مختصر البصائر ::: 316 ـ 330
(316)
    فقال : أضحك الله سنّك ممّ تضحك ؟ فقال : « إنّ حمامك هذا هدر (1) الذكر على الاُنثى ، فقال : يا سكني وعرسي والله ما على وجه الأرض أحد أحبّ إليّ منك ما خلا هذا القاعد على السرير » فقلت له : وتفهم ذلك ؟ قال : « نعم علّمنا منطق الطير ، واُوتينا من كلّ شيء » (2).
    [ 338/27 ] وعن جماعة ، أخبرنا أبو الحسن غسق (3) ، أخبرنا أبي ، أخبرنا الفضل بن يعقوب (4) البغدادي ، أخبرنا الهيثم بن جميل ، أخبرنا عمرو بن عبيد ، عن عيسى بن سلام ، عن علي بن نصر بن سنان (5) ، عن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما قال : « بينا النبي ( صلى الله عليه وآله ) جالس مع أصحابه إذ أقبلت الريح الدبور ، فقال لها النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أيّتها الريح إنّي أستودعك إخواننا فردّيهم إلينا ، قالت : قد اُمرتُ فالسمع والطاعة لك ، فدعا ببساط كان اُهدي إليه ، ثمّ بسطه ، ثمّ دعا بعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فأجلسه عليه ، ثمّ دعا بأبي بكر ، وعمر وعثمان ، وعبدالرحمن بن عوف ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقّاص ، وعمّار بن ياسر ، والمقداد بن الأسود (6) ،
1 ـ هدر : صوّت. لسان العرب 5 : 258 ـ هدر.
2 ـ الخرائج والجرائح 2 : 833/49 ، وبصائر الدرجات : 346/25 ، باختلاف يسير.
3 ـ في الخرائج : أبو الحسن بن عتيق ، وفي البحار : أبو الحسين بن غسق.
4 ـ في البحار : عن أبي الفضل بن يعقوب البغدادي.
5 ـ في نسخة « ض » : سيّار ، وفي نسخة « س » : سيّاب.
6 ـ المقداد بن الأسود : هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي البهراني ، أسلم قديماً وشهد بدراً والمشاهد كلّها ، وكان فارساً يوم بدر ، ويقال له المقداد بن الأسود لأنّه كان حليفاً للأسود بن عبديغوث الزهري فتبنّاه الأسود فنسب إليه.
وروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال : « إنّ الله أمرني بحب أربعة : علي بن أبي طالب والمقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي » وورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : « ارتدّ الناس إلاّ ثلاثة : أبو ذر وسلمان والمقداد » والمقصود من الارتداد : بعد وفاة النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، وعدّه البرقي والشيخ من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والامام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).
اُنظر تهذيب التهذيب 10 : 254 ، سير أعلام النبلاء 1 : 385 ، رجال الكشي : 8/17 و10/21 ، رجال البرقي : 1 و3 ، رجال الطوسي : 27/8 و57/1.


(317)
وأبي ذرّ ، وسلمان ، فأجلسهم عليه.
    ثمّ قال : أما إنّكم سائرون إلى موضع فيه عين ماء ، فانزلوا وتوضّأوا وصلّوا ركعتين ، وأدّوا إليّ الرسالة كما تؤدّى إليكم.
    ثمّ قال : أيّتها الريح استعلي بإذن الله ، فحملتهم الريح حتى رمتهم إلى بلاد الروم عند أصحاب الكهف ، فنزلوا وتوضّأوا وصلّوا ، فأوّل من تقدّم إلى باب الكهف أبو بكر ، فسلّم فلم يردّوا ، ثمّ عمر فلم يردّوا ، ثمّ تقدّم واحد بعد واحد يسلّم فلم يردّوا.
    ثمّ قام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فأفاض عليه الماء وصلّى ركعتين ، ثمّ مشى إلى باب الغار ، فسلّم بأحسن ما يكون من السلام ، فانصدع الكهف ، ثم قاموا إليه فصافحوه وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين وقالوا : يا بقية الله في خلقه (1) بعد رسوله ، وعلّمهم ما أمره رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمّ ردّ الكهف كما كان ، فحملتهم الريح فرمت بهم في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد خرج ( صلى الله عليه وآله ) لصلاة الفجر فصلّوا معه » (2).
