مختصر البصائر ::: 361 ـ 375
(361)
أبو أحمد محمّد بن زياد الأزدي ، قال : حدّثنا أبان الأحمر ، عن جعفر بن محمّد الصادق ( عليه السلام ) أنّه جاء إليه رجل فقال له : بأبي أنت واُمّي عظني موعظة ، فقال ( عليه السلام ) : « إن كان الله تبارك وتعالى قد تكفّل بالرزق فاهتمامك لماذا ؟! وإن كان الرزق مقسوماً فالحرص لماذا ؟! وإن كان الحساب حقّاً فالجمع لماذا ؟! وإن كان الخلف من الله عزّ وجلّ فالبخل لماذا ؟! وإن كانت العقوبة من الله عزّوجل النّار فالمعصية لماذا ؟! وإن كان الموت حقّاً فالفرح لماذا ؟! وإن كان العرض على الله عزّ وجلّ حقّاً فالمكر لماذا ؟! وإن كان الشيطان عدوّاً فالغفلة لماذا ؟! وإن كان الممرّ على الصراط حقّاً فالعجب لماذا ؟! وإن كان كلّ شيء بقضاء وقدر فالحزن لماذا ؟! وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لماذا ؟! » (1).
    [ 403/28 ] وبإسنادي إلى علي بن إبراهيم بن هاشم ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله ، قال : حدّثني موسى بن عمران ، عن الحسين بن يزيد ، عن إسماعيل بن مسلم ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : « وجدت لأهل القدر أسماءً في كتاب الله عزّ وجلّ ( إنّ المجرمين في ضلال وسعر * يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسّ سقر * إنّا كلّ شيء خلقناه بقدر ) (2) فهم المجرمون » (3).
1 ـ التوحيد : 376/21 ، أمالي الصدوق : 56/12 ، وأورده في الخصال بسند آخر : 450/55.
2 ـ القمر 54 : 47 ـ 49.
3 ـ تفسير القمّي 2 : 342 ، وعنه في البحار 5 : 17/25 ، وتفسير البرهان 5 : 223/4.


(362)
    ومن كتاب غرر الحكم ودرر الكلم جمع عبدالواحد بن محمّد بن عبدالواحد الآمدي التميمي من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله :
    [ 404/29 ] « القدر يغلب الحاذر » (1).
    [ 405/30 ] « القدر يغلب الحذر » (2).
    [ 406/31 ] « القدر ينسي الحفيظة » (3).
    [ 407/32 ] « الحسود غضبان على القدر » (4).
    [ 408/33 ] « الإتّكال على القضاء أروح » (5).
    [ 409/34 ] « العبد عبد وإن ساعده القدر » (6).
    [ 410/35 ] « المقادير لا تدفع بالقوّة والمغالبة » (7).
    [ 411/36 ] « الرضا بقدر الله يهوّن عظيم الرزايا » (8).
    [ 412/37 ] « الجزع لا يدفع القدر ، ولكن يحبط الأجر » (9).
1 ـ غرر الحكم 1 : 48/1031.
2 ـ غرر الحكم 1 : 50/1068.
3 ـ غرر الحكم 1 : 47/996 ، وفيه : القدرة ، بدل : القدر ، وفي نسخة « س » : المقدّر.
4 ـ غرر الحكم 1 : 62/1317.
5 ـ غرر الحكم 1 : 65/1365.
6 ـ غرر الحكم 1 : 65/1370.
7 ـ لم أعثر عليه في الطبعة المعتمدة من الغرر وهي طبعة مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، بل وجدته في طبعة دار القارئ في ص 65/1484.
8 ـ غرر الحكم 1 : 77/1585.
9 ـ غرر الحكم 1 : 96/1898.


