مفاهيم القرآن ـ جلد التاسع ::: 141 ـ 150
(141)
نبيّنا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكأنّ صاحبه حلف بما حلف ، للتأكيد على أمرين :
     أ : القرآن نزل به جبرئيل.
     ب : انّ محمّداً ليس بمجنون.
     ثمّ إنّ الصلة بين المقسم به والمقسم عليه : هو انّ القرآن ـ المقسم عليه ـ حاله كحال هذه الكواكب الثوابت لديكم ، فكما أنّ لهذه الكواكب ، انقباض وجري ، وتراجع ، فهكذا حال الناس مع هذا القرآن فهم بين منقبض من سماع القرآن ، وجار وسار مع هداه ، ومدبر عن هديه إلى العصر الجاهلي.
     ثمّ إنّ القرآن أمام المستعدّين للهداية كالصبح في إسفاره ، فهو لهم نور وهداية ، كما أنّ للمدبرين عنه ، كالليل المظلم ، وهو عليهم عمى ، واللّه العالم.
     ثمّ إنّ في اتهام أمين الوحي بالخيانة ، والنبي الأعظم بالجنون ، دلالة واضحة على بلوغ القوم القسوة والشقاء حتى سوّغت لهم أنفسهم هذا العمل ، فزين لهم الشيطان أعمالهم.
     وأخيراً نود الاِشارة إلى كلمة قيمة لأحد علماء الفلك تكشف من خلالها عظمة تلك الكواكب والنجوم ، حيث يقول : لا يستطيع المرء أن يرفع بصره نحو السماوات العلى إلاّويغضي إجلالاً ووقاراً ، إذ يرى ملايين من النجوم الزاهرة الساطعة ، ويراقب سيرها في أفلاكها وتنقلها في أبراجها ، وكلّ نجم و أي كوكب ، وكل سديم وأي سيار ، إنّما هو دنياً قائمة بذاتها ، أكبر من الأرض وما فيها وما عليها وما حولها. (1)
1 ـ اللّه والعلم الحديث : 25.

(142)
    الفصل الحادي عشر
القسم في سورة الانشقاق
     حلف سبحانه تبارك و تعالى بأُمور أربعة : الشفق ، والليل ، وما وسق ، و القمر ، فقال : ( فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيلِ وَما وَسَقَ * وَالقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ * فَما لَهُمْ لا يُوَْمِنُونَ * وَإِذا قُرِىََ عَلَيْهِمُ الْقُرآنَ لا يَسْجُدُون ). (1)

    تفسير الآيات
     الشفق : هو الحمرة بين المغرب والعشاء الآخرة ، والمراد منه في الآية الحمرة التي تبقى عند المغرب في الأُفق ، وقيل : البياض فيه.
     والوسق : جمع المتفرق ، يقال : وسقت الشيء إذا جمعته ، ويسمي القدر المعلوم من الحمل كحمل البعير وسقاً ، فيكون المعنى والليل و ما جمع وضمّ ممّا كان منتشراً بالنهار ، وذلك انّ الليل إذا أقبل آوى كلّ شيء إلى مأواه ، وربما يقال : بمعنى « ما ساق » لأنّ ظلمة الليل تسوق كلّ شيء إلى مسكنه.
     واتسق : من الاتساق بمعنى الاجتماع والتكامل فيكون المراد امتلاء القمر.
     والطبق : الحال ، والمراد لتركبنّ حالاً بعد حال ، ومنزلاً بعد منزل ، وأمراً بعد أمر.
1 ـ الانشقاق : 16 ـ 21.

(143)
وحاصل معنى الآيات :
     لا أُقسم بالشفق ، وقد ذكرنا حديث « لا » و انّ معنى الجملة هو الحلف ومعناه أقسم بالحمرة التي تظهر في الأُفق الغربي عند بداية الليل وما يظهر بعد الحمرة من بياض والمعروف في الشفق في لسان الأُدباء هو الحمرة ولذلك يشبهون دماء الشهداء بالشفق غير انّه ربما يستعمل في البياض الطارىَ على الحمرة الذي هو آية ضعف الشفق ونهايته.
     وأقسم بالليل لما فيه من آثار و أسرار عظيمة ، فلولا الليل لما كان هناك حياة كالضياء ، فكلّ من الليل والنهار دعامتا الحياة ، قال سبحانه : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جعلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمداً إِلى يَوْمِ القِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُون * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرمداً إِلى يَومِ القِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيرُ اللّهِ يَأتِيكُمْ بِلَيلٍ تَسْكُنُون فيهِ أَفَلا تبصِرُون ). (1)
     ثمّ إنّه سبحانه أشار إلى ما يترتب على الليل والنهار من البركات ، فقال : ( وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ) (2) ز ، فخلق النهار لطلب الرزق والمعاش ، كم البدن بالنوم فيه والسكن إليه وسيوافيك التفصيل في الفصول القادمة إن شاء اللّه.
     وأقسم بما وسق ، أي بما جمع الليل ، ولعلّه إشارة إلى عودة الاِنسان والحيوانات والطيور إلى أوكارها عند حلول الليل ، فيكون الليل سكناً عاماً للكائنات الحيّة.
1 ـ القصص : 71 ـ 72.
2 ـ القصص : 73.