    [ 339/28 ] وعن جماعة ، أخبرنا أبو جعفر محمّد بن إسماعيل بن أحمد البرمكي ، أخبرنا عبدالله بن داهر بن يحيى الأحمري ، أخبرنا أبي ، عن الأعمش ، أخبرنا أبو سفيان ، عن أنس ، قال : كنت عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأبو بكر وعمر في ليلة مكفهرّة ، فقال
1 ـ في المصدر : أرضه.
2 ـ الخرائج والجرائح 2 : 835/51 ، وعنه في البحار 39 : 142/8.


(318)
لهما النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : « قوما فائتيا باب حجرة عليّ » فذهبا فنقرا الباب نقراً خفيفاً ، فخرج علي ( عليه السلام ) متّزراً بإزار من صوف ومرتدياً بمثله ، في كفّه سيف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال لهما « أحدث حدث ؟ » فقالا : خير ، أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن نقصد بابك وهو بالأثر ، فأقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : « يا أبا الحسن أخبر ( أصحابك بخبر البارحة ) (1) » فقال ( عليه السلام ) : « إنّي لأستحي » قال : ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّ الله تعالى لا يستحي من الحقّ ».
    قال علي ( عليه السلام ) : « أصابتني جنابة من فاطمة ( عليها السلام ) ، فطلبت في منزلي ماءً فلم أجد ، فوجّهت الحسن والحسين ( عليها السلام ) (2) ، فأبطآ عليّ ، فاستلقيت على قفاي فإذا أنا بهاتف يهتف : يا أبا الحسن خذ السطل واغتسل ، فإذا أنا بسطل من ماء وعليه منديل من سندس ، فأخذت السطل فاغتسلت منه ، وأخذت المنديل فتمسّحت به ، ثمّ رددت المنديل فوق السطل ، فقام السطل في الهواء ، فسقط من السطل جرعة فأصابت هامتي ، فوجدت بردها على الفؤاد ».
    فقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : « بخ بخ من كان خادمه جبرئيل ( عليه السلام ) » (3).
    [ 340/29 ] قالوا : وحدّثنا البرمكي ، أخبرنا عبدالله بن داهر ، أخبرنا الحماني ، أخبرنا محمّد بن الفضيل ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن سلمان ، قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عزّ وجلّ قبل أن يُخلق آدم ( عليه السلام ) بأربع عشرة ألف سنة ، فلمّا خلق آدم قسّم ذلك النور جزأين ، فركّبه في صلب آدم ( عليه السلام ) وأهبطه إلى الأرض ، ثمّ حمله في السفينة في صلب نوح ( عليه السلام ) ، ثم قذفه في النار في صلب إبراهيم ( عليه السلام ) ، فجزء أنا وجزء عليّ ، والنور : الحقّ ، يزول معنا حيثما
1 ـ في المصدر : أصحابي ما أصابك البارحة. بدل ما بين القوسين.
2 ـ في نسخة « ض » : الحسن ( عليه السلام ) كذا ، والحسين ( عليه السلام ) كذا.
3 ـ الخرائج والجرائح 2 : 837/52.


(319)
زلنا » (1).
    [ 341/30 ] وعن محمّد بن عبدالحميد ، عن أبي جميلة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال « من أدرك قائم أهل بيتي من ذي عاهة بريء ، ومن ذي ضعف قَوِيَ » (2).
    [ 342/31 ] وعن أبي بكر ، عن عبدالأعلى بن أعين (3) ، قال : قمت من عند أبي جعفر ( عليه السلام ) فاعتمدت على يدي فبكيت وقلت : كنت أرجو أن أدرك صاحب هذا الأمر ولي قوّة ، فقال : « أما ترضون أنّ أعداءكم يقتل بعضهم بعضاً ، وأنتم آمنون في بيوتكم ؟! إنّه لو كان ذلك اُعـطي الرجل منكم قوة أربعين رجلاً ، وجعل قلوبكم كزبر الحديد ، لو قذف بها الجبال لقلعتها ، وكنتم قوّام الأرض وخزّانها » (4).