(363)
    [ 413/38 ] « التوكّل : التبرّي من الحول والقوّة ، وانتظار ما يأتي به القدر » (1).
    [ 414/39 ] « الاُمور بالتقدير وليست بالتدبير » (2).
    [ 415/40 ] « إنّ من شغل نفسه بالمفروض عليه عن المضمون له ، ورضي بالمقدور عليه وله ، كان أكثر الناس سلامة في عافية ، وربحاً في غبطة ، وغنيمة في مسرّة » (3).
    [ 416/41 ] « إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور » (4).
    [ 417/42 ] « وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزور » (5).
    [ 418/43 ] « إن عقدت إيمانك فارض بالمقضي عليك ولك ، ولا ترج أحداً إلاّ الله ، وانتظر ما أتاك به القدر » (6).
    [ 419/44 ] « إنّكم إن رضيتم بالقضاء ، طابت عيشتكم ، وفزتم بالغناء » (7).
    [ 420/45 ] « إنّكم إن صبرتم على البلاء ، وشكرتم في الرخاء ، ورضيتم بالقضاء كان لكم من الله الرضا » (8).
1 ـ غرر الحكم 1 : 99/1938.
2 ـ غرر الحكم 1 : 101/1969 ، وفيه : الامور بالتقدير لا بالتدبير.
3 ـ غرر الحكم 1 : 239/279.
4 ـ غرر الحكم 1 : 249/5 ، وفيه : القلم. بدل : القدر.
5 ـ غرر الحكم 1 : 249/6.
6 ـ غرر الحكم 1 : 250/18.
7 ـ غرر الحكم 1 : 264/25.
8 ـ غرر الحكم 1 : 264/26.


(364)
    [ 421/46 ] « آفة المجد عوائق القضاء » (1).
    [ 422/47 ] « إذا ضلّت المقادير بطلت التدابير » (2).
    [ 423/48 ] « إذا كان القدر لا يُردّ فالاحتراس باطل » (3).
    [ 424/49 ] « الرضا بالقضاء يستدلّ على اليقين » (4).
    [ 425/50 ] « تحرز رضا الله برضاك بقدره » (5).
    [ 426/51 ] « تذلّ الاُمور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير » (6).
    [ 427/52 ] « جعل الله لكلّ شيء قدراً ولكلّ قدر أجلاً » (7).
    [ 428/53 ] « حدّ العقل النظر في العواقب والرضا بما يجري بـه القضـاء » (8).
1 ـ غرر الحكم 1 : 272/11.
2 ـ غرر الحكم 1 : 278/64 ، وفيه : حلّت. بدل : ضلّت.
3 ـ غرر الحكم 1 : 280/97.
4 ـ غرر الحكم 1 : 295/106 ، وفيه : حسن اليقين. بدل : اليقين.
5 ـ غرر الحكم 1 : 312/42. وفيه : تحرّ. بدل : تحرز.
6 ـ غرر الحكم 1 : 313/55.
7 ـ غرر الحكم 1 : 334/62.
8 ـ غرر الحكم 1 : 344/35.


(365)
أحاديث
الإرادة وأنّها من صفات الأفعال
    [ 429/1 ] وبالإسناد المتقدّم ذكره عن الصدوق محمّد بن علي بن بابويه ( رحمه الله ) قال : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان (1) ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قلت له : لم يزل الله مريداً ؟ فقال : « إنّ المريد لا يكون إلاّ لمراد معه ، بل لم يزل الله عالماً قادراً ثمّ أراد » (2).
    [ 430/2 ] وبالإسناد عن الصدوق ( رحمه الله ) قال : حدّثنا علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ( رحمه الله ) ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي ، عن الحسين بن الحسن ، عن بكر بن صالح ، عن علي بن أسباط ، عن الحسن بن الجهم ، عن بكير (3) بن أعين ، قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : عِلم الله
1 ـ في التوحيد : عن الحسين بن أبان ، وما في المتن هو الصحيح.
وقد ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) قائلاً : أدركه ولم نعلم أنّه روى عنه. وعدّه أيضاً فيمن لم يرو عنهم ( عليهم السلام ) ، قائلاً : روى عن الحسين بن سعيد كتبه كلّها. رجال الطوسي : 430/8 و469/44.
2 ـ التوحيد : 146/15 ، وعنه في البحار 4 : 144/16.
3 ـ في نسختي « س وض » والمختصر المطبوع : بكر ، وما أثبتناه من المصدر.
وهو بكير بن أعين بن سنسن الشيباني الكوفي ، روى عن أبي جعفر وأبي عبدالله ( عليهما السلام ) ، عدّه البرقي والشيخ من أصحاب الإمام الباقر والصادق ( عليهما السلام ). مات ( رحمه الله ) في حياة أبي عبدالله ( عليه السلام ).
انظر رجال البرقي : 14 و16 ، رجال الطوسي : 109/17 و157/43.


