنّ حقيقة تجسّم الأعمال ترجع إلى أنّ الإنسان حسب اكتساب الطاعات أو اقتراف السيئات يخلق ملكات حسنة أو سيئة تبعاً لها على نحو تكون تلك الملكات جزء وجوده وصميم ذاته ، ومن الواضح بمكان انّ كلّ ملكة تستتبع مقتضاها ، فالملكة الحسنة تستتبع صوراً مثالية حسنة أو صوراً مثالية قبيحة يتلذّذ بها أو يتعذّب وليست خلاّقية الملكات لهذه الصور فعلاً اختيارياً ، بل لم تزل خلاّقة للصور حسب مقتضاها.
    وإذا كانت الصور المثالية أمراً تكوينياً من لوازم وجود الإنسان بحيث لا ينفك عن وجوده مهما نزل أو سكن ، فما معنى الشفاعة التي تمحو المجازات الجعلية المفروضة عليه من خارج وجوده ؟
    والجواب : انّ الملكات المكتسبة وإن كانت خلاّقة للصور المثالية جميلة كانت أو قبيحة شاء أم أبى ، لكن ثمة مرتبة من الشفاعة تؤثر في صميم الإنسان وذاته بنحو تؤثر على ملكاته السيئة وليس تأثير الشفيع في ملكات المشفوع له بأصعب من تأثير دعاء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عند الاعجاز في عالم الكون حيث يعود ـ بفضل دعائه ـ الميت حياً والأعمى بصيراً والسقيم صحيحاً ، فكما انّ دعاء النبي وإرادته
1 ـ النساء : 82.

(349)
تؤثر في التكوين ، فهكذا الحال في شفاعة النبي في الآخرة تؤثر في الملكات السيئة وتقلبها رأساً على عقب.
    ونظير ذلك دعاء المذنب في هذه الدنيا واستغفاره قبل الموت حيث إنّه يؤثر فيما اكتسب من الملكات ويقلبها إلى غيرها.
    وحصيلة البحث : انّ تأثير الملكات في الصور المثالية يتم على نحو المقتضي لا العلة التامة ، فهي تؤثر مادام العامل الخارجي وإلاّفلا ، وبذلك يمكن الجمع بين القول بالشفاعة وتجسّم الأعمال.


(350)
الفصل السادس والعشرون
الأحوال الطارئة على الإنسان يوم القيامة
    إنّ الذكر الحكيم يصف أحوال الإنسان وما يطرأ عليه وصفاً دقيقاً يهزّالمشاعر ويُثير الرعب فينعكس على سلوكه التربوي حيث يختار معه الطاعة على العصيان ، والدخول في ربقة الطاعة ، فكما أنّ الإيمان بنفس المعاد له أثرتربوي من خلال كبت غرائز الإنسان الجامحة ، فهكذا وصف ما يطرأ على الإنسان من الحالات ـ يوم القيامة مؤثر في كبت النفس الجامحة في هذه الدنيا ، وإيقافها عن الولوج في المعاصي.
    إنّ الآيات الواردة في هذا الصدد على قسمين : فتارة تتخذ نفس الإنسان موضوعاً لوصف حاله في القيامة من دون أن يشير إلى طائفة دون أُخرى ، وأُخرى تصنّف الإنسان إلى طوائف خاصة وتصف حالة كلّ طائفة. وإليك الكلام في كلتا الطائفتين :
    الطائفة الأُولى : الآيات التي تتكفل بيان حال الإنسان يوم القيامة دون أن تخصه بطائفة :
مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: فهرس