مختصر البصائر ::: 76 ـ 90
(76)
    [ 47/47 ] وعنه ، عن ( الحسن بن علي بن أبي عثمان ) (1) ، قال : حدّثنا العبّاد بن عبدالخالق ، عمّن حدّثه ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ).
    وعن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : « إنّ لله عزّ وجلّ اثنى عشر ألف عالم ، كلّ عالم منهم أكبر من سبع سماوات وسبع أرضين ، ما يرى كلّ عالم منهم ، إنّ لله عالماً غيرهم وأنا الحجّة عليهم » (2).
    [ 48/48 ] حدّثنا معاوية بن حكيم ، عن إبراهيم بن أبي سمال (3) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) : إنّا قد روينا عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) : « أنّ الإمام لا يغسّله إلاّ الإمام » وقد بلغنا هذا الحديث فما تقول فيه ؟
    فكتب إليّ : « إنّ الذي بلغك هو الحق » قال : فدخلت عليه بعد ذلك ، فقلت له :
1 ـ في نسختي « س و ض » : الحسن بن علي بن أبي عمير ، وفي نسخة « ق » : الحسن بن علي ، عن ابن أبي عمير.
2 ـ أورده الصدوق في الخصال : 639 / 2 ، وعنه وعن المختصر في البحار 57 : 320 / 2.
3 ـ في نسخة « ض » : إبراهيم بن أبي سباك ، وفي « س » : ابراهيم بن سماك ، وفي المختصر المطبوع : إبراهيم بن أبي سماك ، وما أثبتناه من نسخة « ق » ظاهراً هو الصحيح ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، قائلاً : إبراهيم وإسماعيل ابنا سمّاك واقفيان ، واستظهر السيد الخوئي إنّ في نسخة رجال الطوسي غلط ، وقال : والصحيح ابنا أبي سمّال. وذكره الشيخ في الفهرست : إبراهيم بن أبي بكر بن أبي سمال ، وضبطه العلاّمة في الخلاصة بالسين المهملة واللام ، وقال النجاشي : إبراهيم بن أبي بكر محمد بن الربيع يكنى بأبي بكر ـ ابن أبي السمال ... ثقة هو وأخوه إسماعيل رويا عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ، ثقة.
انظر رجال الشيخ : 344 / 33 ، رجال النجاشي : 21 / 31 ، فهرست الشيخ : 9 / 24 ، خلاصة الأقوال : 314 / 1230 ، رجال الكشي : 471 / 897 ، معجم رجال الحديث 1 : 168.


(77)
أبوك من غسّله ، ومن وليه ؟ فقال : « لعلّ الذين حضروه أفضل من الذين تخلّفوا عنه » قلت : ومن هم ؟ قال : « حضره الذين حضروا يوسف ( عليه السلام ) ، ملائكة الله ورحمته » (1).
    [ 49/49 ] أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم ، عن أبي حنيفة ، عن عبدالرحمن السلماني ، عن حبيش بن المعتمر (2) ، عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال : « دعاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فوجّهني إلى اليمن لاُصلح بينهم ، فقلت : يارسول الله إنّهم قوم كثير ولهم سنّ وأنا شاب حدث ، فقال : يا علي إذا صرت بأعلى عقبة (3)
أفيق (4) فناد بأعلى صوتك : ياشجر ، يا مدر ، يا ثرى ، محمّد رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
1 ـ نقله المجلسي في البحار 27 : 288 / 1 ، عن المختصر.
2 ـ في نسختي « س و ض » : جيش بن المعتمر ، ذكر السيد الخوئي : حنش بن المعتمر ، قائلاً : لم يوجد في النسخة المطبوعة لرجال الطوسي ، ولكنّه موجود في النسخة الخطّية للاسترآبادي. ويؤيّد هذا وجوده الآن في النسخة المحقّقة لرجال الطوسي ص 62 / 37 ، وقد عدّه من أصحاب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ).
والذي موجود في النسخة المطبوعة بالنجف من رجال الطوسي ص 40 / 37 : حش بن المغيرة ، وأشار بحر العلوم في هامش الصفحة : في نسخة : حنش بن المعتمر.
وقال النمازي : إنّ جيش مصحّفة من حبيش ، ورجّح المامقاني حنش على حبش ، كما وذكره ابن حجر والمزّي : حنش بن المعتمر ، وهو أبو المعتمر تابعي.
اُنظر معجم رجال الحديث 7 : 321 ، مستدركات النمازي 2 : 292 ، تنقيح المقال 1 : 381 ، تهذيب التهذيب 3 : 51 ، تهذيب الكمال 7 : 432.
3 ـ العقبة : بالتحريك هو الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ منه ، وهو طويل صعب إلى صعود الجبل. معجم البلدان 4 : 134.
4 ـ أفيق : بالفتح ثم الكسر ، وياء ساكنة وقاف : قرية من حَوران في طريق الغَور في أوّل العقبة المعروفة بعقبة أفيق. معجم البلدان 1 : 232 ـ 233.