(366)
ومشيئته هما مختلفان أم متّفقان ؟ قال : « العلم ليس هو المشيئة ، ألا ترى أنّك تقول سأفعل كذا إن شاء الله ، ولا تقول سأفعل كذا إن علم الله ، فقولك إن شاء الله دليل على أنّه لم يشأ ، وإذا شاء كان الذي شاء كما شاء ، وعلم الله سابق للمشيئة » (1).
    [ 431/3 ] وبالإسناد المتقدّم عن الصدوق ( رحمه الله ) ، قال : حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس ( رضي الله عنه ) ، عن أبيه ، عن محمّد بن عبدالجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، قال : قلت لأبي الحسن ( عليه السلام ) : أخبرني عن الإرادة من الله تعالى ومن الخلق ؟ قال : فقال : « الإرادة من المخلوق الضمير ، وما يبدو له بعد ذلك من الفعل. وأمّا من الله عزّ وجلّ فإرادته إحداثه لا غير ذلك ، لأنّه لا يروّي (2) ولا يهمّ ولا يتفكّر ، وهذه الصفات منفيّة عنه تعالى ، وهي من صفات الخلق.
    فإرادة الله هي الفعل لا غير ذلك ، يقول له : كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ، ولا همّة ولا تفكّر ولا كيف لذلك ، كما أنّه بلا كيف » (3).
    [ 432/4 ] وبالإسناد المتقدّم عن الصدوق محمّد بن علي ( رحمه الله ) ، عن أبيه ، قال : حدّثني سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ،
1 ـ التوحيد : 146/16 ، وعنه في البحار 4 : 144/15.
2 ـ روّيت في الأمر : إذا نظرت فيه وفكّرت. الصحاح 6 : 2364 ـ روى.
3 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) 1 : 119/11 ، التوحيد : 147/17 ، وعنهما في البحار 4 : 137/4.


(367)
عن ابن اُذينة ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : « المشيئة محدَثة » (1).
    [ 433/5 ] وبالإسناد عن الصدوق محمّد بن علي ( رحمه الله ) ، عن أبيه ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : « خلق الله المشيئة بنفسها ، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة » (2).
    [ 434/6 ] وبالإسناد عن الصدوق محمّد بن علي ، عن علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدّثنا الحسين بن الحسن بن بردة (3) ، قال : حدّثني العبّاس بن عمرو الفقمي (4) ، عن أبي القاسم إبراهيم بن محمّد العلوي ، عن فتح بن يزيد الجرجاني قال : لقيته ( عليه السلام ) (5) على الطريق ـ عند منصرفي من مكّة إلى خراسان ـ وهو سائر إلى العراق ، فسمعته يقول : « من اتّقى الله يُتّقى ، ومن أطاع الله يُطاع ».
    فتلطّفت (6) في الوصول إليه ، فوصلت وسلّمت ، فردّ علي السلام ، ثمّ قال : « يا فتح من أرضى الخالق لم يبال بسخط المخلوق ، ومن أسخط الخالق فقَمِنٌ (7) أن يسلّط
1 ـ التوحيد : 147/18 ، وعنه في البحار 4 : 144/14.
2 ـ التوحيد : 147/19 ، وعنه في البحار 4 : 145/20.
3 ـ في نسخة « س » : الحسين بن الحسن بن برد.
4 ـ في نسختي « س وض » : العبّاس بن عمر الثقفي ، وفي المصدر : الفقيمي. بدل الفقمي.
5 ـ يعني الإمام علي بن موسى الرضا عليه أفضل الصلاة والسلام.
6 ـ اللطف : بالضم التوفيق. القاموس المحيط 3 : 195 ـ لطف.
7 ـ في نسخة « س » : فقمين ، وكلاهما في معنىً واحد.
وهو : حريّ أو جدير أو خليق. لسان العرب 3 : 347 ـ قمن.