    [ 343/32 ] وعن محمّد بن عيسى ، عن صفوان ، عن مثنّى الحنّاط ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : « إنّ الله عزّ وجلّ نزع الخوف من قلوب أعدائنا ، وأسكنه في قلوب شيعتنا ، فإذا جاء أمرنا نزع الخوف من قلوب شيعتنا ، وأسكنه في قلوب أعدائنا ، فأحدهم أمضى من سنان ، وأجرى من ليث ، يطعن عدوّه برمحه ، ويضربه بسيفه ، ويدوسه بقدمه » (5).
    [ 344/33 ] وعن محمّد بن عيسى ، عن صفوان ، عن مثنّى الحنّاط ، عن أبي خالد الكابلي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد ، فجمع
1 ـ الخرائج والجرائح 2 : 838/53.
2 ـ الخرائج والجرائح 2 : 839/54.
3 ـ في المصدر : عبدالملك بن أعين ، والظاهر هو الصحيح بحكم طبقة الرواة.
4 ـ الخرائج والجرائح 2 : 839/55 ، وأورده الكليني في الكافي 8 : 294/449.
5 ـ الخرائج والجرائح 2 : 840/56.


(320)
به عقولهم ، وأكمل به أحلامهم » (1).
    [ 345/34 ] وعن أيّوب بن نوح ، عن العباس بن عامر ، عن ربيع بن محمّد ، عن أبي الربيع الشامي ، قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : « إنّ قائمنا إذا قام مدّ الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم ، حتى لا يكون بينهم وبين القائم ( عليه السلام ) بريد (2) ، يكلّمهم ويسمعون ، وينظرون إليه وهو في مكانه » (3).
    [ 346/35 ] وعن موسى بن عمر بن يزيد الصيقل ، عن الحسن بن محبوب ، عن صالح بن حمزة ، عن أبان ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : « العلم سبعة وعشرون حرفاً (4) ، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان ، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين ، فاذا قام القائم ( عليه السلام ) أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثّها في الناس ، وضمّ إليها الحرفين حتى يبثّها سبعة وعشرين حرفاً » (5).
    [ 347/36 ] وعن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن الحسن بن علي ، عن جعفر بن بشير ، عن عمر بن أبان ، عن معتّب غلام الصادق ( عليه السلام ) قال : كنت مع أبي عبدالله ( عليه السلام ) بالعُريض (6) فجاء يتمشّى حتى دخل مسجداً ، كان يتعبّد فيه أبوه ، وهو يصلّي في موضع من المسجد.
1 ـ الخرائج والجرائح 2 : 840/57 ، وأورده الكليني في الكافي 1 : 25/21 ، والصدوق في كمال الدين : 675/30.
2 ـ أي لا يكون بين الحجّة ( عليه السلام ) والناس رسول ، وهذا من قدرة الله عزّ وجلّ ، وكرامة وإجلالاً للإمام المنتظر عجّل الله فرجه.
3 ـ الخرائج والجرائح 2 : 840/58 ، وأورده الكليني في الكافي 8 : 240/229.
4 ـ في نسختي « س وض » : جزءاً.
5 ـ الخرائج والجرائح 2 : 841/59 ، وعنه في البحار 52 : 336/72.
6 ـ العُرَيض : اسم واد بالمدينة المنورة. معجم البلدان 4 : 114.


(321)
    فلمّا انصرف قال : « يا معتّب ترى هذا الموضع ؟ » قلت : نعم ، قال : « بينا أبي ( عليه السلام ) قائم يصلّي في هذا المكان ؛ إذ دخل شيخ يمشي ، حسن السمت فجلس ، فبينا هو جالس إذ جاء رجل أدِم حسن الوجه والسمت ، فقال للشيخ : ما يُجلسك ؟ ليس بهذا اُمرت ، فقاما وانصرفا وتواريا عنّي فلم أرَ شيئاً.
    فقال لي أبي : يا بني هل رأيت الشيخ وصاحبه ؟ قلت : نعم ، فمن الشيخ ومن صاحبه ؟ قال : الشيخ ملك الموت ، والّذي جاء وأخرجه جبرئيل ( عليه السلام ) » (1).