(78)
يقرؤكم السلام.
    قال : فذهبت ، فلمّا صرت بأعلى العقبة أشرفت على أهل اليمن ، فإذا هم بأسرهم مقبلون نحوي ، مشرعون رماحهم ، مسوّون أسنّتهم ، متنكّبون قسيّهم (1) ، شاهرون سلاحهم ، فناديت بأعلى صوتي : يا شجر ، يا مدر ، يا ثرى ، محمّد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقرؤكم السلام ، قال : فلم تبق شجرة ولا مدرة ولا ثرى إلاّ ارتجّت بصوت واحد : وعلى محمّد رسول الله السلام وعليك السلام ، فاضطربت قوائم القوم ، وارتعدت ركبهم ، ووقع السلاح من أيديهم ، وأقبلوا إليّ مسرعين ، فأصلحت بينهم وانصرفت » (2).
    [ 50/50 ] ( أحمد وعبدالله ابنا محمّد بن عيسى ) (3) ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، ( عن أبي عبيدة الحذّاء ) (4) وزرارة بن أعين (5) ، عن
1 ـ قسيّهم : واحدها قوس وهو آلة نصف دائرة يرمى بها. أقرب الموارد 2 : 1051 ـ قوس.
2 ـ بصائر الدرجات : 501 / 2 ، باختلاف في السند ، وأورده الراوندي في قصص الأنبياء : 285 / 351 ، ونقله المجلسي في البحار 41 : 252 / 11 ، عن المختصر.
3 ـ في البصائر : أحمد بن محمد ومحمّد بن الحسين.
4 ـ في البصائر : عن أبي عبدالله ( عليه السلام ).
5 ـ زرارة بن أعين : هو ابن سنسن الشيباني ، مولىً لبني عبدالله بن عمرو السمين ، شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم ، وكان قارئاً فقيهاً متكلّماً شاعراً أديباً ، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين ، ثقه ، صادقاً فيما يرويه. وعدّه البرقي والشيخ من أصحاب الأئمّة الأطهار الباقر والصادق والكاظم ( عليهم السلام ) ، مات بعد أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، وترحم الامام الصادق ( عليه السلام ) عليه وقال : « رحم الله زرارة بن أعين لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي ( عليه السلام ) ».
انظر رجال النجاشي : 175 / 463 ، رجال البرقي : 16 و47 ، رجال الشيخ : 123 / 16 و 201 / 90 و 350 / 1 ، رجال ابن داود : 96 / 629 ، رجال العلاّمة : 152 / 441 ، رجال الكشي : 136 / 217 و 133 / 208.