(368)
عليه سخط المخلوق ، وأنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه ».
    فسأله عن مسائل في التوحيد فأجابه ( عليه السلام ) فكان فيما سأله ( عليه السلام ) أن قال : وغير الخالق الجليل خالق ؟
    قال : « إنّ الله تبارك وتعالى يقول ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) (1) فقد أخبر أنّ في عباده خالقين ، منهم : عيسى بن مريم ( عليهما السلام ) خلق من الطين كهيئة الطير باذن الله فنفخ فيه فصار طائراً بإذن الله ، والسامري خلق لهم عجلاً جسداً له خوار ».
    قلت : إنّ عيسى ( عليه السلام ) خلق من الطين طيراً دليلاً على نبوّته ، والسامري خلق عجلاً جسداً لنقض نبوّة موسى ( عليه السلام ) ، وشاء الله أن يكون ذلك كذلك ؟ إنّ هذا لهو العجب !
    فقال : « ويحك يا فتح ، إنّ لله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم ، وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ، ويأمر وهو لا يشاء. أو ما رأيت أنّه نهى آدم ( عليه السلام ) وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة وهو شاء ذلك ، ولو لم يشأ لم يأكلا ، ولو أكلا لغلبت مشيئتهما مشيئة الله.
    وأمر إبراهيم ( عليه السلام ) بذبح ابنه ( عليه السلام ) ، وشاء أن لا يذبحه ، ولو لم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشيئة إبراهيم ( عليه السلام ) مشيئة الله عزّ وجلّ » (2).
    [ 435/7 ] وبالإسناد عن الصدوق محمّد بن علي بن بابويه ( رحمه الله ) ، قال : حدّثنا علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ، عن محمّد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمّد ،
1 ـ المؤمنون 23 : 14.
2 ـ التوحيد : 60/18 ، وعنه في البحار 4 : 290/21.


(369)
عن معلّى بن محمّد ، قال : سئل العالم ( عليه السلام ) كيف علم الله ؟ قال : « عَلِمَ وشاء ، وأراد وقدّر ، وقضى وأبدا ، فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدّر ، وقدّر ما أراد ، فبعلمه كانت المشيئة ، وبمشيئته كانت الإرادة ، وبإرادته كان التقدير ، وبتقديره كان القضاء ، وبقضائه كان الإمضاء.
    فالعلم متقدّم على المشيئة ، والمشيئة ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء ، فلله تبارك تعالى البداء فيما عَلِم متى شاء ، وفيما أراد لتقدير الأشياء ، فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء ، فالعلم بالمعلوم قبل كونه ، والمشيئة في المنشأ قبل عينه ، والإرادة في المراد قبل قيامه ، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عياناً وقياماً ، والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المعقولات (1) ، وذوات الأجسام المدركات بالحواسّ من ذي لون وريح ، ووزن وكيل ، ومادبّ ودرج ، من إنس وجنّ ، وطير وسباع ، وغير ذلك ممّا يدرك بالحواسّ.
    فلله تبارك وتعالى فيه البداء ممّا لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء ، والله يفعل ما يشاء ، وبالعلم عَلِمَ الأشياء قبل كونها ، وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها ، وبالإرادة ميّز أنفسها في ألوانها وصفاتها وحدودها ، وبالتقدير قدّر أقواتها ، وعرف أولها وآخرها ، وبالقضاء أبان (2) للناس أماكنها ودلّهم عليها ، وبالإمضاء شرح عِلَلها وأبان أمرها ، وذلك تقدير العزيز العليم » (3).
1 ـ في المصدر : المفعولات.
2 ـ في نسخة « س » أنار.
3 ـ التوحيد : 334/9 ، وأورده الكليني في الكافي 1 : 148/16.


