مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: 351 ـ 360
(351)
1. كلّ إنسان له شأن يغنيه
    يقول سبحانه : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُمْ يَومَئِذ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ). (1)
    فما هو الوجه في تحيّره واستغراقه بنفسه وغفلته عن سواه ، يعلم ذلك من الآيات التي تصف مشاهد القيامة وقد مرت أوصافها.

2. لا يملك إنسان لإنسان نفعاً
    قال سبحانه : ( فَاليَوْم لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْض نَفْعاً وَلا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النّارِ الّتي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُون ). (2)
    وفي آية أُخرى : ( يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْس شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذ للّهِ الواحِد القَهّار ). (3)
    والسبب في ذلك انّ النظام السائد في الدنيا سينهار في الآخرة وتنفصم معه كافة العلاقات والروابط والأسباب ، فلا تملك نفس لنفس شيئاً ، يقول سبحانه : ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأوُا العَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْباب ). (4)
    والمراد من الأسباب المنقطعة هي الأسباب الدنيوية لا مطلق الأسباب ، فانّ ذلك النظام أيضاً مبني على أسباب خاصة لتلك النشأة.
1 ـ عبس : 34 ـ 37.
2 ـ سبأ : 42.
3. الانفطار : 19.
4 ـ البقرة : 166.


(352)
3. ما لا ينفع الإنسان
    يصرح الذكر الحكيم بأنّ المال والثروة والأولاد والأرحام لا تنفع أبداً ، يقول سبحانه : ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُون ). (1)
    وفي آية أُخرى : ( لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرحامُكُمْ وَلا أَولادُكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ يَفصِلُ بَيْنَكُم ). (2)
    والوجه هو ما تقدم آنفاً من إيجاد نظام آخر قائم على أسباب خاصة وانقطاع الأسباب الدنيوية فيه.

4. لا تنفع الأعذار
    يقول سبحانه : ( فَيَومَئِذ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرتُهُم وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُون ). (3)
    والسبب في ذلك انّه سبحانه يبعث الأنبياء والرسل كي يوصد باب الأعذار ويتم الحجة.

5. ما ينفع يوم القيامة
    قد صرح الذكر الحكيم بأمرين ينفعان يوم القيامة.
    أ. القلب السليم : يقول سبحانه : ( إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْب سَلِيم ) (4) ، والمراد من القلب السليم هو القلب النزيه عن الشرك الخالي من حب الدنيا.
1 ـ الشعراء : 88.
2 ـ الممتحنة : 3.
3 ـ الروم : 57.
4 ـ الشعراء : 89.


(353)
    يقول الطبرسي : وإنّما خصّ القلب بالسلامة ، لأنّه إذا سلم القلب ، سلمت سائر الجوارح من الفساد من حيث إنّ الفساد بالجارحة لا يكون إلاّ عن قصد بالقلب الفاسد ، وروي عن الصادق ( عليه السلام ) ، انّه قال : « هو القلب الذي سلم من حب الدنيا » ، ويؤيده قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « حب الدنيا رأس كلّ خطيئة ». (1)
    ب. الصدق : قال سبحانه : ( هذا يَومُ يَنْفَعُ الصادِقينَ صِدقُهُم ). (2)

6. الأخلاّء بعضهم عدو لبعض
    ومن الشواهد على أنّ النظام السائد يوم القيامة غير ما هو السائد في هذه النشأة ، هو انّ الأخلاّء في هذه الدنيا سيكونون أعداء ، يقول سبحانه : ( الأَخِلاّءُ بَعْضُهُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ إِلاّ الْمُتَّقِين ). (3)
    وما هذا إلاّ لأنّ التقوى تربط المتقين ، فالمؤمنون الأخلاّء في هذه النشأة أخلاّء في النشأة الآخرة بخلاف الكفار والمنافقين.

7. منطق المؤمنين مع الكافرين
    لقد كان الكافرون يستهزئون بالمؤمنين في الحياة الدنيا ، ففي الآخرة يعكس الأمر فالمؤمنون يستهزئون بالكافرين ، يقول سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُون * وَإذا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ انْقَلَبُوا فَكِهين * وَإِذا رَأَؤْهُم قالُوا إِنَّ هؤلاءِ لضالُّون ). (4)
1 ـ مجمع البيان : 4/194.
2 ـ المائدة : 119.
3 ـ الزخرف : 67.
4 ـ المطففون : 29 ـ 32.