(79)
أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « لمّا قُتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، أرسل محمّد بن الحنفية إلى علي ابن الحسين ( عليهما السلام ) فخلا به » ، ثم قال : يا ابن أخي قد علمت أنّ رسول لله ( صلى الله عليه وآله ) كانت الوصية منه ، والإمامة من بعده إلى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، ثمّ إلى الحسن بن علي ( عليه السلام ) ، ثمّ إلى الحسين ( عليه السلام ) ، وقد قُتل أبوك صلوات الله عليه ولم يوص ، وأنا عمّك وصنو أبيك ، وولادتي من علي ( عليه السلام ) في سنّي وقدمي ، وأنا أحقّ بها منك في حداثتك ، لا تنازعني الوصيّة والإمامة ولا تجانبني (1) ، فقال له علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : « يا عمّ إتّق الله ولا تدّع ما ليس لك بحق ، إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين ، إنّ أبي صلوات الله عليه يا عم أوصى إليّ في ذلك قبل أن يتوجّه إلى العراق ، وعهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة ، وهذا سلاح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عندي ، فلا تتعرّض لهذا فإنّي أخاف عليك نقص العمر وتشتّت الحال.
    إنّ الله تبارك وتعالى ـ لمّا صنع الحسين ( عليه السلام ) ما صنع ـ (2) آلى أن لا يجعل
1 ـ في الكافي : ولا تحاجّني.
2 ـ في نسختي « ض و ق » : ( لمّا صنع الحسن ( عليه السلام ) مع معاوية لعنه الله ما صنع ) وفي المختصر المطبوع : الحسين بدل الحسن ، وما أثبتناه من نسخة « س » هو الأنسب للسياق ، لأنّه حاشا لله تعالى أن يصطفي له حجّة على خلقه وأميناً في أرضه ثمّ يعامله بهذه الصورة ، ثمّ حاشا للإمام أن يكون تصرّفه موجباً لسخط الربّ تبارك وتعالى ، بل إنّ فعل الامام الحسن روحي فداه هو منتهى الحكمة وكمال الصلاح للاُمّة ، ففي هدنته ( عليه السلام ) وفي استشهاد الامام الحسين ( عليه السلام ) بني الإسلام وثبتت ركائزه. وهي الموافقة لرواية الاحتجاج وباختلاف يسير مع عبارة الكافي.


(80)
الوصية والإمامة إلاّ في عقب الحسين ( عليه السلام ) ، فإن رأيت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود (1) حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك.
    قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : وكان الكلام بينهما بمكّة ، فانطلقا حتى أتيا الحجر ، فقال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) لمحمّد بن علي إئته ياعم وابتهل إلى الله عزّ وجلّ أن يُنطق لك الحجر ، ثم سله عمّا ادّعيت ، فابتهل في الدعاء وسأل الله ثمّ دعا الحجر فلم يجبه.
    فقال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : أما إنّك يا عم لو كنت وصيّاً وإماماً لأجابك ، فقال له محمّد : فادع أنت يا ابن أخي فاسأله ، فدعا الله علي بن الحسين ( عليهما السلام ) بما أراد ، ثمّ قال : اسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء والأوصياء ، وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا مَن الإمام والوصي بعد الحسين ( عليه السلام ) ، فتحرّك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه ، ثمّ أنطقه الله بلسان عربيّ مبين فقال :
    اللهمّ إنّ الوصيّة والإمامة بعد الحسين بن علي ( عليهما السلام ) إلى علي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ). فانصرف محمّد بن علي بن الحنفيّة وهو يتولّى علي بن الحسين ( عليهما السلام ) » (2).
1 ـ الحجر الأسود : في رواية عن أمالي الطوسي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : « وهو من حجارة الجنّة ، وكان لمّا اُنزل في مثل لون الدرّ وبياضه ، وصفاء الياقوت وضيائه ، فسوّدته أيدي الكفّار » ص 476 / ذيل حديث 10.
وفي رواية عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : « كان الحجر الأسود أشدّ بياضاً من اللبن فلولا ما مسّه من أرجاس الجاهلية ؛ ما مسّه ذو عاهة إلاّ برئ » علل الشرائع : 427 / 1.
2 ـ بصائر الدرجات : 502 / 3 باختلاف ، وأورده الكليني في الكافي 1 : 348 / 5 ، والطبرسي في الاحتجاج 2 : 147 / 185.