(370)
    [ 436/8 ] وبالإسناد عن الصدوق محمّد بن علي ( رحمه الله ) قال : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : « المشيئة والإرادة من صفات الأفعال ، فمن زعم أنّ الله عزّ وجلّ لم يزل مريداً وشائياً فليس بموحّد » (1).
    [ 437/9 ] وبالإسناد المتقدّم عن الصدوق محمّد بن علي بن بابويه ( رحمه الله ) ، قال : حدّثنا أبو محمّد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه ، قال : أخبرنا أبو محمّد الحسن بن محمّد بن علي بن صدقة القمّي ، قال : حدّثنا أبو عمرو محمّد بن عمر بن عبدالعزيز الأنصاري الكجي ، قال : حدّثني من سمع الحسن بن محمّد النوفلي يقول : اجتمع سليمان المروزي ـ متكلّم خراسان ـ بمولانا أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) عند المأمون ، فقال سليمان : يا سيدي أسألك ؟ قال الرضا ( عليه السلام ) : « سل عمّا بدالك » قال : ما تقول فيمن جعل الإرادة إسماً وصفة ، مثل حيّ وسميع وبصير وقدير ؟
    قال الرضا ( عليه السلام ) : « إنّما قلتم حدثت الأشياء واختلفت لأنّه شاء وأراد ، ولم تقولوا حدثت واختلفت لأنّه سميع بصير ، فهذا دليل على أنّها ليست مثل سميع ولا بصير ولا قدير ».
    قال سليمان : فإنّه لم يزل مريداً ، قال ( عليه السلام ) : « يا سليمان فإرادته غيره ؟ » قال : نعم ، قال ( عليه السلام ) : « فقد أثبتّ معه شيئاً غيره لم يزل » قال : سليمان : ما أثبتّ ، قال الرضا ( عليه السلام ) : « أهي محدثة ؟ » قال سليمان : لا ، ما هي محدثة ، فصاح به المأمون فقال : يا سليمان مثله يعايا أو يكابر عليك بالإنصاف ، أما ترى من حولك من أهل النظر ، ثمّ
1 ـ التوحيد : 337/5 ، وعنه في البحار 4 : 145/18 و57 : 37/12.

(371)
قال : كلّمه يا أبا الحسن فإنّه متكلّم خراسان.
    فأعاد ( عليه السلام ) عليه المسألة فقال : « هي محدثة يا سليمان ؟ فإنّ الشيء إذا لم يكن أزليّاً كان محدثاً ، وإذا لم يكن محدثاً كان أزلياً » قال سليمان : إنّ إرادته منه كما أنّ سمعه منه وبصره منه وعلمه منه ، قال الرضا ( عليه السلام ) : « فإرادته نفسه ؟ » قال : لا ، قال ( عليه السلام ) : « فليس المريد مثل السميع والبصير » قال سليمان : إنّما أراد نفسه كما أسمع نفسه وأبصر نفسه ( وعلم نفسه ) (1) ، فقال الرضا ( عليه السلام ) : « ما معنى إرادة نفسه ، أراد أن يكون شيئاً ، أو أراد أن يكون حيّاً ، أو سميعاً أو بصيراً أو قديراً ؟ » قال سليمان : نعم ، قال الرضا ( عليه السلام ) : « أفبإرادته كان ذلك ؟ » قال سليمان : لا ، قال الرضا ( عليه السلام ) : « فليس لقولك أراد أن يكون حيّاً سميعاً بصيراً معنىً إذا لم يكن ذلك بإرادته » قال سليمان : بلى ، قد كان ذلك بإرادته ، فضحك المأمون ومن حوله ، وضحك الرضا ( عليه السلام ) ثمّ قال لهم : « ارفقوا بمتكلّم خراسان ، يا سليمان فقد حال عندكم عن حاله وتغيّر عنها ، وهذا ممّا لا يوصف الله عزّ وجلّ به » فانقطع.
    ثمّ قال الرضا ( عليه السلام ) : « يا سليمان أسألك عن مسألة » قال : سل جعلت فداك ، قال : « أخبرني عنك وعن أصحابك ، تكلّمون الناس ( بما تفقهون وتعرفون أو بما لا تفقهون ولا تعرفون ؟ » قال : بل بما نفقه وبما نعلم ) (2) ، قال الرضا ( عليه السلام ) : « فالذي يعلم الناس أنّ المريد غير الإرادة ، وأنّ المريد قبل الإرادة ، وأنّ الفاعل قبل المفعول ، وهذا يبطل قولكم : إنّ الإرادة والمريد شيء واحد » قال : جعلت فداك : ليس ذاك
1 ـ لم يرد في نسخة « س ».
2 ـ في التوحيد : بما يفقهون ويعرفون أو بما لا يفقهون ولا يعرفون ؟ قال : بل بما يفقهون ويعرفون. وما في العيون والبحار عنه مطابق لما في المتن.