    [ 348/37 ] وروى جماعة ، عن الشيخ أبي جعفر بن بابويه ، أخبرنا أبي ، أخبرنا سعد بن عبدالله ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، أخبرنا الحسين بن سعيد ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن فضيل الرسّان ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : « أنّ رجلاً قال لعليّ ( عليه السلام ) : يا أمير المؤمنين لو أريتنا ما نطمئنّ به ، ممّا أنهى إليك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، قال : لو رأيتم عجيبة من عجائبي لكفرتم وقلتم : إنّي ساحر كذّاب وكاهن ، وهو من أحسن قولكم ، قالوا : ما منّا أحد إلاّ وهو يعلم أنّك ورثت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وصار إليك علمه ، قال : علم العالم شديد ، لا يحتمله إلاّ مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، وأيّده بروح منه ».
    ثمّ قال : « إذا أبيتم إلاّ أن اُريكم بعض عجائبي ، وما آتاني الله من العلم ، فاتّبعوا أثري إذا صلّيت العشاء الآخرة ، فلمّا صلاّها أخذ طريقه إلى ظهر الكوفة (2) ، فاتّبعه سبعون رجلاً ـ كانوا في أنفسهم خيار الناس ـ من شيعته.
    فقال لهم عليّ ( عليه السلام ) : إنّي لست اُريكم شيئاً حتى آخذ عليكم عهد الله وميثاقه ،
1 ـ الخرائج والجرائح 2 : 759/73 ، وأورده الصفّار في بصائر الدرجات : 233/1 ، باختلاف يسير.
2 ـ وهو النجف الأشرف حالياً.


(322)
أن لا تكفروا بي ، ولا ترموني بمعضلة ، فوالله ما اُريكم إلاّ ما علّمني رسول الله ( عليه السلام ) ، فأخذ عليهم العهد والميثاق ، أشدّ ما أخذ الله على رسله من عهد وميثاق.
    ثمّ قال : حوّلوا وجوهكم عنّي حتى أدعو بما اُريد ، فسمعوه جميعاً يدعو بدعوات لا يعرفونها.
    ثمّ قال : حوّلوا وجوهكم ، فحوّلوا فإذا هم بجنّات وأنهار ، وقصور من جانب ، وسعير تتلظّى من جانب ، حتى أنّهم ما شكّوا أنّهما الجنة والنار ، فقال أحسنهم قولاً : إنّ هذا لسحر عظيم ، ورجعوا كفاراً إلاّ رجلين.
    فلمّا رجع مع الرجلين قال لهما : قد سمعتما مقالتهم ، وأخذي عليهم العهود والمواثيق ، ورجوعهم يكفّرونني.
    أما والله إنّها لحجّتي عليهم غداً عند الله ، فإنّ الله تعالى يعلم أنّي لست بساحر ولا كاهن ، ولا يُعرف هذا لي ولا لآبائي ، ولكنّه علم الله وعلم رسوله ، أنهاه الله إلى رسوله ، وأنهاه رسوله إليّ ، وأنهيته إليكم ، فاذا رددتم عليّ ، رددتم على الله ، حتى إذا صار إلى باب مسجد الكوفة دعا بدعوات يسمعان ، فإذا حصى المسجد درّ وياقوت ، فقال لهما : ماذا تريان ؟ قالا : هذا درّ وياقوت ، فقال : صدقتما ، لو أقسمت على ربّي فيما هو أعظم من ذلك لأبرّ قسمي ، فرجع أحدهما كافر ، وأمّا الآخر فثبت.
    فقال ( عليه السلام ) : إن أخذت منه شيئاً ندمت ، وإن تركت ندمت ، فلم يدعه حرصه حتى أخذ درّة فصرّها في كمّه ، حتى إذا أصبح نظر إليها فإذا هي درّة بيضاء ، لم ينظر الناس إلى مثلها قط ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أخذت من ذلك الدرّ واحدة وهي معي ، قال : وما دعاك إلى ذلك ؟ قال : أحببت أن أعلم أحقّ هو أم باطل !.
    قال : إنّك إن رددتها إلى موضعها الذي أخذتها منه عوّضك الله منها الجنّة ، وإن أنت لم تردّها عوّضك الله منها النار ، فقام الرجل فردّها إلى موضعها الذي


(323)
أخذها منه ، فحوّلها الله حصاة كما كانت ». قال بعض الناس : كان هذا ميثم التمار (1) ، وقال بعضهم : عمرو بن الحمق (2) (3).