(81)
    [ 51/51 ] محمّد بن عبدالجبّار (1) قال : حدّثني جعفر بن محمّد الكوفي ، عن رجل من أصحابنا ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : « لمّا انتهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الركن الغربي فجازه ، قال له الركن : يا رسول الله ألست قعيداً من قواعيد بيت ربّك فما بالي لا اُستلم ؟ فدنا منه النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاستلمه وقال : اسكن عليك السلام غير مهجور (2) » (3).
    [ 52/52 ] أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد الجوهري (4) ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، قال
1 ـ في البصائر : محمّد بن الجارود.
ومحمد بن عبدالجبّار ممّن روى عن أبي محمّد الحسن العسكري ( عليه السلام ) وروى عنه جمّ غفير منهم سعد بن عبدالله الأشعري ومحمّد بن الحسن الصفار ، وهو قمّي ثقة ، عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمام الهادي ( عليه السلام ).
انظر رجال الشيخ : 423 / 17 ، رجال البرقي : 59 ، رجال العلاّمة : 242 / 824.
2 ـ في نسخة « س » : غير محجوب.
3 ـ بصائر الدرجات : 503 / 4 ، وعنه في البحار 99 : 225 / 23 ، وفيه : لست بعيداً من بيت ربّك وأورده الصدوق في علل الشرائع : 429 / 3 ، والراوندي في قصص الأنبياء : 286 / صدر حديث 353.
4 ـ القاسم بن محمّد الجوهري : كوفي سكن بغداد ، روى عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ، عدّه البرقي من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، وعدّه الشيخ تارة من أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، واُخرى من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وثالثة في من لم يرو عنهم ( عليهم السلام ) ، وقال العلاّمة في خلاصته : واقفي لم يلق أبا عبدالله ( عليه السلام ) ، وانظر الأقوال التي تضاربت فيه في معجم رجال الحديث.
انظر رجال النجاشي : 315 / 862 ، رجال البرقي : 50 ، رجال الشيخ : 276 / 49 و 358 / 1 و 490 / 5 ، خلاصة الأقوال : 388 / 1558 ، معجم رجال الحديث 15 : 51 ـ 57.


(82)
« سُمّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم خيبر ، فتكلّم اللحم فقال : يا رسول الله صلّى الله عليك وعلى آلك إنّي مسموم ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) عند موته : اليوم قطّعت مطاياي (1) الأكلة التي أكلتها بخيبر ، وما من نبي ولا وصيّ إلاّ شهيد (2) » (3).
    [ 53/53 ] أحمد وعبد الله ابنا محمّد بن عيسى ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن محبوب (4) ، عن علي بن رئاب ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « إنّي لفي عمرة اعتمرتها في الحجر جالساً ، إذ نظرت إلى جانّ قد أقبل من ناحية المسعى حتى دنا من الحجر ، فطاف بالبيت اُسبوعاً ، ثم إنّه أتى المقام
1 ـ مطاياي : كذا في المتن والمصدر والبحار ، وفي كتب اللغة : أطواء ومطاوي أي الأمعاء. انظر تاج العروس 10 : 229 ـ طوى ، لسان العرب 15 : 18 ـ 19 ـ طوى.
2 ـ في نسخة « س » زيادة : أو مسموم.
3 ـ بصائر الدرجات : 503 / 5 ، وعنه في البحار 17 : 405 / 25 و22 : 516 / 21.
4 ـ الحسن بن محبوب : هو السرّاد ويقال له : الزرّاد ، يكنّى أبا علي مولى بجيلة ، كوفي ثقة ، وكان جليل القدر ، يعدّ من الأركان الأربعة في عصره ، وله كتب كثيرة ، عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمامين الهمامين الكاظم والرضا ( عليهما السلام ).
وقال الكشي : أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم ، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم وهم ستّة نفر منهم الحسن بن محبوب.
مات ( رحمه الله ) في آخر سنة أربع وعشرين ومائتين ، وكان من أبناء خمس وسبعين سنة. انظر فهرست الشيخ : 46/ 151 ، رجال الشيخ : 347 / 9 و 372 / 11 ، رجال البرقي : 48 و53 ، رجال الكشي : 556 / 1050 و 584 / 1094 ، رجال ابن داود : 77 / 454 ، رجال العلامة : 97 / 222.