(354)
    هذه الآية تعكس نظر الكافرين إلى المؤمنين وانّهم كانوا يتغامزون بهم ويصفونهم بالضلال ، ولكن الأمر في الآخرة ينقلب لصالح المؤمنين ، يقول سبحانه : ( فَاليَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُون * عَلى الأَرائِكِ يَنْظُرونَ * هَل ثُوِّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُون ). (1)
    وما هذا إلاّلأنّ الأسباب الدنيوية تنقطع بهم في الآخرة ، وانّ السائدة في النشأة الأُخرى هي قوانين تخصّها.
    الطائفة الثانية : تتكفل بيان صنف خاص ، مقتصرة عليه أو تتعداه إلى ضدّه.

السعداء والأشقياء
    يركز القرآن الكريم في غير واحد من آياته على تصنيف الناس إلى تصانيف مختلفة يجمعها انّهم بين فرحين مستبشرين بما يلحقهم من الجزاء ، وبين مغمومين يدعون ويلاً وثبوراً لما يلحقهم من الشقاء.
    وقد عبر القرآن عن ذلك التصنيف بتعابير مختلفة فتارة يركز على وصف الحالات التي تطرأ على وجوههم التي تخبر عما في ضميرهم من السرور والفرح أو الحزن والقلق ، وإليك الآيات :
    يقول سبحانه : ( وُجُوهٌ يَومَئِذ مُسْفِرَة * ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَة ).
    ويقول سبحانه : ( وَوُجُوهٌ يَومَئِذ عَلَيْها غَبرَة * تَرْهَقُها قَتَرَة ). (2)
    يقول سبحانه : ( وُجوهٌ يَومَئذ ناضِرةٌ * إلى ربِّها ناظِرَة ).
    ويقول سبحانه : ( وَوُجوهٌ يَومَئِذ باسِرَة * تَظُنُّ أنْ يُفْعَلَ بها فاقِرَة ). (3)
1 ـ المطففون : 34 ـ 36.
2 ـ عبس : 38 ـ 41.
3 ـ القيامة : 22 ـ 25.


(355)
    ويقول سبحانه : ( وُجُوهٌ يَومَئِذ خاشِعَةٌ * عامِلَةٌ ناصِبَةٌ * تَصْلى ناراً حامِيَةً * تُسْقى من عين آنية * لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إلاّمِن ضَرِيعٌ * لا يُسْمِنُ ولا يُغْنِي مِنْ جُوع ).
    ويقول : ( وُجُوهٌ يَومَئِذ ناعِمَةٌ * لِسَعيِها راضِيَةٌ * في جَنَّة عالِيَة * لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَة ). (1)
    يقول سبحانه : ( يَوْمَ تَبيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وجُوهٌ * فَأَمَّا الَّذينَ اسْوَدَّتْوُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانكُمْ فَذُوقُوا العَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُون * وَأَمّا الّذِينَ ابيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ ففِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيها خالِدُون ). (2)
    وأُخرى يشير إلى تصنيفهم عن طريق أخذ كتابهم باليمين أو اليسار ، فمن أُوتي كتابه بيمينه فقد بوركت عليه الحياة في تلك النشأة.
    وأمّا من أُوتي كتابه بشماله أو وراء ظهره ، فسوف يجزى بحياة قاسية وعذاب دائم.
    وقال سبحانه : ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ * وَلَمْ أَدرِ ما حِسابِيَه ). (3)
    وقال سبحانه : ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ انُاس بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَءُونَ كِتابَهُمْ ولا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ). (4)
    وقال سبحانه : ( فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمينِه * فَسَوفَ يُحاسبُ حِساباً يَسِيراً * وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً ).
    وقال سبحانه : ( وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراء ظَهْرِهِ * فَسَوفَ يَدْعُوا ثُبُوراً *
1 ـ الغاشية : 2 ـ 11.
2 ـ آل عمران : 105 ـ 107.
3 ـ الحاقة : 25 ـ 26.
4 ـ الإسراء : 71.