1 ـ ميثم التمّار : هو ميثم بن يحيى التمار ، عدّه البرقي من أصحاب الإمام علي ( عليه السلام ) من شرطة الخميس ، وزاد الشيخ عليه الامامين الحسن والحسين ( عليهما السلام ). وعدّه المفيد من أصفياء أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ).
وكان ممّا علّمه الإمام علي ( عليه السلام ) علم المنايا حيث قال ذات يوم لابن عباس : كيف بك إذا رأيتني مصلوباً تاسع تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم بالمطهرة. وقد حدث ذلك.
وقال الشيخ المظفر : اتفقت الروايات أنّ يوم قتله كان قبل قدوم الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى كربلاء بعشرة أيام ، وكان قدومه ( عليه السلام ) في الثاني من محرم الحرام.
رجال البرقي : 4 ، رجال الطوسي : 58/6 و70/3 و79/1 ، رجال الكشي : 80/136 ، ميثم التمار للمظفر : 74.
2 ـ عمرو بن الحمق : هو الخزاعي ، عربي ، عدّه البرقي من أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومن شرطة الخميس ، وزاد الشيخ عليه الإمام الحسن ( عليه السلام ).
وقال ابن حجر : له صحبة شهد مع علي ( عليه السلام ) حروبه ، وقال ابن شهرآشوب جعله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حرب الجمل وصفين على الكمين. وعدّه الشيخ المفيد من أصفياء الإمام علي ( عليه السلام ).
وقال الأميني : ولما قُتل الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، بعث معاوية في طلب أنصاره ، فكان فيمن طلب عمرو بن الحمق ، فراغ منه ، فأرسل إلى امرأته آمنة بنت الشريد ، فحبسها في سجن دمشق سنتين ، ثم إنّ عبدالرحمن بن الحكم ظفر بعمرو في بعض الجزيرة فقتله ، وبعث برأسه إلى معاوية ، قتل ( رحمه الله ) بالحرة سنة خمسين أو إحدى وخمسين.
انظر رجال الطوسي : 47/6 و69/2 ، رجال البرقي : 4 ، الاختصاص : 3 ، المناقب 3 : 181 و197 ، أعيان الشيعة 8 : 376 ، تهذيب التهذيب 8 : 22/37.
3 ـ الخرائج والجرائح 2 : 862/79.


(324)
    [ 349/38 ] وعن قُتيبة بن الجهم ، قال : لمّا دخل عليّ ( عليه السلام ) إلى بلاد صفّين نزل بقرية يقال لها : صندوداء (1) فعبر عنها ، وعرّس (2) بنا في أرض بلقع (3) ، فقال له مالك بن الحارث الأشتر : نزلت على غير ماء! فقال ( عليه السلام ) : « إنّ الله تعالى يسقينا في هذا الموضع ماءً أصفى من الياقوت وأبرد من الثلج » فتعجّبنا ولا عجب من قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فوقف على أرض ، فقال : « يا مالك احتفر أنت وأصحابك » فاحتفرنا فاذا نحن بصخرة سوداء عظيمة فيها حلقة تبرق كاللجين (4) ، فلم نستطع أن نزيلها.
    فقال علي ( عليه السلام ) : « اللّهم إنّي أسألك أن تمدّني بحسن المعونة » وتكلّم بكلام حسبناه سريانياً ، ثمّ أخذها فرمى بها ، فظهر لنا ماء عذب ، فشربنا منه ، وسقينا دوابّنا ، ثم ردّ الصخرة عليه ، وأمرنا أن نحثوا عليها التراب.
    فلمّا سرنا غير بعيد ، قال ( عليه السلام ) : « من يعرف منكم موضع العين ؟ » قلنا كلّنا نعرف ، فرجعنا فخفي علينا أشدّ خفاء ، فإذا نحن بصومعة راهب ، فدنونا منها ومنه ، فقلنا : هل عندك ماء ؟ فسقانا ماءً مرّاً جشباً (5) ، فقلنا له : لو شربت من الماء الذي سقانا منه صاحبنا من عين هاهنا ، قال : صاحبكم نبيّ ؟ قلنا : وصيّ نبيّ ، فانطلق معنا
1 ـ صندوداء : قرية كانت في غربي الفرات فوق الأنبار ، خربت ، وبها مشهد لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ). مراصد الاطلاع 2 : 853.