(83)
فقام على ذَنـَبه فصلّى ركعتين ، وذلك عند زوال الشمس ، فبصر به عطاء واُناس من أصحابه ، فأتوني فقالوا : يا أبا جعفر أما رأيت هذا الجان ؟ فقلت : رأيته وما صنع ، ثمّ قلت لهم : انطلقوا إليه وقولوا : يقول لك محمّد بن علي : إنّ البيت يحضره أعبد وسودان ، وهذه ساعة خلوته منهم ، وقد قضيت نسكك ونحن نتخوّف عليك منهم ، فلو خفّفت وانطلقت ، قال : فكوّم كومة من بطحاء (1) المسجد برأسه ، ثم وضع ذَنـَبه عليها ثمّ مثل في الهواء » (2).
    [ 54/54 ] الحسن بن موسى الخشّاب ، عن علي بن حسّان ، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي (3) ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول : « كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم قاعداً في أصحابه إذ مرّ به بعير فجاء إليه حتى برك بين يديه ، وضرب بجرانه الأرض ورغا ، فقال له رجل من القوم : يا رسول الله أيسجد لك هذا الجمل ؟ فإن سجد لك فنحن أحقّ أن نفعل ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : بل اسجدوا لله ،
1 ـ البطحاء جمعها أبطح : مسيل واسع فيه دقاق الحصى. الصحاح 1 : 356 ـ بطح.
2 ـ أورده الراوندي في الخرائج والجرائح 1 : 285 / 18 ، وابن الفتال في روضة الواعظين : 204 ـ 205 ، وذكره باختصار ابن شهرآشوب في المناقب 4 : 203.
3 ـ في البصائر : أحمد بن موسى الخشاب ، عن عبدالرحمن بن كثير ، ولم أجد للأول ذكر في كتب التراجم.
وأمّا الحسن بن موسى الخشاب ، فهو من وجوه أصحابنا ، مشهور كثير العلم والحديث ، له مصنّفات منها كتاب الردّ على الواقفة ، عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) ، وفي من لم يرو عنهم ( عليهم السلام ).
انظر رجال النجاشي : 42 / 85 ، رجال الشيخ : 430 / 5 و462 / 3 ، خلاصة الأقوال : 104 / 240 ، فهرست الشيخ : 49 / 160.


(84)
إنّ هذا الجمل يشكو أربابه ، ويزعم أنّهم أنتجوه (1) صغيراً واعتملوه ، فلمّا كبر وصار عوراً (2) كبيراً ضعيفاً أرادوا نحره ، شكا ذلك إليّ.
    فداخل رجل من القوم ما شاء الله أن يداخله من الإنكار لقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ـ وذكر أبو بصير أنّه عمر ـ فقال : أنت تقول ذلك ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.
    ثمّ أنشأ أبو عبدالله ( عليه السلام ) فقال : ثلاثة من البهائم تكلّموا على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( الجمل والذئب والبقرة ) (3) ، فأمّا الجمل فكلامه الذي سمعت ، وأمّا الذئب فجاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فشكا إليه الجوع ، فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أصحاب الغنم فقال : افرضوا للذئب شيئاً فشحّوا ، فذهب ثمّ عاد ثانية فشكا الجوع ، فدعاهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فشحّوا ، ثمّ عاد ثالثة فشكا الجوع فدعاهم فشحّوا.
    فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اختلف (4) إلي جدّه. ولو أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرض للذئب شيئاً ما زاد الذئب عليه شيئاً حتى تقوم الساعة.
    وأمّا البقرة فإنّها أذنت (5) النبي ( صلى الله عليه وآله ) (6) ـ وكانت في محلّة بني سالم من
1 ـ نتجت الناقة : بمعنى ولدت. انظر المصباح المنير : 592 ـ نتج.
2 ـ العور : التعب. مجمع البحرين 3 : 416 ـ عور.
3 ـ في نسختي « ض و ق » : تكلّم الجمل ، وتكلّم الذئب ، وتكلّمت البقرة.
4 ـ اختلف : تردّد. مجمع البحرين 5 : 54 ـ خلف ، وفي البصائر والارشاد والقصص : اختلس ، أي أخذ.
5 ـ أذنت : كقوله تعالى : ( أذنت لربّها ) أي استمعت وأطاعت. مجمع البحرين 6 : 200 ـ أذن. وفي نسخة « س » والمختصر المطبوع : إذ تنبّئ ، وفي نسخة من الارشاد : فإنّها آمنت بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ( هامش نسخة س ).
6 ـ في البصائر والقصص زيادة : ودلّت عليه.