(144)
حلف بالقمر عند اتساقه واكتماله في الليالي الأربع لما فيه من روعة وجمال ، ولذلك يُشبَّه الجميل بالقمر ، مضافاً إلى نوره الهادىَ الرقيق الذي يغطّي سطح الأرض. وهو من الرقة واللطافة بمكان لا يكسر ظلمة الليل وفي الوقت نفسه ينير الطرق و الصحاري.
     فهذه أقسام أربعة بينها ترتب خاص ، فانّالشفق أوّل الليل يطلع بعده القمر في حالة البدر ، فهذه الموضوعات الأربع أُمور كونية يقع كلّ بعد الآخر حاكية عن عظمة الخالق.
     وأمّا المقسم عليه فهو قوله سبحانه : ( لَتَرْكَبُنَّ طَبقاً عَنْ طَبَق ) وهي إشارة إلى المراحل التي يمرّ بها الاِنسان في حياته وأوضحها هي الحياة الدنيوية ثمّ الموت ثمّ الحياة البرزخية ثمّ الانتقال إلى الآخرة ثمّ الحياة الأُخروية ثمّ الحساب والجزاء.
     وفي هذه الآية إلماع إلى ما تقدّم في الآية السادسة من هذه السورة ، أعني قوله سبحانه : ( يا أَيُّهَا الاِِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ ). (1)
     والكدح بمعنى السعي والعناء يتضمن معنى السير.
     فالآية تشير إلى أنّ الحياة البشرية تتزامن مع التعب والعناء ، ولكن الغاية منها هو لقاء اللّه سبحانه ، وكأنّ هذا الكدح باق إلى حصول الغاية ، أي لقاء جزائه من ثواب وعقاب أو لقاء اللّه بالشهود.
     وأمّا وجه الصلة وهو بيان انّ الأشواط التي يمرّ بها الاِنسان أُمور مترتبة متعاقبة كما هو الحال في المقسم به أعني الشفق الذي يعقبه الليل الدامس ويليه ظهور القمر.
1 ـ الانشقاق : 6.

(145)
     توضيحه : انّ القرآن يحدّث عن أُمور متتابعة الوقوع وبذات تسلسل خاص فعندما تغيب الشمس يظهر الشفق معلناً عن بداية حلول الليل الذي تتجه الكائنات الحية إلى بيوتها وأوكارها ثمّ يخرج القمر بدراً تاماً ، فإذا كان المقسم به ذات أُمور متسلسلة يأتي كلّ بعد الآخر فالطبقات التي يركبها الاِنسان مثل المقسم به مترتبة متتالية فيبدأ بالدنيا ثمّ إلى عالم البرزخ ومنه إلى يوم القيامة ومنه إلى يوم الحساب.
     وبذلك يعلم وجه استعجابه سبحانه عن عدم إيمانهم ، حيث قال : ( فَما لَهُمْ لا يُوَْمِنُون ) فانّ هذا النظام الرائع في الكون وحياة الاِنسان من صباه إلى شبابه ومن ثمّ إلى هرمه لدليل واضح على أنّ عالم الخلقة يدبر تحت نظر خالق مدبر عارف بخصوصيات الكون.
     يقول أحد علماء الطبيعة في هذا الصدد : إنّ جميع ما في الكون يشهد على وجود اللّه سبحانه ويدل على قدرته وعظمته ، وعندما نقوم ـ نحن العلماء ـ بتحليل ظواهر هذا الكون ودراستها ، حتى باستخدام الطريقة الاستدلالية ، فانّنا لا نفعل أكثر من ملاحظة آثار أيادي اللّه وعظمته. ذلك هو اللّه الذي لا نستطيع أن نصل إليه بالوسائل العلمية المادية وحدها ، ولكننا نرى آياته في أنفسنا وفي كلّ ذرة من ذرات هذا الوجود. (1)
1 ـ اللّه يتجلى في عصر العلم : 26.