2 ـ عرّس : التعريس : نزول القوم في السفر من آخر الليل للاستراحة ثم يرتحلون. الصحاح 3 : 948 ـ عرس.
3 ـ بلقع : الأرض القفر التي لا شيء بها. الصحاح 3 : 1188 ـ بلقع.
4 ـ اللجين : الفضة ، جاء مصغّراً كالثريا. الصحاح 6 : 2193 ـ لجن.
5 ـ الجشب : الغليظ. القاموس المحيط 1 : 46 ـ جشب.


(325)
إلى عليّ ( عليه السلام ) ، فلمّا بصر به أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : « أنت شمعون ؟ » قال : نعم ، هذا اسم سمّتني به اُمّي ، ما اطّلع عليه أحد إلاّ الله.
    ثمّ قال : ما اسم هذه العين ؟ قال ( عليه السلام ) : « عين راحوما من الجنّة ، شرب منها ثلاثمائة نبي وثلاثمائة وصي ، وأنا خير الوصيّين شربت منها » قال الراهب : هكذا وجدت في جميع الكتب ، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله وأنّك وصيّ محمّد.
    ثمّ قال علي ( عليه السلام ) : « والله لو أنّ رجلاً منّا قام على جسر ثمّ عرضت عليه هذه الاُمّة لحدّثهم بأسمائهم وأنسابهم (1) » (2).
    [ 350/39 ] وعن أحمد وعبدالله ابني محمّد بن عيسى ، عن أبيهما ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن عبدالله بن مسكان ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) في قوله تعالى ( وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ) (3) : « كشط الله لإبراهيم السماوات حتى نظر إلى ما فوق العرش ، ثمّ كشطت له الأرض حتى رأى ما تحت تخومها وما فوق الهواء ، وفعل بمحمّد ( صلى الله عليه وآله ) مثل ذلك ، وإنّي لأرى صاحبكم والأئمّة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك » (4).
    [ 351/40 ] وقال له أبو بصير : هل رأى محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ملكوت السماوات
1 ـ في نسختي « س وض » : وأبنائهم.
2 ـ الخرائج والجرائح 2 : 864/80 ، وأورده باختلاف الصدوق في الأمالي : 250/14 ، وابن حمزة الطوسي في ثاقب المناقب : 258/4 ، وباختصار ابن شهرآشوب في المناقب 2 : 326.
3 ـ الأنعام 6 : 75.
4 ـ الخرائج والجرائح 2 : 866/81 ، وأورده الصفّار في بصائر الدرجات : 107/2.


(326)
والأرض كما رأى ذلك إبراهيم ؟ قال : « نعم وصاحبكم والأئمّة من بعده » (1).
    [ 352/41 ] وقال أبو جعفر ( عليه السلام ) في قوله تعالى ( وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ) (2) : « كشطت له السماوات السبع حتى نظر إلى السماء السابعة وما فيها ، والأرضون السبع حتى نظر إليهن وما فيهنّ ، وفعل بمحمّد ( صلى الله عليه وآله ) كما فعل بإبراهيم ( عليه السلام ) ، وإنّي لأرى صاحبكم قد فعل به مثل ذلك » (3).
    [ 353/42 ] محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب وأحمد وعبدالله ابني محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن ضريس الكناسي ، قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول ـ وعنده اُناس من أصحابه وهم حوله ـ : « إنّي لأعجب من قوم يتولّونا ويجعلونا أئمّة ، ويصفون بأنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة الله تعالى ، ثم يكسرون (4) حجّتهم ، ويخصمون أنفسهم لضعف قلوبهم ، فينقصونا حقّنا ، ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهـان حقّ معرفتنا والتسليم لأمرنا ، أترون أنّ الله تعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ، ثمّ يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ، ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم ما فيه قوام دينهم ؟! ».
    فقال له حمران : يابن رسول الله أرأيت ما كان من قيام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والحسن والحسين ( عليهما السلام ) وخروجهم وقيامهم بدين الله ، وما اُصيبوا به من قبل
1 ـ الخرائج والجرائح 2 : 867/82 ، وفيه : وسأله أبو بصير ، وأورده الصفّار في بصائر الدرجات : 107/4 ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ).