(372)
منه على ما يعرف الناس ، ولا على ما يفقهون ، قال ( عليه السلام ) : « فأراكم ادّعيتم علم ذلك بلا معرفة ، وقلتم : إنّ الإرادة كالسميع والبصير ، إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا يعقل » فلم يحر جواباً.
    ثمّ قال الرضا ( عليه السلام ) : « يا سليمان هل يعلم الله عزّ وجلّ جميع ما في الجنّة والنار ؟ » قال سليمان : نعم ، قال ( عليه السلام ) : « أفيكون ما علم الله عزّ وجلّ أنّه يكون من ذلك ؟ » قال : نعم ، قال ( عليه السلام ) : « فإذا كان حتى لا يبقى منه شيء إلاّ كان أيزيدهم أو يطويه عنهم ؟ » قال سليمان : بل يزيدهم ، قال ( عليه السلام ) : « فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنّه يكون » قال : جعلت فداك فالمزيد لا غاية له.
    قال ( عليه السلام ) : « فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك ، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما ، لم يعلم بما يكون فيهما قبل أن يكون ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً » قال سليمان : إنّما قلت : لا يعلمه لأنّه لا غاية لهذا ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ وصفهما بالخلود ، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعاً.
    قال الرضا ( عليه السلام ) « ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم ؛ لأنّه قد يعلم ذلك ثمّ يزيدهم ثمّ لا يقطعه عنهم ، ولذلك قال الله عزّ وجلّ في كتابه ( كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ) (1) وقال عزّ وجلّ لأهل الجنّة ( عطاءً غير مجذوذ ) (2) وقال عزّ وجلّ ( وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة ) (3) فهو جلّ وعزّ يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة.
1 ـ النساء 4 : 56.
2 ـ هود 11 : 108.
3 ـ الواقعة 56 : 32 ـ 33.


(373)
    أرأيت ما أكل أهل الجنّة وما شربوا أليس الله يخلف مكانه ؟ » قال : بلى ، قال ( عليه السلام ) : « أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه » قال سليمان : لا ، قال ( عليه السلام ) : « فكذلك كلّ ما يكون فيهما إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم » ، قال سليمان : بل يقطعه عنهم ولا يزيدهم ، قال الرضا ( عليه السلام ) : « إذاً يبيد ما فيها ، وهذا يا سليمان إبطال الخلود ، وخلاف ما في الكتاب ، لأنّ الله عزّ وجلّ يقول ( لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد ) (1) ويقول عزّ وجلّ ( عطاءً غير مجذوذ ) (2) ويقول عزّ وجلّ ( ما هم منها بمخرجين ) (3) ويقول عزّ وجلّ ( خالدين فيها أبداً ) (4) ويقول عزّ وجلّ ( وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة ) (5) » فلم يحر جواباً.
    ثمّ قال الرضا ( عليه السلام ) : « يا سليمان ألا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعل ؟ » قال : بل هي فعل ، قال ( عليه السلام ) : « فهي محدثة ، لأنّ الفعل كلّه محدَث ؟ » قال : ليست بفعل ، قال ( عليه السلام ) : « فمعه غيره لم يزل ؟ » قال سليمان : الإرادة هي الإنشاء ، قال ( عليه السلام ) : « يا سليمان هذا الذي ادّعيتموه (6) على ضرار (7) وأصحابه من قولهم : إنّ كلّ ما خلق الله
1 ـ ق 50 : 35.
2 ـ هود 11 : 108.
3 ـ الحجر 15 : 48.
4 ـ وردت في موارد كثيرة كسورة النساء آية 57 و169 وغيرها.
5 ـ الواقعة 56 : 32 ـ 33.
6 ـ في نسختي « س وض » : عبتموه.
7 ـ ضرار : هو ابن عمرو القاضي ، إليه تنسب الفرقة الضرارية ، وهي تعدّ من فرق الجبرية ، وقد ظهر في أيام واصل بن عطاء.
وقال الذهبي : جَلِدٌ ، له مقالات خبيثة ، وقال المروزي : قال أحمد بن حنبل : شهدت على ضرار بالزندقة عند سعيد بن عبدالرحمن القاضي فأمر بضرب عنقه.
وقال صاحب الملل والنحل : والمعتزلة وإن جوّزوا الامامة في غير القرشي ، إلاّ أنّهم لايجوّزون تقديم النبطي على القرشي كما قاله ضرار.
وقال الذهبي أيضاً : فمن نحلته قال : يمكن أن يكون جميع الاُمة في الباطن كفّاراً ، لجواز ذلك على كلّ فرد منهم.
وقال ابن حزم : كان ضرار ينكر عذاب القبر.
انظر الضعفاء الكبير للعقيلي 2 : 222/765 ، سير أعلام النبلاء 10 : 544/175 ، ميزان الاعتدال 2 : 328/3953 ، الملل والنحل 1 : 90 ، الفرق بين الفرق : 213/118 ، وانظر معتقداته في التبصير في الدين : 105 ، وشرح الاصول الخمسة : 363 ، والانتصار : 29 و133 ـ 134 و136.