(85)
الأنصار ـ فقالت : يا آل ذريح عمل نجيح صائح يصيح بلسان عربي فصيح : بأن لا إله إلاّ الله ربّ العالمين ، ومحمّد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سيّد النبيّين ، وعليّ ( عليه السلام ) سيّد الوصيّين » (1).
1 ـ بصائر الدرجات : 351 / 13 ، وأورده المفيد في الاختصاص : 296 ، والراوندي في قصص الأنبياء : 287 / 354.

(86)

(87)
باب
في الكرّات (1) وحالاتها وما جاء فيها
    [ 55/1 ] حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن المنخّل بن جميل ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « ليس من مؤمن إلاّ وله قتلة وموتة ، إنّه من قتل نشر حتى يموت ، ومن مات نشر
1 ـ الكرّ : الرجوع. لسان العرب 5 : 135 ـ كرّ.
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « من أقرّ بسبعة أشياء فهو مؤمن : البراءة من الجبت والطاغوت ، والإقرار بالولاية ، والإيمان بالرجعة ... » صفات الشيعة : 104 / 41.
وقال الشيخ الصدوق في كتابه الاعتقادات : إعتقادنا في الرجعة أنّها حق. ص 60 / 18 ( ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ).
وقال العلاّمة المجلسي : الرجعة التي أجمعت الشيعة عليها في جميع الأعصار ، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار ، حتى نظّموها في أشعارهم ، واحتجّوا بها على المخالفين في جميع أمصارهم. وكيف يشكّ مؤمن بحقّية الأئمّة الأطهار ( عليهم السلام ) ، فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صريح ، رواها نيّف وأربعون من الثقات العظام ، والعلماء الأعلام ، في أزيد من خمسين من مؤلّفاتهم. وظنّي أنّ من يشكّ في أمثالها فهو شاكّ في أئمّة الدين. بحار الأنوار 53 : 122 ـ 123.


(88)
حتى يُقتل » ثمّ تلوت على أبي جعفر ( عليه السلام ) هذه الآية ( كلّ نفس ذائقة الموت ) (1) فقال : « ومنشورة ». قلت : قولك ومنشورة ما هو ؟ فقال : « هكذا نزل بها جبرئيل ( عليه السلام ) على محمّد ( صلى الله عليه وآله ) : كلّ نفس ذائقة الموت ومنشورة ».
    ثمّ قال : « ما في هذه الاُمّة أحد برّ ولا فاجر إلاّ ويُنشر ، فأمّا المؤمنون فينشرون إلى قرّة أعينهم ، وأمّا الفجّار فينشرون إلى خزي الله إيّاهم ، ألم تسمع أنّ الله تعالى يقول ( ولنذيقنّهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) (2).
    وقوله تعالى ( يا أيّها المدّثّر * قم فأنذر ) (3) يعني بذلك محمّد ( صلى الله عليه وآله ) وقيامه في الرجعة ينذر فيها.
    وقوله تعالى ( إنّها لإحدى الكُبَر * نذيراً للبشر ) (4) يعني محمّد ( صلى الله عليه وآله ) نذيراً للبشر في الرجعة.
    وقوله تعالى ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون ) (5) قال : يظهره الله عزّ وجلّ في الرجعة.
    وقوله تعالى ( حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد ) (6) هو علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) إذا رجع في الرجعة ».
1 ـ آل عمران 3 : 185 ، الأنبياء 21 : 35 ، العنكبوت 29 : 57.
2 ـ السجدة 32 : 21.
3 ـ المدّثّر 74 : 1 ـ 2.
4 ـ المدّثّر 74 : 35 ـ 36.
5 ـ الصف 61 : 9.
6 ـ المؤمنون 23 : 77.