2 ـ الأنعام 6 : 75.
3 ـ الخرائج والجرائح 2 : 867/83 ، وأورده الصفّار في بصائر الدرجات : 108/6 ، والعيّاشي في تفسيره 1 : 363/34.
4 ـ في المختصر المطبوع : ينكرون.


(327)
الطواغيت ، والظفر بهم حتى قتلوا وغُلبوا ؟.
    فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « ولو أنّهم يا حمران حين نزل بهم ما نزل من ذلك ، سألوا الله أن يرفع عنهم ذلك ، وألحّوا عليه في إزالة تلك الطواغيت (1) عنهم ، ( إذاً لأجابهم ، ودفع ذلك عنهم ، وكأن يكون انقضاء مدّة الطواغيت ) (2) وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم ، انقطع فتبدّد ، وما كان الذي أصابهم لذنب اقترفوه ، ولا لعقوبة معصية خالفوه فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من الله تعالى أراد أن يبلغوها ، فلا تذهبنّ بك المذاهب » (3).
    [ 354/43 ] ومن كتاب ابن البطريق (4) : روى علي بن الحسين (5) ، قال : حدّثنا هارون بن موسى ، قال : حدّثني محمّد بن همام (6) ، عن عبدالله بن جعفر الحميري ، عن عمر بن علي العبدي ، عن داود بن كثير الرقّي ، عن يونس بن ظبيان ، قال :
1 ـ في الخرائج والبصائر : ملك الطواغيت.
2 ـ في المختصر المطبوع : لكان ذلك. بدل ما بين القوسين.
3 ـ الخرائج والجرائح 2 : 870/87 ، وأورده باختلاف الكليني في الكافي 1 : 261/4 ، والصفّار في بصائر الدرجات : 124/3.
4 ـ وهو أبو الحسين الشيخ شمس الدين يحيى بن الحسن بن الحسين الأسدي الحلي ، من أفاضل علماء الامامية في زمانه ، ومن مصنفاته : العمدة والمناقب والخصائص وتصفح الصحيحين في تحليل المتعتين ، واتفاق صحاح الأثر ، والرد على أهل النظر ، ونهج العلوم ، وعيون الأخبار ، ورجال الشيعة. مات ( رحمه الله ) سنة ستمائة للهجرة. انظر الثقات العيون في سادس القرون : 337 ، والكنى والألقاب : 217.
5 ـ في نسخة « س وض وق » : علي بن الحسن.
6 ـ في نسخة « س وض وق » : محمّد بن هشام.


(328)
دخلت على الصادق جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) ، فقلت : يابن رسول الله إنّي دخلت على مالك (1) وعنده جماعة يتكلّمون في الله ، فسمعت بعضهم يقول : إنّ لله تبارك وتعالى وجهاً كالوجوه ، وبعضهم يقول : له يدان ، واحتجّوا بقول الله سبحانه وتعالى ( بيديّ استكبرت أم كنت من العالين ) (2) وبعضهم يقول : هو كالشاب من أبناء ثلاثين سنة ، فما عندك في هذا يابن رسول الله ؟.
    قال : وكان متّكئاً فاستوى جالساً وقال : « اللهم عفوك عفوك ».
    ثمّ قال : « يا يونس من زعم أنّ له وجهاً كالوجوه فقد أشرك ، ومن زعم أنّ لله جوارح كجوارج المخلوقين فهو كافر بالله ، فلا تقبلوا شهادته ، ولا تأكلوا ذبيحته ، تعالى الله عمّا يصفه المشبّهون بصفة المخـلوقين ، وجه الله أنبـياؤه وأولياؤه.
    وقوله تعالى ( خلقت بيديّ ) (3) فاليد القدرة ، وقوله تعالى ( هو الذي أيّدك بنصره ) (4) فمن زعم أنّ الله في شيء ، أو على شيء ، أو يخلو منه شيء ، أو يشغل به شيء ، فقد وصفه بصفة المخلوقين ، والله خالق كلّ شيء ، لا يقاس بالقياس ، ولا يشبّه بالناس ، ولا يخلو منه مكان ، ولا يشغل به مكان ، قريب في بعده ، بعيد في قربه ، ذلك الله ربّنا لا إله غيره ، فمن أراد الله وأحبّه ووصفه بهذه الصفة فهو من الموحّدين ، ومن وصفه بغير هذه الصفة فالله بري منه ونحن براء منه ».