(146)
    الفصل الثاني عشر
القسم في سورة البروج
     حلف سبحانه في سورة البروج بأُمور أربعة :
     أ : ( السَّماءُ ذات البُرُوج ) : المنازل.
     ب : ( اليَوم المَوعُود ) : القيامة.
     ج : شاهد
     د : مشهود.
     قال سبحانه : ( وَالسَّماءِ ذاتِ البُروجِ * وَاليَومِ المَوعُودِ * وشاهدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصحابُ الأُخدُودِ * النارِ ذاتِ الوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ * وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمْوَمِنينَ شُهُودٌ * وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاّ أَنْ يُوَْمِنُوا بِاللّهِ العَزيزِ الحَمِيد ). (1)
     فأقسم سبحانه بالعالم العلوي وهو السماء وما فيها من المنازل التي هي أعظم الأمكنة وأوسعها ثمّ أقسم بأعظم الأيّام وأجلّها الذي هو مظهر ملكه وأمره ونهيه وثوابه وعقابه ، ومجمع أوليائه وأعدائه والحكم بينهم بعلمه وعدل.
     ثم أقسم بكلّ شاهد ومشهود ـ إذا كان اللام للجنس ـ فيكون المراد كلّ مدرِك ومدرَك وراع ومرعي ، والمصداق البارز له هو النبيالذي سمّي شاهداً كما سيوافيك ، كما أنّ المصداق البارز للمشهود هو يوم القيامة ، فلنرجع إلى تفسير الآيات.
1 ـ البروج : 1 ـ 8.

(147)
    تفسير الآيات
     أمّا السماء : فكلّ شيء علاك فهو سماء ، قال الشاعر في وصف فرسه :
واحمر كالديباج أمّا سماوَه فريّاً وأمّا أرضه فمحول
     وقال بعضهم كلّ سماء بالاِضافة إلى ما دونها فسماء ، وبالاِضافة إلى ما فوقها فأرض وسمي المطر سماءً لخروجه منها.
     وأمّا البروج واحدها برج ويطلق على الأمر الظاهر وغلب استعماله في القصر العالي لظهوره على الناظرين ، ويسمّى البناء المعمول على سور البلد للدفاع برجاً ، والمراد هنا مواضع الكواكب من السماء.
     وربما يفسر بالمنازل الاثنى عشر للقمر ، لأنّ القمر يصير في كلّ برج يومين وثلث يوم ، وذلك ثمانية وعشرون يوماً ، ثمّ يستتر ليلتين ثمّ يظهر.
     وربما يفسر بمنازل الشمس في الشمال والجنوب ، ولكن الأولى ما ذكرناه منازل النجوم على وجه الاِطلاق.
     واليوم الموعود عطف على السماء وهو يوم القيامة الذي وعد اللّه سبحانه أن يجمع فيه الناس ويوم الفصل والجزاء الذي وعد اللّه به على ألسنة رسله وفيه يتفرد ربّنا بالملك والحكم.
     وقد وعد اللّه سبحانه به في القرآن الكريم غير مرّة وقال :
     ( وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقين ). (1)
1 ـ يونس : 48.

(148)
     وقال : ( أَلا إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلكِنّ أَكْثَرهُمْ لا يََعْلَمُون ). (1)
     وقال تعالى : ( وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ ). (2)
     إلى غير ذلك من الآيات التي سمّى اللّه سبحانه فيها ذلك اليوم بوعد اللّه.
     وشاهد ومشهود ، اللفظان معطوفان على السماء والجميع قسم بعد قسم ، وأمّا ما هو المقصود؟ فالظاهر انّ الشاهد هو من عاين الأشياء وحضرها ، وأوضحه مصداقاً هو النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأنّه سبحانه وصفه بكونه شاهداً ، قال : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَداعِياً إِلى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنيراً ). (3)
     نعم تفسيره بالنبي الخاتم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من باب الجري والتطبيق على أفضل المصاديق وإلاّ فله معنى أوسع ، يقول سبحانه : ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى اللّه عَمَلكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُوَْمِنونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيبِ وَالشَّهادةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُون ) (4) فقد عدّ الموَمنين شهوداً على الأعمال ، فإنّ الغاية من الروَية هو الشهود.
     وتدل الآيات على أنّ نبي كلّ أُمّة شاهد على أُمّته ، قال سبحانه : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الكِتابِ إِلاّليُوَْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَومَ القِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ). (5)
     وأمّا المشهود فالمراد منه يوم القيامة ، لأنّه من صفات يومها ، قال سبحانه :
1 ـ يونس : 55.
2 ـ الكهف : 21.
3 ـ الأحزاب : 45.
4 ـ التوبة : 105.
5 ـ النساء : 159.