(356)
وَيَصْلى سَعيراً * إِنَّهُ كانَ في أَهْلِهِ مَسْرُوراً ). (1)
    وثالثة يصنّفهم إلى أصحاب الميمنة والمشأمة.
    يقول سبحانه : ( فَأَصحابُ المَيْمَنةِ ما أَصحابُ المَيْمَنَة * وَأَصحابُ المَشْأَمَةِ ما أَصحابُ المَشأَمة * وَالسّابِقُونَ السابِقُونَ * أُولئكَ المُقَرَّبُونَ ). (2)
    هؤلاء الأصناف الذين أشار إليهم القرآن الكريم تارة عن طريق وصف وجوههم ، وأُخرى عن طريق أخذ كتابهم ، وثالثة بكونهم من أصحاب الميمنة أو المشأمة ليسوا أصحاب مصير واحد بل يختلف مصيرهم حسب اختلاف درجاتهم من السعادة والشقاء ، ولذلك يصف القرآن الكريم مصير هذه الأصناف بما يليق بهم من الجزاء ، ونحن نقتصر بالقليل من الكثير.

النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) و المؤمنون في الآخرة
    يظهر من الآيات انّ المؤمنين يلتفون حول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونورهم يسعى بين أيديهم.
    يقول سبحانه : ( يَوْمَ لا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِر لَنا إِنَّكَ على كُلّ شيء قَدير ). (3)
     المتقون
    إنّ للمتّقين عند اللّه سبحانه مكانة عالية تعرب عنها الآيات التالية :
    يقول سبحانه : ( وَلَنِعْمَ دارُ المُتَّقِين ). (4)
1 ـ الانشقاق : 7 ـ 13.
2 ـ الواقعة : 8 ـ 11.
3 ـ التحريم : 8.
4 ـ النحل : 30.


(357)
    ويقول : ( إِنَّ الْمُتَّقينَ في مَقام أَمين ). (1)
    ويقول : ( أُدخُلُوها بِسَلام آمِنين ). (2)
    ويقول سبحانه : ( إِنَّ الْمُتَّقينَ في ظلال وَعُيُون ). (3)
    ويقول سبحانه : ( إِنَّ المُتَّقِينَ في جَنّات وَعُيُون ). (4)
    ويقول : ( لَهُمْ ما يَشاءُونَ كَذلِكَ يَجزِي اللّهُ الْمُتَّقِين ). (5)
    ويقول : ( فاكِهينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُم ). (6)
    ويقول : ( وَنَزَعْنا ما في صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إِخْواناً عَلى سُرُر مُتَقابِلين ). (7)
    إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة حول المتَّقين ، فمن أراد فليرجع إلى الآيات المذكورة في الهامش. (8)

الصابرون
    إنّ للصابرين في طريق الطاعة ومواجهة البلايا والمصائب ومكافحة المعاصي مكانة عظيمة عند اللّه سبحانه وتعالى ، فهؤلاء يصفهم اللّه سبحانه بالنحو التالي :
    أ. يسلم عليهم الملائكة عند دخولهم الجنة ، يقول سبحانه : ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ
1 ـ الدخان : 51.
2 ـ الحجر : 46.
3. المرسلات : 41.
4 ـ الحجر : 45.
5 ـ النحل : 31.
6 ـ الطور : 18.
7 ـ الحجر : 47.
8 ـ النبأ : 31 ـ 36 ، المرسلات : 41 ـ 43 ، الحجر : 45 ـ 47 ، الدخان : 51 ـ 57 ، الرعد : 35 ، الفرقان : 15 ، محمد : 15 ، آل عمران : 133 ، الشعراء : 90 ، الزخرف : 35 ، القلم : 34 ، القمر : 54 ، الذاريات : 15.


(358)
بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّار ). (1)
    ب. يعطون أجرهم مرتين ، يقول سبحانه : ( أُولئِكَ يُؤتُوْنَ أَجْرَهُم مَرَّتَيْنِ بِما صَبَروا ). (2)
    ج. يجزون بالوجه الأحسن ، يقول سبحانه : ( وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صََبَرُوا أَجرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُون ). (3)
    د. يجزون غرف الجنة ، يقول سبحانه : ( أُولئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بما صَبَرُوا ويُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وسَلاماً ). (4)
    وليعلم أنّ الصابرين ليسوا قسماً مغايراً للمتّقين أو المؤمنين بل الجميع صنف واحد ولكن لهم ميزات وصفات خاصة بهم.