    ثمّ قال ( عليه السلام ) : « إنّما اُولوا الألباب الذين عملوا بالفكرة حتى ورثوا منه حبّ
1 ـ الظاهر هو مالك بن أنس أحد أئمة المذاهب الأربعة.
2 و3ـ سورة ص 38 : 75.
4 ـ الانفال 8 : 62.


(329)
الله ، فإنّ حبّ الله إذا ورثه القلب استضاء وأسرع إليه اللطف ، فإذا نزل منزلة اللطف صار في أهل الفوائد تكلّم بالحكمة ، فإذا تكلّم بالحكمة صار صاحب فطنة ، فإذا نزل منزلة الفطنة عمل بها في القدرة ، فاذا عمل بها في القدرة عرف الأطباق السبعة ، فاذا بلغ إلى هذه المنزلة صار يتقلّب فكره بلطف وحكمة وبيان ، فإذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبته في خالقه ، فاذا فعل ذلك نزل المنزلة الكبرى ، فعاين ربّه في قلبه ، وورث الحكمة بغير ما ورثه الحكماء ، وورث العلم بغير ما ورثه العلماء ، وورث الصدق بغير ما ورثه الصدّيقون ، إنّ الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت ، وإنّ العلماء ورثوا العلم بالطلب ، وإنّ الصدّيقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة.
    فمن أخذ بهذه الصفة إمّا أن يُسفل أو يُرفع ، وأكثرهم يُسفل ولا يرفع ، إذ لم يرع حقّ الله ، ولم يعمل بما اُمر به ، فهذه منزلة من لم يعرفه حق معرفته ، ولم يحبّه حقّ محبّته ، فلا تغرّنّك صلاتهم ، وصيامهم ، ورواياتهم ، وكلامهم ، وعلومهم ، فإنّهم حمر مستنفرة » (1).
    ثمّ قال : « يا يونس إذا أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت ، فإنّا ورثناه ، واُوتينا شرع الحكمة وفصل الخطاب ».
    فقلت : يابن رسول الله فكلّ من كان من أهل البيت ورث ما ورث ولد عليّ وفاطمة ( عليهما السلام ) ؟ فقال : « ما ورثه إلاّ الأئمة الاثني عشر سلام الله عليهم » قلت : سمّهم لي يابن رسول الله.
    قال : « أوّلهم علي بن أبي طالب ، وبعده الحسن والحسين ، وبعده علي بن الحسين ، وبعده محمّد بن علي ، وبعده أنا ، وبعدي موسى ولدي ، وبعد موسى علي ابنه ،
1 ـ حمر مستنفرة : أي عير مذعورة نافرة. انظر الصحاح 2 : 636 ـ حمر و833 ـ نفر.

(330)
وبعد علي محمّد ، وبعد محمّد علي ، وبعد علي الحسن ، وبعد الحسن الحجّة ، اصطفانا الله وطهّرنا ، واُوتينا ما لم يؤت أحداً من العالمين » (1).
1 ـ لم أعثر عليه في كتابي ابن البطريق العمدة وخصائص الوحي المبين ، بل وجدته في كفاية الأثر للخزّاز : 255 ، وعنه في البحار 3 : 287/2 ـ إلى قوله : نحن منه براء ، والبحار 36 : 403/15 ، كاملاً ، وبزيادة في ذيله من المصدر : ثمّ قلت : يابن رسول الله إنّ عبدالله بن سعد دخل عليك بالأمس فسألك عمّا سألتك ، فأجبته بخلاف هذا ، فقال : يا يونس كلّ امرئ وما يحتمله ، ولكلّ وقت حديثه ، وإنّك لأهل لما سألت ، فاكتمه إلاّ عن أهله والسلام.
ونقله الحر العاملي في الوسائل 28 : 346/26 ـ إلى قوله : كجوارح المخلوقين فهو كافر ، وفي الفصول المهمة في اُصول الأئمة 1 : 244/235 ـ إلى قوله : اليد القدرة.
مختصر البصائر ::: فهرس