(374)
عزّ وجلّ في سماء أو أرض ، أو بحر أو برّ ، من كلب أو خنزير ، أو قرد أو انسان أو دابّة ، إرادة الله تعالى ، وأنّ إرادة الله تعالى تحيى وتموت ، وتذهب وتأكل وتشرب ، وتنكح وتلد ، وتظلم وتفعل الفواحش ، وتكفر وتشرك ، فيبرأ منها ويعاديها وهذا حدّها » قال سليمان : إنّها كالسمع والبصر والعلم.
    قال الرضا ( عليه السلام ) : « قد رجعت إلى هذا ثانية ، فأخبرني عن السمع والبصر والعلم أمصنوع ؟ » قال سليمان : لا ، قال الرضا ( عليه السلام ) : « فكيف نفيتموه ، فمرّة قلتم : لم يرد ومرّة قلتم : أراد وليست بمفعول له » قال سليمان : إنّما ذلك كقولنا : مرّة علم ، ومرّة لم يعلم.
    قال الرضا ( عليه السلام ) : « ليس ذلك سواء ، لأنّ نفي المعلوم ليس بنفي العلم ، ونفي المراد نفي الإرادة أن تكون ؛ لأنّ الشيء إذا لم يرد لم تكن إرادة ، وقد يكون العلم


(375)
ثابتاً ، وإن لم يكن المعلوم بمنزلة البصر ، فقد يكون الإنسان بصيراً ، وإن لم يكن المبصر ، ويكون العلم ثابتاً وإن لم يكن المعلوم ».
    قال سليمان : إنّما هي مصنوعة ، قال ( عليه السلام ) : « فهي محدثة ليست كالسمع والبصر ؛ لأنّ السمع والبصر ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعة » قال سليمان : إنّها صفة من صفاته لم تزل ، قال ( عليه السلام ) : « فينبغي أن يكون الانسان لم يزل ؛ لأنّ صفته لم تزل » قال سليمان : لا ، لأنّه لم يفعلها.
    قال الرضا ( عليه السلام ) : « يا خراساني ما أكثر غلطك ، أفليس بإرادته وقوله تكون الأشياء ؟ » قال سليمان : لا ، قال ( عليه السلام ) : « فاذا لم تكن بارادته ولا مشيئته ولا أمره ولا بالمباشرة فكيف يكون ذلك ؟! تعالى الله عن ذلك » فلم يحر جواباً.
    ثمّ قال الرضا ( عليه السلام ) : « ألا تخبرني عن قول الله عزّ وجلّ ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مُترَفيها ففسقوا فيها ) (1) يعني بذلك أنّه يحدث إرادة ؟ » قال له : نعم ، قال ( عليه السلام ) : « فإذا أحدث إرادة كان قولك إنّ الإرادة هي هو أو شيء منه باطلاً ؛ لأنّه لا يكون أن يحدِث نفسه ، ولا يتغيّر عن حاله تعالى الله عن ذلك » قال سليمان : إنّه إذا لم يكن عنى بذلك أنّه يحدث إرادة ، قال ( عليه السلام ) : « فما عنى به ؟ » قال : عنى به فعل الشيء.
    قال الرضا ( عليه السلام ) : « ويلك كم تردّد هذه المسألة ، وقد أخبرتك أنّ الإرادة محدثة ؛ لأنّ فعل الشيء محدث » قال : فليس لها معنى ، قال الرضا ( عليه السلام ) : « قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالإرادة بما لا معنى له ، وإذا لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم : إنّ الله لم يزل مريداً » قال سليمان : إنّما عنيت أنّها فعل من الله لم يزل ، قال ( عليه السلام ) : « ألا تعلم أنّ ما لم يزل لا يكون مفعولاً وحديثاً وقديماً في حالة
1 ـ الإسراء 17 : 16.
مختصر البصائر ::: فهرس