(149)
     ( ذلِكَ يَومٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَومٌ مَشْهُود ) (1) والمراد به ( ذلك يوم مجموع له الناس ) أي يجمع فيه الناس كلّهم الأوّلون والآخرون منهم للجزاء والحساب والهاء في له راجعة إلى اليوم ( وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُود ) أي يشهده الخلائق كلّهم من الجن والاِنس وأهل السماء وأهل الأرض أي يحضره ولا يوصف بهذه الصفة يوم سواه وفي هذا دلالة على إثبات المعاد وحشر الخلق. (2)
     هذا كلّه حول المقسم به ، وأمّا المقسم عليه فيحتمل أن يكون أحد أمرين :
     أ : ( قُتِلَ أَصحابُ الأُخْدُود ) وفسره بقوله : ( النّارِ ذات الوقُود ) أي أصحاب الأُخدود هم أصحاب النّار التي لها من الحطب الكثير ما يشتد به لهيبها ، ويكون حريقها عظيماً ، ولهيبها متطايراً.
     ثمّ أشار إلى وصف آخر لهم ( إِذْ هُمْ عَلَيها قُعُود ) أي أحرقوا الموَمنين بالنار وهم قاعدون حولها يشرفون عليهم وهم يعذبون بها ويوضحه قوله في الآية اللاحقة : ( وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُوَْمِنينَ شُهُود ) أي أُولئك الجبابرة الذين أحرقوا الموَمنين كانوا حضوراً عند تعذيبهم يشاهدون ما يُفعل بهم ، وفي هذا إيماء إلى قسوة قلوبهم ، كما فيه إيماء إلى قوة اصطبار الموَمنين وشدّة جلدهم ورباطة جأشهم.
     وأمّا الصلة بين ما حلف به من السماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود وجواب القسم فهي انّه سبحانه حلف بالسماء ذات البروج والبروج آية الدفاع حيث كان أهل البلد يدافعون من البروج المبنية على سور البلد عن بلدهم ، قال سبحانه : ( وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماء ِبُرُوجاً وَزَيَّنّاها لِلنّاظرين * وَحَفِظْناها مِنْ كُلّ
1 ـ هود : 103.
2 ـ مجمع البيان : 5/191.


(150)
شَيطانٍ رَجِيم ). (1)
     فحلف سبحانه بالسماء ذات البروج في المقام مبيناً بأنّ اللّه الذي كما يدفع بالبروج عن السماء كيد الشياطين كذلك يدفع عن إيمان الموَمنين كيد الشياطين وأوليائهم من الكافرين.
     ثمّ أقسم باليوم الموعود الذي يجزي فيها الناس بأعمالهم فهو يجزي أصحاب الأُخدود بأعمالهم ، وأقسم بالشاهد الذي يشاهد أعمال الآخرين ، وأقسم بمشهود أي كل ما يشهده الشاهد وهو انّه سبحانه تبارك وتعالى يعاين أعمالهم ويشاهدها.
     ويمكن أن يكون جواب القسم ، قوله سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُوَْمِنينَ وَالْمُوَْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَريق * إِنَّ الَّذينَ آمنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوزُ الكَبير ). (2)
     فاللّه سبحانه يوعد الكفّار ويعد الموَمنين.
     وأمّا وجه الصلة فواضح أيضاً بالنسبة إلى ما ذكرنا في الوجه الأوّل ، ويحتمل أن يكون الجواب قوله : ( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشدِيد * إِنَّهُ هُُوَ يُبْدِىَُ وَيُعِيد ) (3)
     والمناسبة تلك المناسبة فلا نطيل.
     ويحتمل أن يكون الجواب محذوفاً يدل عليه الآيات المتقدمة ، والمحذوف كالتالي :
     إيعاد الفاتنين ووعد الموَمنين وهكذا.
1 ـ الحجر : 16 ـ 17.
2 ـ البروج : 10 ـ 11.
3 ـ البروج : 12 ـ 13.
مفاهيم القرآن ـ جلد التاسع ::: فهرس