المصلّون
    إنّ الصلاة هي الرابطة الوثيقة بين العبد وخالقه ولها أهمية خاصة في الذكر الحكيم ، فاللّه سبحانه يذكر المصلين ويمدحهم بمدائح مختلفة ، لما في الصلاة من تأثير خاص في كرامة الإنسان وصفاء روحه والقيام بالوظائف الملقاة على عاتقه.
    فقد جاء في سورة المعارج من الآية 19 ـ 35 ذكر للصلاة وذكر تأثيرها في مختلف المجالات ، وها نحن نذكر تلك الآثار من خلال التدبر في تلك الآيات.
    1. انّ الصلاة تحد من حرص الإنسان وطمعه ، لأنّ المصلي بصلاته يرتبط بالعالم الغيبي وتصير الدنيا صغيرة في عينيه ، يقول سبحانه : ( إِنَّ الإِنْسانَ خُلِقَ
1 ـ الرعد : 24.
2 ـ القصص : 54.
3. النحل : 96.
4 ـ الفرقان : 75.


(359)
هَلُوعاً * إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزوعاً * وإِذا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعاً * إِلاّ المُصَلِّين * الّذين هُمْ عَلى صلاتِهِم دائِمُون ). (1)
    2. إذا كانت الصلاة تمثل علاقة الإنسان مع خالقه فهي تبعثه في نفس الوقت إلى عدم تناسي علاقته مع الناس ، ولذلك تبعث المصلي إلى أداء حقوق المحرومين والمستحقين ، يقول سبحانه في حقّ المصلين : ( وَالَّذينَ في أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسّائِلِ وَالمَحْرُوم ). (2)
    3. انّ الصلاة أذكار وأفعال ، ومن أذكارها ما يقرأه المصلّي في سورة الحمد ، ويقول : ( مالِكِ يَوم الدِّين ) فلا محيص للمصلّي عن تصديقه بيوم الدين ، ولذلك يصف سبحانه المصلين ، بقوله : ( وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَومِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُون * إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُون ). (3)
    4. انّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر حسب الذكر الحكيم ، ولذلك يصف سبحانه المصلّين بقوله : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُمَلُومِين * فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْعادُون ). (4)
    5. انّ الخيانة الأمانة من المنكرات التي تنهى عنها الصلاة ، ولذلك يصف سبحانه المصلين بقوله : ( وَالَّذينَ هُمْ لأَماناتِهِمْ وَعَهْدهِمْ راعُون ). (5)
    6. انّ كتمان الحق خيانة لصاحبه والصلاة تنهى عن المنكر الذي تعد الخيانة من أكبر مصاديقه ، ولذلك يصف سبحانه المصلين بقوله : ( وَالَّذِينَ هُمْ
1 ـ المعارج : 19 ـ 23.
2 ـ المعارج : 24 ـ 25.
3 ـ المعارج : 26 ـ 28.
4 ـ المعارج : 29 ـ 31.
5 ـ المعارج : 32.


(360)
بِشَهاداتهمْ قائِمُون ). (1)
    كلّ ذلك من أوصاف المصلين الواردة في تلك السورة ، وقد ورد في القرآن حول الصلاة آيات كثيرة فضلاً عن الروايات.

السابقون
    إنّه سبحانه يصف المحشورين يوم القيامة بصفات ويصنّفهم إلى السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، وإليك التوضيح :
    فالمراد من السابقين هم السابقون إلى الخيرات والحسنات ، ولو أُريد منهم السابقون إلى الإسلام فهو من مصاديق هذا المفهوم الكلي ، ويشير إلى ما ذكرنا قوله سبحانه : ( أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُون ). (2)
    ويقول سبحانه : ( ثُمَّ أَورَثْنَا الكِتابَ الَّذِينَ اصطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّه ). (3)
    فالآية الأخيرة تقسم العباد إلى ظالم لنفسه ، وإلى مقتصد في الحياة ، ومعتدل في السلوك وإلى سابق بالخيرات بإذن اللّه تبارك وتعالى ، وللإمام علي ( عليه السلام ) كلام يشبه أن يكون تفسيراً لهذه الآية :
    ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرينَ وَالأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسان رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ). (4)
    شُغِل من الجنة والنار أمامه ، ساع سريع نجا ، وطالب بطيء رجا ، ومقصر في
1 ـ المعارج : 33.
2 ـ المؤمنون : 61.
3 ـ فاطر : 32.
4 ـ التوبة : 100.
مفاهيم القرآن ـ جلد الثامن ::: فهرس