(89)
    قال جابر : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه في قول الله عزّ وجلّ ( رّبَما يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) (1) قال : هو أنا إذا خرجت أنا وشيعتي ، وخرج عثمان بن عفان وشيعته ، ونقتل بني اُميّة ، فعندها يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين » (2).
    [ 56/2 ] محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ويعقوب بن يزيد ، عن أحمد بن الحسن الميثمي (3) ، عن محمد بن الحسين ، عن أبان بن عثمان ، عن موسى الحنّاط ، قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : « أيّام الله ثلاثة : يوم يقوم القائم ( عليه السلام ) ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة » (4).
1 ـ الحجر 15 : 2.
2 ـ نقله المجلسي عن المختصر في البحار 53 : 64 / 55 ، وكذلك البحراني في تفسير البرهان 1 : 721 / 7 ، عن سعد بن عبدالله. وفيه : قال جابر : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ).
3 ـ في نسخة « س و ض » والمختصر المطبوع : أحمد بن الحسين الميثمي.
وأحمد بن الحسن الميثمي : هو ابن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمّار ، مولى بني أسد ، قال أبو عمرو الكشي : كان واقفياً ، وقد روى عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وهو على كلّ حال ثقة ، صحيح الحديث معتمد عليه ، هذا ما قاله النجاشي. وعدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وقال : واقفي ، وقال في الفهرست : كوفي صحيح الحديث سليم ، وله كتاب النوادر.
وللمامقاني قول في أنّه هل وقف على إمامة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) أم لم يقف ؟ فإذا كان وقف كيف يروي عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ؟
اُنظر رجال النجاشي : 74 / 179 ، رجال الشيخ : 344 / 30 ، رجال الكشي : 468 / 890 ، فهرست الشيخ : 22 / 56 ، رجال ابن داود : 37 / 66 ، رجال العلاّمة : 319 / 1254 ، تنقيح المقال 1 : 54 / 322.
4 ـ أورده الشيخ الصدوق في الخصال : 108 / 75 بسنده عن سعد بن عبدالله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن الحسن الميثمي ، عن مثنى الحنّاط ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، ومعاني الأخبار : 365 / 1 ـ باب معنى أيام الله عزّ وجلّ بسند آخر عن مثنّى الحنّاط ، عن الإمام الصادق ، عن أبيه ( عليهما السلام ).


(90)
    [ 57/3 ] أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة (1) ، عن أبي داود ، عن بريدة الأسلمي (2) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « كيف أنت إذا استيأست اُمّتي من المهدي ، فيأتيها مثل قرن (3) الشمس ، يستبشر به أهل السماء وأهل الأرض » ؟ فقلت : يا رسول الله بعد الموت ؟ فقال : « والله إنّ بعد الموت هدى
1 ـ في نسخة « س » والمطبوع : يوسف بن عميرة ، ولم يذكر في الكتب.
2 ـ بريدة الأسلمي : هو بريدة بن الخصيب ( الخضيب ) الأسلمي الخزاعي مدني عربي من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وعدّه البرقي من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وزاد الشيخ عليه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ).
قال النمازي : وهو من الإثنى عشر الذين أنكروا على أبي بكر فعله واحتجّوا عليه ، وذكر المجلسي احتجاجه على عمر أيضاً قائلاً : وقام بريدة الأسلمي وقال : يا عمر أتثب على أخي رسول الله وأبي ولده ؟ وأنت الذي نعرفك في قريش بما نعرفك ؟ ...
وقال السيّد بحر العلوم في رجاله : هو صاحب لواء أسلم ، شهد خيبر وأبلى فيها بلاءً حسناً ، وشهد الفتح مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، واستعمله على صدقات قومه ، سكن المدينة ثم انتقل إلى البصرة ثم إلى مرو وتوفي فيها سنة 63 هـ ، وكان آخر من مات من الصحابة.
اُنظر رجال ابن داود : 55 / 233 ، رجال العلاّمة : 82 / 165 ، رجال البرقي : 2 ، رجال الشيخ : 10 / 21 و 35 / 1 ، بحار الأنوار 28 : 286 ، مستدركات النمازي 2 : 19 ـ 20 ، رجال بحر العلوم 2 : 128.
3 ـ في نسخة « ق » : قرص ، وقرص الشمس : عينها. وقرن الشمس : أعلاها ، وأوّل ما يبدو منها في الطلوع. الصحاح 3 : 1050 ـ قرص ، و 6 : 2180 ـ قرن.
مختصر البصائر ::: فهرس